المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يتنافس المستوطنون مع "الارهاب" الفلسطيني باعتباره التهديد الاول على نوعية حياة الدولة وجوهر مستقبلها. هذه المقولة ستصطدم، بالطبع، بذلك الصنف من ردود الفعل الهائجة، المهانة، المتملقة ودعيّة الصهيونية، التي اصبح جمهور المستوطنين متخصصًا بها. لكن لا مبالغة في هذه المقولة. اذا ما انطلق، قريباً وبصورة جدية، تحرك امريكي - اوروبي لاستئناف المفاوضات، فلن يستطيع احد التشويش والتخريب عليه اكثر من المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

خطر التخريب من طرفهم اكثر منه حتى من طرف رئيس الحكومة. فهو سيكون خاضعا لضغوط امريكية، اما هم فلا. هو يعرف الانحناء امام الضغوط، بينما هم سيجعلونها سلاحًا في الصراع.قوة المستوطنين هي ظاهرة خطيرة لأن متكأها ليس الجمهور الاسرائيلي. فغالبية هذا الجمهور تعبر، بمثابرة واستمرار، عن الاستعداد لتفكيك المستوطنات من اجل التوصل الى تسوية. قوة الاستيطان السياسية تنبع من الدعم السياسي - الحزبي الذي يقدمه اليمين الحاكم. انها حركة كبيرة، لكنها معزولة في المجتمع الاسرائيلي. يغذيها نوع من الشعور بالذنب - المبرر - لدى غالبية السياسيين الحاليين، من اليمين ومن اليسار، على اسهامهم طوال سنوات في تعزيز هذا التيار. من السهل على المستوطنين، الآن، العزف على اوتار المسؤولية التاريخية على مر الأجيال. لا يجوز السماح لهم بالاستمرار على هذا المنوال. وليس هنالك أي سبب يمنع قلب امورهم رأساً على عقب.

من اجل تحسين وضع الاقتصاد، يطلب من مئات الاف الاسرائيليين الى تقديم المزيد من التضحيات الجسام. غير قليل من المسلمات الاساسية في انظمة الاقتصاد والاجور - بل التقاعد ايضا - يتم كسرها ودوسها سعيًا الى خطة اقتصادية تضمن رفع مستوى الحياة هنا. لكن ثمة اقلية اسرائيلية لا تزال تعرّض الأغلبية الى الخطر، من خلال الاستمرار في تطبيق المسلمة المزعومة حول حقها في السكن في "المناطق المدارة". معارضة هذه المسلمة ليست صادرة عن اعتبارات اخلاقية، ولا هي تفسير بديل لحق الآباء على "ارض اسرائيل" الكاملة. انها خلاصة الواقعية السياسية التي ستكون ملزمة للدولة في الفترة القريبة. هذا هو الاستنتاج المترتب، منذ سنوات عديدة، على حاجاتها العملية.

ذلك ان ميزان اعمال هذا التيار الايماني، المسيحاني في بعض قطاعاته، الذي يغذي الاستيطان في المناطق (الفلسطينية)، هو ميزان سلبي. وبالمصطلحات الاقتصادية، كان ينبغي القول ان الجزء الأكبر من التوظيفات المالية في حركة الاستيطان تحول الى ديون ضائعة في الميزان القومي، وينبغي بالتالي شطبها. قرار حاسم كهذا ليس بالأمر الهين، حتى في نظر المعارضين التاريخيين للاستيطان. انه منوط بتضحيات ذاتية فردية وجماعية من قبل طبقة دينامية في المجتمع الاسرائيلي بنت تحركاتها ونشاطاتها على اساس وعود عديمة المسؤولية قطعتها حكومات اسرائيل. ولكن، ليس ثمة طريق آخر.

وكما كان متوقعاً، فقد جاء هذا المطلب من الخارج مرة اخرى. معارضة الاستيطان في الشارع الاسرائيلي لم تحقق نجاحات تذكر على مر السنوات، بسبب انعدام التعاون من جانب غالبية المؤسسات السياسية وبسبب اللامبالاة التي تصل حد الانتحار، بين الجمهور الاسرائيلي. لأن احد النجاحات الاساسية التي حققتها حركة الاستيطان كان اقامة الرابط المختلق بين مشروعها الاستيطاني وبين ما عرضته دومًا على انه مناعة، وصمود، وصهيونية الأمّة الحقيقية وسلامتها النفسية. انه تشويه لا يضاهيه تشويه في أي مجال اسرائيلي آخر. الآن يكثر الحديث – وهو لا يزال مجرد حديث - عن التحرك الامريكي المتوقع. ثمة ما يثير التخوف من ألا تكون هذه المبادرة المتجددة قوية ومكثفة بقدر الحديث عنها، لكن يمكن الافتراض بأن الجولة الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية المقبلة سوف تكون اكثر تصميمًا من سابقاتها. ثمة امام الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الكثير مما يواجههما في الحرب في العراق، اكثر بكثير من ان تسمحا لحركة الاستيطان بتسيير دبلوماسيتهما في المنطقة.

وليس اقل منهما ايضا وطنيون اسرائيليون. هؤلاء عليهم الاقتناع بأن مصلحة الوطن لا تتغذى، ولا بأي شكل من الاشكال، من استمرار المفهوم الهدام حول حقنا في تلال الضفة. لكي يقتنعوا بذلك، ليس من الضروري ان يكونوا جنودًا احتياطيين يتم ارسالهم للمخاطرة بحيواتهم في حراسة مجموعات صغيرة من المستوطنين. الاستيطان يشكل خطرًا يوميًا مباشرًا عليهم حتى وهم في منازلهم. او - بحدة اكبر - كما كتب يعقوب طلمون في الموضوع نفسه قبل سنوات عديدة جداً: "الوطن في خطر".

("هآرتس"، 2/4، ترجمة: "مدار"))

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, رئيس الحكومة, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات