المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أكدت ورقة تقدير موقف جديدة صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب بعنوان "صفقة القرن، إلى أين تؤدي؟"، أن فرص تحقيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين ضئيلة جداً وتوازي الصفر.

وأضافت الورقة، التي كتبها الباحثون في المعهد المذكور أودي ديكل وعنات كورتس ونوعا شوسترمان، ونشرت في موقع المعهد، وقامت مؤسسة الدراسات الفلسطينية بنشرها بترجمة كاملة إلى العربية أنجزتها الباحثة اللبنانية رندة حيدر، أن الخطة تمنح دلالات مغايرة لمبادئ رافقت المفاوضات بشأن تسوية دائمة بين إسرائيل والفلسطينيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وهي عملياً تفرغها من مضمونها. وفي إطارها، من بين أمور أخرى، جرى رفض المطالبة الفلسطينية بـ"كل شيء أو لا شيء" - وخصوصاً "حق الفيتو الفلسطيني"، على أي تسوية لا تقدم رداً كاملاً على تطلعاتهم، أو لا تلتزم بخط الرابع من حزيران 1967.

وجاء فيها أنه على صعيد التصريحات، الخطة ترسم رؤية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، من خلال احترام التطلعات الوطنية الفلسطينية. وهي تشدد في الوقت عينه على عدم المسّ بأمن إسرائيل، ومنع تحويل الضفة الغربية إلى نوع من قطاع غزة ثان. لكن توجد فجوة كبيرة بين الرؤية وطريقة تحقيقها كما هو مفصل في الخطة. فشروط الاعتراف بدولة فلسطينية تفرض اعترافاً فلسطينياً بالدولة اليهودية، أي: تسوية متفق عليها لدولتين قوميتين - إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، وفلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني، انطلاقاً من إلغاء حق العودة للاجئي 1948 إلى دولة إسرائيل. وهناك مطالب أساسية أُخرى، هي تأسيس حكم فلسطيني سليم، ديمقراطي، يحترم حقوق الإنسان - بمعايير عالية لا يوجد مثلها في أي دولة عربية؛ قبول مطالب إسرائيل الأمنية؛ نزع سلاح حركة "حماس" وسائر "التنظيمات الإرهابية"؛ استعادة السلطة الفلسطينية السيطرة على قطاع غزة الذي سيكون منزوعاً من قدراته العسكرية؛ وقف التحريض الفلسطيني ضد إسرائيل في المنظومة السياسية، والعامة، والتعليمية. ومن الواضح أن هذه الشروط كلها من الصعب جداً على الجانب الفلسطيني تحقيقها.

وأشارت الورقة إلى أن الخطة تتضمن إقامة دولة فلسطينية مع سيادة محدودة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى جيبين في النقب الغربي. وتنص على الأخذ في الحسبان الواقع الذي نشأ على الأرض في العقود الخمسة الأخيرة، بحيث أن كتل المستوطنات الواقعة غربي خطوط جدار الفصل، والتي يسكنها نحو 345 ألف مستوطن ستُضم إلى إسرائيل. ولن تُقتلع أو تُخلى مستوطنات تقع شرقي الجدار يقيم فيها نحو 100 ألف مستوطن (بينها 15 جيباً معزولاً يسكنها نحو 14 ألف نسمة). ويُطبّق القانون الإسرائيلي كاملاً على كافة هذه المستوطنات. وفي الأراضي الإسرائيلية، ستبقى جيوب فلسطينية يسكنها نحو 140 ألف فلسطيني، سيتعين عليهم التحرك إلى أرجاء الضفة الغربية عبر أراضي إسرائيل.

وبالنسبة إلى أراضي الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى منطقتيْ أ وب، الواقعتين تحت حكم السلطة الفلسطينية، وقطاع غزة الواقع تحت حكم "حماس"، سيخصَّص للدولة الفلسطينية نحو نصف أراضي المنطقة ج (30% إضافية من الضفة الغربية، تشمل: 17%- من غور الأردن؛ 3% - أراضي مستوطنات؛ و10%- كتل المستوطنات وطرق التنقل تنضم إسرائيل)، وكذلك مناطق واقعة حالياً تحت السيادة الإسرائيلية: منطقتان في النقب ستوسعان من مساحة قطاع غزة (تفسير ذلك هو في الأساس إنساني: تقليص الكثافة السكانية في القطاع) وجنوب جبل الخليل. علاوة على ذلك، سيكون من حق إسرائيل تقرير انتقال مناطق آهلة تابعة لسيادتها - مثل قرى وبلدات المثلث التي يسكنها نحو 250 ألف عربي في إسرائيل، هم من مواطني الدولة. بالإضافة إلى ذلك، إقامة تواصل في المواصلات - طرق، تقاطعات وأنفاق- تربط بين المناطق الفلسطينية، وأيضاً بين المناطق الإسرائيلية، للسماح بحرية تنقّل أشخاص وبضائع وحياة اقتصادية.

كما تنصّ الخطة على مسؤولية أمنية أكبر لإسرائيل في الجو والبحر والبر، وفي كل المنطقة الواقعة غربي نهر الأردن وضمن ذلك سيكون غور الأردن الحدود الأمنية الشرقية لإسرائيل وخاضعا لسيادتها (استناداً إلى السيادة وليس فقط على ترتيبات أمنية) والمغزى هو سيطرة إسرائيلية على الغلاف الخارجي للدولة الفلسطينية العتيدة والإحاطة بها.

أما حق العودة فيُطبَّق في داخل فلسطين، أو على أساس توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن سكنهم أو في دولة ثالثة، من دون ممارسة حق العودة إلى إسرائيل. وعدد اللاجئين الذين سيُسمح لهم بالسكن في فلسطين سيُحدَّد باتفاق مع إسرائيل. وسيجري وضع آلية لتعويض اللاجئين، لكن لن يُطلب من إسرائيل تعويضهم، لأنها وظفت أموالاً في استيعاب وتوطين اللاجئين اليهود الذين غادروا من دول عربية، بعد قيام دولة إسرائيل.

وقالت الورقة إن دلالات الخريطة تعني دولة فلسطينية غير متواصلة جغرافياً، مقسمة إلى ستة كانتونات محاطة تماماً بإسرائيل؛ سيطرة إسرائيلية على كل المحاور التي تربط بين المناطق الفلسطينية؛ سيطرة إسرائيلية أمنية وسيادية على الغلاف، بما في ذلك المعابر الخارجية (معبر أللنبي على نهر الأردن، ومعبر رفح مع مصر). وتمتد حدود دولية بين إسرائيل وفلسطين بطول 1400 كيلومتر (تقريباً ضعفي طول الجدار القائم حالياً الذي سينقل بحسب الخطة إلى المخطط الجديد). والمغزى الحقيقي لهذا المخطط بالنسبة إلى الفلسطينيين هو تقريباً اتفاق استسلام.

وفيما يتعلق بقضية القدس، بحسب الخطة سيبقى قلب المدينة موحداً، وبذلك تبقى الأحياء الواقعة داخل خطوط الجدار، وبينها المدينة القديمة، جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، وجبل الزيتون ومدينة داود، ضمن عاصمة إسرائيل. والعاصمة الفلسطينية ستتضمن أبو ديس الواقعة خارج الجدار.

وتشدد الخطة على أهمية القدس بالنسبة إلى الأديان الثلاثة، وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة وحرية العبادة، وتتعهد إسرائيل بالمحافظة على الستاتيكو القائم في المدينة. والحرم سيبقى مفتوحاً للصلاة لكل الأديان (وأيضاً لليهود، وعملياً ما يجري هنا هو تغيير الستاتيكو). مع ذلك، يُلاحظ في الخطة تجاهُل واضح للمكانة الخاصة للأردن في الأماكن المقدسة. ووفق الخطة، سيجري إقصاء السلطة الفلسطينية بالكامل عن القدس، كما لا يوجد فيها أي ذكر لمؤسسات ومواقع فلسطينية في المدينة.

ورأت الورقة أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية هما بمثابة "الحاضر الغائب" في خطة ترامب التي تدّعي تحديد المستقبل الفلسطيني الوطني. ومعنى المخطط المقترح هو هزيمة النضال الفلسطيني لتحقيق الوطنية، لأنها تقوّض الاعتقاد بأن الزمن يعمل للمصلحة الوطنية الفلسطينية، وأن المجتمع الدولي سيفرض، مع مرور الزمن، على إسرائيل شروط الفلسطينيين للتسوية. بناء على ذلك، ليس من المفاجئ أن ترفض كل الفصائل الفلسطينية الخطة بشدة. فبالنسبة إليها، الخطة وانعكاساتها هما خطر وجودي حقيقي على الإنجازات التي حققوها حتى الآن، وعلى رؤية الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة الكاملة. ومن الصعب العثور على زعيم فلسطيني في الحاضر والمستقبل يوافق على مخطط دولة فلسطينية مجزأة ومشرذمة ومحاطة بإسرائيل، عاصمتها أحياء في أطراف القدس الشرقية. وزعماء الشعب الفلسطيني الذين رفضوا كل اقتراحات التسوية التي طُرحت عليهم حتى الآن، لا يستطيعون قبول مخطط ترامب، ومعناه الواضح بالنسبة إليهم استسلام، وينطوي على تهديد فعلي بخسارة مطلقة للشرعية الشعبية.

كما رأت أن صعوبات إضافية يمكن أن تنشأ في ضوء الرد الإقليمي والدولي البارد على خطة ترامب.

وخلصت الورقة إلى أنه في الحقيقة هذه أول مرة تقبل إدارة أميركية المطالب الإسرائيلية لترتيبات أمنية، وأيضاً ضم كل المستوطنات - مناطق الكتل الاستيطانية وغور الأردن وحتى معالوت، المشرفة على غربي الغور. وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان شرح أن هناك صفقتين: وثيقة "صفقة القرن"، وبالإضافة إلى "صفقة داخل صفقة" بحسب قول فريدمان: تنتظر إسرائيل انتهاء عمل لجنة سداسية، تشمل ثلاثة أميركيين وثلاثة إسرائيليين، تقوم بملاءمة الخريطة المقترحة في خطة ترامب مع الواقع على الأرض، لجعلها قابلة للتطبيق، وتجمّد البناء في المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية. عندئذ، تعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية في مناطق ليست مخصصة للدولة الفلسطينية. أي أن الإدارة الأميركية تبني شروطاً تسمح لإسرائيل بضم مناطق إليها حتى من دون موافقة فلسطينية.

كما لفتت إلى أن الخطة تنطوي على خطر حقيقي على رؤيا الدولة اليهودية الديمقراطية، لأنه بموجبها، هناك قرابة 450 ألف فلسطيني سيجري استيعابهم في دولة إسرائيل. وإذا انهارت السلطة الفلسطينية بعد عمليات ضم إسرائيلية، فإن إسرائيل ستضطر الى تحمّل المسؤولية عن كامل السكان الفلسطينيين. والمغزى الذي لا مفر منه هو الانزلاق فعلياً إلى واقع دولة واحدة. في المقابل، سيتسارع الاتجاه القائم وسط الجمهور الفلسطيني الشاب في الأساس، نحو السعي لنشوء واقع الدولة الواحدة، مع المطالبة بالمساواة في الحقوق للجميع.

 

المصطلحات المستخدمة:

حق العودة, المثلث

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات