المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"يبدو ان مهمة حكومة شارون الجديدة الاولي ستكون احباط مبادرة التسوية الدولية القسرية للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني المسماة خريطة الطرق، والداعية الي اقامة دولة فلسطينية مؤقتة حتي نهاية العام 2003 والتوصل الي تسوية دائمة حتي عام 2005".


هكذا يلخص المعلقون السياسون في اسرائيل (الوف بن في "هآرتس" وناحوم برنياع في "يديعوت احرونوت") مهمة شارون الاولى، بعد أن ينتهي من تشكيل الائتلاف الحكومي القادم، الذي يتوقع ان تعكس تركيبته "اتجاه الريح" السياسي في المرحلة المقبلة.

وستكون خطوات شارون التالية مصحوبة بمواصلة التحضير للحرب الامريكية على العراق، وبالتنسيق المباشر مع إدارة الرئيس جورج بوش، التي لا تعارض مواصلة الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، لكنها تود إحياء "خريطة الطرق" الى دولة فلسطينية، يتبين ان نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي أعطت حزب الليكود وأحزاب اليمين الأخرى غالبية لم يسبق لها مثيل، قد اطاحتها.

ومن الطبيعي ان يسعى شارون الى استغلال الهجوم الأميركي على العراق لترتيب وضعه الداخلي من ناحية، وترتيب علاقاته مع الإدارة الأميركية بالدرجة التالية. وبحسب جدول أولوياته، فإنه يريد الاتفاق مع الإدارة الأميركية على <<خريطة الطرق>> بشكل يأخذ بالحسبان <<القيود الائتلافية>> المفروضة عليه.

وقد أشارت المصادر الإسرائيلية الى احتمال قيام شارون في وقت قريب بزيارة واشنطن، وربما قيام بوش بزيارة تل أبيب بغية اصدار <<اعلان مشترك>> لتصور سلمي يشكل احراجا، على الأقل لحزب العمل الذي يرفض المشاركة في حكومة برئاسة شارون. ويرى بعض قادة الليكود ان مثل هذا الاعلان سيجعل حزب العمل <<أكثر يسارية>> في نظر الجمهور الإسرائيلي من الإدارة الأميركية.

ويبذل شارون جهده من أجل تضمين الخطوة الأساسية لحكومته موافقة مبدئية على خطة بوش، وبالتالي موافقة ضمنية على مبدأ الدولة الفلسطينية. ومن دون الحصول على موافقة كهذه سوف تتعثر خطواته منذ اللحظة الأولى.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة الى اتصال بوش بشارون مهنئا، وقوله انه بات الآن <<بالإمكان مواصلة تجسيد ما يؤمن به رئيس الحكومة الإسرائيلية>>.

وتحدثت المصادر الإسرائيلية عن اتصال الرئيس المصري حسني مبارك بشارون ودعوته له لزيارة القاهرة. وحسب معلقين إسرائيليين، فإن هذا يشكل انقلابا على الموقف المصري الأول الذي فرض مقاطعة عملية على رئيس الحكومة الإسرائيلية.

وفي الوقت الذي انشغل فيه قادة الأحزاب الإسرائيلية بالاحتفال بالنصر أو مداواة جروح الهزيمة، كان شارون يدق رأسه في الجدار بحثاً عن التشكيلة الحكومية الممكنة في الواقع الحزبي والسياسي والاقتصادي والأمني البالغ التعقيد. فالجمهور الإسرائيلي قال كلمته ومنح اليمين أغلبية واضحة لقيادة الدولة اليهودية، غير ان الفوارق في داخل هذا اليمين لا تختلف كثيراً عن الفوارق بين بعض أطرافه، خاصة شارون، وبعض أطراف اليسار الاسرائيلي. ولهذا السبب غدت مهمة تشكيل الحكومة الجديدة سيراً في حقل ألغام بالغ الكثافة.

ولا يقلل من قلق شارون تهنئة بوش ولا اتصال مبارك ودعوته له لزيارة القاهرة. كما لا يزيد كثيراً من هذا القلق المواقف المنددة بانتخابه، سواء في البلدان العربية والسلطة الفلسطينية أو حتى في العالم. فأمام الدائرة الأولى التي يستشعر فيها بالخطر المباشر ليس لدى شارون كثير وقت للالتفات الى صيحات التشجيع أو التنديد في الدوائر الأخرى.

ولذلك فإن شارون في حالة انتظار. وهو الآن بانتظار تكليفه رسمياً بعد حوالى عشرة أيام، من جانب الرئيس الإسرائيلي موشيه قصاب بتشكيل الحكومة الجديدة. وبحسب المقربين منه، فإنه ليس في عجلة لاستغلال هذه الأيام العشرة في اجراء اتصالات ائتلافية. وقد حظر على مقربيه إعلان أية مواقف أو اجراء أي اتصالات ذات شأن بالمفاوضات لتشكيل الحكومة. ويرى بعض المعلقين أن شارون بدأ فعلياً بعملية معقدة تستهدف تحريض الشارع الإسرائيلي على الضغط بشكل مكثف على حزب العمل للدخول في حكومة الوحدة.

وقد بدأ شارون هذا الضغط عندما أعلن في خطاب انتصاره انه يدعو حزب العمل الى الدخول في الحكومة سوياً مع جميع الأحزاب الصهيونية. وقدم <<الطعم>> على شكل تأكيده بأن شيئاً لن يتغير في البرنامج السياسي للحكومة الجديدة. وان هذه الحكومة ستلتزم البرنامج نفسه الذي اتفقت عليه في الحكومة السابقة مع حزب العمل. ومن غير المستبعد ان يدفع شارون قوى دولية، خاصة الولايات المتحدة، لممارسة نفوذها لدى حزب العمل لدخول حكومة الوحدة.

وثمة من يرى ان تباطؤ شارون في البدء بالمفاوضات الائتلافية يرمي الى محاولة استغلال الظروف الخارجية، خاصة احتمال الهجوم الأميركي قريباً على العراق. وهو يعتقد أنه في حال وقوع هذه الحرب يمكن له أن يلتف على المعارضة داخل الليكود واليمين ويطلب تشكيل حكومة طوارئ قومية مع حزب العمل. وان عميرام متنساع، في حالة كهذه يتعذر عليه رفض هذا الطلب. ويجد شارون تشجيعاً في هذا المنحى من زعيم حركة شينوي، يوسف لبيد الذي أعلن انه سينضم الى أي حكومة طوارئ، بصرف النظر عمن فيها في حال سقوط الصاروخ الأول على اسرائيل، وسوف ينسحب حال توقف سقوط الصواريخ.

* الأجندة السياسية ضاغطة:

سقطت حكومة شارون الاولى نتيجة التدهور الحاصل على المساري السياسي، وبخاصة المسار المشترك مع الفلسطينيين. وعندما سيفرغ شارون من تشكيل حكومته، سيجد ان اجندته السياسية ضاغطة ولا تحتمل التأجيل، وليس من الواضح له منذ الأن كيف سيتجاوزها مع نفس الخطوط العريضة لحكومته السابقة، كما اعلن غداة الفوز في الانتخابات.

فالادارة الامريكية وافقت علي تأجيل طرح المبادرة حتي تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة. عندئذ سيجتمع وزراء خارجية "الرباعية" للمصادقة على الصيغة النهائية لـ "خريطة الطرق"، وفرضها، بعد ذلك، علي جميع الأطراف.

لكن رئيس الوزراء ارييل شارون يسمع تقديرات مفادها انه لا يوجد سبب يدعوه للقلق. فالجيش ينظر لـ "خريطة الطرق" باعتبارها نوعا من الضريبة الكلامية التي ستنتهي بالتجميد كمثيلاتها من المبادرات الامريكية السابقة. وفي وزارة الخارجية يقولون لشارون بأن امريكا ستكون مشغولة في الحرب ضد العراق ومن بعد ذلك ستركز على انتخابات الرئاسة الامريكية. الا ان شارون المرتاب في طبعه ليس مطمئنا، فهو يخشي ان تتغير الظروف ويقوموا بعد ذلك بإجباره علي الانسحاب من الاراضي الفلسطينية والمستوطنات.

الخيار العسكري ليس متاحا أمامه، والقيادة الأمنية ترى في إبعاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مفتاحا لإنهاء القتال مع الفلسطينيين واستئناف العملية السياسية. الا ان أقوال وزير الدفاع موفاز ورئيس هيئة الاركان يعلون تشير الي انهما قد تنازلا عن امكانية تركيع الفلسطينيين بالقوة. ولم يعد شاؤول موفاز وموشيه يعلون يتحدثان عن حسم الصراع، وهما يأملان بأن يتسبب النصر الامريكي في العراق الي احداث "انفجار استراتيجي" في المنطقة، ويتحدثان عن ضغوط امريكية لاستبدال الرئيس الفلسطيني.

جرت الانتخابات الاسرائيلية في ظل وجود مئات الجنود الامريكيين في اسرائيل ووجود طلب اسرائيلي بالحصول علي المساعدة الأكبر في تاريخ اسرائيل وامريكا، وهذه مسألة لها دلالة رمزية. أصبحت اسرائيل أكثر اعتمادا علي المظلة السياسية والأمنية والاقتصادية الامريكية في ظل قيادة شارون، وهذا لا ينطبق فقط علي مواجهة الهجمات الصاروخية العراقية وانما علي الصراع في مواجهة الفلسطينيين ايضا.

في الاسابيع القريبة سيضطر شارون للمناورة بين المصالح المتناقضة. فحتي يُدخل حزب العمل الي حكومته يتوجب عليه ان يبرز استعداده للتنازلات المؤلمة. الا ان إبقاء الليكود وشركاءه الايديولوجيين الي جانبه يتطلب منه ان يبرز التشدد. شارون يريد ازاحة خريطة الطرق عن الطاولة من دون ان يفسد ركيزته السياسية الامريكية.

حل شارون للمعضلة كان التمسك بخطاب بوش في الرابع والعشرين من حزيران (يونيو) والداعي الي اقامة دولة فلسطينية في ظل قيادة فلسطينية جديدة. قبِل شارون خطاب بوش وأعلن انه سيطرح هذا الخطاب علي الحكومة القادمة للمصادقة عليه الا انه خشي من القيام بمثل هذه الخطوة حتي يومنا هذا. وخلال الحملة الانتخابية أعلن شارون ان خطة بوش قد نسقت مع اسرائيل مسبقا وانه لا يتوجب الخروج عنها. وقد أوضح أتباعه بأن "خريطة الطرق" التي أعدت كتسوية بين امريكا وشركائها الاوروبيين هي تفسير غير ملزم لخطاب بوش.

* تفسير اسرائيلي لخطاب بوش

تفسير شارون لخطة بوش مكون من جزئين. في البداية يتم القاء العبء على الفلسطينيين المطالبين بوقف "الارهاب" ووقف اطلاق النار واستبدال قيادتهم واجراء اصلاحات جذرية في السلطة الفلسطينية والأمن والاقتصاد والتربية والتعليم. وعندئذ سيأتي دور اسرائيل التي سترد عليهم بتنازلات من عندها مثل الانسحاب وتجميد المستوطنات اللذين سيقودان الي اقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة وسيادة محدودة.

في مواجهة الوضع الجديد طرح شارون ثلاث لاءات: لا للتفاوض في ظل اطلاق النار، ولا للتفاوض مع ياسر عرفات، ولا للجداول الزمنية. واذا تم استيفاء هذه الشروط فسيكون هناك ما يمكن التحدث حوله حسب رأيه.

من المتوقع ان يقوم أتباع شارون ببيع البضاعة في غلافين مختلفين خلال المفاوضات الائتلافية. حزب العمل سيقول ان الدولة الفلسطينية قادمة أما الاتحاد الوطني بقيادة ليبرمان فسيقول له انه ليس هناك ما يقلق لأن المطالب المشترطة على الفلسطينيين صعبة جدا لدرجة عدم وجود احتمالي بتطبيق الخطة.

في الايام الاخيرة استمع وزراء الليكود الى شارون يقول انه ينوي السير الي الأمام في العملية السياسية بعد الانتخابات. وقد شكل شارون طاقمين سياسيين يعملان بالتوازي وبشكل متطابق في بعض الأحيان: طاقم مدير ديوانه دوف فايسغلاس يبلور الرد الرسمي علي "خريطة الطرق". وألقيت مهمة الصياغة على كاهل مستشار ديوان شارون السياسي شالوم ترجمان وفقا لأوراق العمل المعدة في وزارة الخارجية الاسرائيلية وفي قسم التخطيط الاستراتيجي في الجيش. العمل يجري بتباطؤ وفي ختامه ستكتب الصيغة الاسرائيلية لخطاب بوش حيث يفترض ان تتحدد الصيغة النهائية حسب التشكيلة الائتلافية وليس العكس.

وفي ذلك يكتب الوف بن في "هآرتس" (29 كانون الثاني): <<اسرائيل ستجد صعوبة في ادخال تغييرات جوهرية علي خريطة الطرق التي اجتازت ثلاث مسودات حتي الآن. فشارون أقنع الادارة الامريكية بتأجيل طرح المبادرة حتي انتهاء الانتخابات وذلك حتي يسهل حملته الانتخابية ولكن في هذه الاثناء حددت صياغات وحقائق يصعب الخلاص منها. الاوروبيون يعارضون تغيير المسودة القائمة وفي واشنطن مستعدون لاستيعاب ملاحظات اضافية من الأطراف ولكن من دون افراط أو مبالغة>>.

أما الطاقم السياسي الثاني الذي شكله شارون المسمي "الرباعي"، فيرأسه الوزير دان مريدور ويشارك فيه فايسجلاس ومنسق العمليات في الاراضي الفلسطينية اللواء عاموس جلعاد ومستشار الامن القومي افرايم هليفي. مريدور طولب بطرح خطة سياسية للحكومة القادمة. تكليف الوزير الأكثر اعتدالا بهذه المهمة ومن دون اشراك وزارة الخارجية برئاسة بنيامين نتنياهو كان مثابة تلميح بأن شارون مستعد للتسوية.

استخلاص مريدور كان بأن فرص استئناف العملية السياسية تعتمد علي قيادة الطرفين بصورة أساسية: تشكيلة الحكومة الاسرائيلية الجديدة والجهة التي ستقود الفلسطينيين، عرفات أم خلافته البراغماتية. ويؤيد مريدور تحالف الليكود مع حزب العمل وشينوي وتشجيع بروز قيادات فلسطينية جديدة.

ويواصل الوف بن: <<خلال مداولات الرباعي الاسرائيلي الذي يرأسه مريدور جري الحديث عن سبل استبدال عرفات وطرحت الحاجة الي ازالته من الوعي العام بحيث يدرك الفلسطينيون ان مغادرته أفضل لهم من بقائه في كرسيه، ولا يكفي إبعاده عن المقاطعة في رام الله، ومن المهم ان يشعر أبناء شعبه ان وقته قد أزل. الجيش يرى في عرفات طرفا ضارا وانه ما زال ينجح رغم ابعاده عن المسرح الدولي في احباط كل تقدم سياسي وكل محاولة لوقف اطلاق النار والاصلاح. اسرائيل مستعدة لاعطاء الكثير من اجل استبداله، وفي الطاقم السياسي جري حديث عن وسائل وسبل اعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي في المناطق، الامر الذي يعزز القادة السياسيين الجدد ويحول دون صعود حماس كبديل للسلطة المنهارة.

<<أطراف سياسية بارزة تتحدث عن عملية طويلة الي ان يتزحزح عرفات عن مكانه ويتوطد في السلطة حكم جديد. ولا أحد في القدس ينظر بجدية الي جدول خريطة الطرق القصير. والسؤال هو اذا استطاعت اسرائيل ان تواجه عملية التآكل المتواصلة في المواجهة مع الفلسطينيين أو اذا كانت سترغب في دفع الثمن السياسي الذي سيطالب به الامريكيون مقابل رأس ياسر عرفات، واذا ما كانت ايضا ستوافق علي تطبيق ما يتعلق بها في السيناريو الاسرائيلي.

لذلك، يوجد في المستوي السياسي تفكير اذا كان من الأجدر لاسرائيل حقا ان تكرس الواقع الصعب حتي تبديل عرفات أو اذا كان من الأفضل لها ان توافق علي تسوية معينة.>>

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات