المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الطريق من بيت لحم إلى القدس في "المرآة": جنود وجدار وأسلاك شائكة. (أ.ف.ب)
الطريق من بيت لحم إلى القدس في "المرآة": جنود وجدار وأسلاك شائكة. (أ.ف.ب)

عادة ما نسمع أن المستويات الأمنية الإسرائيلية قدمت توصياتها بشأن قضية أو وضع ما إلى المستوى السياسي أو لرئيس الحكومة أو للمجلس الوزاري المصغر- الـ"كابينيت"، لكن ما مدى التزام المستويات السياسية الإسرائيلية بالتوصيات المتخصصة والمهنية وخاصة الأمنية؟ وهل يؤخذ بها أو تهمل حسب المصلحة السياسية الحزبية والانتخابية والائتلافية لصاحب القرار السياسي وبالتالي الأمني في إسرائيل؟

مواقف الأجهزة الأمنية بشكل عام.. تجنب التصعيد

كبداية من المهم الإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية في إسرائيل تميل إلى التوصية بالامتناع عن المواجهة العسكرية خاصة في غزة، باعتبار أن أي تصعيد داخلي أو خارجي سيشكل عبئا كبيرا على عاتق المستويين العسكري والأمني، مع إدراك قادة هذه الأجهزة أن قرار التصعيد أحيانا تحكمه الضرورات أو المصالح السياسية وليس الضرورات الأمنية. ومثلا تميل الأجهزة الأمنية إلى تبني التوصيات الداعية لتقديم تسهيلات للفلسطينيين في الضفة وغزة، مثل منح المزيد من تصاريح العمل، ورفع بعض القيود على المواد المسموح بدخولها لقطاع غزة، وتجنب تجميد (مصادرة) أموال الضرائب الفلسطينية، وحتى تجنب الأنشطة الاستفزازية التي قد تدهور الوضع. لكن للاعتبارات السياسية والانتخابية الحزبية والشخصية لمتخذي القرار السياسي تأثيرها الكبير في تقبل أو رفض التوصيات الأمنية. خلال الحملة الدعائية للجولة الانتخابية الثانية في أيلول 2019 زار نتنياهو مدينة أسدود للمشاركة في فعالية دعائية في العاشر من أيلول، فأطلق صاروخ من قطاع غزة باتجاه أسدود وانطلقت صفارات الإنذار ما دفع حراس نتنياهو إلى إبعاده عن المنصة أمام الكاميرات على وجه السرعة، والعودة لاحقا لاستكمال الفعالية. هذا الأمر وقبل الانتخابات بأسبوع فقط، أثار غضب نتنياهو للضرر الذي أصاب صورته أمام ناخبيه، فأمر في مساء اليوم ذاته بتنفيذ ضربة عسكرية أقوى من الضربات المعتادة التي تستهدف مواقع فارغة ولا تؤدي إلى مواجهة شاملة. وصحيفة "هآرتس" كشفت بعد أسبوع من حادثة إطلاق الصاروخ، أن نتنياهو عاد في اليوم نفسه من أسدود وعقد اجتماعا ضم رئيس الأركان أفيف كوخافي، ورئيس مجلس الأمن القومي السابق مئير بن شبات، ورئيس جهاز الموساد السابق يوسي كوهين، ورئيس جهاز الشاباك السابق نداف أرغمان، والمستشار العسكري آفي بلوت، لكن دون حضور المستشار القانوني للحكومة السابق أفيحاي مندلبليت، وطلب توجيه ضربة عسكرية أقوى من الضربات المعتادة، لكن بعض قادة الأجهزة الأمنية تحفظوا على الفكرة معتبرين أن الضربة التي يسعى نتنياهو إلى تنفيذها هي بمستوى عملية عسكرية قد تتحول إلى مواجهة عسكرية شاملة، لكن نتنياهو ضغط باتجاه تنفيذ الضربة، فطلب الحضور عقد اجتماع للمجلس الأمني- السياسي المصغر لبحث الوضع، وعندما علم المستشار القانوني بسعي نتنياهو لتوجيه ضربة قد تؤدي إلى حرب، أبلغه أنه رئيس حكومة تسيير أعمال وقبيل الانتخابات العامة بأيام، ولا يحق لهذه الحكومة اتخاذ قرار استراتيجي قد يؤدي إلى حرب. وقرر مندلبليت منع نتنياهو من شن الضربة العسكرية، لأنه كما يبدو رأى أنها تخدم مصلحة هذا الأخير الخاصة، لتحسين صورته انتخابيا أو للدفع لتأجيل الانتخابات في ظل التصعيد العسكري.

هدم المنازل.. نموذجا

في العام 2005 أوصت لجنة عينها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق موشيه يعالون بفحص جدوى هدم منازل عائلات منفذي العمليات في ردع الفلسطينيين عن تنفيذ مثل هذه العمليات. تولى رئاسة اللجنة العقيد أودي شيني، رئيس شعبة الاستماع والتنصت في الجيش، وخلصت اللجنة إلى "أنه لم يثبت وجود ردع فعال، إلا في حالات نادرة نسبيا، وأن أضرار عمليات الهدم تتجاوز جدواها، لأن الردع - المحدود الأثر أصلا- لا يوازي الحقد والعداوة التي يثيرها الإجراء القاسي بالنسبة للفلسطينيين".

وفي دراسة أعدها البروفسور عميحاي كوهين والمحامي تال ميمران لصالح المعهد الإسرائيلي للديمقراطية ونشرت في أواخر العام 2015، أشار الباحثان إلى أن لجنة شيني تمكنت من القيام بمهمة صعبة جدا، تتمثل في تغيير قيمة راسخة كانت شائعة بين صانعي القرار منذ ما يقرب من أربعين عاماً (أي منذ شروع الجيش بسياسة هدم المنازل). ويشير الباحثان إلى أن صناع القرار في الجيش الإسرائيلي كانوا ولسنوات متمسكين بالموقف القائل إن سياسة هدم بيوت النشطاء من أكثر الوسائل تطرفا في المناطق (الأراضي المحتلة)، وهي وسيلة تبررها اعتبارات الردع. كما تم الادعاء بأن هدم المنازل هو عقاب فعال وسريع، وبالتالي هو عقاب ذو جدوى بشكل خاص في ردع منفذي العمليات.

وتساءل كوهين وميمران إن كانت هذه المسوغات قائمة بناء على معطيات تثبت فعالية سياسة هدم البيوت، أم أن هذه السياسة راسخة بناء على افتراضات غير صالحة من أساسها؟ وهل كان أصحاب القرار مدركين أن طريقة اتخاذ قراراتهم وتاريخ استخدام عقوبة هدم المنازل مقترنان بالضغط الجماهيري ويزيدان من صعوبة اتخاذ قرارات عقلانية؟

الخلاصة الأهم في الدراسة هي أنه أحيانا يتم اتخاذ القرارات دون أي أساس واقعي، وهذه الحال تتطلب إعادة التفكير في عملية صنع القرار في الهيئات المسؤولة عن الأمن القومي لدولة إسرائيل.

وفي العام 2010 صدرت دراسة أكاديمية أعدها إفرايم بن ميلخ وكلود بيريبي وستيفان كلور، بعنوان "مكافحة الإرهاب الانتحاري: أدلة من هدم المنازل"، استعرض فيها الباحثون بالتفصيل وبالمعطيات المناطقية وبالأرقام، أثر هدم المنازل الفلسطينية على ردع منفذي العمليات، وخلصوا إلى نتيجة أن تأثير هدم المنازل يكون مؤقتا ومحدودا على الدافع لتنفيذ العمليات ولا يتجاوز أحيانا مدة شهر واحد، ويتلاشى مع الوقت، خاصة أن عوامل أخرى تلعب دورا في خفض عدد العمليات بعد هدم منازل المنفذين، منها فرض منع التجول وإغلاق المنطقة، ونشر المزيد من الحواجز حولها والمزيد من القوات فيها، ما قد يساهم في زيادة صعوبة تنفيذ العمليات، دون التأثير على الدافعية لتنفيذها. مع هذا فإنه في الحالات التي أدى هدم منازل منفذي العمليات التي توصف بالانتحارية إلى خفض عدد هذه العمليات، أدى أيضاً إلى تنفيذ أشكال أخرى من العمليات، كما جر انتقادات دولية لإسرائيل.

بالعودة إلى لجنة شيني، فرغم إشارتها إلى عدم جدوى سياسة هدم المنازل في خلق حالة ردع، وإلى أنها تزيد الوضع سوءا من ناحية زيادة الحقد والعداوة التي تثيرهما، لكن هذه النتائج لم تؤثر كثيرا على الفعل على الأرض، فأحيانا كانت إسرائيل تتوقف عن سياسة هدم المنازل (بين 2005 – 2008)، ثم تعود إليها، عند تزايد عدد العمليات، وارتبط لاحقا تنفيذ قرار هدم المنازل بقرارات المحكمة العليا الإسرائيلية التي رفضت معظم الطعون الفلسطينية في أوامر الهدم، خاصة بعد قضية رفعتها ثماني منظمات لحقوق الإنسان في إسرائيل ضد سياسة هدم المنازل العام 2014، حسب صحيفة "هآرتس".

يبدو واضحا أن الدافع الحقيقي لاستخدام عقوبة هدم المنازل مقترن بالضغط الجماهيري، أي لإرضاء رغبة الانتقام لدى الإسرائيليين، وليس بناء على دراسات حقيقية لتأثير الهدم على ردع منفذي العمليات.

كما يلاحظ قيام الجيش الإسرائيلي بنشر فيديوهات لعمليات الهدم جرفا أو تفجيرا لمنازل منفذي العمليات، في رسالة للجمهور الإسرائيلي لإظهار أن الحكومة وجيشها قاما بما هو مطلوب منهما.

ولعل الجملة الأبرز اللافتة للنظر في تقرير كوهين وميمران هي أن "استخدام عقوبة هدم المنازل مقترنة بالضغط الجماهيري تزيد من صعوبة اتخاذ قرارات عقلانية"، وهذه الخلاصة مؤشر مهم على تأثير الرأي العام الإسرائيلي الراغب بالانتقام من الفلسطيني منفذ العملية ومن أسرته، على المستويين السياسي والأمني وربما القانوني في اتخاذ قرارات قد تكون ذات نتائج عكسية أمنيا لكنها ترضي جمهور الناخبين في النهاية.

مع كل هذه المعطيات، قرر بنيامين نتنياهو العام 2014 العودة إلى سياسة هدم المنازل بعد سلسلة عمليات نفذها فلسطينيون.

مسيرات العودة.. مواجهة مضبوطة تمنع التحول إلى حرب

مقابل ذلك، ومع انطلاق مسيرات العودة في نهاية آذار 2018 والتي تخللها في كثير من الأحيان إطلاق ما تسمى "البالونات الحارقة" والمواجهات العنيفة على السياج المحيط بقطاع غزة، كان نتنياهو يواجه أزمة سياسية مرتبطة ببدء التحقيق معه في قضايا رشوة وخيانة أمانة واحتيال في عدة ملفات، ما ضعضع وضعه السياسي وجعل شبح الانتخابات حاضرا معظم الوقت. سبق هذه الفترة تعرض نتنياهو لانتقادات شديدة من قبل أفيغدور ليبرمان، الذي كان خارج حكومة نتنياهو بين العامين 2015 و2016 وانضم لها وزيرا للدفاع خلفا لنتنياهو الذي تولى المنصب لعدة أيام بعد استقالة موشيه يعالون في 22 أيار 2016. نتنياهو كان قد تعرض لانتقادات شديدة من قبل ليبرمان الذي قال بتاريخ 29 أيار 2016 في مؤتمر لصحيفة "معاريف": "لو كنت وزيرا للدفاع لمنحت السيد إسماعيل هنية 48 ساعة، إما أن يعيد خلالها جثث الجنود القتلى والأسرى الإسرائيليين أو أنه سيموت". في اليوم التالي أبلغ نتنياهو ليبرمان بتعيينه وزيرا للدفاع وضمه للائتلاف الحكومي، بهدف إسكات تصريحاته التي تؤثر سلبيا عليه. بهذا كبل نتنياهو ليبرمان بالالتزامات السياسية التي يتطلبها المنصب، فلم ينفذ ليبرمان تعهده باغتيال هنية خلال 48 ساعة. ومع اندلاع أحداث مسيرات العودة في آذار 2018، تبنى ليبرمان وجهة نظر نتنياهو بضرورة تجنب التصعيد ودافع عن وجهة النظر هذه، ما دفع وزير التعليم في حينه نفتالي بينيت إلى توجيه انتقادات شديدة لليبرمان، ونقلت عنه صحيفة "هآرتس" قوله إن "سياسات ليبرمان ضعيفة ويسارية"، كما دعا بينيت إلى "قتل مطلقي البالونات الحارقة"، وقال إن "سياسات ليبرمان هي التي جعلت حماس أكثر جرأة". بالمقابل رد ليبرمان على هذه الاتهامات بالقول إن بينيت شرع بدعاية انتخابية عبر هذه التصريحات التي اعتبرها افتراء عليه، ولم يتطرق ليبرمان إلى جوهر الانتقادات الموجهة له. لكن بعد عدة شهور، بدأ ليبرمان يهاجم نتنياهو ويقول إن رئيس الحكومة يكبله كوزير للدفاع ويمنعه من توجيه ضربات لقطاع غزة، وفي منتصف شهر تشرين الثاني 2018 استقال من منصبه لهذا السبب. فورا أقدم نتنياهو على تعيين بينيت -الذي كان مستمرا في انتقاداته لسياسة الحكومة تجاه غزة- وزيرا للدفاع، فوجد بينيت نفسه يتبنى وجهة نظر ليبرمان- نتنياهو في ضرورة تجنب التصعيد في غزة وعدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية لاعتبارات سياسية.

هنا حقق نتنياهو هدفه السياسي بتجنب مواجهة عسكرية، وأسكت بينيت كما سبق أن أسكت ليبرمان، وتبنى أيضا وجهة نظر الأجهزة الأمنية لأنها تخدم مصالحه الشخصية (قضائيا)، والسياسية في تجنب مواجهة في فترة انتخابات، لكنه في حادثة أسدود ولتحقيق مكاسب سياسية شخصية سعى لمواجهة عسكرية أحبطها المستوى الأمني بالتعاون مع المستشار القانوني للحكومة.

تصعيد أيار.. هل سعى نتنياهو للمواجهة؟

قبيل المواجهة العسكرية في قطاع غزة والهبة التي شهدتها فلسطين التاريخية في أيار 2021 كانت المؤشرات واضحة إلى إمكانية الذهاب إلى تصعيد عسكري. ففي تلك الفترة كانت قضية الشيخ جراح في ذروتها على مستوى المواجهة على الأرض، وفي التغطية الإعلامية لها، وشهدت مدينة القدس والمسجد الأقصى مواجهات في الأسابيع التي سبقت التصعيد العسكري. في ظل هذه الأوضاع شديدة التوتر دعت منظمات يهودية إلى تنظيم "مسيرة الأعلام" التي تقام في ذكرى احتلال القدس، ما قد يزيد الوضع تفجرا.

المستويات الأمنية في إسرائيل استبقت المواجهة العسكرية في أكثر من مناسبة إلى التحذير من أن تصعيد الوضع في الشيخ جراح قد يقود إلى مواجهة عسكرية مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، خاصة وأن حركة حماس هددت صراحة بالتصعيد إذا لم توقف إسرائيل إجراءاتها في القدس وإذا لم تفرج عن المعتقلين في الأحداث، وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 10 أيار 2021 إلى التهديد الصريح من قبل الناطق الرسمي باسم الجناح العسكري لحماس، وكذلك إلى تهديدات الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية بالتصعيد إن لم تتوقف إسرائيل عن إجراءاتها في القدس، لكن رغم التحذيرات تقرر السماح بتنظيم مسيرة الأعلام. وأشارت الصحيفة إلى أن الكابينيت السياسي- الأمني التأم لبحث الوضع، فيما استعد المستوى السياسي لإمكانية وقوع مواجهة تشمل إطلاق صواريخ على تل أبيب.

سبق ذلك بنحو أسبوعين أيضا تحذيرات وجهت للمستوى السياسي من أجهزة الأمن الإسرائيلية من أن التصعيد في القدس قد يقود إلى تصعيد في غزة والضفة. ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر استخبارية ربطها المباشر بين إطلاق صاروخ من قطاع غزة باتجاه مستوطنات محيط القطاع بتاريخ 24 نيسان وبين الوضع في القدس. وحذرت المستويات الاستخبارية من مخاوفها من أن يؤدي تصعيد عسكري مع المقاومة في غزة إلى تعزيز العلاقة بين حماس وبين المقدسيين. كما دعا قادة في الجيش الإسرائيلي إلى "إدارة الأحداث الأمنية بضبط للنفس لمنع حدوث تصعيد شامل".

في تلك الفترة أطلقت من قطاع غزة صواريخ ذات مدى قصير على مناطق مفتوحة قريبة من محيط القطاع، فيما رد الجيش الإسرائيلي بقصف أراض أو مواقع فارغة في غزة لتجنب سقوط ضحايا فلسطينيين، ما قد يفجر الوضع.

القرار السياسي بشأن "مسيرة الأعلام" رغم التحذيرات الأمنية خالطته خلافات بين المستويات السياسية وداخل المنظومة الأمنية نفسها، ففيما أعلنت الشرطة أنها وبالتوافق مع قرار المستوى السياسي ونتنياهو شخصيا وحسب توصيات المسؤولين الأمنيين، قررت تغيير مسار مسيرة الأعلام بحيث لا تمر من باب العمود بناء على توصيات الشاباك والجيش، كشفت صحيفة "يديعوت احرونوت" عن أن هذا الموقف جاء خلافا لرأي وزير الأمن الداخلي - السابق- أمير أوحانا وقائد الشرطة كوبي شبتاي اللذين كانا يريدان أن تمر المسيرة من باب العمود وعدم الرضوخ للتهديدات الفلسطينية.

صحيفة "يسرائيل هيوم" أكدت أن المستوى السياسي تردد في قراره بشأن إمكانية إلغاء مسيرة الأعلام في ظل التهديدات الصادرة عن المقاومة في غزة، لكنه في النهاية قرر السماح بتنظيم المسيرة مع تحويل مسارها عن باب العمود، في موازنة لإرضاء القائمين على المسيرة، وفي محاولة لتجنب التصعيد.

ورغم أن هذا القرار لم يساهم في منع المواجهة، يبدو أن الذهاب إلى تصعيد لم يكن يشكل تهديدا سياسيا لنتنياهو الذي كان قد خسر التكليف بتشكيل حكومة، قبل ذلك بأيام، بعد تكليف يائير لبيد بهذه المهمة، لذلك يمكن الافتراض بأن نتنياهو سعى للمواجهة عسى أن تؤدي مثلا إلى اضطرار منافسيه لتشكيل حكومة طوارئ قد تبقيه في الحكم أو في الحكومة.

بالعودة إلى ظروف سابقة مشابهة، نجد أن نتنياهو تجنب التصعيد بكافة السبل خاصة في الفترة التي كانت تسبق الجولات الانتخابية المتتالية التي شهدتها إسرائيل على مدى نحو من عامين، وفي ظل توجيه اتهامات له بالفساد في عدة قضايا.

المصلحة السياسية هي التي تغلب

بالمجمل، فإن القرار النهائي في تحديد السياسات الأمنية والعسكرية هو بيد المستوى السياسي، ومرتبط بمصالح المسؤولين الحزبية والسياسية وحتى الشخصية في هذا المستوى، ولعل فترة حكم نتنياهو منذ العام 2009 حتى العام 2021 هي أوضح نموذج لكيفية تعامله الانتقائي مع التوصيات الأمنية بناء على اعتباراته السياسية الخاصة، حتى لو جرّت إسرائيل إلى مواجهة شاملة، هي في غنى عنها، عسكريا وأمنيا وسياسيا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات