المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

هناك بعض انعدام الصبر عند بوش في قضية الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني كما يلمس من محادثاته الأخيرة مع مساعديه. بوش أبدي عدم هدوئه عندما طرحوا عليه الوثائق المتعلقة بالامر مثل خريطة الطرق. الرئيس يريد شيئا ما كبيرا .بعد الانتصار في العراق يشعرون في واشنطن ان الرئيس قد دخل في مسار صنع الكثير من التاريخ البارز. هذه الحالة المزاجية تتغلغل وتشق طريقها في اوساط الادارة الامريكية علي كافة مستوياتها. الآن يركزون علي اعداد خطابه الهام في الرابع والعشرين من حزيران (يوينو) المقبل، أي بعد مرور سنة بالضبط علي خطاب الدولتين الاول الذي تحول الي خريطة الطرق لاحقا.

ولكن خطابه التاريخي ذاك وخريطة الطرق لا يحتويان علي اللحم المطلوب في قضية التسوية الدائمة. الآن يجلسون في واشنطن لتحويل رؤية بوش وتصوره ذاك الي تسوية دائمة واضحة: حدود، لاجئين، القدس. كل المسائل التي لم ينجح كلينتون في تسويتها والتي يهرب منها الجميع كالرمضاء من النار. الامر الصحيح حتي الآن هو ان بوش سيقف في الرابع والعشرين من حزيران (يوينو) ويقول رأيه بصراحة حول مصير القدس حسب رؤيته وحل قضية اللاجئين والحدود الدائمة وغير ذلك من الامور. ولكن الامر غير الواضح هو كيف سيخرج ذلك الي حيز العلن. الأفكار لم تتبلور بعد في هذه المرحلة، وليس واضحا اذا كانت ستنضج خلال الاشهر القريبة.

اسرائيل لم تفهم التلميحات

اسرائيل ليست قلقة من الاعمال التحضيرية الجارية في واشنطن حول التسوية الدائم، فالانتخابات الوشيكة تؤكد لهم ان بوش سيتجنب أي مجابهة مع شارون. ولكن المسؤولين في اسرائيل كانوا قد قالوا في هذا الاسبوع انهم لا يعتقدون ان الامريكيين يقصدون كل ما يقولونه، ومع ذلك جاءت خريطة الطرق لتؤكد لهم خطأ اعتقادهم هذا. اسرائيل حاولت ادخال تعديلات عليها، وجرب فايسغلاس حظه في واشنطن ولكن بلا جدوي. الحكومة الاسرائيلية رفضت فهم التلميحات التي أعطيت لها من واشنطن وظلت تحاول الي ان طرحت الخريطة علي الطاولة من دون تعديلات. اسرائيل اخطأت ايضا في فهم الجانب الفلسطيني عندما ادعت ان أبو مازن سيطلب تأجيل طرح الخريطة لانه غير جاهز لتطبيقها. هذا الامر لم يحدث أبدا. ويبدو ان اسرائيل ما زالت تواصل لعب دور المتفاجيء: بوش الذي يمر الآن بحالة مزاجية خلاصية يمكن ان يقوم بخطوات غير متوقعة. ولن يكون بامكان القدس في هذه الحالة ان تقول انها لم تتلق إشعارا مسبقا.

خريطة الطرق هي اليوم الوثيقة الدولية الوحيدة التي تتطرق لاتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين، ذلك لأن اوسلو قد ولي وانتهي ولم يعد ساريا. هذه الوثيقة تنشر الآن في أجواء النوايا الطيبة وشعور كل جانب من الضالعين بأن تغيرا فكريا قد حدث وانه يسمح باستئناف المفاوضات.

اسرائيل والجيش يعتقدون انهم انتصروا علي الارهاب وانهم لم يخضعوا له وانهم نجحوا في إلغاء اوسلو واقامة حكومة بديلة لعرفات، وان من الممكن الآن قطف ثمار النصر. أما في الجانب الفلسطيني، وكما عبر عن ذلك عرفات وأبو مازن في خطابيهما، فيشعرون انهم لم يتنازلوا عن مواقفهم الأساسية. الشارع الفلسطيني يشعر ان الارهاب يتواصل رغم الضغط الاسرائيلي، وهذا انجاز من وجهة نظرهم.

الامريكيون والبريطانيون علي قناعة بأن نصرهم في العراق سيؤثر علي القوي العربية المعتدلة ويدفع بالتسوية الي الأمام. الاوروبيون الذين أبعدوا انفسهم عن العراق يرون الآن فرصة سانحة لمواصلة التأثير في الشرق الاوسط.

الا ان أي طرف من الأطراف لا يعتقد بامكانية تطبيق خريطة الطرق كما هي نصيا وحرفيا. الفجوات برزت من اليوم الذي قدمت فيه. الاوروبيون أرادوا ان يقفوا الي جانب الامريكيين وان يقدموا الوثيقة معا. اسرائيل رفضت ولو علي مستوي المراسيم، فهي تعتبر ان خريطة الطرق وثيقة امريكية وان واشنطن وحدها المسؤولة عن تفسيرها.

هذا مؤشر فقط لما سيبدأ مع الاسبوع القادم عندما ستبلور مجموعة الاشراف والمتابعة لتطبيق الوثيقة. اسرائيل غير مستعدة للسماع عن مائة مراقب خصوصا اذا كانوا اوروبيين. القدس تخشي مما يسميه موفاز التدويل اللين الذي سيدخل من البوابة الخلفية.

اسرائيل مستعدة في أحسن الاحوال الي قبول مراقبين امريكيين قلائل، والاعتقاد هو ان التسوية ستدور حول 60 ـ 70 مراقبا في المرحلة الاولي اغلبهم من الامريكيين وبعضهم من الكنديين والبريطانيين. أما الفرنسيون والروس فسيضطرون للتنازل عن خدماتهم السخية الطيبة.

تطبيق بند المراقبة والاشراف سيكون انجازا كبيرا جدا لانه يحتوي علي مشاكل فنية غير بسيطة. فحسب التصور الامريكي يتوجب ان يحاط المراقبون الامريكيون بحراس وان يتحركوا بقوافل مدرعة. فاذا سار خلف كل مراقب امريكي ذيل لوجستي طويل علي هذه الشاكلة فان تحركهم علي الارض سيكون حكاية معقدة وطويلة.

المراقبون سيكونون مسؤولين أولا عن تطبيق الجانبين لالتزاماتهما: تحركات الفلسطينيين الأمنية والاصلاحات الاقتصادية وتنفيذ الاعتقالات في صفوف نشطاء الارهاب. ولكن الرقابة علي اسرائيل ستكون بالأساس في قضية المستوطنات، واسرائيل ملزمة بتفكيك كل المواقع الاستيطانية منذ آذار (مارس) 2001 وتجميد الاستيطان القائم.

هناك مهمتان أخريان أكثر أهمية للمراقبين: الاولي ان يكونوا وسطاء ونوعا من المحكمين الدوليين بالنسبة للاحتكاكات التي تنشأ علي الارض وعنوانا لشكاوي الجانبين. دورهم هذا يتطلب قيامهم بمنع امتداد ألسنة اللهب في حال اندلاعها. أما مهمتهم الهامة الثانية فستكون تعليم وتربية اجهزة الامن الفلسطينية في حكومة أبو مازن الجديدة.

دحلان يريد الانقضاض علي حماس

هذا هو الامر المهم لاسرائيل في الواقع: كيف ستنجح السلطة الفلسطينية الجديدة في معالجة حماس والجهاد والتنظيم. هذا بالنسبة لاسرائيل نتيجة ضرورية بعد عامين ونصف من المجابهة والا فانها ستكون مثل من لم يفعل أي شيء.

وما يقلق اسرائيل هو ان تتوصل حكومة أبو مازن الي هدنة مؤقتة مع حماس والجهاد الامر الذي سيتيح لهم استغلال الوقت لاعادة تنظيم صفوفهم والعودة الي الارهاب في التوقيت المريح لهم. دحلان طالب حماس خلال اتصالاته معهم بأن يوقفوا أنشطتهم، ولكن بلغة لينة. والاعتقاد في اسرائيل هو ان أبو مازن ودحلان من دعاة وجوب الانقضاض علي حماس والتصادم معها. دحلان يعبر عن انه سيكون مسرورا جدا اذا لم توافق حماس علي وقف اطلاق النار الامر الذي سيفتح الطريق أمامه للتعبير عن قسوته ضدهم. هذا خلافا لعرفات الذي يعتقد اليوم ايضا ان من الواجب معانقة حماس وإسكاتها وإعطائها قسما من السلطة.

ولكن اسرائيل تعترف ان دحلان لا يملك بعد قوة حقيقية لضرب حماس خصوصا في الضفة. ولذلك يساورهم القلق من المبادرة المصرية الآخذة في التبلور بايقاف اطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية علي الأقل ومن ثم ايقاف اطلاق النار من جانب واحد ضد اسرائيل. زيارة عمر سليمان الاخيرة الي رام الله نجحت في إخضاع عرفات ودفعه للموافقة علي حكومة أبو مازن، وقد صرح في ذات الوقت انه ينوي استئناف الجهود لوقف اطلاق النار. سليمان تحدث عن عزمه جمع الأطراف في القاهرة في الاسبوع المقبل. أبو مازن من ناحيته يرحب بالخطوة ووعد بتمثيل عالي المستوي من فتح. أما عمر سليمان فقد تعهد بجلب حماس والجهاد.

لمصر اسباب جيدة للاعتقاد انهم سينجحون في تخفيف لهجة حماس القتالية الطابع. مبارك عاد من دمشق مع شعور بأن الأسد استوعب التغيير الحاصل، ودمشق أرسلت لمصر والفلسطينيين رسائل تفيد انها قد ضغطت علي جبهات الرفض عندها بما فيها حماس حتي تخفض من مستوي بروزها. كما ان اتصالات السلطة مع حماس الخارج الموجودين في دمشق أظهرت انهم عبروا عن استعداد أكثر براغماتية من حماس الداخل للتوصل الي تسوية. أتباع حماس الخارج توجهوا الي حماس غزة وطالبوهم بتخفيض مستوي بروزهم علي الأقل بالنسبة للتصريحات الاعلامية الحماسية، وهذا ليس صدفة وهو نابع بلا شك من الضغط الذي تمارسه دمشق عليهم.

الضغط الآخر علي التنظيمات الاسلامية يأتي من جانب السعودية. فالسعودية التي كانت ترسل مساعداتها للجان الزكاة والمؤسسات الخيرية الامر الذي يوصلها الي دعم الانتفاضة والارهاب في نهاية المطاف، بدأت تحول الدعم لمؤسسات الرفاه الاجتماعي التابعة للسلطة. الامر الذي دعم هذا التغيير هو ضغط واشنطن علي السعودية. حماس الداخل ترفض قبول ذلك حتي الآن، ولكن سلسلة الضغوط الحقيقية لم تصل الي ذروتها بعد.

مصلحة ضرب حماس مشتركة بالنسبة لاسرائيل ومصر وحكومة أبو مازن. التنسيق السري وحده بين الأطراف الثلاثة هو الذي قد يكون ناجعا. معالجة اسرائيل المباشرة لها ستمس بصلاحيات أبو مازن، والتحرك المصري المكشوف لن يعزز من قوة أبو مازن ايضا. أما مطالبة دحلان بالتصادم من اليوم مع حماس فتعني إفشال تحركاته: اذا خرج الي الحرب في وقت مبكر جدا فسيظهر كأداة فارغة من محتواها.

دحلان بحاجة الي الوقت حتي يراكم القوة، وهو بحاجة الي اعادة النظام العام للشارع الفلسطيني، الامر الذي سيتيح لاجهزة الامن الفلسطينية سيطرة أفضل. المدن والأحياء خاضعة الآن لسيطرة المجموعات المسلحة، ودحلان بحاجة الي التفاهم معها. كما انه سيضطر الي انشاء شبكة مراكز تحقيق وسجون ومعتقلات جديدة وان يعيد توزيع ونشر العملاء التابعين لاجهزته علي الارض وان يتزود بوسائل متابعة ومراقبة. هناك امور كثيرة ناقصة لانشاء جهاز استخبارات فعال مع قدرات تنفيذية.

المسألة هي مسألة اشهر طويلة، وهذه ليست قضية سهلة، ففي المؤسسة الفلسطينية توجد أطراف كثيرة ستحاول عرقلة العملية مثل مجلس الامن الوطني برئاسة هاني الحسن الذي شكله عرفات خصيصا لعرقلة دحلان، أو مثل بعض أجزاء كبيرة من اجهزة الامن الذين لا يخضعون له بالمرة. جهاز الامن الوطني الأكبر بين الاجهزة والذي يفترض به ان يسيطر علي الارض يخضع لعرفات وحده، اذا رغب تعاون مع دحلان واذا لم يرغب فلن يتعاون.

تعاون وثيق

وحتي اذا لم تتطرق خريطة الطرق الي ذلك صراحة، فمن الواضح ان التعاون الوثيق بين اجهزة الامن الاسرائيلية والامن الوقائي الفلسطيني هو مفتاح نجاح تطبيق الجزء الامني من الخطة. عما قريب سينهي دحلان ورقة العمل التي يعدها لمكافحة الارهاب. الورقة ستطرح علي اجهزة استخبارية صديقة في المنطقة لحشد دعمها في عملية التطبيق. الجهات الامنية الاسرائيلية تعتقد ان الجيش الاسرائيلي سيبدأ في ايقاف تحركاته الميدانية وعملياته في قسم من المناطق بعد ان يطرح دحلان خطته. الجيش الاسرائيلي يتصرف الآن وكأنه يريد ان يستغل الوقت لتنفيذ أكبر قدر ممكن من الأهداف وبسرعة ومن هنا يأتي الضغط لتنفيذ عمليات هجومية أكبر.

بوادر التعاون بدأت تظهر منذ الآن، وهناك حالات متزايدة من أوجه التعاون وتبادل المعلومات بين الجهات الوقائية الفلسطينية والاسرائيلية. عملية معبر كارني مثلا دفعت اجهزة الامن الوقائي الي تنفيذ اعتقالات في اوساط الأطراف التي أرسلت الانتحاري الي الحاجز. والهدف هو إتاحة المجال أمام اعادة فتح المعبر ونشاطه الاقتصادي. وفي أريحا بدأوا يتحدثون عن فتح الكازينو خلال ثلاثة اشهر.

في الآونة الاخيرة نفذت المخابرات العامة في الضفة برئاسة توفيق الطيراوي عمليات اعتقال لكتائب شهداء الاقصي في نابلس الذين تعاونوا مع الحرس الثوري الايراني وحزب الله. الاعتقالات نبعت من مصلحة فلسطينية: كتائب شهداء الاقصي في نابلس تشكل خطرا علي الحكم هناك.

في حالات قلائل قامت اجهزة الامن الفلسطينية بإبادة معامل متفجرات تابعة لحماس وكتائب شهداء الاقصي. ومن المعتقد انهم سيساعدون الآن في كشف الخلايا البريطانية التابعة للاسلاميين المتطرفين الذين نفذوا عملية تل ابيب الأخيرة.

هذا أكثر بكثير مما كان قبل شهرين، الا انه ليس انعطافة جذرية. وانما بداية لظاهرة تقود نحو الاتجاه الصحيح. والمسار الآخر لازالة الألغام الموجودة علي طريق دحلان هو المساعدة في تطبيق الاصلاحات الاقتصادية التي يحاول سلام فياض تطبيقها بنجاح جزئي. الاصلاحات التي أدخلها مثيرة جدا للاهتمام، ولكن ما زالت هناك مجالات واسعة لا ينجح في السيطرة عليها. ومن هذه القضايا مسألة الرواتب التي يدفعها عرفات لقوات الامن. السيطرة علي اموال الرواتب هي أحد مصادر القوة القليلة التي بقيت بيد عرفات. وما ان تبدأ الاموال في الوصول الي قوات الامن مباشرة فان قدرا كبيرا من قوة عرفات وأتباعه سيتبدد. وزير المالية نجح في القيام بخطوة خاطفة: هناك جهازان في غزة يحصلان علي رواتبهما علي الطريقة المتبعة في الدول الغربية ـ من البنك. ولكنهم استثناء لقاعدة ما زال فيها الموظفون يحصلون علي رواتبهم باليد.

أفراد اجهزة الامن هم الخاسرون الأساسيون من هذه الطريقة، اذ يسرقون لهم جزءا من رواتبهم (يدفعون لهم بسعر 3.8 شيكل للدولار). أما الفرق فيأخذه أحد ما لجيبه الخاص أو يحوله لتمويل ارهاب كتائب شهداء الاقصي والتنظيم. وعندما سينتهي هذا الفساد سيكون من الأسهل أكثر مكافحة الارهاب.

واذا كانت اسرائيل تريد فعلا نجاح الأنشطة الفلسطينية الوقائية في مواجهة الارهاب فعليها ان تسهم بنصيبها في ذلك. أبو مازن أرسل رسالة واضحة: التسهيلات الفورية للفلسطينيين ستسمح باعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني وتساعد في تهدئة السكان وتخفيض دعمهم للتنظيمات التخريبية. التجار في اسرائيل يؤيدون التسهيلات: اتحاد أرباب الصناعة ينتظر عودة عشرات آلاف العمال الفلسطينيين في فرع البناء بفارغ الصبر.

الشارع الفلسطيني يتوقع من أبو مازن ازالة الحصار الداخلي وإتاحة التنقل وإبعاد الدبابات والحفاظ علي الأمن العام. واذا حدثت هذه الامور فان أبو مازن ودحلان سيظهران بصورة أقل فأقل كعملاء للولايات المتحدة واسرائيل. وليس بامكان الشارع الفلسطيني ولا حماس ان يتجاهلوا مثل هذه الأجواء. ولكن هذا الامر ما زال بعيدا. والسؤال الآن هو هل توجد رغبة وصبر في الجانبين؟ هذا هو الشرط لنجاح خريطة الطرق.

(يديعوت احرونوت) 2/5/2003

المصطلحات المستخدمة:

اوسلو, اتحاد أرباب الصناعة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات