المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

1) وجهة نظر إسرائيلية: أوان التهنئة والأمل / شلومو غازيت
بعد ثلاثة أسابيع من القتال تم تحطيم التمثال الضخم لصدام حسين في الميدان الرئيسي ببغداد. هذا العمل الرمزي أنهى النظام الاستبدادي للديكتاتور العراقي. وقد حان الوقت لتقديم التهنئة على ما تم إنجازه والإعراب عن الأمل ورصد التوقعات للمستقبل.

هناك ستة أسباب وجيهة لتقديم التهنئة للأميركيين بالنصر في العراق.

أولاً، أقدم التبريكات بوصفي إسرائيلياً. فالتخلص من صدام حسين ونظامه القمعي، وتحطيم ترسانة أسلحة الدمار الشامل التي كان العراق ينتجها ويطورها، أزال تهديدًا خطيرًا جدا بإلحاق دمار بإسرائيل.

ثانيًا، أقدم التهنئة بنصر عسكري أتى بوقائع جديدة للشعب العراقي. أشارك الملايين فرحتهم وهم يتذوقون طعم الحرية لأول مرة.

ثالثًا، التهنئة بإنجاز عسكري سريع ومدمر ولا غبار عليه. لقد شهدنا نصرًا حاسمًا أنجز بأقل قدر من الخسائر لقوات التحالف المحاربة في العراق، وبأقل قدر من إلحاق الضرر بالمدنيين العراقيين الأبرياء.

رابعاً، أقدم امتناني لتحقيق هذا النصر الذي مزق قناع الرياء عن وجوه تلك الدول الأوروبية التي سعت بكل جهدها، تحدوها مصالح ضيقة، إلى الحيلولة دون التحرك ضد ديكتاتور بغداد.

خامسًا، أهنئ الشعب الفلسطيني وقيادته، إذ اتخذا موقفًا حيادياً حكيمًا وتجنبا تأييد صدام حسين وسياساته المتطرفة الخرقاء علناً وبشكل صارخ. كان هذا قرارا حصيفاً ومدروسًا، وسوف يفيد الفلسطينيين.

وأخيرًا، أهنئ رئيس الولايات المتحدة جورج بوش الذي عرف كيف يحمل المسؤولية ويتخذ قرارًا صعباً في ظروف سياسية غير عادية. لقد ارتفع إلى مستوى التحدي الذي شاء له أن يكون على رأس العالم الحر متصدرًا الصراع ضد الإرهاب الدولي، وضد دول وأنظمة وحكام "محور الشر" الذي يؤيد الإرهابيين ويغريهم بالإرهاب.

وبعد التهاني، لدي آمال أربعة لما بعد النصر العسكري.

آمل أن يعافى الشعب والدولة في العراق وأن يعودا ليقفا على قدمين صحيحتين بدون معاناة ولا ألم، وبدون كبير ضرر. وآمل أن تحسن الولايات المتحدة تأسيس إدارة مدنية ذكية وحساسة في العراق تلبي الحاجات الكثيرة، المادية والحضارية وغير ذلك، لشعب تعرض للغزو. وآمل أن تبذل القيادة الأميركية الجهود في سبيل وضع السلطة في يد حكومة عراقية منتخبة ومحبة للسلم.

وفي هذا الصدد، فإن القيادة الأميركية تحسن صنعًا إن هي وعت الدروس المستفادة من الإدارة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، واستطاعت اتخاذ القرارات الصحيحة، وتجنبت الأخطاء الكثيرة التي لا لزوم لها التي وقعت فيها القيادة الإسرائيلية.

آمل ألا يقف النجاح الأميركي في العراق عند هذا الحد. إذا أردنا إنقاذ هذا العالم من الفوضى، وإذا سعينا إلى العيش في عالم خال من التطرف المحموم، فعلى الولايات المتحدة أن تكمل ما بدأته. مع استمرار غياب آلية دولية فاعلة ومنزهة عن المصالح الذاتية فإن من واجب واشنطن أن تكون الوسيط والحكم.

آمل أن تكون تلك العناصر في منطقتنا التي كانت تؤيد وتشجع المنظمات القومية والدينية الإرهابية قد أدركت الآن الحقائق الاستراتيجية والجغرافية السياسية التي كشفت عنها بجلاء الحملة العسكرية في العراق. يجب الآن إغلاق تلك المنظمات.

وأخيراً، آمل أن تتمسك واشنطن بالتزامها إزاء الفرقاء في منطقة الصراع التي تعنينا مباشرة، وأن تتصرف بسرعة وبشكل حاسم لتجديد عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية بهدف إيصال الطرفين إلى اتفاق منطقي وعادل. إسرائيل والفلسطينيون ناضجان للأمر: بعد سنتين من المواجهة العنيفة والمؤلمة والمستنفدة للطاقات فقد أدركا عدم جدوى محاولة تحقيق غاياتهما السياسية عن طريق استخدام القوة. إن الاستمرار في الصراع العنيف وإرجاء التسوية لن يحققا شيئا، وسوف يزيد الألم والمعاناة في الجانبين.

يعرف الإسرائيليون والفلسطينيون بالتفصيل التام مكونات الاتفاق الوحيد الممكن والواقعي. نحن مستعدون لقبول التحدي. على أن الطرفين أدركا أيضا أنه ليس في مقدورهما التوصل إلى التسوية المطلوبة أو تحقيق الاتفاق بدون تدخل نشط وفعال من جانب ثالث محايد يقران بسلطته ويقبلانها.

الميجر جنرال (احتياط) شلومو غازيت كان أول منسق لعمليات الحكومة الاسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة (1967 – 1974)، ورئيسا للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (1974 – 1979).

2) وجهة نظر فلسطينية: سمة العصر / غسان الخطيب

بينما كان العالم العربي يعاني هزة كبيرة للمعنويات بعد الانهيار الدراماتيكي للجيش والنظام العراقيين، كان لدى الفلسطينيين مشاعر متضاربة. فمن جهة كانوا يشاطرون إخوانهم الشعور العميق بالخسارة عند سقوط مدينة بغداد التاريخية. ومن جهة أخرى تعززت ثقة الفلسطينيين في النفس عندما عادت إلى أذهانهم مشاهد المقاومة البطولية من غزو تعرضوا له إثر غزو، بدءًا ببيروت 1982 وانتهاء بجنين 2002.

إن ما سيحدث على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مع نهاية هذه الحرب موضوع نقاش محتدم. يقول بعض المحللين إن هذه الحرب أخلّت بميزان القوى بدرجة أكبر ضد العرب وبهذا قللت فرص العثور على حلّ تفاوضي. وهم يعتقدون أن نهاية حرب العراق سوف تزيد من شهية إسرائيل لإنهاء هذا الصراع بالقوة، ويستندون في منطقهم إلى أن إسرائيل ستجد أن ما بدا جليا من عدم احترام الجيش الأميركي في العراق للحياة الإنسانية والقانون الدولي هو أمر مشجع على قيامها هي بالفظائع من جانبها.

وأما معارضوهم فيقولون إن الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي سيجدان لزاماً عليهما، بعد نهاية الحرب في العراق، أن يقيما الموازين في المنطقة عن طريق تقليل ما ألحق من أضرار بمواقفهما الأقليمية ومصداقيتهما، وهذا يعني معالجة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ويبدو أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون لصحيفة "هآرتس" تؤكد التحليل الثاني، فعندما تحدث شارون عن إمكانية تجديد عملية السلام وعن حاجة الجمهور الإسرائيلي إلى أن يكون مستعداً لقرارات صعبة، بما في ذلك إزالة بعض المستوطنات، فإنما أشار إلى أنه يتوقع بعض الجهود الدولية التي ستبذل على ساحة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إنه يتوقع بعض الضغط على إسرائيل.

وفي الواقع فإن تصريحات شارون كانت محاولة لتحصين حكومته ضد أي ضغط دولي قادم. وعلى المرء أن يتذكر أسلوب شارون. من المستحيل الحكم عليه وعلى حكومته من الأقوال التي يتم إطلاقها لاستهلاك الجمهور. حتى وهو يتحدث عن إزالة المستوطنات ويدافع عن فكرة دولة فلسطينية فإن الإدارة العسكرية التي يقودها شارون في الأراضي المحتلة كانت توسع الكتل الاستيطانية الإسرائيلية، تلك المستعمرات الموجودة في قلب الدولة الفلسطينية. والأسلوب الرئيسي لتكثير هذه المستوطنات في الوقت الحاضر هو إقامة "جدار الفصل" الذي يوصف للجمهور بأنه ضروري لحماية المدنيين الإسرائيليين، في حين يقول خبراء الخرائط إنه سوف يقتطع الجانب الأعظم من المناطق الزراعية من شمال الضفة الغربية، ويضعها في أيدي الإسرائيليين. ويتحدث شارون بصوت لا يقل ارتفاعًا عن الحاجة إلى تغيير أو "إصلاح" السلطة الفلسطينية باسم الأمن، ولكنه قام في الوقت ذاته بتفكيك معظم مظاهر الكيان السياسي الفلسطيني الوليد أو نواة الدولة الفلسطينية، أو جعلها أشلاء لا فائدة لها.

وإلى أن يدرك الشعب الإسرائيلي أن هذا النهج اليميني هو المسؤول عن المعاناة المستمرة للفلسطينيين وللإسرائيليين أيضاً، وعن تبدد كل احتمالات السلام والرخاء الاقتصادي فليس هناك فرصة لسلام حقيقي. ومن أجل اختصار الوقت فإن على المجتمع الدولي، وعلى رأسه "الرباعية"، التي تضم الولايات المتحدة، أن يستغل هذه الفرصة لدعوة الحكومة الإسرائيلية والقيادة الفلسطينية مجددًا إلى مائدة المفاوضات بعد إقناعهما باستبدال محاولاتهما لتحقيق الأهداف عن طريق القوة بمحادثات سلمية.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات