المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

توقعت مصادر إعلامية إسرائيلية أن تعلن الشرطة هذا الأسبوع عن توصياتها في واحد من ملفي الفساد اللذين يخضع نتنياهو للتحقيق فيهما، وهو تحت الشبهة. وهناك من توقع أن تكون التوصيات في الملفين معا. وأيا تكن التوصيات، فهي ستنتقل مباشرة الى المستشار القانوني للحكومة، بصفته المدعي العام الأعلى، وصاحب القرار بشأن لوائح الاتهام ضد منتخبي الجمهور. وكثيرا ما انقلبت عند المستشار قرارات وتوصيات كهذه، ما يعني أن توصيات الشرطة ليست نهائية.

 

وقد ظهرت في الأيام الأخيرة سلسلة من المؤشرات، وغيرها من التساؤلات والتحذيرات، التي من شأنها أن تجعل فرضية خروج بنيامين نتنياهو من ملفات الفساد التي يجري التحقيق بها بلا شيء، فرضية قائمة. كما أن الصخب الإعلامي القائم لا يعبّر بالضرورة عن "استقلالية صحافة"، ومن جهة أخرى فإن لصالح نتنياهو سابقتين بارزتين، تتعلقان بسلفه إيهود أولمرت، والوزير في حكومته أفيغدور ليبرمان. وبطبيعة الحال فإن فرضية سقوط نتنياهو عن المسرح السياسي ولو بعد حين بسبب هذه الملفات، تبقى قائمة أيضا.

ومنذ تفجر قضايا الفساد في نهاية العام 2016، يُكثر نتنياهو من ترديد عبارته الشهيرة: "لن يكون شيء، لأنه لا يوجد شيء". ويقصد بذلك أنه لن يتم تقديم لوائح اتهام ضده، لأنه لا توجد قاعدة لها، بحسب ما يقول. ولكن في ذات الوقت، ظهر نتنياهو على مر العام الماضي، وأيضا في الأيام الأخيرة، بعصبية بارزة في خطاباته التي تتطرق لقضية التحقيقات معه، وهو ما فسّره البعض بأن هناك ما بات يقلق نتنياهو، وليس ظاهرا للجمهور.

وحتى الآن يواجه نتنياهو ثلاثة ملفات كهذه، أولها مسألة اتصالاته بصاحب السيطرة على صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أرنون موزس، إذ تم تسجيل وتوثيق محادثات بينهما تفاوضا خلالها على أن يدفع نتنياهو قدماً بسن قانون يقوّض انتشار صحيفة "يسرائيل هيوم" المجانية، المجنّدة كليا لتسويق نتنياهو، مقابل أن تحسّن "يديعوت أحرونوت" من لهجتها وشكل تغطيتها لنتنياهو، وهذه القضية معروفة باسم "الملف 2000".

والقضية الثانية هي حصول نتنياهو وزوجته على هدايا بمئات آلاف الدولارات على مر السنين، من الثري أرنون ميلتشين، على شكل زجاجات شمبانيا فاخرة بكميات كبيرة لسارة نتنياهو، وسيجار كوبي لنتنياهو، وغيرها من الهدايا. وهذه القضية معروفة باسم "الملف 1000".

والقضية الثالثة، التي أعلن عن قرار بإجراء التحقيق مع نتنياهو بشأنها، هي قضية صفقة شراء الغواصات الألمانية، التي ظهرت فيها قضية رشاوى متشعبة لأشخاص هم في الحلقة الأضيق لنتنياهو. وهذه القضية معروفة باسم "الملف 3000".

وفي ما يلي نستعرض المؤشرات والتساؤلات التي تحوم حول كل واحدة من هذه القضايا، وقد تساهم في فرضية خروج نتنياهو "بلا شيء" من هذه الملفات.

الملف 3000

هذه القضية، هي صفقة شراء ثلاث غواصات عسكرية من ألمانيا، كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن عدم حاجته لها، إلا أن نتنياهو أصر قبل أكثر من عامين على شرائها، ليتضح لاحقا أن وكلاء الشركة الألمانية هم من المقربين لنتنياهو، وأبرزهم محامي نتنياهو الشخصي وابن خاله دافيد شيمرون.

وأعلن في الأيام الأخيرة عن قرار باجراء تحقيق مع نتنياهو في قضية الغواصات. لكن في اليوم التالي لإعلان الشرطة عزمها اجراء تحقيق، صدر بيان عن وزارة العدل، بمعنى النيابة، تقول فيه إن النيابة هي من طلبت التحقيق مع نتنياهو وليس الشرطة. ولربما أن في هذا رسالة مفادها أن تحقيقات الشرطة المتشعبة لن تتوصل إلى خيوط تربط نتنياهو بالقضية، على الرغم من أن التحقيقات شملت، كما ذكر، أقرب المقربين لنتنياهو على مر السنين، وأولهم محاميه الخاص، وهو ابن خاله، وموظفون كبار عملوا في مكتب نتنياهو. كما أنه في الأسابيع القليلة الماضية ظهر اسم المبعوث الخاص لنتنياهو، إسحاق مولخو، كأحد الأشخاص الذين يتم التحقيق معهم.

والعقل السليم من الصعب عليه أن يستبعد وجود علاقة لنتنياهو بهذه القضية، خاصة على ضوء إلحاحه لإتمام الصفقة، وتصادمه مع وزير الدفاع في حينه موشيه يعلون بشأن الصفقة. غير أنه من جملة "التسريبات الصحافية"، قيل إن الشرطة لم تجد بعد ما يرتبط بشخص نتنياهو. ولاحقا قيل إن الشرطة تعد قاعدة أدلة لتحقق بشأنها مع نتنياهو.

ويقول الصحافي والمحلل السياسي دان مرغليت في مقال له في صحيفة "هآرتس"، "إن الكثيرين شككوا برواية المحامي دافيد شيمرون، الذي يقول إن نتنياهو لا يعرف أنه وشريكه ونسيبه، إسحاق مولخو، كانا يعملان في خدمة شركة أحواض بناء السفن الألمانية في إسرائيل. لكن "الشك" ليس حقيقة صلبة، ويعتقد المستشار القانوني، أفيحاي مندلبليت، أنه بعد أن رفض شيمرون أن يكون "شاهد ملك" ضد نتنياهو، تم تجميد الوضع، ولا يتم الاشتباه برئيس الوزراء على الإطلاق، ولا ينبغي التحقيق معه في الملف 3000".

ويضيف مرغليت "حتى أولئك الذين يقبلون رأي مندلبليت، الذي يمنح نتنياهو الافتراض الشامل بالبراءة، لا يفهمون كيف يمكن إعفاء رئيس الوزراء من الإدلاء بإفادته الحيوية. يدرك المستشار القانوني أنه حتى وفقا لنهجه الذي يحمي نتنياهو، عليه أن يفعل ذلك. وإذا لم يفعل، فإن المحامي إلعاد شراغا، رئيس حركة جودة الحكم، سيستأنف إلى المحكمة العليا ويجبره على جباية الإفادة".

الملف 2000

القضية المعروفة باسم "الملف 2000"، كما ذكر، تتعلق بمحادثات نتنياهو مع صاحب السيطرة على صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أرنون موزس، كي يدفع نتنياهو قدماً بسن قانون يقوّض انتشار صحيفة "يسرائيل هيوم" المجانية، مقابل أن تحسّن "يديعوت أحرونوت" شكل تغطيتها لنتنياهو. ومنذ أن ظهرت هذه القضية على السطح، أثيرت سلسلة من الأسئلة حول جدية ما كان. وساعد على هذا أنه بعد مرور وقت طويل على تلك المحادثات، لم يجر أي شيء، على صعيد تقييد انتشار "يسرائيل هيوم".

والسؤال الأكبر المطروح: كيف من الممكن أن يفكر نتنياهو بضرب صحيفة مجنّدة كليا لشخصه، منذ اللحظة التي ظهرت فيها، كصحيفة يومية صغيرة توزع في شبكة القطارات، ومن ثم في منطقة تل أبيب. ومنذ أن كان نتنياهو في صفوف المعارضة في العام 2007، ورافقته مع وصوله مجددا إلى رئاسة الحكومة وحتى اليوم، وهي تعد حاليا الأوسع انتشارا في البلاد بسبب مجانيتها.

وثانيا، أنه منذ أن تفجرت القضية، قبل أكثر من 14 شهرا، لم تغير الصحيفة من لهجتها تجاه نتنياهو، لا بل واصلت تقييد الكتّاب والصحافيين، بموجب موقفهم من نتنياهو. فمثلا، قبل بضعة أشهر أوقفت المقال الدائم للصحافي والمحلل دان مرغليت السابق ذكره، لأنه أكثر في الآونة الأخيرة من في انتقاد نتنياهو في مقالاته.

وقبل نحو أسبوعين، خضع للتحقيق في هذه القضية، عضو الكنيست البارز في حزب "العمل"، إيتان كابل، صاحب مشروع القانون الذي أقره الكنيست بالقراءة التمهيدية في شهر تشرين الأول 2014، وكان يهدف إلى تقييد انتشار الصحف اليومية المجانية، والقصد "يسرائيل هيوم". وفي حينه نجح كابل في اختراق الائتلاف. ولاحقا بادر نتنياهو إلى حل الحكومة، لمنع الدفع بهذا القانون في مسار التشريع أكثر، وفق ما اعترف به في بحر العام الماضي 2017. وحسب ما نشر، فإن التحقيق مع كابل كان تحت التحذير بتوجيه تهمة له. وفي خلفية هذ، شبهة أن كابل تلقى من "يديعوت أحرونوت"، "تغطية ودودة"، مقابل طرح هذا القانون. ويقول الصحافي ناتي طوكر، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إن هذه شبهة من الصعب إثباتها أمام المحكمة. إلا أن طوكر حذر من استخدام كابل من أجل التغطية على جانب نتنياهو الأساس في هذه القضية.

ويقول طوكر "إن الملف 2000 كشف عن عصب حساس جدا، يحرك أخطبوط علاقات رأس الحكم بالحكم والإعلام. ونهج أرنون موزس في العقدين الأخيرين تكشف أكثر على الملأ. فهو والمحررون الذين عينهم على مر السنين، عملوا بشكل فاسد، من أجل مساعدة الأصدقاء، والمقربين، والزملاء والشركاء في الصفقات. وإذا الملف 2000 اختفى من الوجود، بالشكل الذي ظهر فيه، فإن هذا سيكون بمثابة شهادة لضمان استمرار الفساد الرسمي الأخطر في إسرائيل".

ولعل أحد مؤشرات التشكيك باحتمال أن يواجه نتنياهو لائحة اتهام في هذه القضية، وجدناها في صحيفة "ذي ماركر" التابعة لصحيفة "هآرتس" يوم الأحد الأخير 10 شباط الجاري، إذ تصدّر الصفحة الأولى من الصحيفة، عنوان بارز يقول: "لا أحد يتحدث عن الملف 2000، ولكن قبره سيكون خطرا حقيقيا على الديمقراطية". وقد خصصت الصحيفة في ذات العدد عدة صفحات لانتقاد أداء "يديعوت أحرونوت"، وفرضيات حول ما الذي كانت ستجنيه من أرباح لو تمت الصفقة مع نتنياهو، ما يعني أن الصحيفة باتت تطرح أسئلة حول هذا الملف، في حين أن المحكمة لا تتعامل مع فرضيات واحتمالات، وإنما مع أدلة قاطعة.

الملف 1000

هذه القضية هي الشغل الشاغل أكثر من غيرها للإعلام الإسرائيلي، وهي كما ذكر تتعلق بحصول نتنياهو وزوجته على هدايا بمئات آلاف الدولارات على مر السنين، من الثري أرنون ميلتشين، على شكل زجاجات شمبانيا فاخرة بكميات كبيرة لسارة نتنياهو، وسيجار كوبي لنتنياهو، وغيرها من الهدايا.

وحتى الآن، فإن المقابل الوحيد الذي سعى له نتنياهو، هو مساعدة ميلتشين للحصول على تأشيرة لسنوات إلى الولايات المتحدة الأميركية. وحسب تقارير فإن ميلتشين الذي له استثمارات في الولايات المتحدة وخاصة في قطاع السينما في هوليوود، ارتبط اسمه بنشاط لجهاز الموساد على الأراضي الأميركية، ولذا لم يحصل على تأشيرة دخول، وبعد ضغوط كثيرة حصل على تأشيرة سنوية، إلا أن ميلتشين يطالب بتأشيرة لمدة عشر سنوات. وهذا يعني أنه حتى الآن لم تظهر شبكة فساد اقتصادي بين نتنياهو وميلتشين، وإنما علاقات لها ارتباط بفساد الحكم، ولكن لم تسبب ضررا اقتصاديا، بموجب المقاييس والتعريفات القائمة.

في هذه القضية العينية، نستذكر قضية أقلام الحبر الفاخرة، التي تلقاها رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت كهدايا على مر السنين، من الكثير من أصدقائه، الذين منهم مستثمرون كبار طلبوا منه تدخله في شؤون اقتصادية تخصهم، بما في ذلك تدخل أولمرت لصالح هؤلاء لدى مؤسسات حكم ووزارات.

وعلى الرغم من أن الحديث عن مجموع أقلام يقدر ثمنها الكلي بنحو مليون دولار، إلا أن المستشار القانوني للحكومة مناحيم مزوز، وهو اليوم قاض في المحكمة العليا، قرر إغلاق الملف، والاكتفاء بتوجيه ملاحظة لأولمرت، لكونه ساعد صديق له لدى ما يسمى "دائرة أراضي إسرائيل"، وفي المقابل حصل أولمرت منه على قلم حبر سائل فاخر.

وإذا ما تبين حقا أن كل ما قدمه نتنياهو لميلتشين هو فقط مساعدة من أجل الحصول على تأشيرة للولايات المتحدة الأميركية، فإن قضية أولمرت تلك ستكون حاضرة، لدى حسم القرار بشأن تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو في هذه القضية.

ما بين والشرطة ووسائل الإعلام

كما تبين في مطلع الشهر الماضي كانون الثاني، فإن الشرطة أعلنت أن توصياتها بشأن ملفي 1000 و2000 ستستغرق وقتا أطول، حتى يتم تقديمها للنيابة العامة، وبالذات للمستشار القانوني للحكومة، الذي بيده صلاحيات بشأن تقديم لوائح الاتهام ضد منتخبي الجمهور. وهذا بحد ذاته يمنح نتنياهو وقتا أطول بعيدا عن الضغوط المباشرة.

في المقابل، فإن حملة الاحتجاجات الشعبية، التي انطلقت في مطلع الشهر الأخير من العام الماضي، بمظاهرات ضمت عشرات الآلاف في مساء كل يوم سبت، ضعفت كثيرا في الآونة الأخيرة، وهبطت من العناوين الرئيسية للصفحات الأولى للصحف، إلى أخبار جانبية صغيرة في الصفحات الداخلية.

ويبقى الجانب الإعلامي والصخب الإعلامي الذي لا حدود له أساسا في الإعلام التجاري، لكن الضجة فيه تنعكس بالضرورة على الإعلام الرسمي، وتدخل جميع وسائل الإعلام في منافسة لا حدود لها. لكن في هذا المجال يجب الإشارة إلى أنه لا يوجد إعلام مستقل، فالكثير من الصحافيين، ممن تضرروا من سياسات نتنياهو، أو من صدور واتساع انتشار صحيفة "يسرائيل هيوم"، لديهم حسابات عسيرة شخصية ومهنية مع شخص نتنياهو، وهذا يلعب دورا في شكل التغطية.

وعلى سبيل التوضيح، فإنه على مر العام الماضي 2017، ظهرت سلسلة من التقارير الصحافية، في وسائل إعلام مختلفة، تدعي اقتراب موعد تقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو، وهذا كان في أساس التقارير التي تحدثت كثيرا عن قرب الانتخابات المبكرة، التي عمليا زالت على جدول الأعمال الإعلامي والسياسي في الأسابيع الأخيرة، بعد أن اتضح أكثر تماسك الائتلاف الحكم، الذي بادر إلى اقرار أساس الموازنة العامة للعام المقبل 2019، ويعتزم تمرير الميزانية بالقراءة الأولى في الكنيست، حتى أواخر شهر آذار المقبل. وهذا ما يزيد أكثر من عمر الحكومة، التي إن لم تظهر عوامل أخرى، ليست ظاهرة للعيان حاليا، تقضي بحل الحكومة، فإنها باقية حتى منتصف العام المقبل 2019، أو حتى لخريف ذلك العام، بموجب الموعد القانوني للانتخابات البرلمانية.

يشار هنا إلى أنه إذا ما صدقت آخر التقارير، وأوصت الشرطة بتقديم لائحة اتهام أو أكثر ضد نتنياهو في نهاية آذار أو في شهر نيسان، فإن هذا سيخلق ضغطا شعبيا على نتنياهو، ولكنه لن يكون نهاية المطاف بشأن تقديم لائحة اتهام ضده، لأن القرار النهائي بيد المستشار القانوني للحكومة، الذي سيطلب وقتا ليس محدودا حتى يبت بالأمر.

وقلنا في البداية إن لصالح نتنياهو سابقتين، الأولى تتعلق بأولمرت، السابق ذكرها، والثانية هي ملف قضايا الفساد ضد من هو اليوم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، الذي واجه على مدى سنوات طوال تحقيقات بشبهات فساد تتعلق بملايين الدولارات، لتنتهي كل هذه القضايا بقضية إدارية هامشية، فرضت عليه المحكمة بسببها غرامة هزيلة، ليواصل حياته السياسية دون أي عائق.

وهذا يعني أنه من السابق لأوانه الحكم على مصير قضايا نتنياهو من خلال الصخب الإعلامي، في الوقت نفسه هذا لا يعني أن نتنياهو قد يكون واقعا تحت ظلم ما، وإنما أن ماكنة ملاحقة الفساد وأجهزة نزاهة الحكم معروف عنها أنها تعاني من عطب كبير جدا في إسرائيل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات