المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 806
  • أنطوان شلحت

تتعدّد، بالتزامن مع كتابة هذه الكلمة، الإشارات القوية إلى أن الأسبوع الحالي سيشهد تصعيداً غير مسبوق في حراك الاحتجاج على خطة الحكومة الإسرائيلية الرامية إلى إضعاف الجهاز القضائيّ. وأعتقد أن هذا الأمر بحدّ ذاته يستلزم منّا أن نتوقف عند هذه الإشارات ولو من باب الرصد، إلى جانب القيام بعرض آخر المستجدات المرتبطة بخطة الحكومة المذكورة والتي أعلنها وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين قبل أكثر من نصف عام (يوم 3 كانون الثاني 2023).

 

(*) لعلّ أولى تلك الإشارات كامنة في ازدياد عدد تظاهرات الاحتجاج التي جرت مساء يوم السبت الأخير، للأسبوع الـ27 على التوالي، فضلاً عن ارتفاع عدد المشاركين فيها، وكذلك ما شهدته من وقائع تمثّل أبرزها في تعهّد قادة الاحتجاجات بتكثيف معارضتهم لجهود الحكومة المتجددة، بعد أن أعربوا عن غضبهم الشديد من خطة الائتلاف طرح مشروع قانون لإلغاء قدرة المحاكم على مراجعة قرارات الحكومة، بالاعتماد على حجة المعقولية، على الكنيست بغية التصويت عليه في القراءة الأولى.

وفي سياق الوقائع أيضاً، قال المؤرخ الإسرائيلي المشهور عالمياً يوفال نوح هراري ضمن خطاب ألقاه أمام التظاهرة المركزية في تل أبيب: "حان الوقت لإيقاف حكومة بنيامين نتنياهو عند حدّها، وإذا لم تتوقف يجب أن تتعلّم ماذا يحدث عندما نكون غاضبين. إذا تم بشكل أحادي الجانب تمرير واحد من مشاريع قوانين الانقلاب على النظام القضائي، فسوف نعارض ذلك بكل وسيلة سلمية لدينا". كما ربط هراري بين جهود الحكومة الإسرائيلية للانقلاب على النظام القضائيّ وبين السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الفلسطينيين في أراضي الضفة الغربية المحتلة، وقال إنه ينبغي معارضة كليهما بنفس القوة.

(*) للمعلومية، حصل مشروع القانون الذي من المتوقع أن يطُرح على الكنيست للتصويت عليه في قراءة أولى هذا الأسبوع (ربما اليوم، 10 تموز 2023)، ومن شأنه أن يمنع قضاة المحاكم من استخدام حجة المعقولية لمراجعة قرارات اتخذتها الحكومة ووزراء الحكومة ومسؤولون منتخبون آخرون غير محددين، على مصادقة لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست يوم الثلاثاء الماضي. وبحسب تقارير يسعى الائتلاف الحكومي إلى تمريره ليصبح قانوناً قبل خروج الكنيست في عطلة صيفية في نهاية تموز الحالي. وفور ذلك أعلن عن خطط ليوم حافل من الاحتجاجات، إذا تم تمرير مشروع القانون في قراءة أولى غداة هذا التمرير، وقال قادة الاحتجاجات في توصيفه إنه "سيكون أول يوم للمقاومة في تموز"، وسيشمل مسيرات وقوافل احتجاج واضطرابات في جميع أنحاء البلد واحتجاجاً واسعاً آخر في مطار بن غوريون بعد الظهر وتظاهرة لم تشهد إسرائيل مثلها من قبل. وأضافوا أنهم وجهوا دعوة أخيرة إلى الحكومة لوقف إجراءات التشريع، وعدم طرح أول قانون ديكتاتوري للتصويت عليه، والذي سيمنح الحكومة شيكاً على بياض للتصرف بشكل غير معقول للغاية، وهدّدوا بأنه إذا لم تتوقف الحكومة ستتوقف الدولة بأكملها. وأعلنت عشرات شركات التكنولوجيا أنها ستسمح لمن يرغب من موظفيها بأخذ يوم عطلة للمشاركة في الاحتجاجات. وكرّر قادة الاحتجاجات مطالبهم من المعارضة بعدم إجراء مفاوضات حتى يتم وضع التشريعات على الرفّ تماماً.

(*) جدّدت أعداد متزايدة من جنود الاحتياط التهديد بعدم التطوّع للخدمة العسكرية إذا تم تمرير التشريع. وقال الرئيس السابق للحكومة وهيئة الأركان العامة للجيش إيهود باراك إن على الطيارين وأعضاء النخب العسكرية رفض الاستمرار في الخدمة في الجيش الإسرائيلي إذا تمت المصادقة النهائية على مشروع قانون المعقولية. وقال باراك: "في ذلك اليوم أتوقع أن يكرر الطيارون وشعبة العمليات الخاصة في المخابرات العسكرية صرختهم: احذر يا نتنياهو، في اللحظة التي تحاول فيها تحويل مشروع القانون إلى قانون حقيقي، لن نخدم ديكتاتورية!".

(*) عمّت الاحتجاجات مناطق عديدة في إسرائيل مساء يوم الأربعاء الماضي عقب إعلان تنحية قائد لواء الشرطة في منطقة تل أبيب عامي إيشد من منصبه، وهو ما اعتبره هذا الأخير لأسباب سياسية، لا مهنية، الأمر الذي دفع جماهير غفيرة إلى النزول إلى الشوارع في عدد من المدن وإغلاق مفترقات شوارع عديدة. وأفيد أن قائد لواء تل أبيب قدّم استقالته بعد جولة من التعيينات الجديدة التي أجراها وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وشملت تعيين قائد جديد للواء شرطة تل أبيب بدلاً من إيشد، وإحالته إلى منصب أدنى في جهاز الشرطة، وهو ما اعتبره الضابط إقالة مباشرة لأسباب سياسية، وليس لاعتبارات مهنية. وقال إيشد، في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام، إن هذا الإجراء ضده جاء بسبب اتهامه بالتعامل بليونة ولطف مع المتظاهرين ضد التغييرات في الجهاز القضائي مساء كل سبت، وعدم استخدام القوة معهم عند إغلاقهم الشوارع خلال هذه التظاهرات، وذلك خلافاً لتعليمات وزير الأمن القومي التي دعت إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد هؤلاء المتظاهرين. وكان الوزير بن غفير أعلن إقالة إيشد من منصبه كقائد للواء شرطة تل أبيب يوم 9 آذار الماضي، مؤكداً أن سبب ذلك يعود إلى فشله في أداء واجبه في وقف الإخلال بالنظام وإغلاق شوارع رئيسية وحيوية. وفي بيان مشترك للشرطة ووزارة الأمن القومي، أُعلن حينئذ أنه بناء على توصية القائد العام للشرطة، يعقوب شبتاي، سيتم نقل إيشد إلى منصب رئيس قسم التدريب، وهو منصب مكتبي متواضع. كما شنّ بن غفير هجوماً حادّاً على قيادات في الشرطة خلال محادثات مغلقة، زعم فيها أنهم يرفضون اتّباع تعليماته المتعلقة بالاحتجاجات الواسعة المناهضة لحكومة بنيامين نتنياهو. لكن شبتاي تراجع عن موقفه في تصريح فاجأ بن غفير في اليوم التالي، وقال: "أخطأت في القرار، ولن أستسلم للضغوط السياسية." وأضاف أن إيشد هو ضابط مهني وذو خبرة.

(*) صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة التمهيدية يوم الأربعاء الماضي على مشروع قانون يقضي بتحييد نقابة المحامين الممثَّلة بعضوين في لجنة تعيين القضاة، في إطار تشريعات خطة الحكومة الإسرائيلية الرامية إلى إضعاف الجهاز القضائي، وذلك بعد أقل من شهر من انتخاب المحامي عميت بيخر رئيساً للنقابة. ويعلن بيخر معارضته الشديدة لخطة الحكومة المذكورة. وقدّم مشروع القانون عضو كنيست من حزب الليكود، ويقضي بتحويل نقابة المحامين إلى هيئة تطوعية. كما يقضي بتشكيل مجلس محامين، وبأن يقوم وزير العدل الإسرائيلي بتعيين رئيس له، يكون مؤهلاً لتولي منصب قاضٍ في محكمة مركزية. وكان رئيس لجنة القانون والدستور والقضاء في الكنيست عضو الكنيست سيمحا روتمان قد قال في وقت سابق إنه لا يفترض أن تكون نقابة المحامين جزءاً من لجنة تعيين القضاة.

تجدر الإشارة إلى أن بيخر فاز برئاسة نقابة المحامين بأغلبية 73% من الأصوات في الانتخابات التي جرت مؤخراً، والتي اعتُبر خلالها أنه مرشح أحزاب المعارضة فيما يتعلق بخطة إضعاف الجهاز القضائي، بينما حصل رئيس النقابة السابق إيفي نافيه على 19% من الأصوات. واعتُبر نافيه مرشحاً مريحاً للائتلاف فيما يتعلق بإضعاف الجهاز القضائي.

(*) للتذكير أخيراً، نشير إلى أن وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين أعلن قبل أكثر من نصف عام (يوم 3/1/2023) عن "خطة إصلاح" شاملة وواسعة النطاق ومثيرة للجدل للنظام القانوني والمنظومة القضائية في إسرائيل، والتي أكد محللون أنه في حال إقرارها ستكون بمثابة أكثر التغييرات جذرية على الإطلاق في نظام الحكم في إسرائيل. ومن المتوقع أن تؤدي هذه التغييرات إلى الحدّ بشدّة من سلطة المحكمة العليا، وإلى منح الحكومة الإسرائيلية السيطرة على لجنة اختيار القضاة، وإلى الحدّ بشكل كبير من سلطة المستشارين القانونيين للحكومة والوزارات المختلفة.

وحدّد ليفين "التغيير" الذي يتطلّع إليه في أربعة مجالات أساسية على النحو التالي:

1- تقييد قدرة المحكمة العليا على إلغاء القوانين والقرارات الحكومية، بحيث سيتطلب ذلك هيئة مؤلفة من جميع قضاة هذه المحكمة الخمسة عشر وأغلبية خاصة، إلى جانب سنّ "فقرة التغلّب" لتمكين الكنيست من إعادة تشريع مثل هذه القوانين في حال إلغائها بأغلبية 61 من أعضاء الكنيست؛

2- تغيير عملية اختيار القضاة بغية منح الحكومة الحالية سيطرة فعالة على لجنة اختيار القضاة؛

3- منع المحكمة من استخدام حجة/ مسوّغ المعقولية للحكم على التشريعات والقرارات الحكومية؛

4- السماح للوزراء بتعيين مستشاريهم القانونيين بدلاً من تعيين مستشارين يعملون تحت إشراف وزارة العدل والمستشار القانوني للحكومة، بحيث سيصبح تعيينهم في المنصب تعييناً سياسياً. ويجادل ليفين وغيره من المدافعين عن هذه الخطة من اليمين بأن المستشارين القانونيين غالباً ما يمثلون عقبة أمام قدرة الوزراء على وضع السياسات التي يرغبون فيها، ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها حاسمة في منح الوزراء سيطرة شخصيّة أكبر على وضع السياسات.

وادعى ليفين، من ضمن أمور أخرى، أن ما يُعرف باسم "الثورة الدستورية" والتدخل المتزايد باستمرار للمنظومة القضائية في قرارات الحكومة وتشريعات الكنيست تسبّب بتقليص ثقة الجمهور في النظام القانوني إلى مستوى خطر، وأدى إلى انعدام القدرة على الحكم، ووجه ضربة قاسية إلى الديمقراطية. كما أشار إلى أنه سبق أن حذّر من الضرر الناجم عن ذلك والآن حان وقت العمل.

وشجب قادة المعارضة الخطة التي اقترحها ليفين، واعتبروها خطراً واضحاً على الديمقراطية الإسرائيلية، وعلى نظام التوازنات والكوابح إزاء السلطة التي بحيازة الحكومة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات