المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

شنت وزيرة العدل، أييلت شاكيد، هجوما حادا على رئيس المحكمة العليا الأسبق، أهارون باراك، على خلفية ما أدلى به خلال المقابلة مع ملحق "يديعوت أحرونوت"، واتهمته بـ"تقسيم العالم إلى فئتين: الفئة التي تتفق معك ومع آرائك والفئة التي لا تفهم ـ ليس أنها لا تفهك أنت، وإنما لا تفهم إطلاقا، بكل بساطة"!!

وكتبت شاكيد، في مدونة خاصة نشرتها على صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" (3/2/2018)، أنها، منذ توليها منصب وزيرة العدل قبل نحو ثلاث سنوات، تعمل كل ما في وسعها "لإصلاح السكة التي انحرفت وتشوهت جراء الثورة الدستورية التي أحدثتها أنت قبل ربع قرن"! لأنّ "الديمقراطية الإسرائيلية لا تزال تلعق الجراح التي تسببت بها ثورتك الدستورية هذه"!

 

وسخرت شاكيد من ادعاء باراك بأنه "لا أهمية للميول والمعتقدات الشخصية، المحافظة أو الليبرالية، في تعيين القضاة" وبأن "لا فرق بين الفاعلية القضائية والمحافظة القضائية" في هذا السياق، وقالت: "نعم، ربما كان الأمر كذلك حقا، لأن الجميع في "العائلة" ("عائلة القضاة") يفكرون بالطريقة نفسها. أما من يختلف عنا، فلا نتزاوج معه"! وأضافت، ساخرة: "سنواتك الطويلة كرئيس للمحكمة العليا تثبت أن تعييناتك كانت، كلها، متنوعة وخالية من أي اعتبار لأهمية الأجندات التي يحملها مرشحوك لكرسي القضاء"!

واتهمت شاكيد باراك بأنه "كان شريكا مركزيا في إرساء المنظومة القضائية الإشكالية التي قامت، بصورة منهجية ومثابرة، على معادلة بسيطة مؤداها: المحافظة القضائية تعني التخلي عن حقوق الإنسان"!

ودافعت شاكيد عن نفسها إزاء اتهام باراك لها بأنها "لا تفهم معنى الديمقراطية الحقيقي وأن الديمقراطية بدون الحقوق ليست ديمقراطية"، مذكّرة بأنها "قالت، مرارا عديدة، إن حقوق الإنسان مقدسة في نظرها"، لكنها "تصر على احترام كامل الحقوق، في موازاة الإصرار المثابر على أهمية مبدأ حكم الأغلبية" وعلى "عدم الاستعداد للتضحية بمبدأ حكم الأغلبية على مذبح حقوق الإنسان"!!

كما اتهمت شاكيد باراك بأنه "أقام تماثيل دستورية ضخمة" على قاعدة أن "قوانين الأساس تتفوق على قوانين الكنيست، لكن شريطة أن لا تشمل (قوانين الأساس) قانون أساس: التشريع وقانون أساس: الدولة القومية"، وهما القانونان الأبرز اللذان تحاول شاكيد وأوساط اليمين عامة، من خلالهما وبواسطتهما، إعادة العجلة إلى الوراء وخاصة بتغليب يهودية الدولة على ديمقراطيتها وبسحب صلاحية المحكمة العليا في إلغاء قوانين يسنها الكنيست بدعوى عدم دستوريتها لتناقضها مع قوانين أساس، وخاصة قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته، الذي تعتقد شاكيد بأنه "سُن بأصوات رُبع عدد أعضاء الكنيست فقط، من دون أن يكون قصدهم الوصول إلى التفسير القضائي العميق والبعيد الأثر الذي فرضتَه أنت عليهم، بعد سنتين من سن القانون"!

وخلصت شاكيد إلى اتهام باراك بإرساء "طغمة الأقلية" من خلال "التفسيرات القضائية الواسعة جدا التي وضعتَها"، بينما "أتمسك أنا بمبدأ فصل السلطات وبالديمقراطية الحقيقية التي تعني حكم الأغلبية، بجانب حقوق الإنسان"!

إلياكيم روبنشطاين: "الديمقراطية الإسرائيلية منيعة!"

في مقابلة أجريت معه نشرتها صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية (8/2/2018)، بعد أيام قليلة من نشر المقابلة مع باراك، في ما يبدو أنه ليس صدفة على الإطلاق، اختار نائب رئيس المحكمة العليا سابقا، القاضي (المتقاعد) إلياكيم روبنشطاين، التحفظ على ما قاله باراك عن الخطر المحدق بالديمقراطية الإسرائيلية مؤكدا أنها "ليست في خطر"! وقال: "الديمقراطية الإسرائيلية منيعة. فمنذ سبعين سنة، نصون نظاما ديمقراطيا يضمن حرية الانتخابات، حرية الصحافة، حرية التعبير، حتى في ظل تهديدات ومخاطر أمنية عديدة"!

لكنّ روبنشطاين لم يستطع الدفاع عن "الديمقراطية الإسرائيلية" في الجوانب التي تطرق إليها أهارون باراك تحديدا، فاضطر إلى الإشارة إلى أنه "برغم ذلك، ثمة ظواهر لا يمكن عدم الشعور بالقلق إزاءها"! ومن بين هذه "الظواهر"، أشار روبنشطاين إلى "فائض التشريعات"!، إذ "يعرف أعضاء الكنيست والوزراء تماما أن عددا من القوانين الجديدة لا حاجة لها، على الإطلاق"!

وقال: "لا حاجة إلى هذا الفائض من التشريعات. طبّقوا القوانين المتوفرة أولا ولا تضيفوا قوانين جديدة"! منوها، بشكل خاص، إلى "قانون الإعدام" الذي تسعى كتل اليمين الإسرائيلي إلى تشريعه وتساءل: "من الذي سيطبق هذا القانون؟ ماذا لم نفعل حتى اليوم كي نكون في حاجة إلى مثل هذا القانون؟"!!

ورفض روبنشطاين، الذي أشغل في السابق مناصب رسمية رفيعة من بينها منصب سكرتير الحكومة (في حكومات إسحاق شمير، ثم في حكومة إسحاق رابين، من 1986 حتى 1994)، ثم منصب مستشار قانوني للحكومة (في حكومات بنيامين نتنياهو وإيهود باراك وأريئيل شارون، من 1997 حتى 2003) وشارك خلال ذلك في مفاوضات سياسية عديدة بين إسرائيل وكل من مصر، الأردن، لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية ـ رفض "القول بأن دولة إسرائيل دولة فاسدة، لكن ثمة فيها فساد"! وقال: "الأمر الجيد هنا هو سيادة سلطة القانون: الكشف عن الفساد، محاكمة المتورطين فيها وتجريم بعضهم... فالدولة لم تتردد عن الزج بمسؤولين كبار في السجن"!

وعن الهجوم المتواصل على المحكمة الإسرائيلية العليا، من جانب أواسط وأحزاب اليمين، اكتفى روبنشطاين بالقول إن "لا صراع بين المحكمة العليا والأغلبية البرلمانية"، لكن "ثمة رغبة في إضعاف المحكمة العليا من جانب أوساط سياسية لا تدرك حقيقة أن المحكمة العليا هي ذخر استراتيجي لدولة إسرائيل".
وعبر روبنشطاين عن رأيه بأن "المحكمة العليا تمتلك صلاحية إلغاء قوانين، على أساس "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته"، مثلا".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات