المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ختم الكنيست الإسرائيلي، في منتصف الشهر المنتهي تموز، دورته الصيفية، وقد أسقط التوقعات بعدم انتهاء الدورة القصيرة من 12 أسبوعا، والتوجه إلى انتخابات مبكرة. وبالإمكان القول إن مفتاح قرار الانتخابات المبكرة ما زال بيد بنيامين نتنياهو، إلا إذا حدثت مفاجآت. فنتنياهو يعربد على ائتلافه، مسنودا بسلسلة استطلاعات للرأي، تعزز قوة حزبه الليكود، بينما تفتت أكثر قوة الأحزاب والكتل في الائتلاف، وخاصة تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، الذي عاد إلى حجمه الحالي، إذ فقد قفزات حققها في العام الأخير. وقد انعكست عربدة نتنياهو في المسار التشريعي، إذ أنه نجح في املاء أجندته على كامل الائتلاف، دون أن يشهد أي حالة تمرد.

وقد بدأت الدورة الصيفية في اليوم الأخير من نيسان الماضي، وسط ما بدا وكأنه أزمة من دون مخرج مع كتلتي المتدينين المتزمتين الحريديم، على خلفية قانون التجنيد العسكري لشبان جمهورهم، إذ قضت المحكمة العليا في شهر أيلول من العام الماضي، بضرورة سن قانون جديد، يلغي الكثير من الامتيازات التي كانت في القانون القائم، وهذا في غضون عام واحد من صدور القرار.

إلا أنه منذ بدايات الدورة، بات ملموسا الشرخ في الموقف بين أحزاب الحريديم من صيغة القانون، التي توصلت لها لجنة خاصة أقامتها الحكومة، بإشراف الجهات ذات الشأن، إذ وافق غالبية نواب الكتلتين شاس، للحريديم الشرقيين، ويهدوت هتوراة، للحريديم الأشكناز، على صيغة القانون، فيما بقيت المعارضة لدى نائبين، من أحد التيارات التي تشكل تحالف يهدوت هتوراة، وأحدهما نائب وزير الصحة يعقوب ليتسمان.

وكان المَخرج من هذه الأزمة، التي كانت تهدد بحل سريع للحكومة، وبالتالي حل الكنيست، أنه تم إقرار القانون بالقراءة الأولى، على أن تطلب الحكومة من المحكمة العليا تمديد الفترة المتاحة أمام الكنيست لإنهاء التشريع، إلى ما بين 6 أشهر وحتى 12 شهرا. وعلى الأغلب، بناء على تجارب الماضي، فإن المحكمة العليا ستقبل طلب التأجيل، ولكن الأشهر الستة تعني حتى نهاية الدورة الشتوية، التي ستبدأ في منتصف تشرين الأول المقبل، وحتى ذلك الحين، فعلى الأغلب سيكون قد اتخذ قرار بالتوجه إلى انتخابات مبكرة.

 ثلاثة عوامل مركزية تخدم نتنياهو

 وكان هذا اللغم الأول الذي تم تفكيكه من أمام الحكومة. وفي المقابل، لعبت ثلاثة عوامل في التأثير على المشهد السياسي. الأول هو تراجع حاد جدا في التغطية الإعلامية والانشغال العام في قضايا فساد نتنياهو وزوجته سارة، مقارنة مع ما كان حينما أعلنت الشرطة في شهر شباط الماضي، توصياتها بتقديم نتنياهو للمحاكمة في ملفين، فيما يتواصل التحقيق في ملفين آخرين. وكما يبدو فإن التوقعات بمرور أشهر عديدة حتى يقرر المستشار القانوني للحكومة في مصير الملفين، تتحقق بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على توصيات الشرطة.

والعامل الثاني، كانت مراسم نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتزايد دعم البيت الأبيض لكل سياسات حكومة نتنياهو، في ما يتعلق بالاحتلال، والسياسات الإقليمية. وفي النقطة الأخيرة، ظهر نتنياهو كـ "الرجل القوي" على الساحة الدولية، خاصة من زاوية الملف السوري، وتزايد التنسيق مع روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين. ويضاف إلى هذا التقارير الإسرائيلية التي ظهرت تباعا، حتى في وسائل إعلام إسرائيلية لا تُعد "ودودة" لشخص نتنياهو، حول اختراقه للاتحاد الأوروبي، الذي ضعف أيضا صوته أمام جرائم وممارسات الاحتلال، إذ وجد نتنياهو مرتكزا لعدد من دول أوروبا الفقيرة في الاتحاد الأوروبي، لتفرض "حق الفيتو" على بيانات ضد السياسات الإسرائيلية، كما فعلت هنغاريا ضد بيان يعترض على نقل السفارة إلى القدس.

وإلى جانب كل هذا، فإن الاقتصاد الإسرائيلي يطلق مؤشرات ثبات، بعيدا عن الأزمات، مع معدلات نمو اقتصادي هي الأعلى من بين الدول المتطورة، في حدود 8ر3%، وعمليا غياب البطالة، التي تبلغ نسبتها حاليا حوالي 9ر3%، وهي عمليا ليست بطالة لأنها في غالبيتها الساحقة، هي لأشخاص يتنقلون بين أماكن عمل.

وواضح أن هذه نسب تستتر من خلفها نواقص كبيرة، مثل أن النمو الاقتصادي لا يصل بالقدر الكافي إلى الشرائح الفقيرة، أو حتى المتوسطة الدنيا، في حين أن نسبة البطالة الضعيفة يستتر فيها اضطرار العاملين للتوجه إلى وظائف جزئية، أو العمل بأجور متدنية، كما أن نسب البطالة تتعامل فقط مع من انخرطوا ذات يوم في سوق البطالة، ولا تأخذ بعين الاعتبار المحرومين من فرص العمل، مثل النساء العربيات (65%) وامتناع حوالي 49% من رجال الحريديم عن الانخراط في العمل.

لكن الغالبية الساحقة جدا من الفقراء والعاطلين والمُعطّلين عن العمل، هم من المواطنين العرب والحريديم، فكلا الجمهورين يشكلان قرابة 31% من السكان (18% عرب وحوالي 13% حريديم)، ولكنهم في ذات الوقت يشكلون 60% من العاطلين عن العمل، ولا أقل من 75% من الفقراء، ما يعني أن الجمهور اليهودي، من العلمانيين والمحافظين، وحتى المتدينين الصهاينة، يعيشون بمستويات اقتصادية اجتماعية تنافس الدول الأوروبية المتطورة، وهؤلاء هم القوة الانتخابية الأكبر والمقررة في كل واحدة من الانتخابات الإسرائيلية.

وكل هذه مجموعة عوامل، منها الكبيرة وأخرى تفصيلية صغيرة، ساندت في رسم صورة "القائد العنيد" لنتنياهو في الشارع الإسرائيلي. وهذا تعزز بشكل خاص أمام ضعف المعارضة، وغياب المنافس ذي الوزن في الساحة الإسرائيلية. وهذا ساعد في أن يفرض نتنياهو إملاءاته على الائتلاف الحاكم، وإضعاف وزن كتل الائتلاف، وردعها عن أي تهديد بحل الائتلاف.

وهذا ما رأيناه كما ذكر لدى كتلتي الحريديم، ولكن أيضا بقدر لا أقل لدى تحالف "البيت اليهودي"، الذي كما يبدو دخل في حالة ارتباك، وهو يقرأ نتائج استطلاعات الرأي التي تظهر تباعا، وباتت تبقيه عند قوته الحالية من ثمانية مقاعد، ولربما أقل بمقعد، بعد أن كانت استطلاعات العامين الماضيين تشير إلى زيادة قوته إلى ما بين 12 وحتى 14 مقعدا.

وقد ساعد نتنياهو في محاصرة قوة تحالف المستوطنين السياسات اليمينية المتطرفة التي يقودها، تعبيرا عن قناعاته، وبشكل خاص في قيادته للتشريعات العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، وكان أبرزها في الدورة الصيفية المنتهية، "قانون القومية"، الذي كسر فيه نتنياهو كل الرهانات التي قالت إن القانون لن يمر في الولاية البرلمانية الحالية، وقد مرّ بصيغة يمينية عنصرية استعلائية اقصائية، وأيضا دينية.

وقبل ذلك بأسبوع، تم سن القانون الذي سعى له اليمين الاستيطاني، وهو منع الفلسطينيين في الضفة المحتلة من التوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية مباشرة، في الغالبية الساحقة من القضايا، وإنما يتم التوجه أولا إلى المحكمة المركزية في القدس المحتلة بالذات، حيث تركيبة هيئة القضاة بغالبيتها من اليمين واليمين الاستيطاني، وفي هذا القانون أيضا ضم زاحف للضفة. وطبعا كل هذا إلى جانب استمرار مشاريع الاستيطان بأوسع أبوابها، وهذا أكسبه أوراقا سياسيا لدى المستوطنين، وحتى في عقر معاقل التيار الديني الصهيوني، القاعدة الأساس لتحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي".

الاستطلاعات

 الوضع الحالي في الكنيست هو أن الائتلاف يرتكز على 66 مقعدا، مقابل 54 مقعدا لكتل المعارضة، بضمنهم المنشقة عن حزب "يسرائيل بيتينو" أورلي ليفي أبكسيس. وإذ اطلعنا على الاستطلاعات بالمعدل، فإن مجموع ما ستحصل عليه المعارضة الحالية هو 51 أو 52 مقعدا، بينما الائتلاف الحاكم حاليا ما بين 63 إلى 64 مقعدا، والقائمة التي ستشكلها أورلي ليفي تحصل بالمعدل على ما بين 4 إلى 5 مقاعد. وفي حال عبرت بالفعل ليفي نسبة الحسم التي تضمن كحد أدنى 4 مقاعد برلمانية، فمما لا شك فيه أنها ستكون ضمن مركّبات حكومة اليمين، برئاسة نتنياهو.

لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالائتلاف سيشهد تنقلات في المقاعد لصالح حزب الليكود بزعامة نتنياهو، الذي بدأت استطلاعات الرأي تتوقع له ما بين 30 إلى 33 مقعدا، في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة، وهذه الزيادة تأتي على حساب الشركاء في الائتلاف، إذ نرى أن تحالف أحزاب المستوطنين، وكما ذكر، قد يحصل على 7 إلى 8 مقاعد، وتقريبا بما يطابق قوته الحالية، فيما سيهبط حزب "كولانو" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون من 10 مقاعد اليوم إلى 6 مقاعد. وكما يبدو سيحافظ أفيغدور ليبرمان على مقاعد حزبه الـ 6 مع احتمال خسارة مقعد، كما أن حزب شاس سيخسر مقعدين من المقاعد الـ 7 التي له حاليا.

وفي حال كهذه، فإن نتنياهو سيضطر لإشراك عدد أكبر من الأحزاب كي يضمن الأغلبية البرلمانية لحكومته بعد الانتخابات، وهذه عادة نقطة ضعف لكل حكومة، لأن كل حزب صغير سيكون له وزن أكبر من حجمه ليقرر بمصير حكومته، لكن في هذه الحالة فإن كل الأحزاب ستكون أحزابا خائفة على مستقبلها، بعد أن تكون قد تلقت ضربات مفترضة في الانتخابات، التي من الصعب حسمها منذ الآن، لكن المشهد الحاصل في الاستطلاعات جعل الأحزاب الحليفة لها تعيد حساباتها.

والوضع في المعارضة أشد سوءا، والقوة الثابتة فيها هي لتحالف "القائمة المشتركة"، التي تتوقع لها استطلاعات الرأي 12 مقعدا، مقابل 13 مقعدا اليوم، وهذا الثبات في استطلاعات الرأي يوحي باحتمال تحقيق نتيجة أكبر. في المقابل، فإن حزب "يش عتيد" بزعامة مؤسسه يائير لبيد هبط في استطلاعات الرأي من 22 وحتى 24 مقعدا في استطلاعات سابقة، إلى 18 مقعدا في استطلاعات الشهرين الأخيرين، بينما قوته الحالية هي 11 مقعدا. في حين أن تحالف "المعسكر الصهيوني" يحصل في حدود 14 مقعدا، بدلا من 24 اليوم. وبدأت استطلاعات تفحص سيناريو أن يتولى قيادة التحالف، رئيس الأركان السابق بيني غانتس، وتوقعت الاستطلاعات أن يحافظ "المعسكر" على قوته الحالية- 24 مقعدا، فيما لو تولى الرئاسة الجنرال غانتس. كما أن حزب ميرتس من المتوقع أن يرتفع بقوته مقعدا أو مقعدين، زيادة على مقاعده الخمسة اليوم.

 حسابات نتنياهو والمفاجأة

 من المفارقة أن الحكومات أو رؤساءها يتخذون قرار حل الحكومة، خلال دورة برلمانية، لكن في الظروف الناشئة، فإن حسابات نتنياهو الشخصية قد تدفعه لاتخاذ قرار كهذا، بالذات في العطلة التي ستستمر ثلاثة أشهر. وعلى الرغم من أن نتنياهو يعلن باستمرار أنه معني بأن تكون الانتخابات في أقرب وقت من موعد الانتخابات الذي ينص عليه القانون، بمعنى تشرين الثاني 2019، إلا أن حساباته قد تنقلب بسرعة، بما يخدم شخصه أولا ومن ثم حزبه.

وحتى الآن يرى نتنياهو أن انتخابات في هذه المرحلة ستكون جيدة له في المحصلة الأخيرة، لكن بعد ثلاثة أشهر من الآن ستجري الانتخابات للمجالس البلدية والقروية (السلطات المحلية)، ولذا لا يمكن اشغال الجهاز السياسي، ولا لجنة الانتخابات المركزية، بحملتي انتخابات. وبناء على ذلك فإنه حتى لو أراد نتنياهو انتخابات مبكرة، وقرر بشأنها في هذه الأيام، فهي لن تكون قبل أواخر شهر شباط المقبل.

لكن نتنياهو يتخوف من اتخاذ قرار اجراء انتخابات بعد عدة أشهر، خلالها قد تتفجر بشكل أكبر قضايا الفساد، وتطغى الأنباء عنها عما حققه من إنجازات سياسية، على مستوى سياسات اليمين، وأن يظهر ضعيفا، ما يؤدي إلى تراجع قوته لحساب أحزاب الائتلاف، وفي سيناريو كهذا فإن تحالف المستوطنين "البيت اليهودي" هو من سيكون معنيا أكثر بانتخابات مبكرة كي يقوى على حساب الليكود.

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات