المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الثقافة في ظل كورونا: أعباء مضاعفة.  (صورة تعبيرية)
الثقافة في ظل كورونا: أعباء مضاعفة. (صورة تعبيرية)

نشر معهد الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست معطيات حول مقدار الصرف الحكومي على مجالات قطاع الثقافة في إسرائيل، واضعاً إياها أمام مقارنة مع الدول الأوروبية. فكما هو معروف، تختار إسرائيل الرسمية الانتساب في شتى المجالات الى أوروبا وليس إلى محيطها الجغرافي، الشرق الأوسط. فتراها تشارك في مسابقات الرياضة والفنون وغيرها في نطاق تلك الأوروبية منها.

ولقد وجد البحث، بموجب المعطيات وتحليلها، أنه في العام 2020، بلغ الإنفاق الحكومي الإسرائيلي على الثقافة والترفيه والرياضة 9.53 مليار شيكل. وهو ما شكّل حوالي 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بانخفاض قدره 24.3% مقارنة بالعام 2019. وبموجب التسويغات الرسمية، وليس فيما يخص هذا المجال فحسْب، يجري ربط هذا الانخفاض في التمويل والصرف على الأغلب بتفشي وباء كورونا وتأثيراته العديدة على تقلّص وأحيانا إيقاف نشاطات الثقافة والترفيه والرياضة، في فترات مختلفة على مدار العام.

وللمقارنة، يضيف المعهد، ففي العام 2019 بلغ الإنفاق العام في هذه القضايا 66.8 مليار شيكل، أي 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة قدرها 4.1% مقارنة بالعام السابق (2018).

ولكن بنظرة أوسع، دون علاقة بكورونا، هناك تراجع في حصة الإنفاق الحكومي على الثقافة والترفيه والرياضة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل، في السنوات الخمس عشرة الماضية، بمستويات 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2006 و7.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2007 إلى 7.4% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019 (قبل كورونا) - وهذا بانخفاض إجمالي يعادل نسبة مئوية واحدة بين الأعوام 2007 و 2019.

ينوّه البحث إلى أنه فيما يتعلق بالإنفاق على الثقافة والترفيه والرياضة، يجب التمييز بين العوامل المشاركة في تمويل الإنفاق - الأسر، والسلطات المحلية، والمؤسسات الحكومية والقطرية، والمؤسسات غير الهادفة للربح (جمعيات مختلفة). وبما أن البيانات الخاصة بسنة واحدة تتأثر بمعطيات حسابات مختلفة وبتغييرات عرضية، تتم الإشارة إلى متوسط نسبة التمويل في مجموعات مدتها 8 سنوات وكذلك تقديم بيانات العام 2020 بشكل منفصل. هذا العام لوحظ تغيّر في اتجاه بيانات الصرف، إذ كانت هناك زيادة في نسبة تمويل الأسَر من الإنفاق العام على الثقافة والترفيه والرياضة، إلى جانب انخفاض في نسبة تمويل الحكومة والحكم المحلي.

تجدر الإشارة إلى أنه في العام 2020، انخفض إنفاق الأسرة على الثقافة والترفيه والرياضة نتيجة إغلاق أو تقييد أنشطة المؤسسات الثقافية والرياضية أثناء تفشي فيروس كورونا، في حين أن ميزانية وزارة الثقافة والرياضة بقيت ثابتة مقارنة بالسنوات السابقة.

التراجع لم يبدأ بسبب كورونا بل منذ سنوات طويلة

يظهر تحليل أكثر تفصيلاً للاتجاهات الخاصة بالصرف أن معظم الانخفاض في تمويل الحكومة والحكم المحلي حدث في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. أي أن التبريرات المتعلقة بكورونا غير ذات صلة بل قد تخلق انطباعات خاطئة حد التضليل. وحتى في الفحوصات الأخيرة الواردة في هذا البحث وأبحاث سبقته، لم تصل نسبة التمويل إلى المستويات التي كانت عليها قبل الانخفاض.

اشتمل الإنفاق العام على ثلاثة مجالات هي الثقافة والترفيه والرياضة، وفق الطريقة التي يحسبها المكتب المركزي للإحصاء. ويشير البحث إلى أنه جرى هنا تناول المجال الأول في الإنفاق الحكومي، وهو الإنفاق على مجال الثقافة فقط، وذلك وفقاً لبيانات ميزانية الإدارة الثقافية في وزارة الثقافة والرياضة، كما تظهر في ميزانية وزارة الثقافة والرياضة.

هنا يتم تناول ميزانية الإدارة الثقافية للعام 2019 وميزانية الإدارة المقترحة للأعوام 2021-2022 (البحث جرى قبل إقرار الميزانية العامة، الأسبوع الماضي) وميزانية الدولة لاحتساب حد الإنفاق في هذه السنوات واحتساب حجم ميزانية الإدارة الثقافية من إجمالي الميزانية لحسابها.

يوضح البحث أنه في العام 2019 شكلت ميزانية الإدارة الثقافية حوالي 0.27% من إجمالي ميزانية الدولة، ووفقاً لمقترح الميزانية للعام 2021-2022 فإن النسبة هي 0.24%، بانخفاض قدره 3 نسب مئوية. وينوّه إلى أن هناك ميزانيات إضافية موجهة للثقافة، لكنها غير مدرجة في مجال عمل الإدارة الثقافية كبنود في ميزانية التعليم، وبالتالي فإن وزن إجمالي الإنفاق الحكومي على الثقافة من إجمالي الميزانية يكون أعلى.

بموجب معطيات كان نشرها المكتب المركزي للإحصاء، بلغ الإنفاق على الثقافة والترفيه والرياضة 61.4 مليار شيكل في العام 2018. توزيعة هذه الميزانية توفّر صورة لأولويات السياسة الثقافية، حيث أن الحصة الكبرى للرياضة. الأرقام كانت كالتالي: بلغ الإنفاق الجاري على الألعاب الرياضية، والذي يشمل أيضاً النوادي الرياضية، 17.6%؛ الأنشطة الاجتماعية والثقافية 16.1%؛ الإذاعة والتلفزيون 8.9%؛ حدائق الحيوان والنبات 8.5%؛ الكمبيوتر والإنترنت 6.3%؛ "المقامرة القانونية" (لوتو وما شابه) 6.2%؛ بينما كانت حصة الأدب والمطبوعات 6%.

فيما يتعلق بمقارنة إسرائيل مع دول أوروبية، تم التطرّق إلى بيانات حول وزن الإنفاق العام (بما في ذلك الحكومة المركزية، والسلطات المحلية، ومؤسسة التأمين الوطني، والمنظمات غير الهادفة للربح) من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل والدول الأوروبية في العام 2019. من تحليل بيانات المكتب المركزي للإحصاء يتبيّن أن إجمالي الصرف على الثقافة العام 2019 كان 5.5 مليار شيكل. وشكلت 0.39% من الناتج المحلي، ما يعادل 1408 مليارات شيكل.

بالمقابل، تظهر البيانات أن حصة الإنفاق العام على الثقافة في الناتج المحلي الإجمالي تتراوح من 1% في إلى 1.1% وهناك تباين بين الدول الأوروبية. وفقاً لحساب أجراه معهد الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، كانت حصة الإنفاق العام على الثقافة في إسرائيل في الناتج المحلي الإجمالي (0.39%) أقل من النسبة القائمة في معظم دول الاتحاد الأوروبي الـ 11. كانت ميزانية الثقافة في الاتحاد الأوروبي في العام 2019 (27 دولة باستثناء بريطانيا التي انسحبت ضمن البريكسيت) 0.5% من مجمل الميزانية.

البحث يوضّح كيف أن الغالبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي قد استثمرت في الثقافة أكثر من إسرائيل - على رأس الجدول أستونيا وبلغاريا وأيسلندا (حيث بلغ الإنفاق العام في العام 2019 1.1%) ؛ تليها لاتفيا (واحد في المئة)؛ فرنسا وكرواتيا وليتوانيا ومالطا وبولندا والنرويج (0.7 في المئة)؛ جمهورية التشيك والدنمارك وسلوفينيا وسلوفاكيا (0.6 في المئة)؛ بلجيكا ولوكسمبورغ والنمسا وفنلندا والسويد (0.5 في المئة)؛ بلغاريا وألمانيا وإسبانيا وهولندا ورومانيا وسويسرا (0.4 في المئة). فقط بعدهم، في الثلث السفلي من الجدول، تظهر إسرائيل بإنفاق عام بنسبة 0.39% على الثقافة. وتليها فقط إيطاليا والبرتغال وإيرلندا وقبرص واليونان.

وكانت أظهرت دراسة مماثلة أجراها مركز الأبحاث والمعلومات التابع الكنيست فيما يتعلق ببيانات العام 2011 أن نصيب الإنفاق العام على الثقافة في إسرائيل بلغ حوالي 0.45%، بينما بلغ متوسط الصرف في الدول الأوروبية حوالي 0.6%.

أي ميزانية، كماً ونوعاً، يجري تخصيصها للثقافة العربية؟

هناك جانب من المهم التطرّق إليه، وهو توزيع ميزانيات الثقافة على المجتمعات المختلفة. البحث أعلاه لم يتناول هذه المسألة لكنها تزداد أهمية مع الإشارة الى التراجع المسجّل في تمويل الثقافة عموماً. فقد أظهرت معطيات رسمية نشرت العام 2015، أي ضمن الفترة التي يكشف بحث معهد الكنيست عن تراجع ميزانيات الثقافة خلالها، أن ميزانية الثقافة المخصصة للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل كانت تعادل 3.2% فقط من مجمل ميزانية وزارة الثقافة والرياضة علماً أنّ نسبة المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل هي حوالي 20%. ووفقاً لمعطيات ذلك العام، فمن أصل 700 مليون شيكل كان يخصص للثقافة العربية نحو 14 مليون شيكل في السنة. وبأرقام مقارِنة: 7 شواكل لكل مواطن عربي مقابل 80 شيكلا للمواطن اليهودي.

هذا الحال كان استمراراً لتاريخ طويل من التمييز: وفقاً لمعطيات تناولت السنوات التي سبقت 2015، كانت نسبة ما تخصِّصه وزارة الثقافة والرياضة لمجمل مشاريع الفلسطينيين العرب ونشاطاتِهم الثقافيّة 3% فقط من ميزانيّة هذه الوزارة. هذه المعطيات وردتْ في دعوى قضائيّةٍ قدّمتها "لجنة رؤساء السلطات المحلّيّة العربيّة" و "مركز مساواة" ضدّ الحكومة في 3 حزيران 2012. وطالبا بأن تقدِّم وزارة الثقافة ميزانيّاتٍ للعرب الفلسطينيين بما يماثل نسبتَهم من المواطنين، وفقاً للقانون المحلّيّ والدوليّ الخاصّ بالأقلّيّات، وبما يشمل مؤسّساتِ الأدب والسينما والمسرح والرقص والغاليريات والمتاحف ومدارس الفنون والمكتبات ومؤسّسات بحث الثقافة العربيّة.

ميزانيّة وزارة الثقافة الإسرائيليّة للعام 2011 كانت كالتالي: كانت الميزانيّة العامّة 551 مليون شيكل، أمّا حصّة العرب منها فكانت أقلَّ بقليل من 18 مليون شيكل فقط (3%). وبينما حصلتْ مؤسّسات الموسيقى اليهوديّة على 47 مليون شيكل، خصِّص لمؤسّساتٍ ترعى الموسيقى العربيّةَ 470 ألف شيكل (أيْ 1% فقط). ومن أصل 81.4 مليون شيكل مخصّصة للمسارح، هناك 2.4 مليون شيكل فقط مخصّصة للمسارح العربيّة (أيْ 2.9%). وقد حصلتْ مؤسّسة سينمائيّة عربيّة وحيدة على 169 ألف شيكل من أصل 38 مليوناً خصّصتْ لإنتاج الأفلام (أيْ ما نسبته 0.04% فقط). وفي حين مَوّلتْ وزارة الثقافة مؤسّسات رقص ورقص معاصر بمبلغ 29 مليون شيكل، فإنّ حصّةَ العرب صفر. وموّلت الوزارة مؤسّسات ثقافة جماهيريّة ومشاريعَ مسرحيّة قيد الإنشاء بمبلغ 9.4 مليون شيكل، أما حصّة العرب فصفر. وخصّصتْ حوالي 14 مليون شيكل للأدب العبريّ، وصفراً للعرب. وخصّصتْ 4.5 ملايين شيكل لـ"الحضارة والتراث،" وصفراً للعرب. وموّلتْ مدارسَ الفنّ بمبلغ 9 ملايين شيكل، وبصفرٍ للعرب. ورصدتْ ميزانيّةً بمبلغ 37.7 مليون شيكل للمتاحف، وصفراً للعرب. كذلك، كانت تخصّص وزارة الثقافة 40 مليون شيكل لمؤسّسات ثقافيّة يهوديّة حصراً، وهي مغلقة أمام مؤسّسات عربيّة.

لقد نقلت صحف إسرائيلية في الأيام الأخيرة ما وصفته بـ "بشرى سارة لعالم الثقافة"، وذلك بعد أن تم في ختام مناقشات ميزانية الحكومة الاتفاق على زيادة ميزانية وزارة الثقافة والرياضة بمقدار نصف مليار شيكل. أي أن الميزانية الجديدة ستكون مليارين ونصف المليار شيكل بدلا من ملياري شيكل. وقد كانت ميزانية الثقافة حتى الآن مليار شيكل وستحصل على 200 مليون شيكل إضافي. كما تم الاتفاق على مواصلة الاتصالات بين وزارتي المالية والثقافة "في المستقبل القريب" لغرض بحث المزيد من "المساعدة في مجالات الثقافة والرياضة ذات الصلة التي تأثرت بكورونا".

هناك أسئلة لم تتضح بعد عن حجم ما سيترجِم حق المواطنين الفلسطينيين العرب في هذه الميزانية المزيدة. وهو سؤال ليس كمياً فقط، أي أنه لا يتعلق بالرقم الذي يشير إلى الميزانية العينيّة المخصصة للثقافة العربية، وإنما العناوين والأهداف التي ستذهب إليها. وهذا سؤال تطرّق إليه في مقال أخير له، رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي في الداخل، د. شرف حسان، حين طرحه في سياق ميزانيات التعليم للمجتمع العربي. فكتب: "إلى أين ستذهب الميزانيات في النهاية؟ هناك أمور ليست واضحة. مثلا هل سيتم تمويل حركات شبيبة إشكالية سياسياً بالنسبة لجماهيرنا من ميزانيات هذه الخطة؟ هل ستصرف الميزانيات كما صرف جزء من ميزانيات التعليم اللامنهجي بشكل لا يخدم احتياجات وأولويات مجتمعنا؟ هل ستصل إلى الفئات الفقيرة في مجتمعنا؟ هل ستستثمر في بناء بنى تحتية تنظيمية دائمة؟ هل سيتم تدعيم وتطوير العمل المهني في السلطات المحلية والمدارس وبناء قدرات داخل مجتمعنا كما طالبنا أم أنها ستذهب الى أطراف خارجية؟". يمكن إعادة طرح هذا السؤال نفسه بشأن الثقافة. أي ثقافة تريدها المؤسسة الحاكمة للمواطنين الفلسطينيين؟!

 

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات