المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قبل نهاية العام الفائت بخمسة أيام أعلن ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو الرابعة نهاية ولايته، وقرّر الذهاب إلى انتخابات عامّة مبكرة يوم 9 نيسان القريب بدلاً من الموعد القانونيّ الأصلي، وهو يوم 5 تشرين الثاني المقبل. وخلال أقل من أسبوعين منذ حلّ الكنيست شهدت خارطة الأحزاب الإسرائيلية تغيّرات سريعة وغير متوقعة، وظهرت عدة أحزاب جديدة أكدت نيتها خوض هذه الانتخابات على خلفيات متعدّدة (طالع التغطية الخاصة حول انتخابات 2019 ص 2 و 3).

ومع أن تبكير الانتخابات يبعث في المعتاد بعض الأمل في احتمال التغيير، فإنه في حال حدوث تغيير كهذا قد يطول نتنياهو الخاضع للتحقيق في ملفات فساد لا حُكم اليمين. وما تزال أغلب استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي تدلّ على أن كتلة أحزاب اليمين متفوقّة على كتلة أحزاب الوسط، ناهيك عن أن هذا الوسط لا يمتّ بأي صلة إلى ما يُفترض أن يناقض اليمين في شتى طروحاته.

وفي هذا الشأن، بالوسع الموافقة على ما كتبه المحلل السياسي غدعون ليفي في "هآرتس"، غداة تفكيك تحالف "المعسكر الصهيوني" بين حزبي العمل و"الحركة"، وفحواه أن ما يجري في نظام إسرائيل السياسي قبيل الانتخابات يمكن وصفه فقط كما يلي: لا وجود لليسار، ولا حتى نصف يسار، هناك فقط يمين، بأشكال متعددة؛ يمين "أ" ضد يمين "ب"، وانقسام في اليمين "ج"، وتوحيد محتمل في اليمين "د"، وانبثاق أمل جديد في اليمين "هـ". وفي الطرف الآخر، تمثل حركة ميرتس والقائمة المشتركة اليسار الإسرائيلي الوحيد، برأي ليفي، بيد أن الأولى ضعيفة وباهتة، والثانية معزولة ومنبوذة، والاثنتان ليس لهما أي تأثير يُذكر. وعلى الرغم من ذلك يتحدثون عن "استقطاب" في إسرائيل، وعن أنها قريبة في أي لحظة من نشوب حرب أهلية، ومن الصعب التفكير بشيء أسخف من ذلك، على حدّ قوله.

وسبق أن توقفنا في "المشهد الإسرائيلي"، مرات عديدة، عند جملة العوامل، التي أدت إلى انعدام وجود اليسار، حتى في صيغته الصهيونية المُختلة. 

وفي إحدى هذه المرّات نقلنا عن الأستاذ الجامعيّ يغئال عيلام، وهو مؤرخ مُتخصّص في تاريخ الصهيونية ودولة إسرائيل، قوله إن معظم المقاربات التي تُقدّم تفسيرات لمسألة صعود اليمين الإسرائيلي ومواصلته الحكم على مدى عشرات الأعوام لا تمسّ الجُذور الحقيقية لهذه المسألة. ووفقاً لما أكده، ليس استعلاء النخب الأشكنازية، ولا تجاهل الثقافة الشرقية، هما اللذان أدّيا إلى أفول ما يُسمى "اليسار"، ولا حتى التمييز والغبن على الصعيد الاجتماعي، بل ينبغي الاعتراف بحقيقة فحواها أن الشعب اليهودي كان يمينياً في أساسه. ومنذ البداية كان يتبنى فكراً يقول إنه شعب مختار، وحيد وفريد، لا تنطبق عليه القواعد الإنسانية العامة. وفقط في الأزمنة الصعبة عندما كان أقلية تمسك بالفكر اليساري الكوني في جوهره، كي ينال الدعم في العالم المتنور ويضمن بقاءه. ولهذا السبب بحث اليهود في المنفى في العصر الحديث عن سند لهم في حركات اليسار الليبرالية. والصهيونية في كفاحها لإقامة "الوطن القومي" في "أرض إسرائيل"، فضلت هي الأخرى قيادة اليسار، مثلما مثلتها في حينه حركة العمل.

وجزم عيلام بأن الدعوات التي توجه بين الفينة والأخرى إلى معسكر اليسار لبذل كل جهد من أجل استعادة الحكم، بل ومغازلة الشعب بكل وسيلة ممكنة، هي دعوات أقل ما يُقال فيها إنها مثيرة للشفقة. فما المعنى من تغيير القيادة الحالية إذا كانت مناسبة لهذا الشعب في هذا الزمن بتطابق تام؟ وما المعنى إذا كنت لهذا الغرض مُطالبا بأن تتخفى في زي اليمين وتتبنى السياسة أو انعدام السياسة التي تتسم بها حكومة اليمين القائمة؟ إن اليمين يفعل هذا بطريق مباشر وطبيعي، أما اليسار فلن ينجح أبداً في أن يمثل اليمين بصدقية أعلى من اليمين القائم. ورجال الوسط المتخفون وحدهم مثل يائير لبيد ورفاقه ينجحون حاليا فقط في تقديم عرض كاذب في الطريق إلى الحكم، لكن في نهاية المسيرة مهما تكن ناجحة سيتبين أن العرض الكاذب أقوى ممن يمثلونه فهم سيبقون حبيسين في قناعهم اليميني، وسيواصلون الهمس كاليمين والثرثرة كاليمين، حتى إن طالبوا بأجر كالوسط، وسيبقون ذوي هوية مشوشة، هي هويتهم الحقيقية، وبفضل ذلك لعلهم يثبتون بالفعل أنهم أكثر ملاءمة للقيادة المزعومة للجيل الإسرائيلي الحالي، الذي هو جيل متخبّط ومُشوّه.

وعلى سيرة الانتخابات لا بُدّ أيضاً من التوقف عند قرار وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، وشريكته وزيرة العدل، أييلت شاكيد، الاستقالة من "البيت اليهودي" وتأسيس حزب جديد برئاستهما باسم "اليمين الجديد". وبموجب ما نُشر من تحليلات لهذه الخطوة، اعتبر هذا الوزيران شركاءهما في الحزب السابق متطرفين أكثر من اللزوم بالنسبة إلى تطلعاتهما السياسية، غير أن هذا ليس من شأنه أن يدلّ على أن الاثنين أصبحا الآن معتدلين سياسياً.

وكما ورد، مثلاً، في مقال افتتاحي لصحيفة "هآرتس"، فإن "الثورة" التي قامت بها شاكيد في وزارة العدل وقام بها بينيت في جهاز التربية والتعليم، ستكون المادة التي سيتألف منها حزبهما "اليمين الجديد"، المُجند لنزع ما بقي من صفة ليبرالية عن إسرائيل، وإعادة نظام القضاء إلى الوراء وتبني نظام قضائي، المساواة قيمة غريبة عليه. وسيواصل كلاهما أساليبهما للدفع قدماً بضم الأراضي المحتلة منذ 1967، بما يتلاءم مع خطة بينيت السياسية، ومع فكر اليمين بوجه عامّ.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات