المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
التطعيم ضد كورونا في إسرائيل: هل يتحول إلى أداة يمينية لخفض الإنفاق العام؟.   (الصورة عن موقع "واللا")
التطعيم ضد كورونا في إسرائيل: هل يتحول إلى أداة يمينية لخفض الإنفاق العام؟. (الصورة عن موقع "واللا")

 يحق للعمال والموظفين الأجيرين الذين أقيلوا أو استقالوا من عملهم، حتى لو كان ذلك من وظيفة واحدة مع مواصلة العمل في وظيفة ثانية، ومن خرجوا في إجازة غير مدفوعة الأجر بمبادرة المشغّل، الحصول على مخصصات البطالة ضمن شروط معيّنة، وذلك بغية تمكينهم من التغلب على صعوبات فترة البطالة إلى حين العثور على مكان عمل جديد- هذا ما تنص عليه القوانين في إسرائيل، والتي تم تشريعها بشكل تراكمي على امتداد السنين. ولكن في هذه الفترة، وتحت ضغط الأزمة الناجمة عن استمرار تفشي مرض كورونا وما يرافقها من إجراءات تقييدية، تحاول الحكومة الإسرائيلية ممثلة بوزارة المالية التي يقودها اليميني أفيغدور ليبرمان تقويض هذا الحق بشكل غير مسبوق. فقد أطلقت وزارة المالية إجراءات لمقترح تشريع يرمي إلى إنكار الحق في إعانات البطالة للعمال وللموظفين، لمدة 90 يوماً، ربع سنة، ممّن سيتم طردهم من أعمالهم بسبب رفضهم تلقي التطعيم أو تقديم اختبارات كورونا سلبية في أماكن العمل التي تتطلب ما يُعرف بـ "الشارة الخضراء". وفقاً لوزارة الصحة، يتم منح تصريح "الشارة الخضراء" لكل من تلقى التطعيم أو يحمل نتائج فحص سلبية، وهي تعتبر تصريحاً للدخول الى الأماكن التي تتطلب إبرازها وفقاً للتعليمات المنصوص عليها، والتي يتم تحديثها من فترة إلى أخرى.

تشترط آخر التحديثات لتلقي الشارة الخضراء ما يلي: من حصل على ثلاث وجبات من التطعيم ومرّ أسبوع على التطعيم الثالث – الشارة الخضراء ستكون سارية المفعول لمدة نصف سنة من التطعيم الثالث؛ من حصل على وجبتين من التطعيم ومر أسبوع على التطعيم الثاني - الشارة ستكون سارية المفعول لمدة نصف سنة من التطعيم الثاني؛ من تعافوا من كورونا – الشارة ستكون سارية المفعول لمدة نصف سنة من موعد تصريح التعافي. أما الأطفال في عمر 12 سنة أو أقل الذين حصلوا على نتيجة سلبية في الفحص فلا يوجد تغيير في مدة صلاحية الشارة، إذ ستكون سارية المفعول لمدة 7 أيام حتى نهاية اليوم السابع بعد الفحص.

هذا القانون الذي يستهدف عمالاً لا يستوفون الشروط ينضم إلى مشروع قانون آخر، لا يقل قسوة، وتتم صياغته في وزارتي المالية والاقتصاد، ويسعى إلى منع الموظفين والعمال الذين تم فصلهم على ذلك الأساس من الحصول على تعويضات إنهاء العمل.
يسعى مشروع القانون (الأول المُشار إليه أعلاه) إلى تعريف فصل العامل الذي لم يتلقّ التطعيم على أنه "استقالة"، بسبب التزام مكان العمل بالشارة الخضراء مما يؤدي إلى حصوله على فترة تجميد لمدة 90 يوماً قبل أن يصبح مؤهلاً للحصول على إعانات البطالة. كما ينص مشروع القانون على إجراءات تجميد مماثلة للموظف الذي يخرج إلى عطلة غير مدفوعة الأجر في ظروف مماثلة.

تنص ديباجة مشروع القانون على أنه "من أجل عدم تحفيز العاملين على عدم تلقي التطعيم من أجل الحصول على إعانات البطالة أثناء عدم السماح لهم بالحضور إلى العمل، يُقترح تعديل قانون التأمين الوطني بحيث يكون الموظف طرد أو استقال بسبب رفض التطعيم لمن استقال من وظيفته بمحض إرادته وكذلك الحال بالنسبة للموظف الذي يذهب إلى العمل".

المنتقدون: إجراء متطرف وعدائي

كتب رئيس نقابة الهستدروت، أرنون بار دافيد، في رسالة رسمية إلى وزيرة الاقتصاد أورنا باربيباي، موضحاً أنه على الرغم من أن الهستدروت تشجع التطعيم وتعمل حتى على الترويج للقضية بين أعضائها، فإن التشريع الذي يسعى إلى منعهم من الحصول على تعويض إنهاء العمل هو إجراء "متطرف، عدائي وغير نسبي". ودعا باربيباي إلى الدخول في مفاوضات مع الهستدروت ومنظمات أصحاب العمل من أجل التفكير معاً في طرق أكثر ملاءمة لتشجيع التطعيم والحد من انتشار المرض في أماكن العمل.

أما مؤسسة التأمين الوطني فقد ردت على البيان الذي نشرته وزارة المالية بشأن التشريع، موضحةً أن صيغة القانون تنطبق من جهتها فقط على الموظف الذي لم يوافق على الفحص، وأن سريانها هو لشهر واحد فقط. كما تم توضيح أن صيغة المقترح قد تم الترويج لها من قبل قسم الموازنة في وزارة المالية، ويلزم لتنفيذها إجراء تشريعي كامل في الكنيست، وموافقة وزير العمل والرفاه.

تقول مؤسسة التأمين الوطني إن القانون مترافق مع الشارة الخضراء وهذا يعني أنه قيد التطبيق فقط للشهر التالي في الوقت الحالي. وتابعت مؤسسة التأمين أن "القانون لا ينطبق على الاقتصاد بأكمله"، كما ورد في ردها. أما بخصوص العملية التشريعية، تقول مؤسسة التأمين الوطني، فإن مشروع القانون هو في الواقع تنفيذ لقرار حكومي صدر قبل نحو ذلك أسبوعين يقضي بتعديل القانون. وتم نشر الاقتراح للتعليقات والملاحظات العامة ولم يصدر أي تشريع بعد.

من جهته، هاجم رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست، عضو الكنيست جلعاد كريف (حزب "العمل" المشارك في الائتلاف الحكومي)، مقترح القانون التي نشرته وزارة المالية، وقال: "هذا تجاوز للخط الأحمر. أتمنى أن تتوقف مثل هذه الإجراءات في اجتماعات الحكومة قبل وصولها إلى الكنيست". وبموجب بيان قدّمه في اجتماع اللجنة البرلمانية تابع: أرى في مذكرة هذا القانون التي تم توزيعها أمراً يلزمنا كلجنة لإعادة التأكيد، وخصوصاً في ذروة المرض، على أنه يجب مراعاة مبادئ النسبية وعدم الوقوف على حواف المنحدر الزلق، بما في ذلك تجاوز الخطوط الحمراء.

وفسّر أن صيغة اقتراح القانون هذه تمضي خطوة إلى الأمام باتجاه ذلك الخط الإشكالي، ويجب القول إننا ندعم الحكومة في محاربة المرض، ولكن حتى في هذا علينا الحفاظ على الخطوط الحمراء وآمل أن يفعل الوزراء ذلك. ليتم وقف إجراءات التشريع على مستوى الحكومة قبل الوصول الى الكنيست.

المعلّق في جريدة "دفار" الصادرة عن الهستدروت، والتي تُنشر على شبكة الإنترنت، نيتسان تسفي هكوهين، كتب مقالا تحت عنوان: "سلب مخصصات البطالة هو اعتداء وحشي على حقوق أساسية ولن يساعد على التطعيم". ويكتب: يثير التعامل مع فيروس كورونا الكثير من المعضلات حول انتهاك الحقوق العامة: تقييد حرية التنقل، وانتهاك الخصوصية، وحظر التجمعات والمزيد. هذا هو بالضبط السبب في أن كل خطوة تتخذها الحكومة يجب أن تكون منطقية ونسبيّة ومفيدة بشكل واضح. هذه الخطوة – اقتراح قانون سلب إعانات البطالة – بالتأكيد لا تفي بهذه المعايير. خبراء الصحة العامة متّحدون في الرأي القائل إن مثل هذه التحركات، التي تلحق الضرر بنسيج الثقة بين الفرد والمجتمع، لا تعزز تلقي التطعيم، والعكس صحيح. على عكس الحكومة السابقة التي أرسلت العمال وأصحاب العمل غير المطعّمين للتشاجر مع بعضهم البعض في المحاكم، تتّبع الحكومة الحالية سياسة واضحة، حيث يُطلب من الزبائن حمل الشارة الخضراء، فهذا مطلوب أيضاً من الموظفين والعاملين هناك. لكن هناك فرق بين مطالبة الموظفين باستيفاء شروط الشارة الخضراء وبين انتهاك حقوقهم الاجتماعية عشوائياً.

أما عن مقترح تعويضات نهاية العمل، فيقول إن المحاكم لم تقم بإجازة ذلك على مر السنين إلا في الحالات الاستثنائية فقط (على سبيل المثال في حالة ارتكاب جريمة جنائية)، وكذلك الأمر ما يتعلق باستحقاق إعانات البطالة التي هي جزء من حق التأمين للعامل المفصول. والغرض من كلتا الآليتين، يؤكد الكاتب، هو تمكين العامل الذي فقد وظيفته من وسيلة للعيش حتى يجد عملا جديدا. يجب أن نتذكر أن بعض تعويضات نهاية العمل تودع عادة في مدخرات معاش الموظف. لذلك فالتشريع الذي اقترحته وزارة المالية ينتهك الحقوق الأساسية في قوانين العمل والضمان الاجتماعي لدولة إسرائيل، والتي تمت صياغتها على امتداد سنوات عديدة، وهي خطوة خطيرة للغاية وغير معقولة، ومن المشكوك فيه إلى حد كبير أن تقرّها المحكمة العليا حين تخضع للمنصوص عليه في قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته.

خلف القانون: سياسة ضرب الخدمات الاجتماعية

كاتب المقال يشدد كذلك على أن قرار مطالبة العاملين في مجال التعليم والصحة وأولئك الذين يقدمون الخدمات إلى جمهور عريض بالتطعيم أو تقديم نتائج سلبية للاختبار، هو أمر منطقي، ومن جانب العمال أيضاً. فقد ازداد الطلب على "بيئة عمل آمنة" في العديد من الأماكن. ولكن في الوقت نفسه، يجسد مقترح القانون توتراً مع حق كل شخص على جسده وحقه في اختيار العلاجات الطبية التي يرغب في تلقيها وتلك التي لا يرغب فيها، بما في ذلك اللقاحات ضد كورونا. ومن هنا يمكن أن يكون البديل فحوصات متكررة يلتزم بها العامل والموظف من أجل الحصول على شارة خضراء كبديل للتطعيم.

هكوهين، بين آخرين، يعرض بديلاً معقولاً. وعلى الرغم من زيادة الجهود اللوجستية والمالية المطلوبة لغرض مضاعفة عدد الفحوصات، فإن هذا البديل سيظل أفضل من فرض علاجات قسراً خلافاً لإرادة الشخص وحقه في الاختيار. وهو يذكّر بأن الهستدروت ومنظمات أصحاب العمل قد وافقت بالفعل على ذلك خلال فترة الحكومة السابقة. بالمقابل، فإن حكومة بينيت- لبيد ضربت هذا الحل بمجرد إعلانها أن الاختبارات المجانية في الصناديق الصحية غير معترف بها لغرض إصدار الشارة الخضراء، وبالتالي فرضت في الواقع على العمال الذين لم يتم تطعيمهم "ضريبة فحص" تبلغ حوالي 270 شيكل في الشهر، يضطرون الى تمويلها من جيوبهم مع أنهم ليسوا مسؤولين عن استمرار تفشي المرض وعدم النجاح في صده تماماً بعد!

ليست هناك دلائل قاطعة على وجود قوى تستغل الوضع القائم بغية ضرب حقوق عمالية واجتماعية، مع أن قسم الموازنة في وزارة المالية معروف بتوجهاته الاقتصادية المرجعية المتشددة. ولكن هذا الاستسهال بل الاستسخاف بمبادئ قانونية بغية ضرب حقوق اجتماعية أساسية، يشير الى مدى سيطرة الرؤى اليمينية المتشددة التي لا ترى غضاضة في الإلقاء بمعطّلين عن العمل الى الشارع بدون أي حقوق، بل بدون ثمن طعامهم. هذا يأتي طبعاً تحت مسميات مغسولة مثل "التقشف" و "الحوكمة" و "تشديد مواجهة كورونا".

ومن المفارقات أن تكتب زعيمة حزب ميرتس السابقة زهافا غالئون ما يلي (مقال، "هآرتس" أواسط آب الأخير): إن ليبرمان ووزارة المالية يطبقان سياسات ميلتون فريدمان، بينما حتى الولايات المتحدة، القوة الرأسمالية بامتياز، تبتعد عنها. قال الرئيس جو بايدن مؤخراً في خطاب إلى الأمة إن سياسة التنقيط – أن نمنح الأموال للرأسماليين، وهم سيقومون بإلقاء الفتات على بقية السكان - قد تم اختبارها لمدة 40 عاماً وقد فشلت. حكومة بنيامين نتنياهو خفّضت الخدمات الاجتماعية والإنفاق العام، من أجل خفض الضرائب للأثرياء ومنح الإعفاءات والمزايا لرأسمالييها وشركائها الطبيعيين.

إن المسألة خلف القانون قيد البحث هي هذه: الذهاب أكثر يميناً في اتجاه ضرب الخدمات الاجتماعية وخفض الإنفاق العام. ولماذا نقول مفارقة؟ لأن حزب ميرتس الذي كثيراً ما أعلن من طرف واحد أنه "اليسار الوحيد" في إسرائيل، هو جزء من هذه الحكومة وهذه السياسة وهذه المغالاة الاقتصادية- الاجتماعية الرجعية.

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات