المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
شبح التهويد: مشهد من سلوان. (أ.ف.ب)
شبح التهويد: مشهد من سلوان. (أ.ف.ب)

هدمت بلدية القدس في الأسبوع الماضي دكانا في حي البستان الواقع في منطقة (بلدة) سلوان. هذا المحل كانت تعمل فيه ملحمة، ويقول صاحبها إنها كانت مصدر رزق واعتياش لأفراد أسرته الموسّعة الذين يصل تعدادهم إلى 15 نفرا (2).
بالنسبة لنحو مئة أسرة تعيش في حي البستان، يؤشر هدم هذا الدكّان إلى ما يمكن أن يشكل موجة من عمليات الهدم الواسعة في الحي. فهناك 16 أوامر هدم إضافية، ومعظمها بحق بيوت سكنية، وقد يتم تنفيذها في الفترة القريبة، أي أنه يوجد في الحي ما يزيد عن مئة بيت مهددة بأوامر هدم من بلدية القدس.

في السنوات الأربع الأخيرة، عمل سكان حي البستان على إعداد مخطط هيكلي لتنظيم الوضع التخطيطي في الحي، وإزالة خطر الهدم عن بيوتهم. هذه العملية حظيت بمباركة بلدية القدس، وتقدمت بالتنسيق معها.

وكجزء من محاولة تنظيم الوضع التخطيطي، وافقت البلدية أيضا على تجميد تنفيذ عشرات أوامر الهدم في حي البستان. ولكن في شهر شباط من هذا العام أبلغت البلدية المحكمة أنها غير معنية بمواصلة عملية تنظيم الوضع التخطيطي في الحي، وعوضاً عن ذلك باتت تطالب بعدم تمديد تجميد أوامر الهدم التي سبق أن صدرت. ومنذ ذلك الحين قام مفتشو البلدية بزيارات حثيثة إلى هذا الحي وسلموا أصحاب بيوت فيه إخطارات، إنذارات وأوامر بالهدم والإخلاء.

إن تنصل بلدية القدس من عملية التخطيط التي كانت قد أيدتها في السنوات الأربع الأخيرة قد بعثت على نحو أكيد بالارتياح لدى المحامي إلداد رابينوفيتش، الذي يسكن على بعد 200 متر من حي البستان. ويجدر التوقف هنا عند ما يلي: في شهر تموز الماضي نُشر في موقع اليمين "سروغيم" تقرير (3) خرج فيه المحامي رابينوفيتش بموقف ضد الخطة الهيكلية المُشار إليها أعلاه والتي يمكن أن تحمي سقوف البيوت التي تؤوي جيرانه في حي البستان.

وفي إثر نشر هذا التقرير أعلن أيضاً عضو المجلس البلدي، أريه كينغ، المقرّب من رئيس بلدية القدس، موشيه ليئون، بأنه ينوي إحباط هذه الخطة الهيكلية.

قانون كمينيتس والقدس الشرقية

هناك في أرجاء القدس الشرقية مناطق مأهولة وسكنية كثيرة تهددها أوامر وعمليات الهدم. من هذه الناحية فإن وضع حي البستان ليس استثنائيا. فمنذ العام 1967 تمنع الدولة عن السكان الفلسطينيين في المدينة خرائط هيكلية نزيهة تنظّم الوضع السكني والتخطيطي في أحيائهم. وقد طرأ في السنوات الأخيرة ارتفاع كبير في حجم عمليات هدم البيوت في القدس الشرقية نتيجة لسن قانون كمينيتس (4) والبدء بالعمل بموجبه. السقف الذي يؤوي العائلات يشكل ضربة، نفسية، عائلية واقتصادية، ومن الصعب التعافي منها، وهناك عشرات آلاف السكان الفلسطينيين ممن لم ينجحوا في الحصول على ترخيص بناء فاضطروا للانتقال إلى الجزء الفلسطيني من جدار الفصل، كيلا يتورطوا مع أوامر وعمليات هدم.

بناء على ما سبق، فإن قوانين التخطيط والبناء تشكل وسيلة مركزية تستخدمها إسرائيل لطرد المزيد والمزيد من الفلسطينيين من مدينة القدس. إنها وسيلة مركزية ولكنها بالتأكيد ليست الوسيلة الوحيدة. وفي هذا المقال سنحاول "الاستعانة" بالمحامي رابينوفيتش كي نقدم ونعرض المزيد من الوسائل التي يتضمنها "صندوق العدّة" الذي تستخدمه دولة إسرائيل لتحقيق هذا الهدف.

مثلما ذكرنا أعلاه، يعيش رابينوفيتش على بُعد نحو 200 متر من حي البستان. ومثل جميع سكان البستان، رابينوفيتش أيضا يسكن في بيت تم بناؤه من دون ترخيص. ولكن على النقيض من هؤلاء السكان الفلسطينيين، لا تنوي الدولة هدم بيته، وذلك على الرغم من أنه يرتفع على ستة طوابق وسط انتهاك صارخ للمخطط الهيكلي المعمول به في هذا المكان.

هذه الحقيقة لا تمنع رابينوفيتش بالمرة من التوجه إلى السلطات بطلب العمل ضد "مخالفات البناء" لجيرانه الفلسطينيين، بل إنه قدم شكاوى قانونية ضد البناء الفلسطيني من دون ترخيص. أما كيف يحدث أن يلقي رابينوفيتش بالحجارة الاستعارية في جميع الاتجاهات من دون أن يخشى على بيته المصنوع من زجاج؟ فهذا لأنه يسكن في "بيت يونتان" التابع لجمعية المستوطنين "عطيرت كوهانيم"، وهو مبنى قرر رئيس بلدية القدس السابق نير بركات (الذي حظي بدعم علني من رئيس المدرسة الدينية (ييشيفاه) عطيرت كوهانيم) منع تنفيذ أمر الهدم القضائي الذي صدر ضده.

تعيش في الشارع الذي يقطن فيه رابينوفيتش عشرات العائلات الفلسطينية في دور تحاول "عطيرت كوهانيم" السيطرة عليها. مثلما في الشيخ جراح ومثلما في بطن الهوا، سكن يهود هذه المناطق في مطلع القرن العشرين. الدولة تستغل هذه الحقيقة لغرض نقل الملكية على أملاك مئات العائلات الفلسطينية إلى جمعية مستوطنين، والتي سيكون بوسعها حينئذ طرد العائلات الفلسطينية من بيوتها.
في بطن الهوى، "عطيرت كوهانيم" هي التي تقوم بهذه الإجراءات والتحركات. في الفترة الأخيرة جرت محاولات في اليمين لعرض تهديدات الإخلاء في حي الشيخ جراح على أنها خلاف عقاري على ممتلكات خاصة وليس أكثر من ذلك. ولكن فعليا لم تكن ستنطلي حجج المستوطنين بأنهم يملكون المباني على أحد لولا الدعم الحثيث الذي قدمته لهم الدولة، بما في ذلك قوانين سنّتها – مثل: "قانون أملاك الغائبين" من جهة و"قانون أنظمة القضاء والإدارة" من جهة ثانية – والتي تشكل أداة إضافية لطرد الفلسطينيين.

إن إحدى العائلات التي كانت تسكن حتى قبل عدة سنوات غير بعيد عن بيت إلداد رابينوفيتش كانت عائلة أبو سنينة. لقد نجحت "عطيرت كوهانيم" في طرد سائر العائلات من مبنى عائلة أبو سنينة وبقيت هناك عائلة واحدة مليئة بالإصرار قد التصقت بدارها ولم تخضع لجميع الضغوط التي مورست ضدها. وهنا سرعان ما حظيت العائلة بزيارات عناصر شرطة ممّن ذكّروا صاحب العائلة بأنه لا يملك مكانة مدنية منظّمة في القدس.

وُلد جواد أبو سنينة في الضفة الغربية وتزوج من إحدى السيدات المقيمات في القدس الشرقية. في العام 2003 غيرت إسرائيل "قانون المواطنة" لكي تتمكن من منع سكان في الضفة والذين تزوجوا من سكان في إسرائيل، من تلقي مكانة في الدولة. يشمل هذا آلاف الناس إن لم يكن أكثر من ذلك، الذين يحتاجون لكي يمارسوا حبّهم وحقهم الأساس في حياة أسرية، إلى أن يخرجوا من المدينة أو البقاء فيها وسط مخاوف الطرد وبثمن المساس بالجوانب الأساسية لحياتهم وحياة أطفالهم، مثل التعليم، العمل، العلاج الصحي وحرية التحرك والتنقل.

إن ما حملته العناوين في إسرائيل مؤخرا في إطار اللعبة السياسية الصهيونية بين الائتلاف والمعارضة، يشكل بالنسبة لألوف الفلسطينيين مصدرا مستمرا للمعاناة. إلى جانب هدم البيوت، منع نيل مكانة في إسرائيل بحكم قانون لم شمل العائلات، اضطر العدد الأكبر من سكان القدس إلى مغادرة المدينة.

حين نتحدث عن هدم البيوت، تختبئ إسرائيل خلف قوانين التخطيط والبناء. فإخلاء البيوت يُعرض كخلافات عقارية، ومن أجل إلغاء إمكانية لم شمل عائلات تزعم الدولة وجود مخاطر أمنية. أما على المستوى الفعلي، فإن هذه جميعاً هي طرق متنوّعة ومختلفة لتحقيق هدف ديموغرافي واحد. حين نربط ما بين الأمور، نرى بشكل واضح أنه حتى لو كانت الأدوات والذرائع تتغير، فإن الجوهر ما زال هو نفس الجوهر.

ليس أكثر من أداة!

صحيح أن إلداد رابينوفيتش يسكن إلى جانب سكان حي البستان الفلسطينيين، وفي نفس الشارع، مع عائلات مثل عائلة أبو سنينة والعائلات المهددة بأن تؤخذ بيوتها منها في بطن الهوا، ولكن في هذه القصة هو ليس أكثر من أداة. فليس هو من يفجر ويُحدث هذه الأمور التي وصفناها بل إنها نتاج تخطيط وتنفيذ تقوم به الدولة.
رابينوفيتش هو المرشح رقم 2 في حزب نوعم. يبدو هذا للوهلة الأولى حزبا متطرفا وهامشيا خرج من التنافس المستقل على عضوية الكنيست في انتخابات العام 2019 بعد أن لم يجتَز نسبة الحسم في الاستطلاعات، ولم ينجح في الدخول إلى الكنيست حتى بعد أن توحد مع الصهيونية الدينية. على الرغم من ذلك فبما أن الدولة مشغولة بمثل هذا التركيز وبمثل هذه الدرجة في دفع أهداف رابينوفيتش، ألا يبدو عندها أن حزب نوعم لربما يمثل الدولة أكثر مما يبدو من تلك الوهلة الأولى؟
(ملاحظة: توجهنا إلى المحامي رابينوفيتش بهدف طلب ردة فعله وسوف يتم نشرها في حال وصولها فوراً).

هوامش:
1. الكاتب باحث في جمعية "عير عميم" وناشط في مجموعة دارما للنشاط الاجتماعي. المقال نُشر في موقع "سيحا ميكوميت" الإلكتروني، وهذه ترجمة خاصة بـ"المشهد الإسرائيلي".
2. حيّ البستان هو حيّ مقدسيّ في سلوان الموجودة جنوبيّ المسجد الأقصى. يقع بين حيّ وادي حلوة و"الحديقة الوطنيّة" المقامة على أراضي سلوان. الحيّ مهدّد بالهدم منذ العام 2005 بحجّة بناء حديقة وطنية ومنطقة خضراء مكانه.
3. قال المحامي المذكور لموقع اليمين: "عندما تمنح المحكمة تمديداً لأمر الهدم، يكون ذلك غالباً بموافقة البلدية. من المريح والسهل تعليقه في المحكمة، ولكن في كثير من الأحيان يكون ذلك بسبب عدم حسم البلدية الأمر. لو أن البلدية حسمت وقدمت استئنافاً، فإنها تقدم مطالباتها، والحكم في هذه الأمور واضح تماماً".

4. للتوسُّع حول هذا القانون يُنظر: "قانون كمينيتس" يصعد عمليات هدم البيوت التي تمارسها إسرائيل ضد العرب، "المشهد الإسرائيلي"، 18.5.2017. وصادق الكنيست عليه في نيسان 2017 ويهدف إلى تشديد العقوبات على البناء غير المرخص. ورغم أن نص هذا القانون، الذي بادرت إلى صيغته النهائية وزارة العدل الإسرائيلية، لا يذكر أنه موجه ضد المواطنين العرب في إسرائيل، وأيضا ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة، التي فرضت عليها إسرائيل قوانينها، إلا أنه ينعكس حصريا على هؤلاء فقط.

 

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, الكنيست, الصهيونية الدينية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات