المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يخيل انه لم تكن هناك في اي وقت خطة سلام تحظى بالكثير من "الطنطنة" والعناوين وبالقليل من التوقعات والآمال كخطة "خارطة الطريق". وزير الخارجية الاميركي كولن باول، الذي كان واحدا من العرابين الرئيسيين للخطة، "اغفل" التذكير اثناء زيارته للقدس (الغربية) بان الرئيس جورج بوش ينتظر قرارا رسميا من حكومة اسرائيل بشأن خريطته.وفيما لو اجري استطلاع سري بين اعضاء اللجنة الرباعية الدولية الذين ساهموا في صياغة الخطة لكان قد كشف عن علامات تشكك حتى لدى اشد المتفائلين بينهم. هناك شك كبير اذا ما كان ثمة بين الذين صاغوا اصطلاح "دولة فلسطينية مستقلة في حدود مؤقتة" من اعتقد ولو للحظة واحدة بانه سيتلقى خلال هذا العام دعوة لحضور الاحتفال بتدشين هذه الدولة. ومن البديهي ان التوقع بتوصل الاطراف في العام 2005 الى اتفاق دائم "يضع حدا للنزاع"، يبدو اقرب الى اضغاث الاحلام من ان يكون بندا في خطة سياسية جادة.

لنفترض ان الدولة الفلسطينية المؤقتة، وعلى الرغم من كل المصاعب، سوف تقوم خلال العام الحالي او حتى – اذا اخذنا بنظر الاعتبار ما يدعى بـ "زمن الجروح" - في بحر العام المقبل، فما هو المقابل الذي ستحصل عليه اسرائيل لقاء اعترافها بالدولة الجديدة، عدا وقف العنف لمدة سنة او سنتين، وهذا في احسن الاحوال؟

سوف يتضح بعد ايام قلائل من بدء المفاوضات حول التسوية الدائمة، ان الخريطة لا تستطيع احتواء الهوة السحقية التي تفصل بين الطرفين في كل واحدة من القضايا الخلافية. والمنطق السديد يقول بان الدولة (الفلسطينية) الوليدة لن تسلم بمحاولة اسرائيلية لتحويل الحدود المؤقتة الى حدود دائمة، كما انها (اي الدولة الفلسطينية) لن تتنازل عن القدس الشرقية وعن السيادة في الحرم القدسي الشريف، ولن تتخلى ايضا عن اللاجئين الفلسطينيين.

عندئذ سيكون تجدد اعمال العنف مسألة وقت، بيد ان اسرائيل ستصبح اذ ذاك امام دولة عربية مستقلة. ولعل الحالة العراقية تدلل على ان غزو اراضي دولة عضو في الامم المتحدة ليست بالمسألة الهينة او العابرة.

فمصر والاردن ستواجهان صعوبة في ضبط لنفس والسكوت ازاء احتلال مدن دولة تتمتع بمكانة عضو كامل في جامعة الدول العربية، في الوقت الذي تكافح فيه هذه الدولة من اجل تحرير المقدسات الاسلامية من قبضة الاحتلال اليهودي. هذا فضلا عن ان مصداقية الولايات المتحدة، التي وضعت توقيعها على خارطة الطريق، ستصبح عندئذ على المحك.

ان مطالبة ارئيل شارون بان يتنازل الفلسطينيون اولا عن حق العودة، توحي بان رئيس الوزراء الاسرائيلي يقر بالخطر المترتب على ولوج النفق، وهو يعلم علم اليقين ان هذا النفق يقود نحو الهاوية. واذا كان من المتوقع ان يتم التفاوض مستقبلا حول الحل الدائم، فلا شك ان الفلسطينيين سيصرون على حق العودة، ما يعني ان صيحات المعركة المقبلة تلوح في الافق بوضوح. ومن هنا السؤال: ما هي مصلحة اسرائيل في تحسين مواقع العدو توطئة لمجابهة متوقعة سلفا؟! واذا كان الفلسطينيون قد عقدوا العزم على المطالبة بعودة لاجئي العام 1948 الى ديارهم، فمن الافضل لنا ان نعرف ذلك قبل ان تتحول السلطة الى دولة.

لا حاجة لأن يكون المرء رئيس حكومة ماكرا كشارون كي يدرك بانه ما من زعيم فلسطيني يقبل بمقايضة حلم العودة بامكانية او فرصة بائسة للحصول على دولة فوق 40 بالمئة من مساحة الاراضي الفلسطينية (المحتلة في العام 1967).

من الممكن التسلي فقط بتصور ما الذي سيفعله شارون اذا ما اعلن محمود عباس (ابو مازن) بانه يوافق على التباحث فورا حول التخلي عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى يافا بشرط ان توافق اسرائيل على التباحث الآن حول تخليها عن "حق عودة اليهود الى الخليل". وما الذي سيحدث اذا ما اعلن مجلس الوزراء الفلسطيني بانه يكتفي بان تضع اسرائيل المستوطنات تحت تصرف اللاجئين الفلسطينيين؟! ان من المثير للفضول رؤية اذا ما كان شارون سيقوم عندئذ باخلاء موقع استيطاني مأهول واحد من اراضي فلسطينية في جبل الخليل، او التنازل عن "النمو الطبيعي" للمستوطنين والمستوطنات؟!

لقد احسن شارون صنعا عندما استبق الامور وقام باخراج او استبعاد مشكلة اللاجئين من جدول اعمال مرحلة المفاوضات حول التسوية الدائمة. فهو بذلك ازاح عن الطاولة تسوية مؤقتة اخرى لا لزوم لها بل وخطيرة.

ولكن خطط السلام ليست خططا مفصلة حسب طلب طرف واحد من اطراف النزاع، حتى اذا كان مؤقتا، هو الطرف القوي.

(هآرتس 12 ايار)

المصطلحات المستخدمة:

حق العودة, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات