المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 1928
  • أنطوان شلحت

مع انتقال المزيد من تفاصيل الاتفاقيات الائتلافية، التي جرى توقيعها بين حزب الليكود وحلفائه في الحكومة الإسرائيلية المقبلة التي ستكون السادسة برئاسة بنيامين نتنياهو، من غيابة الظلام إلى دائرة الضوء، ومن الغموض إلى الوضوح، يتبين أكثر فأكثر أن هذه الحكومة ستكون الأشد تطرفاً في تاريخ إسرائيل، سواء بالنسبة إلى الاحتلال والاستيطان والقضية الفلسطينية، أو فيما يتعلق بالسياسة الداخلية.

وإلى أن يعلن بشكل رسمي عن إقامة هذه الحكومة المرتقبة، ويتم نشر الاتفاقيات الائتلافية المختلفة وما سيستلزمه ذلك من وقفة تفصيلية في المستقبل، نتوقف في ما يشبه الرصد عند بعض ما نُشر حتى الآن والذي يؤكد بما لا يدع مجالاً لأي تأويل آخر أن الطابع اليهودي الديني للدولة سيمسي من الحدّة بما سينعكس على طبيعة الموقف من الصراع مع الفلسطينيين وعلى الممارسات الميدانية، كما ينبغي القول إنه مع تسلم الصهيونية الدينية حقيبة الأمن الداخلي والإشراف على الشرطة الإسرائيلية و"حرس الحدود"، وتوليتها المسؤولية عن الإدارة المدنية ومكتب "منسق شؤون الحكومة" في الضفة الغربيّة، وزيادة نفوذها على الجيش، فمن المتوقع شرعنة بؤر استيطانية في اتجاه مزيد من شرعنة الاستيطان وتوسيعه، وسيتم التعامل مع الشعب الفلسطيني واحتجاجاته بقسوة بالغة مع استشراء التساهل في إطلاق النار والقتل العمد وممارسة القبضة الحديدية وما إلى ذلك.

فيما يلي عرض راصد لبعض الاتفاقيات الائتلافية ومترتباتها مما جرى تداوله في الفترة القليلة الماضية، ولا سيما فيما يرتبط بالبيئة الإسرائيلية الداخلية:

(*) "ثورة في الجيش الإسرائيلي"- هكذا عنونت الإذاعة العبرية تقريراً نشر على موقعها الإلكتروني يتحدث عن تغيير سيطرأ على منصب الحاخام العسكري الرئيسي للجيش. وقالت الإذاعة إنه استنادا إلى الاتفاقيات الائتلافية لتشكيل الحكومة المقبلة، سيتم سن قانون في الكنيست يعزز مكانة الحاخام العسكري الرئيسي عبر شرعنة منصبه في نص القانون، بواسطة تحديد آلية تعيينه واستقلاله.

وبموجب القانون سيُعيّن الحاخام العسكري الرئيسي، من طرف لجنة برئاسة الحاخام الأكبر، وسيخضع للحاخامية الكبرى في إسرائيل وليس لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش. 

(*) يحتفظ حزب "نوعام" الصهيوني الديني بقائمة سوداء لعشرات الإسرائيليين المثليين العاملين في مجال الأخبار أو صناعة الترفيه وقائمة أخرى من النساء اليساريات المتطرفات. و"نوعام" هو حزب مناهض بشدة لمجتمع الميم، وقد حصل على مقعد برلماني منفرد في الانتخابات الإسرائيلية في تشرين الثاني المنصرم، وأبرم صفقة مع رئيس الحكومة المكلف بنيامين نتنياهو لدعم حكومته المقبلة. ومن المقرر أن يكلف زعيمه، آفي ماعوز، بحماية "الهوية القومية اليهودية" لإسرائيل في الحكومة الجديدة من طريق وسائل عدة بينها وسائل تخضع إلى مسؤولية وزارة التربية والتعليم.

ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" التي كشفت عن الموضوع فإن الغرض من القائمة السوداء لا يزال غير واضح تماماً، وهي جزء من وثيقة داخلية تعود إلى العام 2019، ويبدو أنها تصنف المعارضين المزعومين للحزب في وسائل الإعلام والمجتمع المدني. ويركّز جزء آخر من الوثيقة على ما يصفه بأنه "استيلاء" منظمات يسارية على وزارات، مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة العدل.

(*) رأى يائير، نجل بنيامين نتنياهو، أن قادة الشرطة ومسؤولي النيابة العامة ارتكبوا خيانة عظمى بحق الدولة الإسرائيلية، وبالتالي يجب أن يُعاقبوا بـ "عقوبة غير السجن"، ملمحاً إلى الإعدام. وفي مقابلة إذاعية، اتهم نتنياهو الابن محققي الشرطة الذين قرروا تقديم والده إلى المحاكمة بملفات فساد، ومسؤولي النيابة الذين يحاكمونه في هذه الفترة عليها، بأنهم "يلفقون التهم ضد رجل بريء، هو رئيس الحكومة المُنتخب من جانب الشعب بصورة ديمقراطية، بنية التخطيط لقلب نظام الحكم، عن سبق الإصرار والترصد، وهو ما يعادل الخيانة". وأضاف: "إنكم مدعوون إلى الاطلاع على كتاب القوانين الإسرائيلي، والتعرف على عقوبة الخيانة، وهي ليست السجن". وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه طبقاً للمادة 97 من قانون العقوبات الإسرائيلي، فإن من يرتكب جريمة الخيانة يجب أن يحكم عليه بالإعدام!

 (*) كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن بنداً في الاتفاق الائتلافي بين الليكود والصهيونية الدينية يقضي بـ "شرعنة التمييز ضد المثلية الجنسية". وفي السابق كان أصحاب المحال التجارية ومقدمو الخدمات مُلزمين، بحسب نص القانون، بتقديم الخدمات والبيع إلى الزبائن بلا استثناء، وبدون أن يكون لهم الحق في الامتناع عن ذلك. وهذا الأمر عرّض أصحاب قاعات الأفراح الذين رفضوا تأجيرها لأعراس المثليين إلى عقوبات وملاحقات قضائية.

وأوضحت وسائل الإعلام أن الصهيونية الدينية أصرّت على وضح حدّ لهذه الحالات عبر الزج بالبند المذكور في الاتفاق الائتلافي. ودافع إيتمار بن غفير عن البند. وكرر عضوا الكنيست من الحزب أوريت ستروك وسيمحا روتمان دعمهما للبند.  وقالت ستروك إن القانون: "سيتيح لأطباء مُتدينين، التهرب من تقديم علاج لمثليين"، في حين أوضح روتمان أن "أصحاب الفنادق قد لا يستقبلون المثليين". ووصفت نقابة الأطباء الإسرائيلية تصريحات ستروك بأنها بائسة، مذكّرة بأن "قسم أبقراط" سيلزمها وليس القانون المنشود من طرف الائتلاف الحكومي. وأعرب محللون عن الخشية من أن يتم استخدام القانون للتمييز ضد أقليات أخرى في إسرائيل في مقدمها العرب تحت أعذار تتماشى مع نص القانون الجاف. وهاجم رئيس الحكومة المنتهية ولايته يائير لبيد المُكلف بتشكيل الحكومة بنيامين نتنياهو متهما إياه بـ "أنه سيقود إسرائيل لتكون دولة شريعة ظلامية". ورد نتنياهو بأن أقوال ستروك غير مقبولة عليه مؤكداً "أن الاتفاقيات الائتلافية لا تنص على التمييز ضد مجتمع الميم، أو المس بحقوق المواطنين الآخرين".

(*) وافق نتنياهو على شرعنة "بؤر استيطانية غير قانونية" في الضفة الغربية في غضون شهرين من أداء الحكومة الجديدة اليمين القانونية، كجزء من اتفاق أبرم مع حزب الصهيونية الدينية، كما وافق على تنفيذ خطة لنقل السلطة على "الحياة المدنية الإسرائيلية" في "مناطق ج" من الضفة الغربية التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي من الإدارة المدنية إلى الوزارات الإسرائيلية ذات الصلة. وتم وضع خطة أولية لمثل هذا الانتقال للسلطة في الاتفاق الأول بين حزب الليكود وحزب الصهيونية الدينية ولكن ليس بهذا الوضوح، ولكن هذا الحزب الأخير أصدر شروط الصفقة قبل أن يتصل نتنياهو برئيس الدولة إسحق هرتسوغ لإبلاغه بأنه نجح في تأليف الحكومة الجديدة.

بناءً على الوثيقة التي تم إصدارها، سيتم اتخاذ قرار الحكومة بإضفاء الشرعية على "بؤر استيطانية غير قانونية" في غضون 60 يوماً من أداء الحكومة اليمين، ولن يكون قرار الحكومة هو الخطوة الأخيرة بهذا الشأن، لكنه سيسمح بمنع هدم هذه البؤر، وهذا أيضاً يفتح الأبواب أمام ربط هذه المستوطنات بالمياه والكهرباء.

كما ورد في الوثيقة أن نتنياهو وافق على تعديل قانون الانفصال من العام 2005 للسماح بشرعنة مدرسة دينية في موقع مستوطنة حومش السابقة. وكانت حومش واحدة من أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية أخلتها إسرائيل كجزء من تنفيذها لخطة الانفصال التي أدت إلى انسحابها من قطاع غزة. واحتجاجاً على ذلك تم نقل المدرسة الدينية السابقة إلى الخيام التي أقيمت على أنقاض المستوطنة السابقة، وبينما قام الجيش الإسرائيلي بإخلائها وتفكيكها عدة مرات على مر الأعوام فقد أعيد بناؤها في كل مرة. واتفق نتنياهو مع رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش على رصد ميزانية بمبلغ 8 مليارات شيكل بهدف توسيع الشوارع التي يستخدمها المستوطنون في الضفة الغربية، ما يهدّد بمصادرة أراض الفلسطينية. ويأتي هذا الاتفاق في ظل مخطط الحكومة الجديدة لتوسيع الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين، وزيادة عدد المركبات التي تسير في شوارع الضفة. وبين أهداف المخطط مضاعفة حجم شارع رقم 60 الذي يمر من شمال الضفة إلى جنوبها، ومضاعفة حجم شارع رقم 55 الذي يمر في عرض الضفة في اتجاه الأغوار. كما تخطط دولة الاحتلال لشق شوارع من الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون" في منطقة بيت لحم في اتجاه الغرب نحو مدينة بيت شيمش شمال غربي القدس، وفي اتجاه الشرق نحو منطقة البحر الميت.

(*) اتفق نتنياهو وبن غفير على ملاحقة معلمين وعدم توظيف أشخاص في جهاز التربية والتعليم في حال انتقادهم للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أو شاركوا في احتجاج ضد سياسة وممارسات الاحتلال، بزعم أن ذلك ينطوي على "تأييد للإرهاب"!

وفي سبيل تطبيق ذلك سيتم تعديل قانون جهاز التعليم الحكومي بحيث يُحظر على وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية تعيين معلم يعبّر عن معارضته للاحتلال في جهاز التعليم ومؤسسات التعليم العالي، ووفقاً لما ذكرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، أعدّ بن غفير هذا التعديل على القانون بعدما أوضح مسؤولون في وزارة التربية والتعليم أنه ليس بإمكان الوزارة فصل معلمين من العمل عقب تعبيرهم عن مواقف مناهضة للاحتلال في الشبكات الاجتماعية. ومما ينص عليه التعديل تشكيل "مجلس لمنع الإرهاب" مؤلف من خمسة أعضاء على الأقل، ويعين بن غفير هؤلاء الأعضاء من أجهزة التربية والتعليم والشرطة والشاباك والحكم المحلي ويُمنح هذا المجلس صلاحيات رفض تعيين معلم أو فصل معلم من العمل.

وفي سياق ذي صلة بالتربية والتعليم، أكدت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل أنه في اللحظة التي يضعفيها آفي ماعوز وحزبه "نوعام" أيديهم على وحدة البرامج الخارجيّة والشراكات في وزارة التربيةوالتعليم، فإن كل برنامج يُشير إلى مبادئ المساواة والدمقراطيّة، بما في ذلك الشراكات الممتدة على أعوامطويلة بين منظمات المجتمع المدني ووزارة التربية والتعليم، سيختفي من المشهد. وعلى حد تعبيرها "سيتلقّى أبناؤنا وبناتنا تربية محافظة ومتخلفة في أحسن الأحوال، ومع إضافة العنصرية وفوبيا المثليّة فيأسوأ الأحوال. وسيتحول التعليم العام إلى تعليم مسيانيّ".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات