المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

* النصر لا يبرر شيئا. ليس هناك من نصر يبرر حربا إجرامية. بل على العكس، فهو يزيد من تفاقم الإجرام. فور دخول الجيوش الأمريكية إلى بغداد، انخفض عدد معارضي الحرب في الولايات المتحدة وبريطانيا. وحتى في دول أخرى، بدأت الشكوك تنخر في معسكر معارضي الحرب، وتنهش في أطرافه على الأقل.

يصعب عليّ فهم هذه الظاهرة.

سأتناول المشكلة بشكل مبالغ فيه: ماذا كان سيحدث لو انتصر أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية؟ هل كان هذا سوف يحول حربه إلى حرب عادلة؟

لنفترض أن هتلر المنتصر كان سيضع معارضيه في قفص الاتهام في نيرنبرغ، بتهمة تنفيذ جرائم حرب. تشرتشل بتهمة التفجير المروع في درسدن، وترومان بتهمة إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي، وستالين بتهمة قتل الملايين في معسكرات غولاغ. هل كان التاريخ لينظر إلى هذه المحاكمة على أنها محاكمة عادلة؟

إن الحرب التي تنتهي بانتصار المعتدي هي أسوأ بكثير من الحرب التي تنتهي باندحاره، فهي أكثر دمارا من الناحية العملية والأخلاقية.

عشية الحرب على العراق، انتفض الرأي العام العالمي، بشكل لم يسبق له مثيل. هذه الانتفاضة العالمية كانت بمثابة نصر أخلاقي ذي قيمة كبيرة. ويجب بناء المستقبل على أساسه. لا يجب ان تطفأ هذه الشعلة، بل يجب ان تشتعل أكثر فأكثر.

* لا يمكنهم التوقف.

كما هو معروف، التنبؤ هو أمر غاية في الصعوبة، وخاصة التنبؤ بالمستقبل.

ولكن النبوءات هذه المرة تتحقق بسرعة لم نشهد لها مثيل، سرعة لم يتوقعها المتنبئون أنفسهم.

بعد انقضاض أمريكا على أفغانستان، قلنا في هذا الإطار: لا يمكن إيقاف الآلة العسكرية التي احرزت، خلال فترة قصيرة، نصرا مكتملا كهذا بعدد قليل جدا من الخسائر. سوف تتطلع هذه الآلية إلى المزيد.

وقلنا: إن مجموعة المتطرفين التي تسيطر الآن على واشنطن، لن تستطيع التوقف، كما لم يستطع نابليون وهتلر التوقف. إن منطقها الذاتي سوف يحثها على الهجوم مرة تلو المرة.

وقلنا عشية الحرب على العراق: سيأتي دور سوريا وإيران بعد العراق.

وها هو الوقت قد حان. أسرع بكثير مما كنا نتوقع. ما أن توقف اطلاق النار في بغداد، حتى بدأت التحركات التحضيرية للهجوم على سوريا.

وستتردد تلك الأقاويل ذاتها. "في سوريا سلاح كيماوي (هناك سلاح كيماوي في الولايات المتحدة أيضا وفي روسيا ومصر وإسرائيل، وبالتأكيد، يوجد مثله أيضا في بريطانيا وفرنسا وفي عشرات الدول الأخرى. كل جهاز عسكري يقوم بتطوير مثل هذه الأسلحة، حتى وإن كانت لأهداف دفاعية فقط).. يوجد هناك دكتاتور طاغية! إنه يؤيد الإرهاب".

بعد عدة أيام سنستمع إلى عبارات تقول: "إنه ينفذ مجازر ضد شعبه كما فعل صدام ضد الأكراد!" (وهذا صحيح فقد قتل الأسد الأب الآلاف من أبناء شعبه عندما قصف الحمّة، خلال حربه ضد الثوريين الإسلاميين). "يجب تحرير الشعب السوري المسكين من بين أنياب الأسد!" وبعد هذه العبارات ستأتي أيضا عبارة: "تغيير النظام".

سيبدأ الأمر بالشعارات، "بالتحذيرات"، بالخطابات في هيئة الأمم المتحدة وبفرض الحصار. وسيعمل نخبة من الخبراء على تحضير الرأي العام. ستتعاون وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية (وعلى رأسها وسائل الإعلام في إسرائيل)، بشوق لا مثيل له. وعندما تأتي اللحظة الحاسمة ستصبح الحرب بمثابة " لا مناص منها".

وقد تم تحضير اسم لها: "الحرية لسوريا".

* الشعب (الأمريكي) مع الجولان.

هناك فرق واحد بين "حرية العراق" وحرية سوريا".

لقد خدم الهجوم الأمريكي على العراق عدة أهداف: السيطرة على النفط، وخلق قاعدة عسكرية في قلب العالم العربي، وانتقام بوش الابن لفشل أبيه. كانت عملية دفع مصالح حكومة شارون قدما، أحد الأهداف فقط، وطالما جلس شارون هادئا فقد كان من الممكن إخفاء هذا الهدف.

بالمقابل، لا يخدم الهجوم الأمريكي على سوريا أي مصلحة أمريكية هامة. ولكنه يخدم (خدمة عظيمة) مصالح حكومة شارون.

ولمن نسي تسلسل الأحداث، نقول:

عندما كان هناك تهديد سوري - مصري، هاجم الجيش الإسرائيلي عام 1967 سوريا أيضا، واحتل الجولان التي كانت تدعى في ذلك الحين "الهضبة السورية". وقد تم طرد 160 الف شخص من سكانها وهم يعيشون الأن كلاجئين، يسكن مستوطنون يهود على أرضهم. لقد ضمت حكومة الليكود الجولان إلى إسرائيل (بعكس الضفة الغربية وقطاع غزة).

منذ ذلك الحين وحتى الآن، تحول تحرير الجولان إلى هدف سوريا الوطني والأساسي. بمقتضى القانون الدولي فإن الجولان هي منطقة سورية محتلة. وقد اعترف رئيسا حكومة إسرائيل، إسحاق رابين وإيهود باراك، بذلك بشكل فعلي، عندما وافقا على إعادة الهضبة كاملة إلى سوريا. وقد فشلت المحادثات أكثر من مرة بسبب نزاع على عدة مئات من الأمتار، لان رابين وباراك لم يرغبا في ان "يبلل الأسد الأب قدميه في بحيرة طبريا".

لقد تصرف "الأسدان" بحذر. فبعد أن فشل الأب في حرب أكتوبر، لم يقم باستخدام جيشه، ولكنه وجد متعهدا آخر: منظمة حزب الله في لبنان، التي ضايقت الجيش الإسرائيلي بوخزات الإبر. كان الأسدان يأملان في أن هذا سوف يساعد، في نهاية الأمر، في استعادة هضبة الجولان. وبعض من زعماء المنظمات الفلسطينية الموالية لسوريا (أي المناهضة لعرفات) يتمركزون اليوم في دمشق.

تأتي الآن واشنطن، بتأثير من وولفوفيتش، وبيرل وشركاهما، وتنذر دمشق: إزالة الصواريخ والأسلحة الكيماوية وطرد "الإرهابيين" الفلسطينيين. هذه هي البداية فقط "لتغيير النظام".

هذا الأمر، يعني، عمليا، تخلي سوريا عن أي أمل لها في استرجاع هضبة الجولان في يوم من الأيام، ومصادقة أمريكية نهائية على ضم الهضبة إلى إسرائيل، في مخالفة لجميع قرارات الأمم المتحدة ومواقف جميع الرؤساء الأمريكيين حتى الآن.

إن إخراج العراق وسوريا ولبنان من المعادلة العسكرية سوف يبطل تهديد "الجبهة الشرقية"، التي أقلقت إسرائيل منذ اليوم الأول لقيامها. مصر والأردن تخلتا عن الجبهة منذ وقت بعيد. وسيستطيع شارون التركيز بكل ما أوتي من قوة على الحرب ضد الشعب الفلسطيني، الذي سيبقى وحيدا.

* جنون أخلاقي.

في بعض الأحيان، تظهر أطباع الإنسان من كلمة واحدة يقولها. هذا ما حدث لدونالد رامسفلد في الأسبوع الماضي.

لقد شاهد العالم الصور الفظيعة لما يحدث في بغداد، تحت غطاء من قوات الاحتلال. لقد نُهبت بغداد كما حدث إبان الاحتلال المغولي. لم تسلب العامة المباني الحكومية فحسب، والتي لا يمكن قيام مجتمع حضاري من دونها، ولكنهم سلبوا أيضا المستشفيات والمتاحف. وبقي الجرحى والمرضى بدون أجهزة طبية لتنقذ حياتهم. وقد تم تحطيم كنوز حضارية تابعة لعرش الحضارة الإنسانية، أو تمت سرقتها – هذه واحدة من اكبر الكوارث الحضارية في تاريخ الإنسانية.

تقع كامل المسؤولية عن هذه البشاعة، المستمرة منذ أكثر من أسبوع، على كاهل المحتل. هذا ما ينص عليه القانون الدولي، وهذا ما يقوله العقل السليم. يشهد هذا الأمر على عدم اكتراث تام من قبل مخططي الحرب تجاه السكان، الذين جاؤوا، على حد زعمهم "لتحريرهم". لم يتم اتخاذ أي إجراءات لحمايتهم من الفوضى بعد انهيار النظام، ولم يتم اتخاذ أي إجراءات للمحافظة على المباني العامة والكنوز الحضارية. لقد تم وضع مدينة يسكن فيها الملايين بين أيدي الرعاع.

عندما سُئل رامسفلد، وهو المسئول عن كل هذه البشاعة، قال غير مكترث: "أي تغيير للنظام من الممكن أن تشوبه فوضى معينة. Untidiness! كلمة واحدة، وهي أكثر ما تعبر عن هذا الرجل.

# ويل للمستوطنين.

قبل عدة سنوات، سافرت بصحبة زوجتي راحيل إلى القرى الموجودة غربي جمهورية التشيك، في ليلة ماطرة، ومظلمة وباردة جدًا. فجأة، استحوذ على اهتمام راحيل مشهد لبيت يبعد شيئا ما عن الشارع، وقد وضع على حافة نافذته سراج يرسل نوره الوردي على الثلج الأبيض. توقفنا، ونزلت راحيل تتخبط في الثلج العميق لتلتقط صورة لهذا المشهد الرائع.

وبينما كانت تقوم بالتقاط الصور، إذ فُتح الباب فجأة وظهرت سيدة تلبس عباءة وحذاء بيتي وصرخت في وجهها قائلة: "ماذا تريدين؟" "ماذا تفعلين؟"

فشرحت لها راحيل بأنها سائحة وقد سلب لبها المنظر الخلاب الذي رأته. عندها هدأت السيدة تدريجيا وقالت معتذرة: "لقد راودني الخوف بأن تكونا من الألمان وقد أتيتما لتسترجعا البيت".

وهذه السيدة امرأة تشيكية تسكن في منطقة نائية، كانت قد استوطنت في صغرها في هذا البيت بعد أن طُرد سكانه الألمان منه مع نهاية الحرب العالمية الثانية. وبعد خمسين سنة، ما زالت تعيش في خوف مستمر من أن يظهر فجأة سكان البيت الأصليين.

تذكرت هذه الحادثة عندما قرأت عن المستوطنين العراقيين - العرب الذين أحضرهم نظام صدام إلى كركوك لتحويلها إلى مدينة عربية. لقد طُرد الكثير من الأكراد. أحد الصحفيين شاهد مجموعة من هؤلاء العرب يهربون من بيوتهم خوفا من انتقام الأكراد، ومكثوا تحت قبة السماء، ينتابهم الخوف على حياتهم. وقد طلبوا من الجنود الأمريكيين الحماية.

إن في هذه الحادثة عبرة للمستوطنين الإسرائيليين.

(مترجم عن موقع "غوش شالوم" على الشبكة)

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, باراك, راحيل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات