المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أظهر بحث أجراه "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" في جامعة تل أبيب مؤخراً أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي تؤيد استمرار النشاطات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل من أجل كبح التموضع العسكري الإيراني في المنطقة الحدودية الشمالية (مع سورية) حتى لو أدت إلى اندلاع حرب.

ووفقاً لهذا البحث الذي شمل استطلاعاً للرأي العام الإسرائيلي، قال 31 بالمئة من الإسرائيليين إنهم يعتقدون أن الجبهة الشمالية تشكل التهديد الأكبر لإسرائيل، في حين قال 26 بالمئة منهم إن البرنامج النووي الإيراني يشكل التهديد المركزي لإسرائيل، وفقط 14 بالمئة منهم قالوا إن الصراع مع الفلسطينيين يشكل المشكلة الأمنية الرئيسة الماثلة أمام إسرائيل. وقالت نسبة مماثلة (14 بالمئة) إن حركة "حماس" في قطاع غزة تشكل تهديدا إستراتيجياً.

كما أشار البحث إلى أن 54 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أن الجبهة الداخلية جاهزة للحرب.

من ناحية أخرى أكد 82 بالمئة من الإسرائيليين أن إسرائيل لا يمكنها سوى الاعتماد على نفسها في مواجهة المشاكل الأمنية الماثلة أمامها، وقال 50 بالمئة منهم إنهم لا يمكنهم الوثوق بأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب في حال تعرضها إلى هجوم من جانب إيران مثلما حدث للسعودية في الفترة الأخيرة.

ونُشر هذا البحث في أعقاب التقرير الذي أصدرته شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") وتطرقت فيه إلى التحديات الأمنية الماثلة أمام إسرائيل خلال 2020، وأشارت فيه إلى أن هناك توقعاً ضئيلاً بنشوب حرب مخططة العام 2020، والمقصود بحرب مخططة أي حرب لا تندلع من جراء تراكم أحداث أو تصعيد تدريجي في احدى الجبهات، وإنما حرب يبادر لها أحد الأطراف من دون تراكم أحداث مباشرة تؤدي لها. ويؤكد التقرير مع ذلك أن هناك إمكانية متوسطة حتى مرتفعة للحفاظ على معادلة الرد في الجبهة الشمالية، وما تقصده الشعبة هو ما يحدث الآن من رد ورد فعل على الجبهة الشمالية، ولكنها تشير إلى أن هذه المعادلة قد تؤدي في النهاية إلى اندلاع حرب على هذه الجبهة. بكلمات أخرى يلمح التقرير بأنه إذا ما استمرت إسرائيل في هجماتها في سورية ولبنان، فإن الطرف الآخر سوف يرد بالضرورة، ولن يقبل بأن يحتوي الأحداث. وفي هذا السياق أكد التقرير أن اغتيال قاسم سليماني هو "حدث كابح" للإيرانيين على المدى القريب، وحدث إيجابي لإسرائيل. ولذلك فإن شعبة الاستخبارات توصي القيادة السياسية الإسرائيلية بتعزيز الهجمات ضد التواجد الإيراني في سورية خلال العام 2020 من أجل منع إيران من التموضع في سورية، كما يؤكد أن على إسرائيل استغلال مقتل سليماني من أجل إخراج إيران نهائيا من سورية. وإلى جانب ذلك يقترح التقرير تعزيز مراقبة النشاط النووي الإيراني داخل إيران خلال العام 2020.

وذكر تقرير "أمان" أن إيران تقوم بفحص جديد لسياساتها في الشرق الأوسط بعد اغتيال سليماني، حيث أن البديل لسليماني لا يملك الصفات الكاريزمية التي تمتع بها سلفه، وهذا الأمر، حسب التقرير، سوف يعزز من مكانة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط. وإلى جانب ذلك يشير التقرير إلى أن إيران ستتمكن من صنع قنبلة نووية ورؤوس حربية خلال عامين، إذا ما أرادت ذلك، وعززت من مشروعها النووي إلى حدوده القصوى.

وتقدر شعبة الاستخبارات بأن إيران تحاول أن تقوم بعملية في "العمق" الإسرائيلي من خلال دعم منظمات فلسطينية، وعلى رأسها الجهاد الاسلامي في قطاع غزة، وذلك من خلال الدعم والتخطيط الذي يقوم به "فيلق القدس" الإيراني. بالإضافة إلى ذلك فإن إيران تريد تحضير الجولان والحدود اللبنانية كحيز تقوم من خلاله بالهجوم على إسرائيل، كما أنها تحاول بناء قواعد وسيطة ولوجستية في العراق واليمن، بحيث تكون إيران بذاتها العمق الاستراتيجي والصناعي لهذه القواعد. ويوضح التقرير أن المشروع النووي الإيراني هو الوسيلة لنشر فكرة الثورة الإيرانية، وفي نفس الوقت وسيلة للدفاع عن النظام الإيراني.

ويوضح التقرير أن المحور الشيعي الإيراني هو الخطر أو التحدي الذي يواجه إسرائيل في العام 2020، في نفس الوقت يوضح أن إيران تواجه أزمة اقتصادية كبيرة جدا، لعدة أسباب بينها تراجع بيع النفط الإيراني. وهذا يضع إيران في المرحلة الأكثر تحديا في تاريخ النظام الحالي، حيث أن اهتمام الإيرانيين بالمذهب الشيعي (يسميه التقرير "دين") تراجع، كما أنه بعد يومين من اغتيال سليماني تحولت المظاهرات من مسيرات إلى تمزيق صور سليماني في الشوارع، كما ارتفع سعر الغذاء ضعفين.
وتطرق التقرير إلى تركيا فقال إنه يسود العلاقات التركية- الإسرائيلية توتر منذ أعوام طويلة، وتحديدا منذ حادثة سفينة مرمرة، وقد فشلت كل المحاولات لإرجاع هذه العلاقات إلى سابق عهدها حتى بعد توقيع اتفاق "المصالحة" بين تركيا وإسرائيل وقيام هذه الأخيرة بدفع تعويضات لقتلى السفينة، ويمكن القول إنه ما عدا العلاقات الاقتصادية فإن العلاقات بين الطرفين هي في حالة توتر مستمر، غير أن تركيا من جهة أخرى تلعب دورا متزايدا في الأعوام الأخيرة في الساحة الإقليمية، وصل ذروته في تدخلها العسكري في سورية وليبيا، كما حمّلت أجهزة الأمن الإسرائيلية تركيا مسؤولية عن قيام حركة "حماس" بتنظيم عمليات عسكرية ضد إسرائيل من داخل أراضيها. واعتبرت شعبة الاستخبارات أن تركيا أصبحت ضمن قائمة التهديدات، بادعاء "تزايد عدوانيتها في المنطقة"، وهذه المرة الأولى التي تضيف "أمان" تركيا إلى هذه القائمة. وبحسب تقييم "أمان"، فإن الجيش لا يرى احتمالا لاندلاع مواجهة مباشرة مع تركيا في العام 2020، لكن سياسة تركيا "المتزمتة في المنطقة جعلت منها واحدة من أكبر المخاطر التي يجب مراقبتها هذا العام". غير أن التقرير لم يوضح أي تهديد محدد من جانب تركيا تجاه إسرائيل، وإنما أشار إلى تقارب بين حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان وبين حركة الإخوان المسلمين، واعتبر أن السياسات التي يتبعها أردوغان تسببت بالقلق الإسرائيلي.

وفيما أشار تقرير "أمان" إلى العمليات العسكرية التركية في سورية، عبر عن قلق إسرائيل من إنشاء خط أنابيب غاز إلى ليبيا، واعتبر أن من شأن ذلك أن ينتهك المياه الإقليمية لليونان حليفة إسرائيل. وكان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قد عبر عن استيائه من إعلان تركيا عن منطقة بحرية تابعة لتركيا وليبيا، واعتبر أن من شأنها منع تطلعات إسرائيل إلى مد أنبوب غاز إلى أوروبا، كونه يجب أن يمر بالمياه الإقليمية التركية.

ويؤكد التقرير أن تركيا لم تعد دولة إقليمية بعيدة عن التأثير على النظرة الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة بل أصبحت دولة مهمة في لعب دور قد يضر بالمصالح الإسرائيلية على المستوى الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي والأمني.

وفي ما يتعلق بالفلسطينيين، قالت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إن "هناك انخفاضاً" في حجم عمليات المقاومة التي ينفذها الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة، فيما قدّرت أن "تواصل السلطة الفلسطينية حملتها السياسية ضد إسرائيل في المحافل الدولية" غير أن ذلك سيتم، وفقاً لما تؤكده، "بحذر ودون تحطيم جميع الأدوات" مع الإبقاء على خط رجعة.

وفي ما يتعلق بقطاع غزة المحاصر، اعتبرت أن جيش الاحتلال الإسرائيلي نجح في ردع حركة "حماس"، التي تتمسك بالتسوية، لكنها تقف أمام تحديات من وصفتهم بـ"الفصائل المارقة"، غير أنها اعتبرت أن "حماس" تواصل تعزيز قوتها، وهي جاهزة لإدارة قتال في مواجهة إسرائيل قد يستمر لأيام. في المقابل، اعتبرت أن حركة "حماس" حذرة من التصعيد الذي قد يؤدي إلى حملة عسكرية واسعة، وذكرت أن الحركة "سوف تواصل جهود التهدئة طالما تراها مفيدة لبقائها واستمرارها في السيطرة على قطاع غزة".

 

المصطلحات المستخدمة:

دورا, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات