المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يبدو من شبه المؤكد أن تستمر، خلال الأسبوع الحالي، المساعي المحمومة الرامية إلى المصادقة النهائية على "مشروع قانون القومية"، وهو مشروع قانون أساس، دستوريّ، يعرّف إسرائيل بأنها الدولة القومية للشعب اليهوديّ.

 

وكرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خلال الاجتماع الذي عقدته كتلة الليكود في الكنيست أمس (الاثنين)، تصريحاته بأن مشروع القانون هذا مهم للغاية بالنسبة إليه، وبأنه يرغب في إقراره بصورة نهائية قبل خروج الكنيست إلى عطلته الصيفية الأسبوع المقبل.

في غضون ذلك تراكمت المُسوغات التي التجأ اليمين الإسرائيلي إليها لتبرير سنّ هذا القانون.

ولعل أبرزها، وأكثرها جدة، إعادة التذكير بأن وثيقة تأسيس الدولة ("وثيقة الاستقلال") ليس فقط تجنبّت تعريف إسرائيل بأنها "دولة يهودية وديمقراطية"، حيث أنها لم تتضمن أي ذكر لكلمة ديمقراطية، على مختلف تصريفاتها، ولو مرة واحدة، بل إن كلمة ديمقراطية شُطبت من تلك الوثيقة عمداً، كما تبيّن الوقائع التاريخية المرتبطة بعملية صوغها، وذلك لصالح الإبقاء على تعريفها بأنها "دولة يهودية".

وأشار عدي أربيل، مدير المشاريع في "معهد الاستراتيجيا الصهيونية" (يميني)، إلى أن المرة الأولى التي ظهر فيها مصطلح "دولة يهودية ديمقراطية" في كتاب القوانين الإسرائيلي كانت في عام 1992، مع سنّ قانونيّ الأساس اللذين أرسيا قاعدة ما يسمى بـ"الثورة الدستورية" التي قادها القاضي أهارون باراك، الرئيس السابق للمحكمة العليا، وهما "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته"، و"قانون أساس: حرية العمل". وقد حدّد النص هدف هذين القانونين بأنه "تثبيت قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ضمن قانون أساس". وقال إن هذا الهدف يسري، عملياً، على الدستور المستقبلي المتكامل لإسرائيل، لكنها ما تزال تفتقر إلى دستور، حتى الآن. وقد نصّت وثيقة إعلان تأسيس إسرائيل على أن دستور الدولة الجديدة سيوضع "في موعد أقصاه الأول من تشرين الأول 1948"، إلا إن الكنيست لم ينجح في التوصل إلى اتفاق على وضع الدستور، فتقرر التقدم نحو الدستور بصورة تدريجية، من خلال قوانين أساس يتم تجميعها، في الوقت المناسب، في صورة دستور متكامل.

وبرأي أربيل، فإنه بسنّ "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته"، حصلت ثورة دستورية في مكانة حقوق الإنسان في إسرائيل. وصوّب نيرانه نحو هذه الحقوق قائلاً: أصبحت جملة من حقوق الإنسان حقوقا دستورية، فوق ـ قانونية. وأصبحت السياسة الإسرائيلية، في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، سياسة دستورية. وبذا حدثت عملية دسترة للقضاء الإسرائيلي... ولئن كانت حقوق الإنسان قد اشتُقت في الماضي من ترتيبات شتى في الفروع القضائية المتعدّدة، فقد أصبحت فروع القضاء المختلفة تُشتق الآن من حقوق الإنسان الدستورية... وليست القوة السلطوية، بتوازناتها المستحقة، هي التي تقرر حقوق الإنسان، بل حقوق الإنسان، بتوازناتها الجديرة، هي التي تقرر القوة السلطوية.
وأشار هذا المحلّل اليميني إلى أنه مع "الثورة الدستورية" التي أحدثها أهارون باراك، انكسر التوازن التاريخي ما بين قيم دولة إسرائيل كدولة قومية وبين قيمها كدولة ملزمة بالحفاظ على حقوق الإنسان. ووفقاً لقراءته ففي القضاء الإسرائيلي الحالي تقبع قيم الدولة اليهودية في مكانة دونية من الناحية المعيارية. وتتخبط إسرائيل اليوم في حالة وصفها بأنها "ثغرة دستورية"، فهي من ناحية معرَّفة بأنها دولة يهودية وديمقراطية، لكنها تفتقر إلى أي مضمون دستوري بشأن طابعها كدولة يهودية. ومن بين قوانين الأساس، التي تمّ سنها، تتطرّق عشرة قوانين إلى طابع الدولة الديمقراطي، وتثريه بمضمون جادّ، لكنّ أيّاً منها لا يتطرق إلى طابعها اليهودي. وبلغ العدد الكلي لهذه القوانين، حتى الآن، 12 قانون أساس، هي (بحسب الترتيب الزمني): الكنيست، أراضي إسرائيل، رئيس الدولة، الحكومة، اقتصاد الدولة، الجيش، القدس، القضاء، مراقب الدولة، حرية العمل، كرامة الإنسان وحريته، الاستفتاء العام.

ويؤدي هذا الواقع إلى نشوء ما يعتبر أنه "فجوة هائلة" بين "فكرة الدولة اليهودية، كما يراها المجتمع الإسرائيلي"، وبين مكانة إسرائيل الدستورية الفعلية. وبالتالي يهدف "قانون أساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي يجري إعداده هذه الأيام، إلى سدّ هذه الفجوة، على حدّ ما يقول.

وينوّه أربيل بأن دراسة أعدّت لصالح "معهد الاستراتيجيا الصهيونية" أثبتت أن تراجعا دراماتيكيا قد حصل خلال العقود الأخيرة في الوزن الذي تقيمه المحكمة الإسرائيلية العليا لهوية إسرائيل اليهودية، بالمقارنة مع الوزن الذي تمتعت به هذه القيمة خلال السنوات الأربع وأربعين الأولى من عمر الدولة، أي قبل "الثورة الدستورية".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات