المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
وسائل إعلام إسرائيل: عشرات الآلاف تظاهروا في مختلف الأماكن مطالبين نتنياهو بالاستقالة
وسائل إعلام إسرائيل: عشرات الآلاف تظاهروا في مختلف الأماكن مطالبين نتنياهو بالاستقالة

(*) تومئ جلّ مواد هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" إلى وجهتين تسير إسرائيل نحوهما وبرهنت عليهما وقائع الأيام الأخيرة، وسيتعيّن علينا أن نتعقبهما باستمرار في قادم الأيام.
الوجهة الأولى، انخفاض شعبية رئيس الحكومة الإسرائيلية وزعيم اليمين بنيامين نتنياهو، وهو ما أمكن استخلاصه من اتساع نطاق حملة الاحتجاجات على سياسته، بالأساس على خلفية تقديم لائحة اتهام ضده بشبهات فساد وانضاف إليه الفشل الذي منيت به حكومته الخامسة، الحالية، في مواجهة أزمة فيروس كورونا وتداعياتها الصحية والاقتصادية- الاجتماعية، وكذلك من معطيات آخر استطلاعات الرأي العام.

وكان من أبرز النتائج المباشرة لذلك صعود نجم زعيم تحالف "يمينا" نفتالي بينيت. ويشمل هذا التحالف تيار الصهيونية الدينية.

وينبغي أن يُشار في هذا الصدد إلى أن بينيت لا يُخفي، منذ أن دخل إلى المعترك السياسي، أن في صلب تطلعاته أن يحوّل التحالف الذي وقف ويقف على رأسه إلى حزب ذي مظلة واسعة للغاية تكون أكثر صهيونية، وبوسعها أن تكون سقفاً للجميع. وفي إحدى المناسبات السابقة، وردّاً على سؤال عما يختلف هذا الحزب الذي يسعى إليه عن حزب الليكود، قال بينيت إن هذا الحزب الأخير لا ينفك يرفع لواء الأمن، وفقط الأمن. وفي حال الالتزام بلواء الأمن وحسب، ستصل إسرائيل حتماً إلى أماكن ليست جيدة ومحبّذة، مثل الانفصال عن قطاع غزة، وخطاب بار إيلان (الذي أعلن فيه نتنياهو تأييده لحل الدولتين، وإن على مستوى تصريحيّ)، وما شابه ذلك. لكن عندما تستند إلى الأساس اليهودي، فستكون برأيه في مكان آخر على الإطلاق، وستمسي قوة صمودها أمام الضغوط ذات جذور أعمق بكثير، وهذا الأمر سيشّع على كل شيء. وتعكس أقواله هذه إصرار الصهيونية الدينية على إعادة تصميم المجتمع الإسرائيلي بموجب الصورة الحالية للصهيونية كخليط من الصهيونية القومية والدينية.

ولا شك في أن هذه النتيجة من شأنها أن تعيد إلى الأذهان واقع أنه حتى في حال إطاحة نتنياهو، عاجلاً أم آجلاً، فلن يعني ذلك نهاية حكم اليمين في إسرائيل. وإذا ما كان بينيت هو المرشح الأوفر حظّاً لأن يستبدل نتنياهو فإن إسرائيل على موعد مع زعيم يمينيّ آخر يؤيد ضم أراض من الضفة الغربية المحتلة إلى "السيادة الإسرائيلية"، والاستمرار في انتهاج السياسة الرامية إلى إضعاف من يوصفون بأنهم "حراس التخوم" في إسرائيل.

وقبل هذه النتيجة المباشرة، كنا توقفنا مراراً وتكراراً عند واقع كون نتنياهو يخصّص جهده كله لهدف واحد فقط: بقاؤه في سدّة السلطة بأي ثمن. وهو ما ينعكس على علاقته الوظيفية بكل المؤسسات بما في ذلك الاستخبارات وجهاز الموساد الذي بات يساهم بـ"دور مفتاحي" في العمل الدبلوماسي الإسرائيلي، كما أشير في أحد مقالات العدد، المخصّص لهذا الموضوع.

أما الوجهة الثانية فتتعلق بما دلّت عليه أزمة فيروس كورونا حتى الآن وما قد تسفر عنه بخصوص الشروخ الاجتماعية في إسرائيل، وفي مقدمها الشرخ المرتبط بقطاع اليهود الحريديم المتشددين دينياً. فلقد تحوّل عدم التقيّد بالإجراءات التي فرضتها الحكومة الإسرائيلية للحدّ من تفشي الوباء إلى خط قائد في أوساطهم، ما أجّج استنتاجات سابقة فحواها أنهم يشكلون خطراً على إسرائيل، بل ذهب البعض إلى حدّ التوقّع بأن هذا الخطر سيكون أشدّ وأدهى في المستقبل في ضوء تقديرات ديموغرافية رسمية صادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي المركزي تفيد بأن نسبتهم بين السكان مرشحة لأن تبلغ أكثر من 32 بالمئة في العام 2065 وأن تهبط نسبة اليهود والآخرين (من دون الحريديم) إلى نحو 48.5 بالمئة، بينما تصل نسبة هؤلاء الأخيرين الآن إلى 66 بالمئة وتبلغ نسبة الحريديم نحو 13 بالمئة.

وعندما يدور الحديث حول الحريديم يتم التركيز على مسألتين تثيران القلق في إسرائيل، هما مسألة مشاركتهم في العمل، ومسألة تجندهم في الجيش في ما اصطلح على توصيفه بأنه "المساواة في تحمّل العبء". وبحسب آخر التقارير، بعد ارتفاع معين في مشاركة الحريديم في سوق العمل خلال فترة 2015-2017، تغيّر الاتجاه مجدداً، وفي الأعوام الأخيرة عاد من جديد إلى الانخفاض بما في ذلك انخفاض أعداد الذين يتوجهون إلى الدراسة العليا من بينهم. ولم يحدث أي اختراق في موضوع تجنيدهم، حيث تبين الإحصاءات أنه في العام 2019 تجنّد 1222 حريدياً في الجيش الإسرائيلي في مقابل 2774 حريدياً في العام 2017، وهذا ليس دقيقاً لأنه ظهر أنه بين الذين صُنِّفوا كـ"حريديم" هناك جزء غير قليل منهم ليس كذلك.

بين هاتين الوجهتين ما زالت الأنظار مشدودة إلى الانتخابات الأميركية التي ستجري يوم 3 تشرين الثاني المقبل.

ونسلط الضوء في هذا العدد على آخر تقرير صادر عن "معهد سياسة الشعب اليهودي" والذي اشتمل على تحذير من مغبة أن تظهر إسرائيل تأييدها لأي من المرشحين الاثنين للرئاسة، في ضوء اتساع التقاطب السياسي في الولايات المتحدة والذي بات يؤثر على شكل وحجم تأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإسرائيل. وشدّد التقرير على أن التقاطب الآخذ بالتعمق بين الحزبين ينعكس أيضاً على علاقة يهود الولايات المتحدة بإسرائيل، نظراً إلى كون الغالبية الساحقة من هؤلاء اليهود تؤيد الحزب الديمقراطي بسبب طرحه مواقف أكثر ليبرالية، مقارنة بمواقف الحزب الجمهوري التي ازدادت تزمتاً إبان ولاية الرئيس الحالي دونالد ترامب.

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات