المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة مناوئة للقانون العنصري القاضي بحرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، وذلك في القدس يوم 5 تموز الجاري. (أ.ف.ب)
تظاهرة مناوئة للقانون العنصري القاضي بحرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، وذلك في القدس يوم 5 تموز الجاري. (أ.ف.ب)

تستعد الحكومة الإسرائيلية، في هذه الأيام، لإنجاز الصيغة الأولى لميزانية الدولة للعامين الجاري والمقبل 2022، وسط تحد لها بتمرير الميزانية بشكل يلبي جزءا من مطالب الأحزاب المشاركة، وفي الوقت نفسه، اتخاذ إجراءات اقتصادية تقشفية للجم وتقليص العجز والديون؛ وهذا بعد أيام من سقوط قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، والذي سقط بتعادل الأصوات في الهيئة العامة، بعد تمرّد أحد نواب كتلة رئيس الحكومة؛ ورغم هذا يرى محللون أن الائتلاف متماسك وقادر على العمل، في حين أعلنت وزيرة الداخلية، أييلت شاكيد، أن البحث جار لإعادة سن القانون من جديد في الكنيست مع ضمان أغلبية له.

وهذه المرّة الأولى منذ العام 2003، التي تثار فيها ضجة بهذا القدر حول قانون الحرمان من لم شمل العائلات الفلسطينية، التي أحد الوالدين فيها من المناطق المحتلة منذ العام 1967، أو من دول عربية. ومصدر الضجة أساسا هو أن أحزاب اليمين الاستيطاني، بقيادة الليكود، وبما يشمل كتلتي المتدينين المتزمتين الحريديم، قررت معارضة القانون على أساس مناكفة الحكومة، والسعي لإحراجها وإسقاطها.
فعلى مدى السنوات الـ 18 الماضية، حينما كان يتم تمديد سريان هذا القانون سنويا، لم يكن يحظى القانون بهذه الضجة في أروقة الكنيست، بل فقط من كتل معارضة، وحينما كان يتم التوجه بشأنه إلى المحكمة العليا أكثر من مرّة بالتماسات لإلغائه.
وفي كل السنوات السابقة، كان يتم إدراج هذا القانون في آخر جدول أعمال الكنيست يوم عرضه على الهيئة العامة للكنيست، ولم يكن يبقى في الهيئة العامة، على الأغلب، سوى عدد يتجاوز عدد النواب المعارضين، من الكتل التي تمثل فلسطينيي الداخل، ولاحقا "القائمة المشتركة"، ونواب كتلة ميرتس، وفي حالات استثنائية قليلة، من نواب في كتل أخرى مثل حزب العمل حينما كان يجلس في المعارضة.

وكانت المفارقات كثيرة في التصويت الأخير على هذا القانون، وإسقاطه بتعادل الأصوات، والمفارقة الأكبر هي أن نواب اليمين الاستيطاني اختاروا هذا القانون بالذات، للمناكفة البرلمانية ضد الحكومة. ولكن أيضا لأول مرّة نجد هذا الكم من أعضاء الكنيست العرب يؤيدون هذا القانون، أو يمتنعون عن التصويت، دعما للحكومة. فعادة كان ثمة نواب عرب يصوتون مع القانون، ولكن من الأحزاب الصهيونية اليمينية المتطرفة، أما في تصويت الأسبوع الماضي، فقد أيد القانون نائبان من القائمة العربية الموحدة، بقيادة منصور عباس، وامتنع عن التصويت نائبان آخران من ذات الكتلة. كما أيد القانون نائبان عربيان في كتلة ميرتس، ونائبة عربية في كتلة العمل. وما يجمع هؤلاء النواب هو أنهم أعلنوا مسبقا معارضتهم للقانون، وأنهم سيصوتون ضده، ولكن في نهاية المطاف، دعموا القانون تأييدا وامتناعا، امتثالا لأحزابهم ولأحكام الائتلاف الحاكم. كما أيد القانون نائبان عربيان من كتلتي "إسرائيل بيتنا" و"يوجد مستقبل". فيما حافظت كتلة "القائمة المشتركة" بنوابها الستة على موقفها المبدئي بمعارضة للقانون، الذي إسقاطه لن يغير الوضع القائم، إذ أن قرار لم الشمل لأي عائلة، سيكون أساسا بيد وزير الداخلية، الذي سيعلن أن الرفض لاعتبارات أمنية تحميه أمام المحاكم.

ونذكر أن القانون في حينه تم طرحه في أوج الانتفاضة الثانية، وبذريعتها، بهدف تخفيف الضغط على مكاتب وزارة الداخلية ومكتب الوزير، إذ أنه قبل هذا القانون لم تكن عملية لم الشمل بهذه الانسيابية لكل من طلبها.

وأوضح التصويت الأخير على هذا القانون أن كل الأحزاب الصهيونية، في نهاية المطاف، يكون موقفها بموجب موقعها في الائتلاف أو خارجه. فكتلة ميرتس، التي كان آخر جلوس لها في الحكومة مطلع العام 2001، وهي تجلس في صفوف المعارضة منذ 20 عاما، ألزمت كل نوابها بتأييد القانون، وهذا ما صدم الرئيسة السابقة للحزب، زهافا غالئون، بحسب ما نشرته في شبكات التواصل، لأن غالئون كانت من أبرز النواب الذين لجأوا للمحكمة العليا ضد هذا القانون.

وحاول نواب عرب من القائمة العربية الموحدة وميرتس تبرير تأييدهم للقانون بأنه تم التوصل إلى تفاهمات مع وزيرة الداخلية أييلت شاكيد، وتم نثر أرقام، حول عدد العائلات المستفيدة من تلك التعديلات المزعومة، ما بين 1600 عائلة إلى 3 آلاف عائلة. إلا أن شاكيد أوضحت أن الحديث يجري عن 1600 شخص وليس عائلة، من أصل عشرات آلاف أبناء العائلات، وأن هؤلاء سيحصلون على إقامة مؤقتة في داخل إسرائيل وليس على مواطنة. وهذا عدد قريب بالمعدل السنوي لمن يحصلون على إقامة مؤقتة، كحالات استثنائية، بموجب قرار سابق للمحكمة العليا، بحسب ما أكده النائب السابق، الحقوقي د. يوسف جبارين، في مقابلة مع موقع "عرب 48". كذلك من المثير أيضا أن النائبين العربيين في كتلة ميرتس لم يؤيدا القانون وحدهما، بل أيضا أيدته النائبة غابي لاسكي، وهي محامية مناصرة لحقوق الإنسان، ولحقوق الفلسطينيين، وكانت تدافع عن مقاومين فلسطينيين، مثل عهد التميمي وغيرها، وقد صوتت إلى جانب القانون دعما. كذلك فإن النائب موسي راز، الذي يُعد في أقصى الجناح اليساري في حزب ميرتس، وهاجم طيلة الوقت قانون الحرمان من لم الشمل، انقلب على موقفه في التصويت.

ورغم سقوط القانون بالتعادل، إلا أن بعض المحللين الإسرائيليين يعتقدون أن التصويت على قانون الحرمان من لم الشمل دلّ على تماسك الائتلاف، ورغبة الأطراف فيه باستمرار عمل الحكومة.

وتقول المحللة سيما كدمون في مقال لها في صحيفتها "يديعوت أحرونوت": "إن ما جرى كان مؤشرا لتماسك الائتلاف... فرغم أن هذا الائتلاف قائم على أغلبية هشة، ويحتاج لخوض المعارك بحذر، إلا أنه أثبت أن كل شركاء الائتلاف، من أييلت شاكيد وحتى منصور عباس، يريدون استمرار الحكومة، فهذا ائتلاف يعمل ويؤدي وظائفه"، حسب تعبيرها. وذات الاستنتاج توصل اليه المحلل آري شفيط الذي قال "إنه من تعادل الأصوات، الذي أسقط قانون المواطنة وكبّد رئيس الحكومة نفتالي بينيت وشريكته وزيرة الداخلية شاكيد خسارة كبيرة، نستنتج ثلاثة استنتاجات: 1- ائتلاف بينيت- يائير لبيد، قوي ومتماسك أكثر مما يُخيل؛ 2- المعارضة اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو، مثيرة للسخرية، وفاقدة للمسؤولية، أكثر مما اعتقدنا؛ 3- التعاون المثمر بين الليكود والقائمة المشتركة، الذي بلغت ذروته بصيحات الفرح المختلطة، لإسقاط القانون، ستسهل على بينيت التوصل إلى تفاهمات مستقبلية مع أحمد طيبي وأيمن عودة على سبيل المثال بشأن ميزانية الدولة"، بحسب تقدير شفيط.

واستعرض شفيط التنازلات التي قدمتها كتلة ميرتس في الأسابيع الثلاثة الأولى لعمل الحكومة، من تأييد قانون الحرمان من لم الشمل، إلى السكوت عن تثبيت البؤرة الاستيطانية، الجاثمة على جبل صبيح جنوبي نابلس، المسماة إسرائيليا "أفيتار"، فقال: "إن العار السياسي والأيديولوجي، الذي ألقته كتلة ميرتس على نفسها، مثل تأييد وامتناع النواب الأربعة في كتلة القائمة العربية الموحدة، يؤكد قوة الأطواق التي تفرضها الحكومة على شركائها؛ وفي ساعة اختبار فإن هاتين الحلقتين (الكتلتين) اللتين تعدان ضعيفتين في الائتلاف، خرجتا عن طورهما لمساعدة الحكومة. وفي الانتخابات التي قد تجري في شتاء العام 2022، في حال لم يقر الكنيست الموازنة العامة، فإن هاتين الكتلتين قد تجدان نفسيهما على مزبلة التاريخ في انتخابات كهذه".

طرح القانون مجددا يحتاج إلى وقت

يستدل من تصريحات وزيرة الداخلية شاكيد، في مقابلة مع صحيفة "يسرائيل هيوم"، في نهاية الأسبوع الماضي، أن القانون حاليا لا يمكن عرضه مجددا على الهيئة العامة للكنيست بطلب التمديد، لأنه أصبح من ناحية قانونية ليس قائما، ما يعني حسب شاكيد أنه يجب طرح القانون مجددا على الكنيست، كقانون جديد، بحاجة لثلاث مراحل تشريع، التصويت عليه بالقراءة الأولى، ثم التصويت بالقراءتين الثانية والثالثة معا، حتى يعود ليكون قانونا قائما.

وأعلنت شاكيد أنها بدأت مداولات في وزارتها لمعرفة كيفية إعادة مشروع القانون للكنيست لإقراره مجددا، وأيضا لتحديد الآليات لمواجهة طلبات قد تتدفق من 13500 عائلة فلسطينية متضررة من حرمان لم الشمل، حسب ما ذكر في المقابلة الصحافية إياها.

وتقول شاكيد في المقابلة إنها لم تقيّم جيدا موازين القوى في الكنيست، بما يضمن أغلبية مطلقة، ولو هشّة لصالح القانون. وقالت إن عضو الكنيست عميحاي شيكلي، المتمرد في كتلتها البرلمانية، أبلغها بتأييده للقانون، إلا أنه انقلب على إعلانه وصوّت ضد القانون، ما جعله يسقط بتعادل الأصوات. وقالت إنها لو عرفت أن شيكلي كان سيعارض القانون، لضمنت تأييد نائب آخر من القائمة العربية الموحدة، وتقصد أحد النائبين اللذين امتنعا عن التصويت. وامتدحت في ذات المقابلة تأييد كتلة ميرتس ونائبين من الموحدة لهذا القانون، وقالت إنهم سيدفعون ثمنا سياسيا في جمهور مصوتيهم. وانتقدت بحدة موقف كتلة الليكود وحلفائه في المعارضة، الذين فضلوا، حسب قولها، "مصالحهم الحزبية على أمن إسرائيل"!.

وفي سياق متصل بشأن النائب عميحاي شيكلي، المتمرد على كتلته "يمينا" التي يترأسها رئيس الحكومة نفتالي بينيت، يستدل من تقارير صحافية أنه لا يبدو أنه سيستقيم مع كتلته، رغم أن زعيمها هو من استقدمه ليكون مرشحا للكنيست في الانتخابات الأخيرة. والدلالة على هذا أن شيكلي عيّن ناطقة بلسانه في طاقمه البرلماني، المختصة الإعلامية نوي بار، وهي شريكة حياة نجل بنيامين نتنياهو، أفنير، وهي أيضا كانت حتى تعيينها رئيسة قسم الإعلام في حركة "إم ترتسو" اليمينية المتطرفة.

نتنياهو "يذوق" طعم مشاريعه ضد خصومه

في الأسبوع الماضي، "ذاق" بنيامين نتنياهو، إن صحّ التعبير، طعم بعض مما كان ينسجه للأحزاب المعارضة لحكوماته؛ إذ أقر الكنيست مشروع قانون بادرت له الحكومة، ويجيز لأربعة أعضاء كنيست، حتى لو لم يشكلوا ثلث كتلتهم البرلمانية، أن ينشقوا عن كتلتهم ويعلنوا عن كتلة برلمانية جديدة مستقلة. وبحسب الانطباع السائد، فإن هذا القانون يستهدف كتلة الليكود دون سواها، التي لها حاليا 30 نائبا، وحسب القانون القائم، فإن أي انشقاق في الكتلة البرلمانية، يجب أن يشمل ثلث أعضاء الكتلة البرلمانية كحد أدنى، وأن لا يكونوا أقل من عضوي كنيست، حتى يحق الإعلان عن كتلة برلمانية لها الحقوق البرلمانية. وهو ما يعني في حالة الليكود قبل تعديل القانون أنه يجب أن يكون 10 نواب على الأقل.

هذا القانون الذي أقره الكنيست، ويجيز انفصال أربعة نواب، كان نتنياهو قد بادر له في العام 2010، مستهدفا كتلة "كديما" برئاسة تسيبي ليفني في حينه، وكان القانون الذي لم يقر في نهاية المطاف، يجيز لسبعة نواب، حتى لو لم يكونوا ثلث الكتلة، بالانشقاق عن كتلتهم. ويومها، أراد نتنياهو إغراء عضو الكنيست شاؤول موفاز للانشقاق عن كتلة كديما، إلا أن موفاز أوضح في حينه أنه لن ينشق ولن يستخدم القانون حتى ولو أقره الكنيست. وفي بدايات العام 2012، فاز موفاز برئاسة كديما، ضد ليفني.

بدء تقليص ميزانيات الحريديم

في غضون ذلك فإن وزير المالية أفيغدور ليبرمان، الأشد معارضة لأحزاب المتدينين المتزمتين الحريديم، لم ينتظر حتى موسم إقرار الموازنة العامة في الكنيست، الذي سيبدأ في نهاية شهر آب المقبل، وبدأ باتخاذ إجراءات لتقليص حجم الميزانيات التي تتدفق على جمهور ومؤسسات الحريديم، وهذا من ناحية نهجه الذي ينادي به طيلة الوقت، ولكن من ناحية أخرى من الممكن احتسابه انتقاما لموقف الحريديم من الحكومة، خاصة وأن الكتلتين أغلقتا كل أبواب التعاون مع الحكومة الجديدة.

فقد قرر ليبرمان، بموجب صلاحياته، وقف الدعم الحكومي لحضانات الأطفال في الجيل المبكر (حتى عمر 3 سنوات)، الذي يُقدم للعائلات التي لا يعمل فيها الوالدان. وكانت الحكومة السابقة قد قررت سريان نظام الدعم على عائلات الحريديم التي الرجال فيها لا يعملون، بل "يتعلمون" في معاهد دينية، ومصطلح "التعليم" هنا، ليس بالمفهوم المعروف، بل هو لمن يمضون سنوات طويلة جدا في معاهد الدين. ويجري الحديث عن وقف هذه المخصصات لنحو 18 ألف عائلة، تتقاضى دعما حكوميا عن 21 ألف طفل حتى عمر 3 سنوات. ويجري الحديث عن توفير 400 مليون شيكل سنويا، وهذا ما يعادل حوالي 123 مليون دولار.

وكما يبدو، فإن هذا القرار الذي لاقى هجوما شديدا من قادة الحريديم ضد ليبرمان وحكومته، هو مؤشر لقرارات أخرى تقود كلها إلى تقليص الميزانيات الهائلة المتدفقة على جمهور الحريديم.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات