المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عندما عرّف بوش خطة فك الارتباط بمصطلحات حدث تاريخي فإنه لم يبالغ، رغم أنه من غير الواضح إذا ما فهم انعكاسات كلامه على تاريخ الدولة اليهودية. الفلسطينيون لم يخطئوا عندما ساووا تصريحه بوعد بلفور، رغم أنهم لم يقدروا أنه قد يكون للتصريح تأثير أخطر مما للوعد القديم، وهو يتطلب تغييراً جوهرياً في استراتيجية نضالهم. وأريئيل شارون ـ المكلل بالنصر والمقتنع بأنه اكتشف مبادرة مبتكرة وجريئة ستحبط كل مؤامرة ـ سيفاجأ عندما يكتشف أنه في واشنطن انجر وراء مسار حثيث لتأسيس دولة اسرائيل كدولة ثنائية القومية مبنية على الأبرتهايد.


ما هي العلاقة بين إنهاء الاحتلال في غزة وتفكيك المستوطنات وبين دولة ثنائية القومية؟ ان هدف الانفصال هو تحسين الميزان الديموغرافي بإخراج ثلاثة ملايين فلسطيني من سيطرة اسرائيل وبذلك يتقلص الخطر بأن تكف اسرائيل عن أن تكون دولة يهودية. الحقيقة المفاجئة هي أن هذا "الترانسفير المفاهيمي" مقبول من اليسار الاسرائيلي أيضاً، الذي لا يزال يؤمن بالشعارات غير المتوافقة من الناحية التاريخية مع "إنهاء الاحتلال" و"تفكيك المستوطنات".

المفارقة التي حققت اتفاقاً صامتاً بين "سلام الآن" ومستشاري شارون، لتجميد الحملة "إخلاء مستوطنات ـ اختيار للحياة"، كي لا تفسد تسويق خطة الانفصال، تظهر مدى بلبلة التفكير الشعبي في نظر اليسار، فإن حبس مليون ونصف مليون انسان في معسكر اعتقال ضخم هو الاستفتاء الثاني لنهاية الاحتلال ووظيفة الاحساس المخزي: "نحن لسنا مسؤولين".


حتى في جنوب افريقيا، التي أجروا فيها تجربة فاشلة لحل مشكلة ديموغرافية بواسطة خلق "أوطان" للسود، أيد الليبراليون الفكرة في البداية، ورأى فيها جزء من الرأي العام الدولي خطوة لـ"الاستيطان" اتضح بعد وقت غير طويل، ان المناورة استهدفت إضفاء شرعية على "ديموقراطية شعب الأسياد"، وطرد السود ونهب أراضيهم. انهارت البنتوستانات، ارتفعت المطالبة بالمساواة المواطنية، وتجند العالم لتدمير الأبرتهايد.


إن نموذج البنتوستان في غزة، كما جرى تفصيله في خطة الانفصال، هو طراز يخطط شارون لنقله إلى الضفة. ان إعلانه بأنه لن يبدأ بالانفصال قبل إنهاء بناء الجدار بخطوط تشمل كل كتل الاستيطان، طبقاً لطلب بنيامين نتنياهو، يجسد الاستمرارية التي يحددها الجدار أيضاً للبنتوستان في الضفة: جنين ـ نابلس أولاً، بيت لحم ـ الخليل ثانياً، ورام الله أخيراً. هذه هي الاستمرارية الحقيقية، وليس ما فهم "كسابقة تفكيك المستوطنات"، التي يختبئ وراءها مفسرو "شبكة الأمان" لشارون.


وهكذا، بجرأة سياسية مثيرة جداً، يقدم شارون خطة، تضمن في الظاهر قيام دولة "يهودية وديموقراطية" بواسطة الـ"فصل" وإنهاء الاحتلال" و"تفكيك مستوطنات" وسجن ثلاثة ملايين فلسطيني في بنتوستانات؛ وهذا "حل مرحلي" سيستمر إلى الأبد، ستصمد الخطة ما صمد الوهم، بأن "الفصل" هو وسيلة لحل النزاع.


لكن سيأتي يوم يفهم فيه المنساقون وراء الوهم، أن "الفصل" هو أداة قمع وسيطرة ـ وعندها سيتجندون لتفكيك أجهزة الأبرتهايد. آخر من سيوافقون على التنازل عن نموذج "الفصل" والمطالبة بحقوق مدنية سيكون الفلسطينيون، لكن خطة شارون للانفصال وتصريح بوش سيحضونهم. وهكذا، يكمن في انتصار شارون التاريخي بذرة خرابه: خطة البنتوستانات تخرج إلى الطريق، ومعها يتجسد بالضبط التكهن الذي سعى جاهداً لمنعه.

("هآرتس"- 22/4/2004)

المصطلحات المستخدمة:

دولة اسرائيل, بنيامين نتنياهو, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات