المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تركيبة الكنيست الجديد: خيارات مُفككة. (أ.ف.ب)
تركيبة الكنيست الجديد: خيارات مُفككة. (أ.ف.ب)

تنتهي في منتصف ليلة الثلاثاء/ الأربعاء من هذا الأسبوع، فترة التكليف الأولى التي حصل عليها بنيامين نتنياهو لتشكيل الحكومة، ومن المفترض أن يقرر اليوم الاثنين، أو صباح غد الثلاثاء، ما إذا سيطلب من الرئيس الإسرائيلي تمديدا لأسبوعين. في المقابل، فإن كل المحاولات لتشكيل حكومة بديلة ليست برئاسة نتنياهو، تصطدم بعقبات، بين كتل هي أصلا متناحرة وليست منسجمة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، أظهر تقرير دولي أن عام الكورونا زاد من كلفة المعيشة في إسرائيل لتكون من الأكثر غلاء، مقارنة مع معدل المداخيل والقوة الشرائية.

وبموجب قانون الحكومة الإسرائيلية، فإن من يحصل على التكليف أولا لتشكيل الحكومة يكون أمامه 4 أسابيع لتشكيلها، وعرضها على الرئيس، ومن ثم على الكنيست، لتحصل على الثقة. ويكون من حق المكلف أن يطلب من الرئيس تمديدا لأسبوعين، ولكن هذا الطلب يجب أن يكون مرفقا بعرض اتفاقيات جزئية، لتشكيل الحكومة، ومن ثم يقرر الرئيس ما إذا سيقبل بالطلب أم لا، وعادة تجاوب كل الرؤساء مع طلبات التمديد.

إلا أن نتنياهو، الذي يقول مقربوه إنه سيقرر بشأن طلب التمديد، حتى مساء الاثنين أو صباح الثلاثاء، ليس بحوزته بعد أي اتفاقيات موقعة؛ لأن اتفاقيات كهذه ستشمل بطبيعة الحال توزيعة حقائب وزارية، ومن الصعب عليه ضمان حقائب منذ الآن للكتل المتحالفة معه فوريا، كتلتا المتدينين المتزمتين: شاس ويهدوت هتوراة، وكتلة "الصهيونية الدينية"، التي ستكون مسألة منحها حقائب ووظائف برلمانية مسألة شائكة، في حال نجح نتنياهو باختراق الكتل الرافضة لاستمرار حكمه؛ لأنه ستكون معارضة لتولي ممثلي حركة "قوة يهودية" المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة، حقائب وزارية أو مناصب برلمانية ذات شأن.

وفي حال قرر نتنياهو عدم طلب التمديد، فإن التكليف سيعود للرئيس الذي سيكون أمامه ثلاثة خيارات ليقرر: أولا أن يحوّل التكليف فورا لمن حصل على دعم أكثر من بين النواب، بعد نتنياهو، وفي هذه الحالة، سيكون رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد. أو أن يجري مشاورات جديدة مع الكتل البرلمانية. والخيار الثالث، أن يحوّل صلاحية التكليف إلى الكنيست، الذي سيكون عليه أن يقرر في غضون ثلاثة أسابيع من هو المكلّف، وإلا يتم حل الكنيست تلقائيا، وهذا حصل مرّة واحدة في تاريخ السياسة الإسرائيلية، بعد انتخابات نيسان 2019.

إلا أن هوية الشخص الذي سيحصل على التكليف بعد نتنياهو، ما زال موضع جدل بين أقطاب الكتل المعارضة لاستمرار حكم نتنياهو، إذ يطالب رئيس "يوجد مستقبل" يائير لبيد بأن يحصل هو على التكليف، وسيكون على استعداد لتشكيل حكومة رئاستها تناوبية، يكون فيها الأول رئيس حزب "يمينا" نفتالي بينيت.

إلا أن بينيت يطالب بأن يكون هو المكلف، ولكن هذا يحتاج الى أن يحصل على تكليف من عدد من الكتل. وحسب التقارير، فإن لبيد يتخوف من تكليف بينيت، كي لا يستغل التكليف ليبرم اتفاقية ائتلاف مع بنيامين نتنياهو والليكود.

وحسب المشهد الحاصل، فإن فرص تقدم نتنياهو في تشكيل الحكومة تبدو صعبة للغاية، وحتى أن هناك من يصف الحالة بأن الاحتمالات فيها معدومة. ورغم هذا فإن المقربين من نتنياهو يقولون إن عرض نتنياهو لرئيس حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس، ليتولى رئاسة الحكومة في أول عامين ما زال قائما، في حين أن مقربي غانتس قالوا لوسائل إعلام إن الأخير أغلق الباب كليا في وجه نتنياهو، وهو ليس معنيا بأن يكون شريكا له في الحكومة.

في المقابل، فإن محاولات تشكيل حكومة بديلة لحكومة الليكود برئاسة نتنياهو، تتعثر، وكما يبدو فهي ستصطدم بعقبات ليست سهلة، على ضوء أن الكتل المشاركة افتراضيا في حكومة كهذه، بينها تناقضات جوهرية على الصعيد الاجتماعي أساسا، وشكل التعامل مع جهاز الحكم، ولحد ما خلافات على المستوى السياسي وفي الموقف من القضية الفلسطينية.

ورغم هذه الخلافات، فإن ما يظهر على السطح هي خلافات حول توزيع الحقائب، ولكنها ليست مجرد سباق على نيل حقائب ذات شأن، فمن وراء بعض الحقائب هناك أهداف سياسية ورؤى فكرية.

وأبرز هذه الخلافات هو موقف نفتالي بينيت، ومعه رئيس حزب "أمل جديد لإسرائيل" جدعون ساعر، اللذين يريدان أن يكون برنامج الحكومة فيه ليونة، بشكل يسمح لكتلتي الحريديم، شاس ويهدوت هتوراة، بالانضمام للحكومة فعليا، أو من خلال عدم المعارضة، مثل الامتناع. وهذا يتطلب عدم تشديد قانون التجنيد العسكري الإلزامي لشبان الحريديم، وعدم المس بالميزانيات الضخمة التي تحصل عليها مؤسسات الحريديم التعليمية والدينية، والمخصصات الاجتماعية التي يحصل عليها عشرات آلاف الرجال الحريديم، الذين يدرسون في معاهد دينية.

وهذا الأمر يعارضه بشدة رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، وأيضا حزب ميرتس، وإلى حد ما حزب العمل.

كذلك سيكون خلاف بين الأحزاب حول ثلاث حقائب جدية، وخاصة حقيبتي التعليم والعدل، بين حزب "يمينا" المحسوب أيضا على التيار الديني الصهيوني، وبين حزبي ميرتس والعمل العلمانيين. والحقيبة الثالثة، ستكون حقيبة الدفاع التي يريدها بيني غانتس وجدعون ساعر.

من النقاط التي من المفترض أن تكون صدامية في برنامج حكومة مفترضة كهذه، شكل التعامل مع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، إذ إن أحزاب اليمين الاستيطاني في هذا الفريق "يمينا" و"أمل جديد" و"إسرائيل بيتنا"، ستكون معنية بإبراز توسيع الاستيطان، في حين أن بندا كهذا قد يكون إشكاليا لحزب ميرتس، ولربما الى حد ما لحزب العمل أيضا.

في كل الأحوال، فإن كل فريق من الاثنين، يتحدث عن حكومة مؤقتة، ولن تعمّر لفترة ولاية قانونية من أربع سنوات. لأنه بحسب ما يظهر فإن كل حكومة ستقوم، إن كانت برئاسة نتنياهو، أو برئاسة أحد "خصومه المفترضين"، ستكون حبلى بالأزمات منذ الساعة الأولى لعملها.

وأمام هذا المشهد، فإن خيار الانتخابات الخامسة ما زال قويا، ولربما بنسبة 50%، وهناك من يرى النسبة أعلى. وحتى نهاية شهر أيار الجاري، أو مطلع حزيران المقبل، حتى انتهاء فترات التكليف كلها، تبقى كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك مفاجآت ليست ظاهرة للعيان حاليا.

ارتفاع كلفة المعيشة مع استفحال الغلاء

تبين من تقرير صندوق النقد الدولي، الذي نشر في الأسبوع الماضي، أن إسرائيل تحل في المرتبة الـ 19 من حيث معدّل الناتج العام بالنسبة للفرد في إسرائيل، كحساب مجرّد، وأن حصة الفرد من الناتج بلغت في العام الماضي 43689 دولارا. إلا أنه في حساب آخر، وحينما يتم احتساب معدل الناتج مع القوة الشرائية، فإن إسرائيل تهبط إلى المرتبة الـ 35 عالميا، من أصل 194 دولة يتم فيها احتساب الناتج للفرد، ويصبح 40547 دولارا للفرد.

وتقول البروفسوره كارنيت فلوغ، محافظة بنك إسرائيل السابقة، في حديث لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية، إن الاقتصاد الإسرائيلي أدار الأزمة بالفعل بشكل جيد نسبيا مقارنة بالدول الأخرى. فقد كان الانكماش الاقتصادي في الناتج المحلي الإجمالي، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، منخفضين نسبيا، وأيضا بسبب تركيبة الاقتصاد، واتساع حصة التقنية العالية (الهايتيك)، التي تتمتع بطفرة في الطلب. وحسب فلوغ، بما أن صناعة السياحة في إسرائيل صغيرة نسبيا، ومقارنة بحجم الاقتصاد الكلي، فإن تأثير تراجع السياحة بشكل حاد على إجمالي النشاط الاقتصادي كان محدودا. لكن فلوغ تضيف قائلة إنه "مع مرور الوقت، فإن النمو في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مشابه تماما لمتوسط البلدان المتقدمة الأخرى مقارنة بنمو الناتج المحلي الإجمالي".

وتربط فلوغ بين التقدم الفوري، والنمو المعتدل نسبيا في إنتاجية العمل، بحسب وصفها. وقالت: "تم تحديد العوامل الرئيسية من قبل بنك إسرائيل؛ رأس المال البشري، ومستوى التعليم ومهارات السكان، والبنية التحتية الضعيفة، والتنظيم غير الفعال الذي يثقل كاهل قطاع الأعمال. هذه العوامل لم تختف. حقيقة أنه لا توجد خطة استراتيجية تعالج هذه العوامل الثلاثة، ولهذا فهي تستمر في خفض إمكانيات نمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسب أعلى. وبمرور الوقت، فإن تأثير هذه العوامل سيكون أشد مستقبلا".

ويقول البروفسور ليو ليدرمان، كبير المستشارين الاقتصاديين في بنك هبوعليم، لصحيفة "ذي ماركر"، إن "عدم اليقين الذي يكتنف سياسة الحكومة لا يسمح بإحراز تقدم، ولا يوجد استثمار في البنية التحتية، وكلنا عالقون في الاختناقات المرورية". و"إسرائيل في طليعة الدول من حيث وتيرة تغيير الحكومات، ومن الصعب أن نرى كيف ستجري إصلاحات ومعالجة المشاكل الأساسية مثل غلاء المعيشة. في رأيي، هذا لن يتغير، فأمامنا سنوات عديدة من عدم الاستقرار. وهذا سينعكس على كل محركات النمو والتطور".

وحسب ليدرمان، فإن الجمهور يتقبل هذه الحالة مضطرا، فالجمهور منصاع ويسدد ديونه والتزاماته، مثل قروض الإسكان، حتى في فترة الأزمات. وهذا ليس أمرا مفروغا منه في الكثير من دول العالم الأخرى، فالجمهور لا يطرح قضية غلاء المعيشة، ولا يتخذها مبررا كي لا يسدد التزاماته.

وتقول "ذي ماركر" في تقريرها إن الفجوة الكبيرة بين حصة الفرد من الناتج بحساب مجرد، وحصة الفرد من الناتج على أساس القوة الشرائية، نابعة من غلاء المعيشة في إسرائيل، بحسب ما يؤكده خبراء الاقتصاد، ومن بينهم فلوغ وليدرمان.
ويقول ليدرمان "لست متفاجئا بهذه النتائج. الحسابات حساسة لسعر الصرف. في السنوات التي ترتفع فيها قيمة الشيكل، تصبح المعيشة في إسرائيل أكثر تكلفة. على المستوى الكلي، ليس هناك شك في حقيقة أن إسرائيل ذات غلاء معيشي كبير بالمقارنات الدولية".

إلا أن ليدرمان يعتقد أن هناك أيضا أسبابا إيجابية لهذا الوضع، ويقول: "انتهى بنا المطاف العام الماضي بفائض قدره 5% من الناتج المحلي الإجمالي في الحساب الجاري. لدينا فائض تصديري رائع في عام كورونا". ويضيف: "هناك تدفق استثمارات مالية، وليس تدفقات مضاربة تسعى إلى معدلات فائدة أعلى، بل هي استثمارات متوسطة وطويلة الأجل".

وتعتقد وزارة المالية أن ارتفاع قيمة الشيكل أمام الدولار وسائر العملات الأجنبية في العام ونصف العام الأخيرين، ساهم في رفع معدل الفرد من الناتج بالقيمة الدولارية، ولكن ليس هذا وحده، بل أيضا النشاط الاقتصادي المتزايد في قطاع التقنية العالية، وبتقدير وزارة المالية أن الطلب على التكنولوجيا سيستمر في السنوات القادمة وسيستمر في تغذية الاقتصاد. وتسأل الصحيفة، "لكن هل من الممكن البناء عليها على المدى الطويل؟".

الفجوات الاجتماعية

 تقول "ذي ماركر" إنه من الصعب تجاهل حقيقة أن معجزة التكنولوجيا لا يتشاركها عامة الناس. فأولئك الذين يستمتعون بها هم عدد قليل من الجمهور. وأدت أزمة كورونا إلى تفاقم الفجوات الاقتصادية، ليس فقط في الولايات المتحدة والعالم، ففي إسرائيل تضرر اقتصاديا بدرجة أكبر ذوو المهارات المتدنية والأقل تعليما والأمان الوظيفي المنخفض، كما تظهر البيانات التي جمعتها وزارة المالية. وكانت الطبقة الوسطى وما فوقها من شرائح ميسورة أقل تأثرا، أو حتى أنها لم تتأثر على الإطلاق. وهذه قضية مهمة أخرى لإمكانيات النمو على المدى الطويل. وإحدى الإحصائيات التي تشير بشكل متناقض تقريبا، كانت الفجوات في الزيادة في متوسط الأجور خلال العام 2020. وهذا ليس رقما إيجابيا، وناجم بالأساس عن استبعاد أصحاب الأجور المنخفضة من سوق العمل.

وتقول فلوغ إن "أحد أكبر المخاطر هو أن تبقى إسرائيل مع معدل بطالة مرتفع"، مشيرة إلى أنه على عكس مؤشرات النمو في مجال التوظيف، تعرضت إسرائيل لضربة قاسية في الأزمة، و"فقط لأننا مررنا بالأزمة مع ضرر ضئيل نسبيا لنمو الاقتصاد، لا يعني أن ضائقة وندوب الاقتصاد ستكون أيضا أقل".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات