المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

على خلفية اللقاءات المخطط لها بين ارئيل شارون وابو مازن وجورج بوش، أجرت المنطقة العسكرية الوسطى في الجيش الاسرائيلي استعداداتها انتظارا للأوامر بتفعيل خطة تطلق عليها اسم "كل شيء يتدفق" - ازالة القيود والعقبات العسكرية امام حركة تنقل الفلسطينيين من جنين شمالا وحتى الظاهرية في الجنوب، حتى وان لم تكن الحركة في الخط المستقيم والأقصر بين أي نقطتين. فمسافة السفر ستطول، وفي بعض المقاطع سيتم حرف مسار السفر الى محاور قروية جانبية، بغية الفصل بين حركة المركبات الفلسطينية وتلك الاسرائيلية. لكن حرية التنقل الداخلية ستكون في حدها الأقصى الممكن وستنطوي على خطر نقل الأسلحة، والمواد المتفجرة، والانتحاريين والمرشدين.

التوقع بحصول تحول نحو الاعتدال الفلسطيني التدريجي، في اعقاب قيام حكومة ابي مازن والموافقة الاسرائيلية على خارطة الطريق، لم يتحقق بعد. الهدوء الوهمي بين العمليات الانتحارية يمكن تحقيقه فقط بفضل عشرات، بل مئات، العمليات التي يشنها الجيش، والشاباك وحرس الحدود، في الليل والنهار. وحتى لو أعلن ابو مازن انه توصل الى تفاهمات مع اسرائيل، من جهة، ومع التنظيمات "الارهابية" من جهة اخرى، الا ان العمليات الانتحارية لن تتوقف، كما تقول التقديرات في قيادة المنطقة العسكرية الوسطى. الايحاءات من الأعلى ستخفف الروح القتالية حقا، لكن ليس الى درجة ان يلقي آخر المخططين او المرشحين للانتحار سلاحه. سوف يقل عدد العمليات الانتحارية، لكنها ستكون أبهظ ثمنا. في هذه المرحلة من استئناف العملية السياسية واحياء الأمل بتحسن الأوضاع، حذر قائد المنطقة العسكرية الوسطى، موشي كبلينسكي، هذا الاسبوع، عشرات الضباط الذين شاركوا في دورة استكمالية في قاعدة "غليلوت" - من ان أي عملية يتم تنفيذها الآن ستكون أكبر وزنا وابهظ ثمنا، ولذلك سيكون أي احباط لأي عملية أكثر اهمية ايضا.

السمة الأبرز والأكثر اهمية في الوضع الجديد، في عهد خارطة الطريق، هي عودة "الأمن الجاري" - بصيغته المعروفة لأجيال عديدة من الجنود على الحدود مع لبنان، سوريا، والاردن ومصر - بديلا عن الانتشار العسكري والقتال في المناطق (الفلسطينية) منذ اواخر ايلول 2000. وقد أحسن رئيس قسم التخطيط في القيادة العامة للجيش، الجنرال غيورا آيلاند، ورئيس وحدة التخطيط الاستراتيجي، الجنرال عيبال غلعادي، استقراء الآتي وتحليله، حين أقنعا شارون، قبل عشرة اشهر، بأن ثلاثة تغيرات جوهرية هامة ستحصل حتى نهاية تموز من هذا العام: بوش سيشن حربا على العراق وسيهزم صدام حسين؛ وستظهر قيادة فلسطينية جديدة؛ وسيقام - ولو جزئيا - جدار فاصل بين اسرائيل وبين المناطق (الفلسطينية). كانت تلك توقعات دقيقة جدا، الى درجة تثير الدهشة والانفعال، تصلح لاستخدام القادة السياسيين، لكن لم يكن فيها ما يجسد للجنود من الرتب الدنيا والمتوسطة الواقع الجديد الذي ينتظرهم في الاشهر القريبة، ولاحقا: الأمن الجاري على الحدود اسرائيل - فلسطين، بما في ذلك الكمائن في منطقة الشارون ومنطقة وادي عارة، كما كان عليه الحال قبل حزيران 1967 (يجري الحديث، مجددا، عن "متسللين")، كما هو الحال في الحدود الشمالية.

المقارنة مع الشمال ليست صدفة، كما ان توزيعة المناصب القيادية الاساسية ليست صدفة - نائب رئيس الاركان، غابي اشكنازي، الذي بنى "خط لبنان" وسحب الجيش من هناك؛ وكبلينسكي، قائد كتيبة الجليل في نهاية الحقبة اللبنانية وخلال الانسحاب؛ غادي آيزنكوت، الذي يتولى منذ 16 حزيران قيادة كتيبة يهودا والسامرة، والذي اشغل منصب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة ايهود براك إبان الاتصالات مع سوريا والانسحاب من لبنان. كبلينسكي جاء بعده ليشغل المنصب لدى شارون. لكن ليست تجربة العمل مع القادة السياسيين هي القاسم المشترك الوحيد بينهما. كلاهما، كما اشكنازي ايضا، خدما في وحدة "غولاني". تعيين آيزنكوت يتمم اجراء غايته سيطرة غولاني على هدف / موقع محصن للمظليين ووحدة هيئة الاركان العامة - قيادة المنطقة الوسطى.

سيطرة غولاني على الحدود مع المناطق سيتم اختبارها، منذ الآن، في الجهود المبذولة في المحاور الثلاثة الأساسية التابعة لقيادة المنطقة: غور الاردن، "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) وخط التماس. حدود المنطقة ما بين الجيش والشرطة ستكون الى الغرب من الجدار الفاصل، وسيضطر الجيش الى تولي المسؤولية عن اربعة انواع من التجمعات السكانية - فلسطينية، مستوطنات، اسرائيلية - يهودية، اسرائيلية - عربية. التهديدات المتوقعة هي عمليات التسلل الى تجمعات سكانية (انتحاريون، سيارات مفخخة، قتل، اختطاف، عمليات للمساومة)، نيران قناصة، راجمات، قذائف، قذائف مضادة للدبابات، وضع عبوات ناسفة، اطلاق نار وعمليات اختطاف، وتهريب اسلحة ومتفجرات، بالاتجاهين، وعبور عناصر جنائية الى داخل اسرائيل ومنها.

الجهاز العسكري، الذي سيتم الاشراف عليه وادارته من "غرفة حرب" مشتركة، سيتشكل من قوات الحاجز المنبه، جهاز الحراسة، حماية التجمعات السكنية والمحاور، وسائل الالتقاط والجمع، القيادة والتحكم. ويشمل الحاجز ثلاثة أسيجة - مانع، الكتروني ومعيق - تفصل بينها قناة وممر للتمويه. قوات الحاجز (دوريات محمولة، فتح محاور راجلة ومحمولة، كمائن للمراقبة ولاطلاق النار) تعيق تحرك المشاة والسيارات وتحولهم الى المعابر، حيث يتم هناك اجراء "التشخيص، والمراقبة والفحص". والى الشرق من الحاجز، تستمر مرافقة الجنود لسيارات النقل كما يواصل الجنود حراسة المستوطنات، اضافة الى فرق متأهبة وحراس مدفوعي الأجر. لكن الامتحان الحقيقي للحاجز، كما في حالة الاسيجة في لبنان وغزة، سيكون في التبليغ الصادق والموثوق عن تحركات باتجاه السياج ومحاولات اختراقه، ثم استدعاء قوات الى نقطة الاختراق وافشال العملية قبل الوصول الى تجمع سكاني في داخل اسرائيل. وستكون التكنولوجيا والنظم التي سيتم استخدامها حديثة ومتطورة جدا، بينما سيكون العبء البشري قديما ومتآكلا.

كما الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية، كذلك قيادة المنطقة العسكرية الوسطى لا تلاحظ، حتى الآن، مؤشرات على انخفاض الجهود المبذولة لتنفيذ عمليات عسكرية. امس الاول، لدى زيارة كبلينسكي الى كتيبة شومرون والفرقة 101 في كتيبة المظليين، المسؤولة عن القطاع الاساسي في منطقة نابلس، تبين ان ثمة براهين قاطعة على ان نشطاء من حماس، والتنظيم، والجبهة الشعبية، يواصلون تخطيط وانتاج عمليات عسكرية، عن طريق طولكرم غالبا، واحيانا باستخدام سيارات الاسعاف، وباستخدام النساء والفتية الذين لا يحملون بطاقات هوية. الهدف الاساسي لهذه العمليات لا يزال احد البلدات الاسرائيلية في منطقة الشارون او على الساحل، لكن تم العثور ايضا على ادلة تشير الى نوايا لتصعيد الهجمات على المستوطنات، محاور الطرق وقوات الجيش في المناطق، وخاصة في غور الاردن.

ويوصي كبلينسكي باطلاق سراح عضو المجلس التشريعي الفلسطيني حسام خضر، المعتقل في اسرائيل - وهو من أشد منتقدي ياسر عرفات في حركة "فتح". الشاباك، الذي على اساس المعلومات التي بحوزته تم اعتقال خضر في 17 آذار للاشتباه بتورطه في الارهاب، يعارض موقف كبلينسكي.

فكرة اطلاق سراح خضر، كخطوة لتعزيز قيادات فلسطينية تعمل لمحاربة ومنع العنف ضد اسرائيل، هو مركّب واحد في خطة وضعتها قيادة المنطقة العسكرية الوسطى لتطبيق قرار الحكومة تبني "خارطة الطريق". فحسام خضر، ابن الـ 45 عاما من مخيم بلاطة، هو اكبر قياديي فتح الذين تم اعتقالهم في السنتين الأخيرتين، بعد مروان البرغوثي. الشاباك اوصى باعتقاله على خلفية شبهات حول قيامه بتوجيه وتمويل عمليات عسكرية نفذها التنظيم وكتائب شهداء الاقصى في منطقة نابلس. وكان قد تم طرده من البلاد في العام 1988 لكنه عاد في العام 1994، واحتل موقعا بارزا في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة ووقف على رأس منتقدي ياسر عرفات الداخليين. وردا على مطالبته بتغيير عرفات، تعرض للاتهام بالفساد وبالتعاون مع اسرائيل. وإن صدق الشاباك، فمن المحتمل ان يكون خضر حاول صد الهجوم عليه بواسطة دعم اعمال العنف.

ان تحويل حسام خضر الى "حاجز التسللات" الى داخل اسرائيل ليس امرا مضمونا، وربما لم يتم التطرق الى ذلك في الأحاديث معه. في الجيش يأملون بأنه اذا ما عاد لتسلم موقع قيادي في منطقة نابلس، فسيكون خضر احد القياديين في منطقة السامرة الذين قد يساعدون ابا مازن على خفض العنف والتقليل من العمليات العسكرية، الى جانب قدورة فارس في جنين، وحسين الشيخ في رام الله ، وجبريل الرجوب، الرجل الاساسي الجديد - القديم في منطقة "يهودا".

المشكلة، قال احد الضباط المطلعين على الاجواء في المناطق، ليست فقط دس عرفات المتواصل، وانما ايضا ضعف ابي مازن. فلو كان بالامكان جمع صلاحية ابي مازن ونشاط محمد دحلان وقوة جبريل الرجوب وحسام خضر وآخرين في رجل واحد، لكان ثمة امل في تشكيل قوة مضادة جديرة لعرفات وحماس.

(هارتس 30/5/2003)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات