المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عند تطرقهم إلى العمليات "الارهابية" في إسرائيل، يَدرج رؤساء الجهاز الأمني، على مختلف أذرعته، على التوضيح أن النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين وصل إلى "سنته الحاسمة". ولكن، تثبت العملية التفجيرية التي وقعت بعد ظهر أمس في باص "أيجد" للركاب، في حيفا، أنه يجب الامتناع عن إستخدام هذا المصطلح: على الرغم من الاحباطات الكثيرة التي نفذها الجهاز الأمني، بما في ذلك إحباط عمليات "إنتحارية" مخططة، إلا أن "الارهاب" الفلسطيني مستمر.

ويزيد الـ 15 قتيلا في عملية أمس عدد الاسرائيليين الذين قُتلوا في عمليات "إرهابية"، منذ بدء المواجهات في نهاية أيلول 2000، إلى 521؛ إضافةً إلى مقتل 226 من رجال قوات الأمن الاسرائيليين.عدد الاحباطات الكبير مهم، لكنه لا يعكس كل شيء. من ناحية إسرائيل، فهو يدلل على المستوى العالي عند المخابرات وقدرتها على التحقيق مع مشتبه بهم فلسطينيين؛ من ناحية "التنظيمات الارهابية" في المناطق، فإن الاحباطات الكثيرة تدلل ربما على مستوى ميداني منخفض لديها، إلا أن المبادرات لـ "الارهاب" –حتى عندما لا تتحقق- تثبت أن الرغبة الكمينة لتنفيذ عمليات في إسرائيل والانتقام من مواطنيها، لم تتبدد. ومرةً بعد أخرى، ينوجد شباب فلسطينيون مستعدون للتضحية بحيواتهم في العمليات، من أجل قتل إسرائيليين. وقد يصح القول إن سيل المتطوعين للانتحار قد خفّ قليلا، لكن من جهة أخرى، لا تنقص "المخربين" أحزمة متفجرة في المناطق.

وقد مرّ شهران منذ العملية "الانتحارية" السابقة في الخامس من كانون الثاني –قُتل فيها 23 شخصًا وأصيب أكثر من 100 في عملية مزدوجة، هي أيضًا داخل الخط الأخضر- في "نفيه شأنان" في تل أبيب. وحتى قبل ذلك، في الأشهر الأخيرة من سنة 2002، فشلت "التنظيمات الارهابية" في تنفيذ غالبية العمليات "الانتحارية" التي خططت لها: في تشرين الثاني نُفذت عملية واحدة (قُتل 11 شخصًا وأصيب 50 آخرون في إنفجار في باص "أيجد" رقم 20 في القدس الغربية)، وفي كانون الأول لم تقع أية عملية "إنتحارية إرهابية".

في تلك الشهور الثلاثة (من تشرين الثاني وحتى كانون الثاني) نجح الجهاز الأمني في إحباط 36 عملية "إنتحارية" مخططة، ومُنعت 123 عملية أخرى، في الشهرين الأولين من 2003. وتدلل هذه المعطيات على النشاط الواسع لـ "التنظيمات الارهابية" المستمر، على الرغم من الضربات القاسية التي تلقتها من جانب إسرائيل؛ وما زال هناك العشرات من الشباب الفلسطينيين مستعدين للخروج إلى العمليات "الانتحارية".

وحتى أمس، لم يصدر بيان أخذ مسؤولية على العملية في حيفا، من واحد من التنظيمات الفلسطينية في المناطق، ولكن من الممكن رؤية هذه العملية كرد من "حماس" و"الجهاد الاسلامي" على الهجوم الواسع الذي يشنه الجيش الاسرائيلي ضدهما في الآونة الأخيرة.

وقد ضُرب التنظيمان الاسلاميان في الضفة الغربية، وبقيت أذرعهما العسكرية متضعضعة ومبعثرة. في ضوء ذلك، يجتهد قادة "حماس" في قطاع غزة من أجل تفعيل الخلايا التي بقيت من داخل القطاع، لكن الخروج من القطاع إلى داخل إسرائيل صعب أكثر، بسبب الجدار الفاصل. لذلك، يحاولون أيضًا في التنظيم الاستعانة بالخلايا المبعثرة في الضفة من أجل المسّ بإسرائيل. والتقدير في الجيش الاسرائيلي أن نشطاء "حماس" في الضفة سيستصعبون التنصل من الضربات التي تلقاها تنظيمهم منذ دخول الجيش الاسرائيلي إلى المدن الفلسطينية، لكن عملية أمس تدلل ثانيةً على أنه لا مجال لتحقيق إغلاق محكم لإسرائيل، يكون بوسعه منع دخول "المخربين الانتحاريين" إليها.

وتدور العمليات الهجومية التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي، الآن، في قطاع غزة بالذات، حيث تتوغل قوات كبيرة من مرة إلى أخرى إلى داخله، من أجل المسّ بأهداف مختلفة لـ "حماس" و"الجهاد"، بما في ذلك المسّ بمخارط تستخدم على الأغلب لانتاج قذائف وقنابل. وقد أدى آخر هجومين شنهما الجيش الاسرائيلي في مناطق القطاع –الأول في خان يونس والثاني في مخيم البريج- إلى مقتل الكثيرين في الجانب الفلسطيني، بما في ذلك مواطنين، وألحقا أضرارًا فادحة.

ومن الممكن أن يكون تبرير آخر لتنفيذ عملية "إرهابية" كبيرة، وهو الحدث السياسي المتوقع في السلطة الفلسطينية: تعيين رئيس حكومة، لا يكون متعلقًا بالرئيس الفلسطيني، في كل خطواته وتصرفاته. ومن الممكن أن "المخربين" ومن بعث بهم هدفوا لجرّ إسرائيل إلى ردود عنيفة، وبالتالي منع الخطوات الاصلاحية المخطط لها، ومن بينها تعيين رئيس حكومة.

ويمارس الجيش الاسرائيلي الضغط من أجل زيادة الهجمات في قطاع غزة، لكن التوجيه السياسي يقرّ الامتناع عن توسيع هذه العمليات، زيادةً عن اللزوم؛ وذلك، من أجل عدم المضايقة على الاستعدادات الأمريكية للحرب الوشيكة في العراق، من الناحية السياسية. ولكن، من ناحية الفلسطينيين، وخاصةً من "حماس"، فإن هذه المسألة غير مطروحة أبدًا؛ وعدا عن ذلك- من الممكن أن إقتراب الحرب في العراق يشجعهم على القيام بعمليات أكثر. وسيُطالب متخذو القرارات في إسرائيل الآن بأن يقرروا كيف يردّون على عملية أمس الصعبة، من دون توسيع الهجومات في المناطق زيادةً عن اللزوم.

(هآرتس 6 آذار، ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات