المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ائتلاف المتضررين من نتنياهو: هزة عميقة. (إ.ب.أ)
ائتلاف المتضررين من نتنياهو: هزة عميقة. (إ.ب.أ)

كان يكفي تمرّد نائب واحد ليضع الحكومة الإسرائيلية على "كف عفريت"، وعلى كف نائب واحد آخر ليتقرر حل الكنيست والاتجاه لانتخابات مبكرة، وتحييد كل اعتبارات الكتل المشاركة في الائتلاف الحاكم، التي أبدت تماسكا بقدر كبير، حتى صباح السادس من الشهر الجاري، حينما أعلنت رئيسة الائتلاف عيديت سيلمان، من حزب رئيس الحكومة، "يمينا"، انسحابها من الائتلاف. فمنذ الآن بات الائتلاف يرتكز على 60 نائبا، وهذا حسب القانون لا يؤدي إلى سقوط الحكومة، بل إلى شل عملها أمام الكنيست بقدر كبير. أما الرابح الأكبر من كل هذا فهو شخص بنيامين نتنياهو، أكثر بأضعاف مما سيكسبه حزبه، ما أربك من كانوا يستعدون لخوض المنافسة على رئاسة الليكود.

بحسب القانون الإسرائيلي، فإن الحكومة ممكن أن تتشكل بكل أغلبية عادية في الهيئة العامة للكنيست، لكن حجب الثقة عنها سيحتاج إلى أغلبية لا تقل عدديا عن 61 نائبا، وكذا بالنسبة لحل الكنيست، الذي بحسب القانون يحتاج لأغلبية أعضاء الكنيست، بمعنى 61 نائبا. وعلى هذا الأساس، وحتى اللحظة التي يُنشر فيها هذا التقرير، فإن الائتلاف الحاكم بات يرتكز على 60 نائبا، وقد يخسر من هذا العدد في حال وقع تمرد آخر في الائتلاف، وذلك مقابل 60 نائبا في معارضة ليست متكتلة على نفسها، إذ إن 6 مقاعد منها هي للقائمة المشتركة، وسنأتي على توصيف الحالة التي تواجهها؛ كما أنه ليس واضحا كيف سيكون أداء النائبة عيديت سيلمان، بمعنى هل ستصوت بشكل دائم ضد الحكومة، ومع حجب الثقة عنها، أم أن تصويتها سيكون مشروطا بحسب ما يتم طرحه، وفق ما ورد في تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" عن سيلمان؟

بناء عليه، فإن الأزمة الجدية التي تعيشها حكومة نفتالي بينيت، بعد مرور أقل بقليل من 10 أشهر على حصولها على الثقة، لا تعني سقوطها الفوري، لأنه حتى الآن لا يوجد 61 نائبا سيجتمعون على موقف واحد لإسقاط الحكومة. وحتى لو ظهر هذا العدد في الأيام المقبلة، فإنه بموجب قانون الكنيست، لا يمكن طرح حجب الثقة عن الحكومة خلال العطلة البرلمانية وهي قائمة حاليا، وتستمر حتى اليوم الأول لانعقاد الهيئة العامة يوم 9 أيار المقبل.

ولذا من السابق لأوانه الحديث عن انتخابات مبكرة، ولكن في كل الأحوال فإن الانتخابات المبكرة هي مسألة وقت، ومن الصعب رؤية عدم اجراء انتخابات قبل نهاية العام الجاري 2022، وإذا لم يصحح الائتلاف وضعيته، فكل الاحتمالات واردة.

خلفية الأزمة

منذ اليوم الأول لتشكيلها كان واضحا أن هذه الحكومة ترتكز على ائتلاف هش، 61 نائبا من أصل 120 نائبا في الكنيست. ومن المفارقة أن الكتلة الأضعف في تماسكها هي كتلة "يمينا"، التي زعميها نفتالي بينيت يترأس الحكومة بالمناوبة حتى شهر آب 2023، رغم أنها فازت بـ 7 مقاعد فقط في الانتخابات الأخيرة.

فمنذ أن تقرر تشكيل الائتلاف أعلن أحد النواب السبعة، عميحاي شيكلي، تمرده على تشكيلة الائتلاف، لكونه يرتكز على "القائمة العربية الموحدة"، الذراع البرلماني للحركة الإسلامية- الشق الجنوبي، رغم كل ما قدمته "الموحدة" من تنازلات سياسية، وتأييدها لاتفاقية ائتلاف عامة تنقض كل المواقف السياسية المعلنة للحركة، لتصبح شريكة فاعلة في الائتلاف. كما أن شيكلي يتحفظ من وجود حزب ميرتس اليساري الصهيوني، بمعنى أنه لولا تمرده لكان الائتلاف سيرتكز على 62 نائبا، وهذا الصوت كان من شأنه أن يساهم أكثر في ثبات الحكومة. وطيلة الأشهر العشرة الماضية، كانت الأنظار تتجه لوضعية كتلة "يمينا" التي هي من أشد كتل اليمين الاستيطاني تطرفا في الائتلاف؛ ولم تتوقف مطالب نوابها ووزرائها بما يخدم نهج وبرامج اليمين الاستيطاني والمستوطنات، وقد تحقق الكثير في هذا المجال، تحت سمع باقي كتل الائتلاف وبصرها.

وكان الليكود وباقي أطر اليمين الاستيطاني، بما فيها أطر ومراكز ليست حزبية لدى المستوطنين، تمارس ضغوطا على نواب في كتلة "يمينا" كي يخسر الائتلاف غالبيته، حتى جاء إعلان النائبة المتدينة عيديت سيلمان انسحابها من الائتلاف، بسبب رسالة وزير الصحة، رئيس حزب ميرتس، نيتسان هوروفيتس، لأحد المستشفيات الإسرائيلية يطالبه فيها بالالتزام بقرار المحكمة العليا السماح بدخول أطعمة "مخمّرة" إلى المستشفى خلال أيام عيد الفصح العبري. وكان واضحا أن هذا السبب ليس بمستوى انسحاب من الائتلاف الحاكم، على الرغم من كل ما جاء فيه من ديباجات لسيلمان بأن هذا ينقض "يهودية الدولة"، إذ إن هذا القرار كان قد صدر من المحكمة العليا، قبل عامين من الآن، في نهاية نيسان 2020، ولم تُبد سيلمان أي اعتراض ولم تبادر لما من شأنه أن يُفرغ قرار المحكمة من مضمونه، طيلة الأشهر العشرة التي كانت تترأس فيها الائتلاف برلمانيا. ولذا فإن الانطباع السائد هو أن سيلمان واجهت ضغوطا شديدة من أوساط اليمين الاستيطاني المتطرف، وهذا ما قاله نفتالي بينيت شخصيا، وقد بحثت عن ذريعة كهذه لتقفز عليها وتترك صفوف الائتلاف.

وضعية القائمة المشتركة

فور ظهور الأزمة البرلمانية اتجهت الأنظار أيضا إلى القائمة المشتركة، التي تمثل الجمهور الفلسطيني برلمانيا، وهذا لكونها كتلة معارضة ولكن ليست ضمن التكتل المعارض الذي كله من اليمين الاستيطاني المتطرف. وفي الوقت ذاته هي معارضة للحكومة التي تتبع سياسات اليمين الاستيطاني، وتلتقي أحزاب المشتركة الثلاثة على موقف عدم المشاركة في أي حكومة إسرائيلية، طالما أن الاحتلال والسياسات العنصرية قائمة. والقائمة المشتركة في وضعية سياسية قد تبدو للبعض أنها معقدة، لكنها ليست كذلك، وحسب الموقف السائد في الكتلة فإنه لا يمكنها أن تشكل شبكة أمان للحكومة القائمة، نظرا لنهجها وسياساتها، وفي الوقت ذاته لا يمكنها الالتزام باقتراحات حجب الثقة عن الحكومة التي تبادر لها كتل اليمين الاستيطاني، وتشمل كتلتي المتدينين المتزمتين- الحريديم.

يرتكز اقتراح حجب الثقة عن الحكومة على 3 جوانب لكل واحد منها وزن في قرار التأييد والاعتراض والامتناع: أولا، هوية الكتلة المبادرة، ثانيا، سبب حجب الثقة، وثالثا، وهو ما يزيد التعقيد أنه بموجب القانون الإسرائيلي فإن اقتراح حجب الثقة يجب أن تنتهي صيغته باسم المرشح لتشكيل الحكومة. وهذا يعني في حالة القائمة المشتركة أن تحفظها واعتراضها ليس فقط على كتل اليمين الاستيطاني، بل أيضا على مواضيع حجب الثقة والخطاب الذي سيلقى لشرحه، وأيضا على هوية المقترح لتشكيل الحكومة، حتى وإن كان الأمر شكليا. بمعنى أن تأييد حجب ثقة كهذا، سيكون تأييدا لتسمية أشخاص مثل نتنياهو ورموز كتلة الصهيونية الدينية وكتلتي الحريديم، ما يجعل من المستحيل أن تدعم القائمة المشتركة اقتراحات حجب ثقة لإسقاط الحكومة، لأن هذا سيكون تأييدا ضمنيا لليمين الاستيطاني ضد حكومة يمين استيطاني، وعلى الأغلب فإنها في حالة كهذه تخرج من القاعة.

في حالة حل الكنيست، فإن هذا قرار يُتخذ ولا يحتاج للمقومات الثلاثة السابق ذكرها، ولكن كما ذكر سابقا فإن حل الكنيست يحتاج إلى 61 نائبا، وفي حال وجد هذا العدد بضمنه القائمة المشتركة، فمن الصعب جدا رؤية المشتركة تصوت ضد حل الكنيست.

حال أحزاب الائتلاف

لم يغيّر انسحاب سيلمان من الائتلاف حسابات الكتل الثماني التي تشكل الائتلاف الحاكم، بمعنى أنها كلها متفقة على أهمية استمرار الحكومة، على أساس حساباتها الحزبية، وهي تعلم أن كل انتخابات مبكرة ستتسبب بخسائر لكل واحدة منها، إما على صعيد حجم التمثيل البرلماني، أو على صعيد المكانة السلطوية، حتى وإن حققت بعض هذه الكتل تقدما محدودا في قوتها البرلمانية.

والحالة البرلمانية التي تواجهها الكتل تدب القلق في كل واحدة منها، حيث ستدفع أثمانا في حال جرت الانتخابات قريبا، بحسب ما دلّت عليه استطلاعات الرأي، التي جرت وانتشرت في يوم تفجّر الأزمة ذاته. وعلى الرغم من أنها استطلاعات لا يمكن الاعتماد عليها، فإنها تشير إلى توجه ما، قد يشهد تقلبات عديدة حتى يوم الانتخابات، التي ستكون نتيجتها مرتبطة بعوامل عدة، منها التشكيلة الحزبية، والأوضاع التي ستكون قائمة، ولكن العديد من الأحزاب ستضطر لتغيير استراتيجيات اعتمدتها في الانتخابات السابقة.

يتزايد القلق لدى بعض أحزاب الائتلاف بناء على تجارب سابقة، إذ إنه حينما تكون مؤشرات لاقتراب انتخابات برلمانية، فإن نوابا في عداد "خلايا نائمة"، ما يهمهم هو استمرار وجودهم على الساحة البرلمانية، قد يبادرون لتمرد مبكر، ويقفزون من السفينة الغارقة، نحو ألواح عائمة في النهر السياسي الهائج، علّ وعسى تنقلهم إلى بر الأمان، على الأقل لدورة برلمانية أخرى.

وأحد أكثر الأحزاب المهددة بالاختفاء هو حزب "أمل جديد" برئاسة وزير العدل جدعون ساعر، الذي فاز في الانتخابات السابقة بـ 6 مقاعد، على الرغم من استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات ومنحته ما بين 9 مقاعد إلى 12 مقعدا، وحينما بدأ المنافسة كان يجري الحديث عن حصوله بين 12 إلى 16 مقعدا. فهذا الحزب هو عمليا انشقاق عن حزب الليكود، وغالبية نوابه جاؤوا من صفوف الليكود، وكان شعاره المركزي انهاء جلوس بنيامين نتنياهو على كرسي رئاسة الحكومة، وقال أكثر من استطلاع إن هذا الحزب لن يتجاوز نسبة الحسم، ولذا فهو أيضا مرشّح لحالة تمرد، ليست بادية حتى نشر هذا التقرير.

عدا هذا، فإن استطلاعات الرأي منحت الأحزاب الأخرى في الائتلاف ما يقارب نتيجتها الحالية، مع تراجعات أو تقدم محدود لكل واحد من الكتل. مع الإشارة إلى أنه على الرغم من هجوم جمهور اليمين الاستيطاني على كتلة "يمينا" برئاسة نفتالي بينيت، فإن الاستطلاعات حافظت على قوة هذا الحزب بسبعة نواب.

في حالة "القائمة العربية الموحدة"، فإن الانتخابات المبكرة لن تكون في صالحها، إذا كان التصويت لها هو على أساس سياسي، كونها لم تحقق شيئا يذكر، كما أن الفرضية التي على أساسها شاركت في الحكومة، لاقت رفضا ضمنيا في الغالبية الساحقة من الأحزاب الصهيونية، على الرغم من القبول بها في هذه الحكومة، فمقارعة المعارضة لهذه الحكومة هو أنها ترتكز على قائمة عربية، على الرغم من أن من فتح الباب لها وشرعن وجودها في الحكومة هو بنيامين نتنياهو شخصيا، الذي بات يحرض على القائمة ذاتها.

الأمر الآخر هو أن هذه القائمة اتخذت في الانتخابات السابقة نهج الدعاية ذات الطابع "المحافظ الديني" وفق تعبيرها، وأثارت قضية الموقف من مثليي الجنس ضد القائمة المشتركة مع تركيز خاص على نواب الجبهة الديمقراطية، إلا أن هذه الورقة سقطت من أيديها، بعد إعلانها ما أسمته "النهج الجديد"، وشاركت في حكومة عمّقت الاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى أغدقت الحكومة في الميزانيات على المراكز والجمعيات التي تعنى بشؤون مثليي الجنس، وأيدت "الموحدة" كل هذه الميزانيات ضمن مشروع الموازنة العامة، ولم تعترض عليه.

الأمر الآخر، هو أن طرحها للمشاركة في كل حكومة سيُواجه بسؤال: مع من؟ طالما أن نتنياهو أعلن منذ الآن رفضه لها. ولكن في كل انتخابات تنشأ عوامل أخرى تلعب دورا في نتيجة كل واحد من الأحزاب.

نتنياهو الرابح الأكبر

يظهر من الاستطلاعات الفورية أن كتل المعارضة الحالية تحافظ على قوتها البرلمانية الحالية، باستثناء حزب الليكود، الذي أجمعت كل استطلاعات الرأي على أنه سيُحدث قفزة جدية، من 5 إلى 8 مقاعد، زيادة على المقاعد الثلاثين التي حققها في الانتخابات السابقة، ولكن الرابح الأساس هو شخص بنيامين نتنياهو، وعلى المستوى الشخصي، أكثر من أن يكون على المستوى الحزبي. فقد داهمت الأزمة الحكومية فجأة أوساطا في حزب الليكود، كانت تعد العدة للمنافسة على رئاسة الحزب، على أساس أن الحكومة الحالية تستند لأغلبية هشة، وأنه كلما مرّ الوقت تآكلت قوة نتنياهو في الحزب، خاصة وأن شبح محاكمته في قضايا الفساد يتمدد، ولو ببطء.

صدرت ردود الفعل المبتهجة في الليكود عن بنيامين نتنياهو، وعن الحلقة الضيقة حوله، وسط صمت "صارخ"، بالتعبير المجازي، لدى منافسي نتنياهو المفترضين، على رئاسة الحزب يسرائيل كاتس، ونير بركات، وهما الأقوى من بين المنافسين الآخرين، وخاصة يولي إدلشتاين، رئيس الكنيست الأسبق.

وفي حال تم حل الكنيست قريبا والتوجه إلى انتخابات مبكرة قبل نهاية العام، فإن فرص التفوق على بنيامين نتنياهو ستكون معدومة، ولا مجازفة في هذا الاستنتاج، لأن الليكود وكتلته البرلمانية لا يزالان بقبضة نتنياهو، ولا أحد من منافسيه لديه تلك الشعبية الجارفة في الشارع، وخاصة في اليمين الاستيطاني وأحزابه، كتلك التي يحظى بها نتنياهو.

الأمر الآخر، هو أنه على الرغم من مرور عام، على بدء المحاكمة الفعلية لنتنياهو، وظهور أربعة شهود مركزيين، فإنها تتقدم ببطء شديد، إذ لا يظهر شيء صارخ يهز سير المحكمة، ما يعرّض نتنياهو لأزمة أمام الرأي العام، لذا فإن بلوغ المحاكمة الخط النهائي بعد آخر استئناف ما زال بعيدا نسبيا، وقد يتجاوز الأمر عامين وثلاثة، وكل هذا يخدم نتنياهو، فيما على منافسيه في الحزب أو من يتوقون للوصول لرئاسة الحزب أن ينتظروا مفاجأة غير متوقعة، تقلب الوضع رأسا على عقب.

ونختم مرحليا بملاحظة عينية بخصوص استطلاعات الرأي، فطالما أن الحديث عن توزيع 120 مقعدا، في مشهد سياسي يطغى عليه التشرذم، فإن لكل مقعد وزن في حسم الأمور. وما يظهر في استطلاعات الرأي بشأن المقاعد المتوقعة لكل من القائمة المشتركة، والقائمة العربية الموحدة، ترتكز على توزيع المقاعد العشرة القائمة حاليا، 6 للمشتركة و4 للموحدة. إلا أن هذه النتيجة جاءت بسبب انهيار نسبة المشاركة في التصويت في آذار 2021، إلى مستوى غير مسبوق هو نسبة 43.5% من ذوي حق الاقتراع العرب، أقل بنحو 20% عما كان في عام سبق، ولا أحد يستطيع التكهن منذ الآن ماذا ستكون نسبة التصويت بين العرب الذين نسبة كل 5% من ذوي حق التصويت لديهم تساوي مقعدا برلمانيا، ومن شأن رفع نسبة التصويت بين العرب أن يقلب النتائج، والعكس صحيح.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات