المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ما زالت القيامة في إسرائيل قائمة على قسم التحقيق مع أفراد الشرطة الإسرائيلية ("ماحش") لقيامه بإجراء تحقيق مع عنصرين من حرس الحدود قتلا الشاب الفلسطينيّ محمد شوكت أبو سليمة في القدس المحتلة يوم السبت الفائت بحجة محاولة تنفيذ عملية طعن ضد مستوطن، وذلك بعد أن أوضح مقطع فيديو مُصوّر أن ظروف عملية قتل الشاب وهو ملقى أرضاً أقرب إلى عملية إعدام.

بكيفيةٍ ما تعيد هذه القضية إلى الأذهان ما باتت تُعرف باسم "قضية إليئور أزاريا"، بما يصحّ معه القول: ما أشبه الليلة بالبارحة. وأزاريا هو جندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي أقدم بدم بارد، في آذار 2016، على إعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل حتى وهو جريح ومُمدّد على الأرض ولا يشكل خطراً على أحد. واعتقل أزاريا ومن ثم حوكم وأدين بالقتل غير العمد، وحكمت عليه المحكمة العسكرية في تل أبيب بالسجن لمدة عام ونصف العام قبل أن يخفّف قائد هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي حكمه ليصبح 14 شهراً. ومثلما يذكر كثيرون جرى خلال هذه القضية الإعراب عن مواقف بهيمية صريحة، معظمها لا يحتكم إلى الأخلاق أو حتى إلى الحدّ الأدنى من المعقولية السياسية، بما كان واشياً للمرة كذا بحقيقة أن "الاحتلال والأخلاق" هما بمثابة أوكسيمورون، كما جرى التشديد من طرف كثيرين، بمن في ذلك إسرائيليون.

من هذه المواقف، التي سبق لنا أن توقفنا عندها، برز موقف اتهم الجيش الإسرائيلي بتبني أخلاق منظمة "بتسيلم" لحقوق الإنسان، وقد عبّر عنه موقع "ميداه" الإلكتروني اليميني المقرّب من رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، والذي كتب في سياق مقال افتتاحي ما يلي: "حسم قضاة المحكمة العسكرية في تل أبيب (الذين دانوا أزاريا بارتكاب جريمة القتل غير العمد بحق الشريف) موقفهم ضد روحيّة القتال في الجيش الإسرائيلي، والتي تقرّر بشكل غير قابل للتأويل أن هدف الجيش هو تحقيق الانتصار على العدوّ، وذلك لصالح روحيّة جديدة وغريبة تضع ’التفوّق الأخلاقي’ فوق أي اعتبار آخر. إن التعامل مع مخرب جريح بصفته ’إنساناً’ تساوي حياته حياة مواطنين أو مقاتلين من الجيش الإسرائيلي، هو تعامل مرفوض من أساسه. فالمخرب هو مخرب، وفقط مخرب. ومنذ اللحظة التي قرّر فيها أن يرفع يده على جندي أو مواطن (مستوطن) فقد حكم على نفسه بالموت، حتى وإن كانت أوامر إطلاق النار تستلزم في بعض الأحيان عدم إطلاق الرصاص. وبطبيعة الحال لا يجوز في أي وضعية أن يتحوّل إطلاق نار على مخرّب، حتى لو كان مخالفاً للأوامر، إلى عملية قتل أو إلى مخالفة قتل ليس عن طريق العمد. إن إدراج ما فعله أزاريا ضمن إطار جنائي يشكل خنوعاً غير مشروط لروحيّة اليسار المتطرّف الذي يرى في جنود الجيش الإسرائيلي جلاوزة وقاتلين محتملين، ويرى في المخربين الذي يعتدون على النساء والأولاد والمواطنين (المستوطنين) ’مقاتلين من أجل الحرية’، ويبرّر الإرهاب الفلسطيني بكونه ردّاً شرعيّاً على ممارسات إسرائيل... إن الرسالة الموجهة من وراء ذلك إلى جنود الجيش والمواطنين في إسرائيل هي رسالة قاسية فحواها: في لحظة الحقيقة يؤثر قادة الجيش المشاركة في الجنازات على الوقوف أمام محاكمات كاميرات ’بتسيلم’".

وثمة قضايا وأحداث عديدة أخرى تثبت ما نذهب إليه، وكان من أبرزها، قبل حادثة يوم السبت الماضي، عملية قتل بدم بارد تعرّض لها الشاب الفلسطيني إياد الحلاّق الذي يعاني من التوحّد، برصاص عسكر إسرائيليين في القدس المحتلة في أواخر أيار 2020.
وأول ما تبادر إلى الذهن بشأنها أنه في معرض ردّ الصحافي روغيل ألفر- Rogel Alpher -أحد كتاب الرأي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وهو والد لشاب يعاني من التوحّد، على سؤال ابنته فيما إذا يمكن أن يكون شقيقها عرضة لعملية قتل بدم بارد كالتي تعرّض لها إياد أجابها بأن ذلك غير ممكن لكونه يهودياً، في إشارة صريحة إلى أن إياد قتل لمجرّد كونه عربيّاً، وفي العُرف الإسرائيلي التقليديّ "العربي الجيّد هو العربيّ الميّت"، أو كما صاغت ذلك الباحثة في الشؤون الثقافية حفيفا بيدايا- Haviva Pedaya- في ذات السياق ضمن المقولة: "أنا أكره العرب، إذاً أنا موجود"!

وللعلم، فإن بيدايا سكّت هذه المقولة ضمن مسلسل تلفزيوني وثائقي تم إعداده وإنتاجه من جانب الكاتب الإسرائيلي رون كحليلي في أواخر العام 2019، وبُث على مدار ثلاث حلقات، وتمحور حول موضوع كراهية العرب، وخلص إلى نتيجة فحواها أن هذه الكراهية تشكّل الإجماع الإسرائيلي القومي الأبقى، والمركّب المركزي الأبرز في هوية المجتمع اليهودي في دولة الاحتلال. وهو الإجماع الأبقى لسببين: الأول يعود إلى عملية التنشئة الاجتماعية، بينما يعود الثاني إلى القدر المفرط من نزعة التمحور حول الذات ورفض الآخر. وهناك الكثير مما يمكن قوله بشأن السببين فيما يتصل بتشريح نفسية ذلك المجتمع، كما لا تنفك تكشف عنها وتعيد تذكيرنا بها وقائع تتراكم من يومٍ إلى آخر.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات