المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ان قبول خريطة الطرق التي اقترحتها اللجنة الرباعية من شأنه ان يحقق لـ (الرئيس الفلسطيني) ياسر عرفات اهم انتصار في حياته. وعلى الرغم من انه (اي عرفات) أخل بشكل سافر بكل التزاماته المنصوص عليها في اتفاقيات اوسلو، ورغم انه يتحمل المسؤولية عن قتل اكثر من 1000 اسرائيلي - من بينهم قرابه 800 قتيل صرعوا خلال احداث العامين الاخيرين - الا انه لا زال يفلت من العقاب. وعلى العكس، فانه يحتفظ بالتنازلات المفرطة التي قدمت له في اوسلو، ويحصل فوقها على مكاسب جديدة رفض حتى يوسي بيلين وشمعون بيرس منحها له: اقامة دولة مستقلة، "دولة تتمتع باستقلالية، قابلة للحياة، وذات سيادة ووحدة جعرافية قصوى"، باعتبار ذلك مبدأ غير قابل للتفاوض.هذه الدولة هي الهدف المركزي في خريطة الطريق، وهو ينبع من قناعة طائشة لدى "اللجنة الرباعية" مؤداها ان قيام مثل هذه الدولة سيؤدي في حد ذاته الى احلال السلام.

في المقابل فان الخريطة لا تتطرق مطلقا لمجمل الاشتراطات والضوابط التي اعتبرتها الحكومة (الاسرائيلية) ضرورية لأمننا ووجودنا، ومنها على سبيل المثال ان تكون (مناطق الدولة الفلسطينية المقترحة) منزوعة الجيش والسلاح، وسيطرة اسرائيل الكاملة على المجال الجوي لهذه الدولة، وتجريدها من صلاحية ابرام اتفاقيات ومعاهدات دولية.

هناك، من وجهة النظر الاسرائيلية، شرطان هما بمثابة خط احمر: الاول، الاعتراف العلني بحق اسرائيل في الوجود وهذا يشمل وقف التحريض والتثقيف المناوئ لها في جهاز التعليم الفلسطيني واستبدال ذلك ببث وترسيخ مبدأ السلام منذ سن مبكرة، والثاني: تخلي الفلسطينيين عن مطالبتهم بعودة اللاجئين الى اسرائيل.

هذان المطلبان – الشرطان اللذان لا توجد بدونهما اي فرصة لنجاح عملية السلام، لا يظهران بصيغة شرط في خريطة الطريق.

اضافة الى ذلك، فان المبادرة السعودية التي تنوّه الخطة بـ "اهميتها المستمرة"، تتحدث عن حل مشكلة اللاجئين استنادا لقرار الامم المتحدة رقم 194، الذي ينص في جوهره على "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين.

* الحدود: من اعتقد ان اسرائيل ستبقى محتفظة بالسيطرة على مناطق تتمتع باهمية استراتجية حاسمة للدفاع عن نفسها، سيكتشف ان الخريطة تتحدث عن "انهاء الاحتلال الذي بدأ منذ العام 1967"، بمعنى العودة لما وصفه ابا ايبان "حدود اوشفيتس".

* تدويل النزاع: خلال السنة الاولى من عهد حكومة الوحدة السابقة، تفادت اسرائيل اللجوء للوسائل اللازمة بغية الحاق الهزيمة بمنظمات الارهاب في "يهودا والسامرة وغزة "، ولم تقم بتقويض السلطة الفلسطينية وطرد رئيسها، ياسر عرفات. وكان ثمن ذلك: مئات القتلى والاف الجرحى، والانحدار السريع الى درك اقتصادي سحيق منقطع النظير، نحاول الان الخروج منه بمشقة بالغة.

لقد تصرفنا على هذا النحو حتى نتفادى خطر تدويل النزاع عبر ادخال مراقبين اجانب او عقد مؤتمرات دولية، بما يفضي الى تجريدنا عملياً من السيادة على ادارة النزاع، ويضعف من قدرتنا على الدفاع عن انفسنا بصورة ناجعة.

هذا بالضبط ما تصنعه لنا الان خريطة الطريق: تدويل بقيادة ورعاية اللجنة الرباعية. فهي تدعو الى عقد مؤتمرين دوليين غايتهما اقامة الدولة الفلسطينية والتوصل الى اتفاق دائم، كما ان اللجنة ستتولى متابعة العملية واقامة جهاز للاشراف على تنفيذ الاتفاق، والبت في الخلافات الناشئة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، وتحديد "جدول زمني واقعي" للتقدم، اضافة الى التدخل في المفاوضات "عند الضرورة".

* القدس: تعطي خريطة الطريق الفلسطينيين مكانة سياسية مساوية لمكانة اسرائيل، حيث تنص على ان القرار في المفاوضات حول مكانة المدينة المقدسة يجب ان يراعي "المصلحة السياسية والدينية لكلا الطرفين"، وهو ما يعني تقسيم القدس. ولإزالة الشك بشأن نية او قصد اللجنة الرباعية، تؤكد الخريطة على وجوب قيام حكومة اسرائيل بـ "اعادة فتح مؤسسات فلسطينية جرى اغلاقها في القدس الشرقية"، وبضمنها بطبيعة الحال "بيت الشرق" سيء الصيت..

* مكافأة للارهاب: دعيت اسرائيل، دون اي اشتراط بوقف الارهاب اولاً، الى تفكيك جميع المواقع الاستيطانية على الفور (المقصود نقاط الاستيطان التي اقيمت دون اذن الحكومة الاسرائيلية) وتجميد كافة الانشطة الاستيطانية، بما في ذلك التي يتطلبها النمو الطبيعي، وهو ما يشكل مكسباً آخر لم يستطع الفلسطينيون الحصول عليه حتى في اوسلو. ان خريطة الطريق تشكل مكافأة كبرى للارهاب، سيتوصل الفلسطينيون في اعقابها، الى استنتاج واضح مؤداه ان الارهاب وسيلة مجدية. فهم سيحصلون على جميع التنازلات التي سنضطر الى تقديمها، وسيعيدون تنظيم صفوفهم وطاقاتهم بمساعدة الاموال التي سيتلقونها من اسرائيل ودول العالم، ليعودوا الى الانقضاض علينا في اللخطة المناسبة. ان تجربتنا من خلال اتفاق اوسلو تدل على ان خريطة الطرق تنذر بالنسبة لنا بمستقبل سيشتد ويزداد فيه الارهاب اضعاف ماهو عليه حتى الان.

بالامكان فهم الدوافع التي جعلت الاصدقاء الاوروبيين في اللجنة الرباعية يقترحون خريطة الطريق. فهم الذين يهاجمون الرئيس جورج بوش ازاء حرب العالم الحر التي يقودها ضد (الرئيس العراقي) صدام حسين، وهم الذين يغضون الطرف منذ سنوات عديدة عن الارهاب الفلسطيني ويحملون اسرائيل المسؤولية عنه، ويساندون الفلسطينيين و (الرئيس ياسر) عرفات، المتحالف مع صدام حسين، ويطالبوننا، فوق كل ذلك، بتقديم تنازلات لانهاية لها. فهل سيقبل الاميركيون موقفهم؟ هل يمكن لهم - اي للاميركيين الذين يرون في الارهاب خطرًا داهمًا على الحضارة الغربية - ان يتبنوا خارطة حافلة بتنازلات مفرطة من شأنها فقط ان تشجع الارهاب؟!

ان خارطة الطريق هذه لا تعكس "رؤيا بوش" التي عبر عنها في شهر حزيران من العام الماضي.

هذه الخارطة لا تمثل معادلة او صيغة لاحلال السلام وانما هي صيغة لكارثة قومية تحدق باسرائيل.

واذا كانت اسرائيل تصبو للحياة فان عليها ان تؤكد في اقرب وقت بان هذه الخارطة ليست مقبولة على الاطلاق بدون الاشتراطات والضوابط الاساسية.

• كاتب المقال هو الوزير المكلف بشؤون اجهزة الاستخبارات السرية الاسرائيلية والعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية.

(هآرتس 8/4، ترجمة: "مـدار")

المصطلحات المستخدمة:

اوسلو, حق العودة, اوشفيتس, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات