المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لم تأت استطلاعات الرأي في أوساط الإسرائيلين، نهاية الأسبوع المنصرم، بجديد صارخ في الساحة الإنتخابية، باستثناء نجاح رئيس الحكومة الإسرائيلية أرئيل شارون بزيادة فارق النقاط المئوية على خصمه على زعامة حزب ليكود بنيامين نتنياهو، وذلك قبل أسبوعين من الإنتخابات الداخلية على رئاسة الحزب، الذي سيكلف، وفقا للإستطلاعات ذاتها، بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، غداة الإنتخابات البرلمانية في 28 كانون الثاني (يناير) المقبل.
وقد أكدت هذه الإستطلاعات فوز أحزاب اليمين - التي يعتبر حزب "ليكود" أكثرها اعتدالا!! - بغالبية مطلقة في الكنيست الجديد تمكن زعيم ليكود الذي ستسند إليه مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، من الإستغناء عن "خدمات" حزب العمل وشروطه للمشاركة في الإئتلاف الحكومي. هذا فضلا عن التوقعات بانحسار قوة "العمل" واحتمال فشله في الفوز بأكثر من عشرين مقعدا من مجموع المقاعد ال 120 في الكنيست.

لكن ما يميز عددا من أعمدة الرأي في الصحف العبرية هو "لغز" تعاظم شعبية شارون في أوساط الإسرائيليين الذين يقرون في الوقت نفسه أنه رئيس حكومة فاشل، قاد الدولة العبرية إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخها، وأخفق في تحقيق وعده للناخبين بجلب الأمن والسلام أيما إخفاق. بل، وأكثر من ذلك: شهدت ولاية حكمه القصيرة (20 شهرا) سقوط أكبر عدد من القتلى الإسرائيليين في عمليات مقاومة فلسطين (675 قتيلا) وهو عدد لم تشهده فترة ولاية أي رئيس حكومة إسرائيلية من قبل.

في محاولاتهم سبر غور هذه النتائج المتناقضة في استطلاعات الرأي خلص بعض المعلقين إلى الإستنتاج أن المجتمع الإسرائيلي "غير طبيعي" يسيطر عليه تبلبل الخواطر من دون أن يشعر بالمفارقة المضحكة - المبكية التي ينطوي عليها موقفه. فهو من ناحية يدرك - بحسب استطلاع بثت نتائجه إذاعة الجيش الإسرائيلي- أن السلام لن يتأتى من دون أن تقدم إسرائيل "تنازلات" للفلسطينيين وتنسحب من أراضيهم المحتلة عام 1967 (على أن تبقي الكتل الإستيطانية الكبيرة تحت سيطرتها) لكنه في الآن ذاته يرفض دفع هذا "الثمن" متأثرا بالخطاب اليميني الذي يصر على إحياء مخاوف الإسرائيليين من الإنتفاضة والترويج لها والتحريض على الفلسطينيين.

* إستطلاع يديعوت أحرونوت:

جاء الإستطلاع الذي أجراه معهد "داحف" بنتيجة جديدة تقول أن شارون نجح، بعد انعقاد مؤتمر حزب ليكود مطلع الأسبوع المنصرم، في زيادة فارق النقاط المئوية بينه وبين خصمه نتنياهو من ست إلى ستة عشرة نقطة. إذ قال 54% من المنتسبين للحزب أنهم سينتخبون شارون في مقابل 38% سينتخبون نتنياهو. وأعلن 50% من أصحاب حق الإقتراع في حزب العمل أنهم سيصوتون لمصلحة رئيس بلدية حيفا عمرام متسناع زعيما للحزب فيما حصل الزعيم الحالي وزير "الأمن" السابق بنيامين بن إليعزار على 30% وحاييم رامون 13% فقط ما يعني نجاح متسناع في حسم معركة الإنتخابات على زعامة الحزب، التي تجري اليوم بمشاركة نحو 120 ألف منتسب للحزب، في الجولة الأولى من دون انسحاب رامون، حسبما طالب عدد من أقطاب الحزب.

ودللت النتائج على أن أحزاب اليمين وبضمنها الأحزاب الدينية المختلفة ستحوز على 66 مقعدا في الكنيست الجديد بموجب التقسيم التالي: ليكود 34-35 (19 مقعدا في الكنيست المنتهية ولايته)، شاس 9 (17)، "الإتحاد القومي - إسرائيل بيتنا" 9 (8)، يهدوت هتوراه 5 (5)، مفدال 4-5 (5)، إسرائيل بعلياه 4 (6). ويتمثل "العمل"، المحسوب على يسار الوسط بـ 19 مقعدا (تمثل، متحالفا مع حركتي غيشر وميماد بـ 26 مقعدا في الكنيست الحالي) وحزب "عام إحاد" بزعامة رئيس اتحاد النقابات المحسوب على تيار الحمائم بثلاثة مقاعد (يحافظ على قوته) وتخسر حركة "ميرتس" اليسارية الصهيونية مقعدين فتتمثل بثمانية فقط وتحصل الأحزاب العربية المختلفة على 11 مقعدا. أما حزب "شينوي" بزعامة طومي لبيد (يمين الوسط) فيضاعف تمثيله من ستة إلى اثني عشر مقعدا، لكنه لن يشارك في حكومة يمينية تتضمن المتدينين المتزمتين (شاس ويهدوت هتوراه).

وفي معرض تعليقها على النتائج المذكورة عزت الصحافية سيما كدمون تعاظم شعبية شارون إلى قيامه بضم خصمه نتنياهو إلى حكومته وزيرا للخارجية وجنرال الحرب شاؤل موفاز وزيرا للأمن ليشكلوا ثلاثيا يرى فيه ناخبوا "ليكود" أفضل تشكيلة ممكنة لا ينبغي تغييرها لأن فوزها بالإنتخابات العامة مضمون! وتتابع المعلقة في الشؤون الحزبية أن نتنياهو أخطأ حين زج بنفسه "الإقتراب الحزبي" وأخذ بمقارنة شارون ما كلفه انخفاض شعبيته لصالح رئيس حكومة يسعى للظهور كقائد مسؤول لا تعنيه الشؤون الحزبية وصغائر الأمور بقدر ما تهمه "مصلحة الدولة" أولا.

وتنوّه كدمون إلى حقيقة أن المعركة على زعامة "العمل" باتت هي أيضا محسومة لمصلحة متسناع الذي سيفووز بها حتى إن لم ينجح في حسمها في الجولة الأولى (يحتاج إلى 40% من الأصوات على الأقل) لأن أنصار رامون، وبحسب الإستطلاع ذاته، سيصوتون في الجولة الثانية لمتسناع فسيحصل على 57% من الأصوات مقابل 30% لبن إليعزار، فيما لم يقرر 13% لأي منهما سيصوتون.

ومن النتائج المثيرة التي حملها الإستطلاع أن عجوز حزب "العمل" شمعون بيرس سيأتي سادسا في قائمة الحزب للكنيست الجديد لحصوله على 21% فقط من أصوات المنتسبين. وترى كدمون أن نتائج الاستطلاع تؤكد أن تعيين الجنرال في الإحتياط المستوطن إيفي إيتام زعيما لحزب "المتدينين الوطنيين - مفدال" لم يحقق الهدف المرجو - تعزيز تمثيله في الكنيست الجديد – وانه، في أحسن الأحوال، سيحافظ على قوته.

وتختتم كدمون قراءتها للنتائج لتقول أنه فيما يحتاج نتنياهو لتطور دراماتيكي يقوده إلى زعامة "ليكود" فإن معجزة لن تمنع متسناع كرسي رئاسة الحكومة: الحكومة المقبلة ستكون حكومة يمين موسعة وقوية بزعامة شارون. وإذا ما ظل متسناع على موقفه المعارض المشاركة في حكومة وحدة وطنية بزعامة شارون فإنه سيجلس وقتا طويى مع حزبه الصغير والمنقسم على حاله على مقاعد المعارضة".

* إستطلاع "معاريف":

لم يأت الإستطلاع الأسبوعي لصحيفة "معاريف" بنتائج تختلف جذريا عن تلك التي جاء بها استطلاع "يديعوت أحرونوت" فقد توقع حصول أحزاب اليمين - المتدينين على غالبية من 67 مقعد مقابل 41 مقعد لـ "العمل" (22) والأحزاب العربية (11) وميرتس (8) و12 مقعدا لحزبي تيار الوسط، حسب تعريفها لـ "شينوي" و"عام إحاد".

لكن النتيجة الأبرز اللافتة للإنتباه تمثلت بما وصفه "عدم حماس" الإسرائيليين للمشاركة في الأنتخابات حيال "يأسهم من الأوضاع وضجرهم من السياسة وابتعادهم عن مجرد الإستعداد للمشاركة في عملية ديمقراطية". وبين الإستطلاع أن 50% فقط منهم أكدوا أنهم إلى صناديق الإقتراع ما ينذر بنجاح الأحزاب المتحمسة للإنتخابات، اليمينية والدينية المتزمتة، في الحصول على تمثيل يفوق قوتها الحقيقية فيما تهدد إمكانية مقاطعة المواطنين العرب للإنتخابات بخفض تمثيلهم في الكنيست إلى ستة مقاعد، ليس أكثر.

واللافت أيضا أن غالبية الإسرائيليين (59%) ترى السياسيين الإسرائيليين فاسدين و65% يعتقدون أنهم، أي الساسة يقودون الدولة العبرية في الإتجاه غير الصحيح.

وعلى الرغم من هذه "القناعات" تصر الغالبية ذاتها على إعادة منح الثقة، وبقوة أكبر، للقيادة ذاتها التي تتهمها بأنها قادت إلى "الوحل الإقتصادي" وتعجز عن قمع الإنتفاضة على رغم البطش والحصار والتجويع: "إنه وضع غير معقول يجد الجمهور الإسرائيلي نفسه مضطرا للتصويت لصالح قياديين ومنتخبين ترى فيهم غالبية العظمى فاسدين حتى النخاع"، يكتب المعلق السياسي في "معاريف" حيمي شاليف.

ويرى شاليف أن الإستطلاعات لم تحسم بعد هوية الحكومة الجديدة وأن الفترة المتبقية حتى موعد الإنتخابات قد تحمل معها تغييرات تحول دون تمكن شارون من تشكيل حكومة يمينية ضيقة: "يكفي أن تخسر أحزاب اليمين والمتدينون أربعة أو خمسة مقاعد في استطلاعات الرأي لحساب تيار الوسط أو اليسار ليتبين أن خيار الحكومة اليمينية - الدينية لم يعد واقعيا". وبرأي الكاتب فإن نتائج الإستطلاعات تدل على أنه ليس للإسرائيليين ما يتوقعونه من الإنتخابات الوشيكة "وربما لهذا السبب يحظى شارون، الذي يتصعب في الإشارة حتى إلى إنجاز واحد حققه"، بنسبة عالية من المؤيدين.

ويعتقد شاليف أنه لهذا السبب بالذات قد تتراجع شعبية شارون في حال انتخب حزب العمل عمرام متسناع "المغمور" زعيما له ونجح هذا في إقناع الإسرائيليين أنه سيحمل معه بشرى حقيقية للتغيير: "اذا صحا الإسرائيليون من حال اللامبالاة ومنحوا متسناع فرصة أخيرة لإحداث التغيير فستأتي الإستطلاعات المقبلة بانقلاب جدي، في توجهات الإسرائيليين".

ويتفق المعلق في "هآرتس" جدعون سامط مع زميله شاليف في ان متسناع قادر على إحداث التغير ويكتب أن الإسرائيليين "المرتبكين والقلقين" ومنهم أولئك الذين لم يخفوا في السابق امتعاضهم من شارون، إنما يدعمون شارون اليوم ليبقي على الوضع الراهن "إلى حين حصول وضع أسوأ". أي أنهم في واقع الحال يخشون المستقبل الغامض ويفضلون الحاضر على كل علاته "لكن إذا واصل متسناع وبكل قوة الحديث بجرأة عن طبيعة الحل الصحيح للنزاع وإذا ما اتضح أن الأوضاع تسوء أكثر فأكثر وفي حال تخلص مئات آلاف الإسرائيليين من الخوف من رهبة رسالة التغيير" حينها فقط يمكن القول إن التغير آت".

وتلخص الكاتبة سيلفي كيشت في "يديعوت أحرونوت" المفارقات المضحكة المبكية في مواقف الإسرائيليين فتكتب: "فقط في هذه الجولة المجنونة يصبح الفشل قصة نجاح.. لدى سماعي الهتافات والأغاني والصراخ في استقبال شارون ففي مؤتمر ليكود أدعي أن شارون الكارثة هو قصة نجاح فائق.. هذا الرجل الباطش والقامع الذي تآمر طوال حياته ضد رؤسائه والذي يقف على رأس الهرم منذ عامين أضحى، "بمعاونة" بيرس والإعلام المنبطح أمامه أبا لهذه الأمة.. فقط لأمة بائسة كهذه يمكن أن تسوق، بنجاح، الرجل الذي مذ وطأت قدماه الثقيلتان الحرم القدسي الشريف لم نعرف لحظة واحدة من الراحة. لا سلاما ولا هدوءا ولا أمنا إنما حرب قاسية من دون أفق سياسي ومع وضع اجتماعي - إقتصادي كارثي.."!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات