المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في الفيلم السينمائي «ثندر دوم» (قبة الرعد)، أحد أفلام سلسلة «ماد ماكس» العنيفة القاتمة، كانت هناك شخصيتان لا يمكن للمرء نسيانهما ـ إحداهما تلك التي قامت بإدائها المطربة تينا تيرنر، والأخرى لـ«ماستر بلاستر» العنيف. في المواقع التي سبقت مشاهد الحرب النووية للفيلم السينمائي، حيث لا وجود لنفط، كان المصدر الوحيد للطاقة هو فضلات الخنازير التي تم تجميعها ومعالجتها في العالم السري المخيف لماستر بلاستر، الذي جمع بين شخصيتين.بطل الفيلم هنا هو بلاستر، المراهق العملاق الذكي الذي يتمتع بقدرات ذهنية هائلة غير متقنة التوليف. على كتفيه يختبئ «ماستر» خلف خوذة ضخمة، حيث اعتاد وضع الخطط الجهنمية وتدبير الامور بطريقة مرعبة، دون أن يتمكن من إطلاق العنان لصوته، وقد اكتفى بتأكيد سطوته وقدرته على بسط نفوذه الذي يتجاوز حجمه الصغير.

شخصية بطل الفيلم تصور العلاقة الشاذة بين إسرائيل والولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة. هذه العلاقة التي بدت واضحة للعيان خلال نظامي شارون ـ بوش الحاليين. ويبدو ان الصحافة «الشعبية» في الولايات المتحدة باتت، وبالرغم من حساسية المسألة ودواعيها، تركز بشكل مدهش على من يقف خلف سياسة أميركا الخارجية في الوقت الراهن، وعلى المستفيد من هذه السياسة، كما هو حال بعض الاصوات الشجاعة.

وكما كتبت آن جويسي، المحررة في دورية «ميدل إيست بوليسي»، التي تصدر كل ثلاثة أشهر من واشنطن، بشجاعة، في العدد الأخير من المجلة، فإن الحرب على العراق كانت «مدبرة لا لحماية الأراضي الأميركية من صدام حسين الضعيف، بل لفرض هيمنة أميركا في منطقة الشرق الأوسط بما يسمح للمستوطنين الإسرائيليين بالاحتفاظ بالأراضي التي ينهبونها من الفلسطينيين».

سؤال هام لا بد من طرحه، ويتعلق بهدف ما يمكن اعتبارها سلسلة الحروب الأميركية الموجهة ضد خصوم إسرائيل (ناهيك من هدفها المتعلق بفرض «هيمنة مطلقة» في أنحاء العالم تتزعمها أمبراطورية أميركية ـ إسرائيلية، وهي مسألة عزيزة على قلوب وعقول عصابة «المحافظين الجدد» الذين يقفون خلف سياسة أميركا الخارجية في الوقت الحالي)، حيث يطرح البعض ان هذه الحروب تبدو على الأرجح (أو ربما انها مقصودة) على علاقة بتحسين أمن ورخاء أو مستوى معيشة الأميركيين. وهو سؤال لا تبدو الإجابة عليه نزيهة ومقنعة إذا ما أرادنا اعتبارالمسألة طبيعية.

فأولئك الذين يدافعون عن نظام «المحافظين الجدد»، مقابل تلميحات «الولاء المزدوج» (وهو تعبير شكلي عن الظروف الحالية)، اعتادوا على القول إنهم في واقع الحال لا يفرقون في تفكيرهم بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وإنهم يعتبرون بصدق مصالح البلدين متطابقة في كل الظروف، كما يعتبرون بصدق ان كل ما هو جيد بالنسبة لإسرائيل جيد للولايات المتحدة.

قد يكون ذلك انعكاسا دقيقا لما في أذهان العديد من «المحافظين الجدد» ـ وبالفعل ولأسباب متعلقة بالخوف الذي يسيطر على الاوساط الاعلامية الاميركية. على اية حال ان العديد من الأميركيين، وخصوصا أولئك الذين باتوا لا يقبلون، في اعقاب الحادي عشر من سبتمبر، اعتبار مقولة «لأننا نعشق الحرية» اجابة نزيهة ومقنعة لسؤال «لماذا يمقتوننا؟»، لا يعتبرون شخصية ماستر بلاستر المخيفة الشخصية الوحيدة في الساحة الدولية.

التساؤل علنا في الولايات المتحدة عن هذه الهوية المزعومة للمصالح الوطنية يتطلب قدرا هائلا من الشجاعة. (وأعضاء الكونغرس الأميركي الذين قد يجرؤون على القول، علنا، بأن المصالح الإسرائيلية والأميركية قد لا تكون متطابقة دائما، وبأنهم سيجعلون دائما مصالح أميركا قبل مصالح إسرائيل، لا يتجاوز تعدادهم على الأرجح عدد أصابع اليد الواحدة). ومن يجرؤ على تحدي هذا النهج الجلي بشكل فعال، عليه أن يتوقع توجيه تهمة «معاداة السامية» ذات الدمار الشامل اليه، وهي التهمة التي تعد في أميركا أكثر إهانة من «معاداة أميركا».

وهذه مسألة تجعل التحدي الذي يواجهه أولئك الذين يأبهون بصدق لمصالح أميركا الوطنية والسلام العالمي، أكثر الحاحا. ذلك ان ماستر بلاستر على ما يبدو بات واثقا من موقفه المهيمن، الى درجة انه لم يعد يأبه بإخفاء نفسه خلف الخوذة. وها هو أرييل شارون يكتسب شهرته بما تردد عن قوله لشمعون بيريز، عندما كان الأخير يحاول ستر عورته كوزير لخارجيته، إن إسرائيل لم تعد قلقة من الضغط «الأميركي»، لأنها «تسيطر على الولايات المتحدة».

وفي أعقاب سقوط بغداد مباشرة، وفي مقابلة مع جريدة «معاريف» الصادرة في تل أبيب، نقل عن وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز قوله «لدينا قائمة طويلة من القضايا التي نفكر في مطالبة السوريين بها، وسيكون من الأفضل لو فعلنا ذلك عبر الأميركيين» ـ الذين، بطبيعة الحال ـ قاموا بذلك على الفور.

* محام أميركي في الشؤون الدولية

الشرق الاوسط، لندن، 3/5

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات