المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
دعاية انتخابية في الناصرة: نتنياهو يستهدف الصوت العربي، وملصقات تصنّفه كمشكلة.  (إ.ب.أ)
دعاية انتخابية في الناصرة: نتنياهو يستهدف الصوت العربي، وملصقات تصنّفه كمشكلة. (إ.ب.أ)

في هذا الحوار مع الدكتور وليد حدّاد، الخبير في مجالِ الإدارة العامة والمتخصص في بحثِ سياسة مكافحة الجريمة والمخدرات داخل الخطّ الأخضر، أودّ معالجةِ موضوعين أساسيين: الأوّل، تطوّر الجريمة المنظمّة في المجتمع العربيّ والتطرّق إلى مجالات عملها وطُرقها. والثاني، كيف نفهم انتقال الجريمة المنظمّة من المجموعةِ اليهوديّة وماذا حصلَ في تلكَ الفترة تحديداً، وكيف تكوّنت ثنائيّة سلاح جنائيّ وسلاح أمنيّ، فيما يتعلق بتعاطي الشرطة وأجهزة الدولة مع انتشار السلاح والجريمة المنظمّة في المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في إسرائيل. وأخيراً، سنتحدّث عن إمكانيّات الخروج أو محاربة الجريمة المتعارف عليها.

(*) سؤال: عرّف لنا الجريمة المنظمّة في السياق الاسرائيليّ، وما هي خصائصها؟

- جميع منظمّات الإجرام عالمياً تُلائم نفسها للشروط والظروف المحيطة به. على سبيل المثال، الجريمة المنظمّة في الولايات المتحدّة تختلفُ عمّا يُقابلها في إسرائيل. كلّ فعل إجراميّ منظمّ يلائم نفسه للقوانين في الدولة، ليتمكّن من الالتفاف عليها، في مسألة "تبييض الأموال" تحتاج الجريمة المنظمّة للالتفاف على القوانين بشكلٍ مختلف وفقاً لكلّ دولة بسبب اختلاف القوانين بينَ الواحدة والأخرى.

عندما نقول "جريمة منظمّة" فهي منظومة معيّنة، تختلفُ عن فعل إجراميّ أو عنف فرديّ، هي منظمّة لها رأس ونائب رئيس، لها أذرع وأجهزة؛ ذراع أمنيّ وذراع استخباراتيّ وذراع تنفيذيّ وذراع ماليّ، وأهمّ ذراع في التنظيم هو الذراع الماليّ، باعتبار هذهِ المهمّة مشابهة لـ "وزارة الماليّة"، ولن تستطيع الجريمة المنظمّة الاستمرار من دون الذراع الماليّ تحديداً، هي دائماً تحتاج من يجنّد لها أموالا، من يعمل على تبييض الأموال، لدفعِ المعاشات، وما إلى ذلك. في إسرائيل تاريخياً لم تكن هناك جريمة منظمّة وفي أواخر السبعينيّات ظهرت لجنة تحقيق تحت اسم "شمغار"، وأقرّت أنه لا يوجد جريمة منظمّة وقامت بعديدِ من التحقيقات وبحثت، وأيضاً في الثمانينيّات، وحتى أذكر أنه صدر كتاب بعنوان "هل يوجد جريمة منظمّة في إسرائيل؟" بسبب وجود حالات إجراميّة؛ تجّار مخدرات، وإطلاق نار وما إلى ذلك بشكلٍ كبير ولكن لم يكونوا على قدر من المعلومات لإثبات أنها جريمة منظمّة، وترتيب هرميّ، فهي ليست جريمة منظمّة. ومن المهمّ التنويه أن إسرائيل لم تكن تشدّد بالنسبة لقوانين تبييض الأموال. مثلا في حالَ كنت يهوديّا تمتلك 10 ملايين دولار وجئت إلى إسرائيل، لن تسألكَ الدولة "من أين لكَ بهذهِ الأموال؟"، وبالتالي حينما انهار الاتحادّ السوفييتي، قدمَ العديد من الأوليغاركيين (الذين جمعوا أموالا من سوابق إجراميّة سواء تبييض أموال وغير ذلك)، إلى إسرائيل بسبب عدم تشديدها من هذهِ الناحية، بينما كندا على سبيل المثال لم تسمح لهم بدخولِ أراضيها من دونَ كشف هذهِ الأموال. ومنهم من قام بشراء بنايات وفنادق وفرق كرة قدم، دونَ أي مساءلة حتى، وأذكر أن قادة الجريمة المنظمّة اجتمعوا حينها داخل فندق في إيلات لتقسيم مناطق النفوذ [عالمياً]، هكذا: أنتَ مسؤول عن تجارة الكافيار في البحر الميّت ومحيطه، وأنتَ ستكون مسؤولا عن تجارة الماس في أفريقيا، وآخر مسؤول عن تجارة مخدّرات في أميركا، وقاموا بتقسيم الأدوار أمام أعين الشرطة والاستخبارات، ولم تتحرّك ولم تقم بفعلِ شيء، بسبب اتفاقيّة غير مكتوبة، وهي أنه طالما لا توجد جرائم [قتل] في إسرائيل، إذن "استمرّوا في ارتكاب الجريمة بحريّة".

(*) سؤال: هل هذه المجريات والأحداث التي ذكرتها هي على أثر قدوم الأوليغاركيين الروس لإسرائيل في التسعينيات؟

- نعم، في بدايةِ التسعينيّات بدأت الأوضاع الاقتصاديّة تتحسّن في إسرائيل، ودخلَ إليها أعضاء ورؤساء منظمّات إجراميّة. بدأنا نُلاحظ أن المجال الأول للجريمةِ المنظمّة في إسرائيل، بشكلٍ هرميّ، "الكازينوهات"، من خلال تنسيق رحلات من إسرائيل إلى رومانيا وهنغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا للمقامرة.

المسؤول عن هذهِ الرحلات، يحزقيل أسلن، امتلكَ شبكة مطاعم تحت اسم "شيبودي هتكفا" (مشاوي الأمل)، وبدورهِ مُحتكر جميع ما يتعلّق في المقامرة عندَ الإسرائيليين، نظّم رحلاتٍ مدفوعة دوريّة إلى بلاد الاتحادّ السوفييتي من أجل المقامرة، يتخلّل ذلك الذهاب والإياب في الطائرة والطعام والفندق، بشرطِ أن تذهب للمقامرة، ويدرّ هذا المجال على صاحبهِ أرباحاً هائلة تصل إلى الملايين. أنتَ تملك شبكة مطاعم قانونيّة، وأيضاً تحتكر مجال المقامرة عند الاسرائيليين لممارستها خارج البلاد، وعلى أثر ذلك، بدأت جريمة منظمّة بالتشكّل في إسرائيل، تحديداً في تلكَ الفترة.

(*) سؤال: الشرطة والأجهزة الأمنيّة هل غضّت البصر عن الجريمة المنظمّة في تلكَ الفترة؟

- نعم، وأضف إلى ذلك أن سنّ قانون تبييض الأموال في العام 2004 كان بهدفٍ أمنيّ، لمنعِ تبييض الأموال من داخل الخطّ الأخضر إلى الضفّة والعكس، إبان الانتفاضة الثانية. وأيضاً منظمّات الإجرام عانت بسببِ هذا القانون، إلا أن هدفه لم يكن متعلّقا بالجريمة المنظمّة. بالمقابل، المقامرة مستمرّة، وفي هذا السياق حاول المُجرم زئيف روزنشتاين، أن يدخل إلى هذا المجال، أي تنسيق "حركة المقامرة من إسرائيل إلى الخارج"، علماً أن الربح من وراء هذا المجال هائل، بسبب أن العمولة مقابل كلّ فرد. وبالتالي، بدأ صراع بينَ الاثنين روزنشتاين من جهةٍ، وأسلن من جهةٍ أخرى، وقامَ روزنشتاين بالقضاءِ على الأخير وعائلتهِ، وسيطرَ على المجالِ بأكملهِ وشكّل تنظيما؛ برئيس ونائب رئيس وهكذا. والدولة كانت تعلم ولم تستطع فعل شيء، ودخلت منظمّات جديدة، مثل عائلة "أبوتبول" وأيضاً عائلة "أبرجيل" التي دخلت في مجال الكازينوهات في براغ وقُتل أبوهم.

(*) سؤال: هُنا نتحدث عما قبل العام 2003؟

- نعم بالضبط، هذهِ العائلات والمنظمّات الإجراميّة جميعها بدأت تولد قبل العام 2003، في فترةِ التسعينيّات تحديداً. وسنصل إلى العام 2003، حينما برزت جميع هذهِ العائلات، وغيرها، وعملت في عدّة مجالات وبرزَ مجال الحماية مقابل دفع الإتاوة، "Protection". ثمّ خلال وجود هذهِ العائلات والصراعات بينها، حاولت بعض الجهات اغتيال زئيف روزنشتاين في العام 2003، من خلال تفجير الصرّاف الذي دخلَ إليهِ من أجل تبديل عملة، لم يُصب روزنشتاين ولكن أصيب عشرات الأبرياء، وقُتل ثلاثة أشخاص، وعلى أثر هذهِ الحادثة، قرّرت الدولة التدّخل وقامت بتسميتهِ "التفجير الإرهابيّ الجنائيّ الأوّل". دولة إسرائيل لا تستطيع تحمل مثل هذهِ التفجيرات في داخل تل أبيب ومدن يهوديّة اسرائيليّة، وخصوصاً أنها ليست متعلقة بالأمن. وكان بنيامين نتنياهو في وزارة الماليّة، وأريئيل شارون في رئاسة الحكومة، واتخذا قراراً بمحاربةِ الجريمة المنظمّة، وبالفعل استطاعا القضاء عليها. وأقول لكَ إن طلاباً من جميع أنحاء العالم يأتون إلى إسرائيل لتعلّم طرق وسُبل مكافحة الجريمة المنظمّة. وإسرائيل تتباهى أمام العالم بذلك. وأحد التكتيكات التي تستخدمها إسرائيل هي محاكمة المُجرمين وفقاً للعقاب الأكبر، مثلاً في حال ارتكب روزنشتاين جريمة في الولايات المتحدّة وعقابها هناك 15 عاماً، وارتكب في إسرائيل جريمة عقابها 5 أعوام، فالحُكم عليهِ سيكون 15 عاماً. من المهمّ الإشارة إلى أن الدولة استخدمت جميع التقنيّات لمحاربةِ الجريمة المنظمّة، فهي تمتلك عدّة أجهزة أمنيّة منها الشرطة وجهاز الاستخبارات "الشاباك" وأيضاً "الموساد" و شعبة "أمان" التابعة للجيش، بالتالي تمكّنت من خلال تقنيّات تابعة لأجهزة أمنيّة بالإضافة إلى الشرطة، من محاربة الجريمة، وبدورها استخدمت "طائرات صغيرة" للتجسّس على أعلى هرم الجريمة المنظمّة، وهي ذاتها تستخدمها على سبيل المثال في إيران وفي حال احتاجت لاستخدامها لمكافحةِ الجريمة تستخدمها. أما بالنسبةِ للمجتمع العربيّ فالعكس هو الصحيح.

وبخصوص المجتمع العربي لا بد من القول إنه في أعقاب الفراغ الناتج عن تفكيك المنظمّات الإجراميّة في الوسط اليهوديّ، برزت العصابات العربيّة، والتي اعتبرت مقاولاً "درجة ثانية" في السابق عندَ نظيرتها اليهوديّة، ولكن مع انهيار الأخيرة تقدّمت في الدرجة، علماً أن هذهِ المنظمّات لديها مراتب ودرجات وهكذا.

من جهةِ الدولة، هي لاحظت المُجريات في بدايةِ الألفيّة بعدما انهارت العصابات اليهوديّة، ولم تتحرّك، وهي معنيّة فقط بمحاربةِ الجريمة في مركز البلاد لدى الوسط اليهوديّ، وليست معنيّة في محاربة الجريمة المنظمّة في المجتمع العربيّ. وفي موضوع السلاح خلقت تمييزاً بينَ "سلاح جنائيّ" و "سلاح أمنيّ"، وتاريخياً من منظورِ إسرائيل العربيّ محظور عليهِ السلاح، في حال نظرنا قبل أربعين سنة سنلاحظ أن العربيّ لم يجرؤ على حملِ السلاح لأي هدف، مدركاً أن الدولة في كلّ الأحوال ستُلاحقه. مخدّرات ممكن، وسرقات ممكن، أما السلاح فمحظور على نحو مطلق. ولكن حينما بدأت الدولة تغضّ النظر عمّا تراه "سلاحا جنائيّا"، فإن المُجرمين أدركوا هذا الفصل وقاموا بتطبيقهِ، بمعنى الدولة أطلقت الحريّة لهم في هذا المعنى. المجرمون يعلمون أن تنفيذ جرائم في الوسط اليهوديّ هو بمثابة "خطّ أحمر" أمامهم. على سبيل المثال، أنت عربيّ من شفاعمرو أو أية بلدة عربيّة لديكَ خلاف وهدف للقتلِ، تنتظرهُ حتى يتواجد في بلدةٍ عربيّة لتنفيذِ المهمّة، ولا تقوم بالفعلة في العفولة أو نتانيا. بالتالي رؤساء العصابات والمنظمّات لا يرتكبون جرائم في الوسط اليهوديّ، وفي حال ارتكبت يعتبرونها "خطأ"، ويعرفون "الخطّ الأحمر".

كذلك حدث مثلاً أن دبّ خلاف بينَ أفراد عرب داخل مدينة نوف هجليل (نتسيرت عيليت سابقا)، ومنعاً لإطلاق رصاص تواجدت قيادات الشرطة بأكملها تحت بند منع "تعريض حياة الناس للخطر" الذي يسجن فيه ما يُقارب الـ 20 عاماً. والدولة في هذهِ الحادثة قامت بالعملِ بقوّة كبيرة. وهذهِ الحادثة تعلمنا متى الدولة تأخذ الأمور بجديّة.
قبلَ هذه المقابلة معك، تواجدت في مقابلة أخرى تحدّث فيها أيضاً ضابط شرطة لافتاً إلى أن "المجتمع العربيّ لا يتعاون"، فقلتُ له مباشرةً "هذا كلام فارغ، حينما يُقتل يهوديّ لا تنتظرون من أحد أن يتعاون، وحينما يُقتل يهودي هل تسألون الجيران؟ في حال بدأتم بتشغيل التقنيّات بحوزتكم ستعلمون ماذا يحدث".

(*) سؤال: كيف من الممكن محاربة الجريمة المنظمّة في المجتمع العربيّ، مع التشديد على أن شكلها الاجتماعيّ هو عائليّ، فهل من الممكن أن يكون ذلكَ عائقاً؟

- أولاً علينا أن نذكر أن المنظمّات الإجراميّة في الوسط اليهوديّ هي أيضاً عائلات وأقارب، وما إلى ذلك، ولم تكن عائقاً. ثانياً حينما تُحارب جريمة منظمّة عليكَ بدايةً تجفيف المنابع الاقتصاديّة، بالتالي تقوم بهدمها من الأساس، بحيث لن تستطيع دفع معاشات لأحد، وعندها المنظمّة تنهار. أذكر مثال "تنظيم روزنشتاين"، الذي كان يضم ما يقارب الـ 300 شخص، ولم يقوموا بسجنهم جميعاً، وفقط قاموا باعتقال عدّة أشخاص، والمنظمّة وقعت ودمرت.

(*) سؤال: من ناحية انتشار السلاح في المجتمع العربيّ، هل توجد مصلحة مادّية للدولة في هذا الانتشار. أقصد هل هي تجارة مربحة أو تدرّ أرباحاً، مع العلم أن إسرائيل متصدّرة في صناعة وبيعِ السلاح عالمياً؟

- من هذهِ الناحية يوجد جانبان: الأول، إسرائيل وبيعها السلاح علناً لجميع مناطق العالم، في أفريقيا وأميركا اللاتينيّة والهند، التي تحدث فيها اضطرابات وخلافات، والطلب عليهِ مرتفع جداً، وليست بحاجة لبيع المجتمع العربي. بالمقابل الجانب الثاني الذي يهمّ موضوعنا، تواجد ضبّاط سابقين قاموا ببيعِ السلاح إلى المجتمع العربيّ، والدولة قامت بغضّ البصر، لكي تضمن وجود أقليّة مهمّشة مضطهدة بالطبع. هي ليست معنيّة أن يخرج من مجتمعنا 100 كاتب وباحث سنوياً، بالمقابل إذا ما خرج 100 مُجرم وقاتل، لا توجد لديها مُشكلة.

في قضيّة انتشار وتجارة السلاح في المجتمع العربيّ والذي وصل إلى 500 ألف قطعة سلاح، أعتقد أن الدولة بدأت تدرك راهناً أن خطر ذلك يقترب من الوسط اليهوديّ، وهو لا يشكل خطراً على المجتمع العربيّ فقط، ونلاحظ تحركّات غير موجودة قبل عام، ويشمل ذلك جهات من اليمين. على سبيل المثال "معهد الاستراتيجيا الصهيونيّة"، وهو معهد يمينيّ، نشر في شهر حزيران توصيات متعلقة بخطر السلاح وأثره المقبل على المجتمع اليهوديّ، ووضعها على طاولة مكتب رئيس الحكومة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات