المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الشرطة الإسرائيلية: وصول "جائر" للمعلومات الشخصية الالكترونية للمدنيين.
الشرطة الإسرائيلية: وصول "جائر" للمعلومات الشخصية الالكترونية للمدنيين.

قدمت منظمة "الحركة من أجل جودة الحكم" في إسرائيل التماساً بشأن حرية المعلومات للمحكمة المركزية في القدس، كي تصدر أمراً للشرطة يلزمها بتقديم معلومات بشأن "نظام توجيه بيانات التصفح في شبكة الإنترنت"، والذي تفعّله الشرطة على المنشورات المختلفة لتجمع من خلاله معلومات عن المواطنين الذين يتصفحون الإنترنت. وهو الأمر الذي رفضته الشرطة تماماً.

تقول المنظّمة إنها تقدمت بالدعوى القضائية بعد أن طالبت الشرطة شركات تزويد خدمة الإنترنت بتضمين أنظمتها آلية (نظام) خاصة تسمح للشرطة بمراقبة نشاط متصفحي مواقع معينة. وتؤكّد أنه مطلب يجسد قلقاً عميقاً من احتمالات انتهاك الحق الدستوري للمواطنين في الخصوصية. وأشارت إلى أن "حقيقة رفض سلطة عامة مثل الشرطة تقديم معلومات تتعلق بانتهاك حقوق الفرد والحق الدستوري في الخصوصية لمواطني دولة إسرائيل، هي مسألة خطيرة للغاية". منعاً لاستخدام ذرائع معهودة، شدّدت المنظمة على أن المستندات المطلوبة ليست معلومات يمكن أن يؤدي الكشف عنها إلى تعطيل الأداء السليم للشرطة أو قدرتها على أداء وظيفتها. وليست معلومات حول ممارسات وإجراءات سلطة عامة تشارك في إنفاذ القانون قد يؤدي الإفصاح عنها إلى إلحاق ضرر بإجراءات الإنفاذ أو التدقيق أو التحقيق.

المنظمة توجهت في العاشر من كانون الثاني 2021 إلى القائم بأعمال مفتّش الشرطة وقائد لواء المنطقة الوسطى لاستيضاح ظاهرة تصوير الشرطة المواطنينَ المشاركين في مظاهرات. وردا على طلب حرية المعلومات الذي قدمته الحركة، أفادت الشرطة أنه تم إلغاء الأمر الخاص الذي ينظم موضوع التصوير ويحد من الاحتفاظ بالفيديوهات التي تم التقاطها أثناء مظاهرة لمدة تتجاوز الـ 30 يوما. معنى ذلك هو انعدام إجراءات منظمة لهذه المسألة الحساسة. لو أضيف لهذا حقيقة وجود تقنية لتحديد ملامح الوجه، فإن الأمر يثير القلق من أن الشرطة تلاحق المواطنين الذين يشاركون في المظاهرات. وأكدت الحركة للمسؤولين في الشرطة على أن الحق في التظاهر هو أحد التجليات الأكثر أهمية لمبدأ حرية التعبير وأن دور الشرطة هو حماية أمن وخصوصية المواطنين، وليس استخدام آليات المراقبة لتخويف المواطنين من جهاز إنفاذ القانون.

نشاط مراقبة الإنترنت يجب أن يستند إلى صلاحية صريحة في القانون

تم الكشف أن الشرطة تراقب نشاط مستخدمي شبكة الإنترنت في أواسط كانون الأول الماضي في صحيفة "هآرتس". إذ أشارت المعلومات والوثائق التي حصلت عليها الصحيفة إلى أن الشرطة تطالب شركات تزويد خدمة الهاتف الخليوي والإنترنت "بتحويل حركة بعض المستخدمين على الشبكة أو الكمبيوتر أو الهاتف، إلى نظام يخضع لسيطرة الشرطة ويسمح لهم بمراقبة أنشطتهم".

واتضح أن الشرطة تستخدم تلك الأداة ليس فقط لمراقبة نشاط أشخاص معينين عبر الإنترنت تشتبه بهم، بل أيضاً لمراقبة بعض المواقع والعناوين وفي مثل هذه الحالات تراقب نشاط أي شخص يتصفح تلك المواقع. علاوة على ذلك، لا يسمح النظام بالمراقبة الدقيقة لجميع المتصفحين الذين يزورون موقعاً معيناً فحسب، بل يسمح لها أيضاً بالتلاعب بالموقع ومحتوياته بحيث يتلقى متصفحو الموقع محتوى لم يظهر أصلاً على الموقع أو محتوى تم تحريفه من قبل الشرطة.

حين توجهت الصحيفة إلى الشرطة رفضت هذه الرد على الأسئلة لكنها لم تنف وجود النظام. واكتفى ناطق باسم الشرطة بالادعاء أن "شرطة إسرائيل تتصرف وفق الصلاحيات التي يمنحها لها القانون وتستخدم الوسائل التي يسمح بها فقط".

القانون المقصود هو "قانون بيانات الاتصال" الذي يُلزم الشرطة بتلقي أمر من قاضٍ في المحكمة لغرض الحصول على البيانات، لكن مع ذلك، يوفر القانون للسلطات قدراً كبيراً من المرونة وإمكانية التهرب من المراجعة القضائية، خصوصاً فيما يسمى حالات الطوارئ. أي أنه حتى لو كانت الشرطة تعمل في حدود القانون، فالأمر يثير مخاوف بسبب نطاق المراقبة وحقيقة أنها تتم من دون رقابة قضائية أو عامة. مثلا، قالت "جمعية الإنترنت الإسرائيلية" إن نشاط مراقبة الإنترنت يجب أن يستند إلى صلاحية صريحة في القانون، وأن يكون خاضعاً للمساءلة العامة وليس من المفترض أن يعمل في الظلام. وتضيف: حقيقة أنه ليس لدى الجمهور في إسرائيل فكرة عن هذه الآليات التي بحيازة الشرطة، فالأمر يثير قلقاً شديداً.

انتهاك كبير وواسع النطاق للحق في الخصوصية والحق في التعبير

من يطّلع على موقع شرطة إسرائيل الرسمي على الإنترنت، وتحديداً على تلك الفئة المعنونة بـ"أسئلة شائعة"، سيأخذ انطباعاً أنه يصعب العثور في البلاد وربما في الإقليم على إجراء أكثر سهولة وسلاسة من إجراء الحصول على أية معلومات من الشرطة يريدها مواطن أو أية جهة مدنيّة. فتحت بند "قانون حرية المعلومات" جاء (حرفياً يشمل الأخطاء) أن "القانون الذي دخل حيز التنفيذ في أيار 1999، يمنح الحق لكل مواطن إسرائيلي بتلقي معلومات من سلطة عمومية، وفق تعليمات القانون. القانون يمنح مواطني دولة إسرائيل الحق بتلقي معلومات من الشرطة حول نشاطاتها، معطيات إحصائية وأخرى. مقدم طلب المعلومات له أن يقدم أي طلب كان لهذا النوع من المعلومات، دون الحاجة للتعليل، والموصى على حرية المعلومات ملزم بالرد وفق التعليمات المحددة في القانون".

وهي تورد أمثلة بأسلوب السؤال والجواب، فتكتب: "سؤال: أنا معني بتلقي معلومات من الشرطة حول نشاطاتها، معطيات إحصائية وأخرى؟ الإجابة: الشخص الذي يطلب المعلومات له أن يقدم أي طلب كان حول هذا النوع من المعلومات، دون الحاجة لتعليل، والموصى على حرية المعلومات ملزم بالرد وفق التعليمات المحددة في القانون. استلام المواد منوط بدفع فاتورة. إذا أردت تلقي أي معلومات من شرطة إسرائيل، نوصيك بدخول موقع الشرطة وإذا لم تنل مبتغاك، يمكنك التوجه خطيا، دون حاجة لتعليل طلبك، إلى: المسؤول على حرية المعلومات، شرطة إسرائيل المقر الرئيسي".

لكن الواقع يبدو أكثر تعقيداً كما يتضح. وها هي منظمة كبيرة ومتخصصة مثل "الحركة من أجل جودة الحكم"، تواجّه بالرفض حين تطلب معلومات حول نظام تعقّب متصفحين على الإنترنت. كذلك: ملحق صحيفة "هآرتس" المخصّص لشؤون الإنترنت كتب أن الشرطة قامت في السنوات الأخيرة بالتجسس على تصرفات بعض متصفحي الشبكة، من خلال نظام يراقب كل حركة مرورهم، أو من خلال مراقبة جميع زوار مواقع معينة. هذه المعلومات أكدتها مصادر تقنيّة وموقع "سايبر سايبر". ويجري ذلك كما أسلفت بالطريقة التالية: تطلب الشرطة من مزودي الإنترنت والهواتف المحمولة أن يدمجوا في خوادمهم نظاماً تتحكم فيه الشرطة وينقل لها بيانات نشاط المتصفحين دون علمهم. وحين طرح الصحافي أسئلة على الشرطة لم تردّ عينياً، لكنها لم تنف وجود ذلك النظام.

يبدو أن الشرطة تستخدم القانون أساساً لملاحقة متظاهرين وناشطين

تقنياً، يتم تفعيل النظام في سيناريوين. الأول، حين تشتبه الشرطة في شخص معين يتم تمرير كل نشاط تصفحه على الإنترنت من خلال نظامها، دون علمه بذلك. في السيناريو الثاني، حين تريد الشرطة معرفة من يتصفح موقعاً معيناً أو عنوان المتصفح المشفّر على الشبكة، فإنها تحوّل كل حركة المرور إلى تلك المواقع من خلال نظامها. وقال أحد الخبراء للصحيفة: "القدرة على مراقبة حركة المرور على المواقع تختلف اختلافا جوهريا عن التنصّت على شخص واحد. فهذا انتهاك كبير وواسع النطاق". باحث في مجال أمن السايبر قال: "قد يسمح هذا النظام في الواقع بمراقبة دقيقة لكل مواطن ومقيم في إسرائيل. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، لأن الآلية مصممة بحيث يمكن تتبع النوايا، وليس فقط الأشخاص. على سبيل المثال، سيتم تمييز أي شخص يزور موقع احتجاج ضد رئيس الحكومة، ولا يمكن للشرطة فقط حظر الموقع ولكن أيضاً تشويهه بحيث يحصل الزائر على محتوى بخلاف ما ظهر فيه في الأصل".

لا تكمن بذرة المشكلة في الحاصل اليوم. وهي لا تنحصر في سلوك الشرطة، بل في سياسة الدولة وموقفها المبدئي من مبدأ الخصوصية ومبدأ حرية المعلومات للمواطنين. ففي كانون الأول 2007، أقرّ الكنيست ما سُمي "تعديل الإجراءات الجنائية"، والذي سمح للشرطة بالحصول على تفاصيل مثل مواقع الهواتف المحمولة واتصالات الإنترنت للمواطنين من شركات الاتصالات. هذا التعديل مرّ بأغلبية 35 نائباً مؤيداً مقابل 5 نوّاب معارضين. حدّد القانون ثلاث طرق يمكن للشرطة من خلالها الحصول على البيانات: الأولى، من خلال أمرٍ يصدره قاضٍ في المحكمة، والثانية، في الحالات العاجلة مباشرة بواسطة ضابط برتبة نائب مقدم، والثالثة، في حالات الطوارئ، من خلال قاعدة بيانات يتم نقلها مباشرة من مزوّدي خدمة الهواتف والإنترنت إلى الشرطة. كان بين مؤيّدي القانون رئيس دولة إسرائيل الحالي رؤوفين ريفلين، والنائبة السابقة عن حزب العمل والصحافية شيلي يحيموفيتش! أما من تولى في حينه وزارة الأمن الداخلي، رئيس جهاز "الشاباك" السابق، آفي ديختر، فقارن بين ما يتيحه هذا القانون للشرطة وبين ما يُتاح لجهازه السابق، وقال: "إن ملاحقة الإرهابيين مثل ملاحقة المجرمين. ومثلما يمتلك جهاز الأمن العام هذه الأداة التي ساعدت في ملاحقة إرهابيين، فإن لدى الشرطة الآن أداة فعالة ومتقدمة من شأنها تعزيز معلوماتهم الاستخبارية في كل ملاحقة للمجرمين وعائلات الجريمة والجرائم الخطيرة".

مما يبدو اليوم، فإن الشرطة تستخدم القانون أساساً لملاحقة متظاهرين وناشطين. لا توجد أية معلومات عن استخدام القانون، بما يتيحه في الحالات المسماة "طارئة"، ضد منظمات الإجرام في المجتمع العربي مثلا. ومنذ إقراره قبل 14 عاماً تفشت الجريمة المنظمة وتزايد عدد القتلى والجرحى وضحايا الترهيب بحجم هائل.

"قانون الأخ الأكبر" حظي عملياً بدعم المحكمة العليا أيضاً!

عارضت جمعية حقوق المواطن هذا القانون الذي أطلق عليه اسم "قانون الأخ الأكبر"، في إشارة إلى شخصية الحاكم الغامض للدولة الدكتاتورية، في رواية الكاتب البريطاني جورج أورويل "1984"، وبات يستعمل كمرادف للتعسف في استعمال السلطة الحكومية وخصوصا في احترام الحريات المدنية. "الجمعية" توجهت في تلك الفترة إلى المحكمة العليا وكتبت أن القانون في نصه الحالي يمنح للشرطة ولسلطات التحقيق الأخرى حرية الحصول على معلومات شخصية من شركات الاتصالات ومزودي الإنترنت، كالمراسلات عبر البريد الإلكتروني، معطيات حول المواقع التي نقوم بتصفحها ومعلومات من الهاتف النقال. وهو يوفر للشرطة ولسلطات التحقيق في إسرائيل حرية وسهولة الحصول على معلومات من شركات الهواتف النقالة ومن مزودي الإنترنت. معلومات شخصية عن كل إنسان – معلومات عن مكان تواجده الجغرافي، أسماء الناس أو المؤسسات التي يقوم بالاتصال معها، مواقع إنترنت يقوم بتصفحها، أشخاص يقوم بالتراسل معهم عبر البريد الإلكتروني وما إلى ذلك. بموجب القانون يكفي وجود "حاجة استخباراتية عامة" لدى الشرطة، لتبرير الاعتداء على خصوصية الفرد والنبش في حياته الخاصة والحصول على معلومات شخصية. الالتماس طالب بتقليص الصلاحية الممنوحة للشرطة وسلطات التحقيق بموجب هذا القانون وذلك بالاعتماد على المكانة الدستورية للحق في الخصوصية.

وشدّد على أن القانون في شكله الحالي جارف ويسهّل على الشرطة عملية الحصول على أية معلومات شخصية عن كل فرد منا. فالمخالفات التي تسمح بتنفيذ تحقيق يعتدي على خصوصية الأفراد قد تكون مخالفات بسيطة نسبيا تقل عقوبتها عن 3 سنوات سجن، مثل، التسبب "بإزعاج الجمهور". أي أن التسبب بالضجة أو حيازة كلب دون ترخيص، هو أمر كاف لمنح الشرطة الحق في الحصول على معلومات خاصة من شركات الاتصالات حول هذا الشخص. لذلك طالب الملتمسون بأن يقلص القانون إمكانيات الاعتداء على خصوصية الفرد ويحددها لحالة وجود شكوك عينية لارتكاب مخالفات خطيرة، وأن يحفظ الخصوصية المهنية للأطباء والصحافيين والمحامين وغيرهم وأن يمنع حصول الشرطة على يد حرة لأرقام الهواتف الخاصة.

بعد سنوات على ذلك، تحديداً في أيار 2012، سعت وزارة العدل إلى توسيع صلاحيات جمع المعلومات قبل أن تبت المحكمة العليا بخصوص الالتماس المقدّم ضد ذلك. وقالت جمعية حقوق المواطن: تبين في نقاشات الكنيست خلال السنوات الأخيرة أن الشرطة تقوم بجمع معلومات شخصية، أكثر بكثير مما يسمح لها القانون. من الممكن تخيل حجم الفوضى التي قد تنجم عند السماح لجهات أخرى بجمع معلومات شخصية على حساب حقنا في الخصوصية، تشمل معلومات عن أماكن تواجدنا، أسماء الأشخاص أو المؤسسات التي قمنا بالاتصال بها من هاتفنا، أسماء مواقع الإنترنت التي تصفحناها، الأشخاص الذين راسلناهم بالبريد الإلكتروني وغير ذلك.

تبين أيضاً في نقاشات الكنيست أن أجهزة التحقيق تتصرف خلافاً للقانون ولا تصرح عن حجم انتهاكها لخصوصية الأفراد. خلال فترة زمنية قصيرة تصاعد بنسبة تفوق 50% عدد حالات جمع المعلومات عن المحادثات الهاتفية، تصفح الإنترنت وغير ذلك، من دون أي رقابة قضائية. وليست هناك وسيلة لمعرفة كم عدد الأشخاص الذين انتهكت خصوصيتهم، ولا توجد أية وسيلة لدى المواطن ليعرف إن كانت الشرطة قد انتهكت خصوصيته أم لا. وقد أقرّ موظف إحدى شركات الهواتف الخليوية في إحدى جلسات اللجان البرلمانية أن جمع المعلومات الشخصية من قبل الشرطة دون وجود رقابة قضائية، أصبح أمراً اعتيادياً. في الشهر نفسه من العام نفسه، أيار 2012، رفضت المحكمة العليا الالتماس ضد هذا القانون، لتنضم عملياً إلى سائر مؤسسات وأجهزة السلطة الإسرائيلية الضالعة بالانتهاك غير النسبي لخصوصية المواطنين.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات