المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

على أعتاب الانتخابات الإسرائيلية العامّة المبكرة، التي ستجري يوم 9 نيسان القريب، تتواتر التحليلات التي تركّز على أبرز الشروخ والانقسامات بين شتّى القوى الحزبية المتنافسة، ضمن حقل المعاني المُستمدّ من تقصّي الدلالات.

ومن هذه التحليلات اخترنا أن نتوقف، في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، عند تحليل الباحثة في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس د. غيل طالشير، التي ترى أن المنظومة الحزبية في إسرائيل تبدو مغايرة كلياً في الوقت الحالي، فبدلاً من الجدل المعهود بين يمين ويسار، بات الحديث الآن يدور حول الهوية اليهودية في مواجهة الهوية الإسرائيلية. وهي تدّعي أنه "في العقد الأخير تجري الانتخابات حول طابع هوية إسرائيل، وهل هي أولاً دولة ديمقراطية، أم هي دولة يهودية؟".

وتتقاطع هذه المقاربة مع تحليل معدّي استطلاع "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية" للعام 2018، الذي نشره "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" في القدس في نهاية العام الفائت، ولا سيما إشارتهم إلى أنه إذا كنا نتحدث حتى الآن عن توتر بين العرب واليهود، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين يمين سياسي ويسار سياسي، فإن نتائج مؤشر الديمقراطية للعام 2018 تكشف عن ولادة شرخ مركزيّ جديد هو الشرخ الديمقراطي، الذي يزداد حدّة برأيهم، ويتمحور حول مسألة تعريف ما هي الدولة الديمقراطية. وهو ما توقفنا عنده سابقاً، ولمحنا إليه في نطاق مواد الصفحة الخامسة من العدد الحاليّ.

في واقع الأمر تعاني هذه المقاربة من تطييفٍ حيال عدة مسائل أساسية:

الأولى، أنه لا وجود لهوية إسرائيلية سوى داخل شرنقة الهوية اليهودية، فما بالك بوجود تعارض بينهما؟.

الثانية، أن التعريف العام الوحيد لإسرائيل في وثيقة تأسيسها المعروفة باسم "وثيقة الاستقلال" هو أنها "دولة يهودية". ومع أن البعض يحاول أن يوحي بأن تعريف إسرائيل كـ"دولة يهودية وديمقراطية" يرافقها منذ يوم إنشائها، وأن مصدر هذا التعبير هو وثيقة تأسيسها، فإن هذه الوثيقة لا تتضمن أي ذكر لكلمة ديمقراطية، على مختلف تصريفاتها، ولو مرة واحدة.

وبموجب مُراجعة مُسندة بمصادر من الأرشيف كُشف عنها النقاب أخيرًا، نُشرت حديثًا، فإن هذه الكلمة (ديمقراطية) شُطبت عمدًا من تلك الوثيقة. ومما ورد في تقديم تلك المراجعة: إن أحد الأخطاء المشهورة فيما يتعلق بـ"وثيقة استقلال" إسرائيل هو الرأي الشائع بأنها مُعرَّفة، في الوثيقة، بأنها "دولة يهودية وديمقراطية". لكن كل من يتمعّن في الوثيقة يُلاحظ أن عبارة "دولة يهودية ديمقراطية" لا تظهر فيها مُطلقًا، بل إن كلمة ديمقراطية بحد ذاتها لا ترد فيها، ولو مرة واحدة، لا هي ولا أي من تصريفاتها المختلفة. وأكثر من ذلك يتضح، من فحص المسوّدات المتعدّدة للوثيقة، أن كلمة ديمقراطية قد أسقِطت عمدًا بفعل تدخّل كتبة نص الوثيقة، وفي مقدمهم المسؤول آنذاك عن علاقات الييشوف العبري الخارجية، موشيه شاريت.

ويضيف التقديم: ثمة خطأ آخر يتصل بمدى ارتباط مؤسسي إسرائيل بـ"التقاليد والأعراف اليهودية". ويفيد هذا الخطأ المتداول بأن تعبير "تسور يسرائيل" (وهو كناية عن الربّ)، والذي يظهر في خاتمة الوثيقة، قد أُدخِل إليها في إطار تسوية تبلورت خلال عملية صوغها في أروقة "المجلس التأسيسيّ للدولة" بين مَن أرادوا إدراج اسم الرب بصورة أكثر صراحة (ممثلو تيارات المتدينين والحريديم المتشددين) من جهة، وبين من أرادوا إسقاطه كليًّا، من جهة أخرى مقابلة. لكن التمعن في مسودات الوثيقة يبيّن، على نحو واضح للغاية، أن تعبير "تسور يسرائيل" قد ورد في جميع المسودات المسبقة، حتى قبل بدء حملة الضغوط السياسية التي تصاعدت في الأيام الأخيرة التي سبقت الإعلان عن إقامة الدولة. وقد صمد هذا التعبير طوال عملية الصياغة حتى حظي، في نهاية الأمر، بقبول جميع أعضاء المجلس.

الثالثة، أن المقاربة تتجنّب السؤال فيما إذا كان بالإمكان أن تكون إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية في الآن نفسه، كونها تفترض أن ذلك ممكن.

من ناحية أخرى نقدّم في هذا العدد مزيداً من الإضاءات على المشهد الحزبي- السياسي العام في إسرائيل، الذي يشي بما يمكن اعتباره "صيرورة العلق في الوسط".

ووفقاً لدراسة أحد الباحثين في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" يشكل نجاح (واختفاء) أحزاب الوسط أحد الأعراض الأساسية لأزمة الأحزاب في إسرائيل، حيث أن كثرة أحزاب الوسط الجديدة التي تُقام وتحقق مكاسب كبيرة في الانتخابات تدل على عدم رضى الجمهور من الأحزاب الموجودة والعريقة، من السياسيين الذين يقودونها ومن إخفاقها في حل مشكلات أساسية في المجتمع الإسرائيلي. كما أن التبدّل السريع في الأحزاب الممثلة في الكنيست يمسّ، أكثر فأكثر، بثقة الجمهور بالسياسة والعمل السياسي، وبالسياسيين والأحزاب، علماً بأن هذه الثقة هي في الحضيض أصلاً. والناخبون أنفسهم الذين خاب أملهم من الأحزاب الكبيرة يعودون ليُصابوا بخيبة أمل أخرى من أحزاب الوسط، المرة تلو الأخرى، مما قد يعرضهم إلى اليأس التام والنهائي من المنظومة السياسية ومن الديمقراطية على حدّ سواء.

وكما في كل انتخابات منذ عدة عقود، أقيم عدد من أحزاب الوسط الجديدة استعداداً للانتخابات المقبلة، وكان أبرزها حزب "مناعة لإسرائيل" بزعامة الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال احتياط بيني غانتس، والذي تُعوّل عليه آمال بإمكان نجاحه في استبدال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

لكن ما يتبيّن أكثر فأكثر أنه حتى لو نجح غانتس في استبدال نتنياهو فهو لن يغيّر طريق هذا الأخير السياسيّ، والدليل على ذلك، كما تؤكد تحليلات إسرائيلية كثيرة، هو الحاجة إلى عدسة مكبّرة كي يمكن رؤية الفروقات الفكرية بينه وبين نتنياهو. وبموجب أحد تلك التحليلات فإن "الوسط" كما يمثله غانتس، والذي يجذب المواطن العادي، ليست له أي صفات خاصة به. وهويته الغامضة يستمدها من المسافة التي تفصل بينه وبين اليمين المُتطرّف، ولا يستمدها من قربه من اليسار، ولا حتى في شكله الصهيوني المسخ. وكل هذا ينطبق عليه حتى قبل أن نستغرق في قراءة الدلالة المترتبة على تحالفه مع حزب موشيه يعلون، وهو أيضاً قائد سابق لهيئة الأركان العامة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات