المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قضية تيدي كاتس ـ الطالب الجامعي الذي أعدّ، في اطار دراسته الجامعية في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا، بحثاً تضمن الاشارة الى احتمال ان يكون قد جرى، خلال وبعيد احتلال قرية الطنطورة العربية في ايار 1948، قتل ما بين 80 و 230 انسانا من سكانها ـ ترفض ان تموت. قبل ما يزيد عن شهر، قرر اعضاء مجلس الدراسات المتقدمة في جامعة حيفا سحب اللقب الأكاديمي الثاني (إم. إيه) من كاتس، جراء "عيوب ونواقص بحثية جوهرية تتعلق بمنهجية البحث وبمستوى تحليل المعطيات التي تم تجميعها".

لكن هذا القرار، ايضاً، بقي موضوعًا خلافياً نظرًا لما يبدو انه سلسلة من العيوب والنواقص في السيرورة الأكاديمية، التي أوصلت الى رفض البحث وسحب اللقب. أهم هذه العيوب والنواقص: حقيقة ان هوية المحاضرين الخمسة، الذين فحصوا هذا البحث بصيغته النهائية، ظلت طي السرية والكتمان ليس عن كاتس نفسه فقط (هذا هو النظام الأكاديمي المتبع)، بل ايضا عن اعضاء المجلس الذين اتخذوا قرار رفض البحث وسحب اللقب ـ وهذا اجراء غير مقبول، البتة. مثل هذا كمثل اصدار حكم قضائي ضد متهم، استنادا الى رأي خبير، من غير ان تكون هويته ومؤهلاته معروفة لصاحب القرار.

ثمة زوايا وجوانب متعددة مختلفة لما بدأ كقضية المجزرة في الطنطورة وتحول الى قضية تيدي كاتس. بعض هذه الزوايا والجوانب هو أكاديمي خالص ـ الطريقة التي تعاملت بها الجامعة، بخاصة، والمؤسسة الأكاديمية بعامة، مع هذا الموضوع. وبعضها الآخر هو اجتماعي وثقافي، وبخاصة قدرة المجتمع الاسرائيلي اليوم على مواجهة فصول ـ تبدو قاسية ـ من تاريخه. انها مواضيع هامة، لكنها تبقى ـ بدرجة كبيرة ـ في ظل سؤال مركزي واحد: هل وقعت، حقا، مجزرة في القرية إبان احتلالها؟

أطروحة كاتس تقدم ثلاثة اجوبة محتملة عن هذا السؤال. وفق الرواية الموثقة لدى الجيش، قتل بضع عشرات من سكان القرية، خلال عملية احتلالها. هذه الرواية تدعمها، ايضا، شهادات لاحقة قدمها قادة عسكريون شاركوا في احتلال القرية واشاروا الى عدد من القتلى تراوح بين 20 و 30 قتيلا ـ جميعهم مقاتلون. الرواية الثانية، المستندة اساسا الى شهادة مركزية قدمها أحد المشاركين في احتلال القرية، تشير الى عدد من القتلى أكبر بكثير ـ أكثر من 200 ـ لكنها تدعي بأنهم لم يُقتلوا بصورة منظمة، بل نتيجة رد فعل تلقائي: جنود وحدة "الكسندروني" أطلقوا النيران وقتلوا الكثيرين من أهالي القرية بعد ان استسلموا، ردا على اصابة أحد رفاقهم بطلقة قناص. اما الرواية الثالثة، المستندة في معظمها على شهادات اهل الطنطورة، فتقول انه بعد الانتهاء من احتلال القرية تعرض العديدون من سكانها الى نيران قاتلة، بعضهم أطلقت النار على رأسه مباشرة ومن مسافة قصيرة. ونتيجة لذلك، قتل بين 80 الى 230 شخصا من السكان.

الحقيقة الثابتة هي ان هذه القضية لا تغيب عن جدول الأعمال المثقل في دولة اسرائيل. كل طرف يتحصن وراء مواقفه ويبدو انه سيكون من الصعب جدا البت ـ بأدوات البحث التاريخي ـ في جواب نهائي عن السؤال حول ما حدث، حقا وفعلا، خلال احتلال الطنطورة. لكن مثل هذا الجواب، وحتى لو كان جزئيا، هو أمر ممكن بالتأكيد. فوفقا لبعض الشهادات، سواء من الجانب العربي او من الجانب اليهودي، تم دفن قتلى الطنطورة في قبرين جماعيين في ما يعرف اليوم بأنه موقف السيارات على شاطئ دور ـ نحشوليم (في حيفا). بعض الشهود يدعون بأنهم يستطيعون الاشارة، بدقة، الى موقع القبرين. لعل المطلوب لوضع حد لهذا الجدل هو أمر بسيط: قرار من الجهات المسؤولة والمخولة في الدولة يقضي بالحفر في تلك المواقع التي يفترض ان يكون القبران فيها، للتأكد مما اذا كان فيهما ما يدل، حقا، على ارتكاب مجزرة هناك. الحسم في السؤال عما اذا كانت قد وقعت مجزرة ام لا، يمكن ان يستند الى عدد الهياكل العظمية التي قد يتم العثور عليها، من جهة، والى نوعية الاصابات التي سببت الوفيات، من جهة ثانية.

لقد اثبتث دولة اسرائيل، غير مرة، انها مستعدة لبذل جهود عظيمة من اجل إحضار جثامين شهدائها اليهود ودفنها بصورة لائقة. بعد 55 عاما على احتلال الطنطورة، من الجدير بذل جهد، غير كبير بشكل خاص، من أجل التوصل الى جواب نهائي وقاطع حول وقوع المجزرة او عدمه، ولتمكين أهالي وأقارب اولئك الذين قُتلوا هناك من دفنهم، بما يليق بهم في قبور منظمة ومعترف بها. وحتى لو كانت بعض الممارسات الخطيرة قد ارتكبت إبان احتلال الطنطورة، فان انهاء الموضوع بهذه الصورة لن ينتقص من احترام الدولة وسمعتها.

د. أوري بار ـ يوسف هو محاضر في قسم العلاقات الدولية في جامعة حيفا.

(هآرتس ـ 25/5)

المصطلحات المستخدمة:

دولة اسرائيل, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات