المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ينشغل محللون إسرائيليون هذه الأيام في عرض الأسباب التي تجعل حكومة بنيامين نتنياهو تعمّر طويلا، على الرغم من كل قضايا الفساد التي تلاحق رئيسها بنيامين نتنياهو وعددا من الوزراء والنواب.

ويحذر محللون من أن هذه الحكومة قائمة جرّاء إبرام صفقات حزبية، لا تعبر بالضرورة عن رأي جمهور الناخبين، وإنما عن مجموعات أقلية، تركض لمصالحها الضيفة، وهذا ما يؤدي إلى سن قوانين لا يحبها الجمهور، ومن بينها قانون السبت اليهودي.

 

وتشير استطلاعات الأسبوعين الأخيرين إلى تراجع القوة الإجمالية للكتل الست التي تشكل الائتلاف الحاكم حاليا، إذ ستهبط قوته الانتخابية من 67 مقعدا حققها في انتخابات 2015، إلى ما بين 63 وحتى 61 مقعدا في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة. إلا أنه كما يبدو فإن هذه الانتخابات لن تكون قريبة، وهذا ما يظهر من عاملين بارزين في الأيام الأخيرة.

وأول هذين العاملين قول مصادر في وحدة التحقيقات في الشرطة الإسرائيلية إن انهاء التحقيقات في ملفي شبهات فساد ضد نتنياهو، لن يكون قبل الربيع المقبل، وهذا تأجيل مصيري بالنسبة لنتنياهو، خاصة وأن توصيات الشرطة بتقديمه إلى المحاكمة لن تكون القول الفصل، بل قرار النيابة العامة والمستشار القانوني للحكومة، اللذين سيفحصان الملف لأشهر طويلة دون سقف زمني محدد، وهذا ما يطيل أكثر في عمر نتنياهو السياسي وحكومته.

وثانيا، وهذا أهم، هو أن الحكومة صادقت، في الأسبوع قبل الماضي، وبالإجماع على الاطار العام وشكل توزيع الموازنة العامة، للعام المقبل 2019. ولم يسبق أبدا أن سارعت حكومة سابقة لتحديد موازنة العام التالي قبل 7 أشهر من موعد الاقرار الأولي في الحكومة.

وحسب القانون الإسرائيلي المتبع منذ العام 2009، فإن الحكومة والكنيست يقران ميزانية مزدوجة لعامين، إلا أذا كان الحديث عن عام يصادف فيه الموعد القانوني للانتخابات البرلمانية، فيتم اقرار ميزانية عام واحد فقط. وحسب تقارير، فإن نتنياهو ووزير المالية موشيه كحلون، ومعهما الحكومة كلها، معنيون بإقرار الموازنة العامة بالقراءة الأولى حتى انتهاء الدورة الشتوية للكنيست، في منتصف آذار المقبل، وبالقراءة النهائية بعد ثلاثة أشهر.

وهذا الإسراع في إقرار الميزانية له تفسير سياسي واحد، هو أن نتنياهو لا يريد ضغوطا حزبية تقود إلى حل الحكومة، إذ حسب تجارب السنين، فإن الكتل البرلمانية المشاركة في الحكومة تزيد من ضغوطها كلما اقترب موعد الانتخابات القانوني. لكن كما يبدو فإن استمرار الحكومة الحالية هو مصلحة ليس فقط لنتنياهو، وإنما لكتل أخرى، وأولها حزب وزير المالية كحلون، الذي تتنبأ له استطلاعات الرأي تراجعا في قوته. كما أن تحالف المستوطنين "البيت اليهودي"، وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تتنبأ له زيادة مقاعده بنسبة 50% وأكثر، إلا أنه يرى بالحكومة الحالية مكسبا له من ناحية سياسية، نظرا إلى ما يستطيع من خلالها تحقيقه على مستوى السياسات المتطرفة والبناء في المستوطنات.

حكومة فساد

يقول المحلل الاقتصادي والسياسي البارز في صحيفة "هآرتس" نحاميا شترسلر، في مقال له "إن العام 2017، سيتم تسجيله في التاريخ الحزبي والسياسي الإسرائيلي، على أنه عام الفساد الأكبر. وخلافا للماضي، فإنه ليس واضحا ما إذا ستقود قضايا الفساد إلى سقوط الحكومة، إذ بتنا أشد سخافة، ومتشددين أكبر، ومخلصين أكبر للمعسكر السياسي الذي أتينا منه".

ويقول شترسلر إن قلق نتنياهو تعاظم بعد أن قال رئيس المحكمة العليا الأسبق، مئير شمغار، "إن على رئيس الحكومة أن يستقيل، بسبب قضية الهدايا التي تلقاها، إذ يجري الحديث عن هدايا بحجم ضخم من السيجار والشمبانيا الفاخرين، وأنا حازم برأيي"، وشمغار له مكانة كبيرة لدى أوساط اليمين الإسرائيلي.

ويتابع شترسلر كاتبا "إن صراع البقاء الذي يخوضه نتنياهو، يفسر بشكل جيد محاولات الفاسدين تمرير قوانين مشكوك بنواياها، وقوانين متعارضة مع الأسس الديمقراطية، تتضمن قوانين لخدمة أشخاص، مثل ما يُعرف بـ "القانون الفرنسي"، الذي يمنع التحقيق مع رئيس حكومة جنائيا خلال ولايته، وهو المحاولة التي فشلت، والقانون الذي يمنع الشرطة من تقديم توصياتها مع انتهاء التحقيقات مع منتخبي جمهور، وهو القانون الذي أقره الكنيست نهائيا".

ويضيف شترسلر "إنه يكفي النظر إلى المبادرين والمؤيدين لهذه القوانين، لنرى شلة مشبوهة بحد ذاتها بقضايا الفساد، مثل النائب دافيد بيطان، والوزيرين آرييه درعي وحاييم كاتس، والمشبوه السابق الوزير أفيغدور ليبرمان". ويعدد شترسلر سلسلة من مشاريع القوانين المطروحة، والقوانين التي أقرت لإظهار حالة الفساد المستفحل. ويقول "إن قضايا فساد أسقطت حكومات سابقة. فقبل 40 عاما سقطت حكومة حزب العمل. وقبل 25 عاما سقطت حكومة الليكود. أما الآن فإن الفساد أشد خطورة، ويجري الحديث عن عام (2017) فاقد للخجل، وفي ذات الوقت الشعور بعظمة القوة، إلى جانب التلون في النهج السياسي، ومحاولات لضرب أسس الديمقراطية"، وضرب أجهزة الحكم، خاصة القائمة على تطبيق القانون، مثل الشرطة وجهاز القضاء.

حكومة "تسهيلات" وصفقات

ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس"، إن هذه الحكومة تصمد بفعل الصفقات الحزبية، على الرغم من أن نتائج هذه الصفقات لا تتلاءم مع كل الأحزاب، بل هناك من يعترض، ولكنه يأخذ بعين الاعتبار مصالحه التي يسعى إليها.

ويقول بيرتس: "هل هي حكومة يمين متطرف؟ بالغتم. فهذه كما يبدو الحكومة الأكثر تساهلا، من بين جميع الحكومات التي سبقت. أفيغدور ليبرمان متساهل، نفتالي بينيت يتساهل بشكل حر، وموشيه كحلون متساهل منهجي. تبدو حكومة نتنياهو الحالية مثل لملمة لبيضات القبان، ليس واحدة ولا اثنتان، وإنما ستة أحزاب، كل واحد منها، بدوره، هو بيضة قبان. ولأنه توجد اتفاقيات ائتلاف وصفقات بين الأحزاب، فنحن نرى كيف أن قوانين اشكالية، لا تحظى بأغلبية قيمية أو بمبادئ في الحكومة، يتم تمريرها لأنها تحظى بأغلبية ميكانيكية، نابعة فقط من كونها وعدا لكتلة معينة، وحتى وإن كانت كتلة صغيرة تمثل قضية عينية".

ويتابع بيرتس "إن قانون فرض عقوبة الإعدام على المخربين، الذي بادرت له كتلة "يسرائيل بيتينو"، برئاسة وزير الدفاع ليبرمان، هو مثال جيد. فالكتلة التي لها ستة نواب، تنجح في أن تمرر بالقراءة التمهيدية قانونا إشكاليا، على الرغم من أن كل الجهاز الأمني يعارض القانون، وغالبية الحلبة السياسية تفهم الضرر الناجم من هذا القانون. ولكنهم وعدوا ليبرمان، فماذا يفعلون؟ يتساهلون. هل قلنا حكومة حل وسط؟ قلنا".

ويقول الكاتب ذاته "هناك نماذج أخرى، قانون توصيات الشرطة على سبيل المثال. فوزير التعليم بينيت، ووزيرة العدل أييليت شاكيد، وأيضا أعضاء في كتلة "كولانو" برئاسة وزير المالية موشيه كحلون، لم يحبوا قانون التوصيات. وعلى الرغم من هذا أيدوه. لماذا؟ لأن كتلة الليكود ضغطت. فبينيت وشاكيد وكحلون، ليس لديهم مصلحة لإنقاذ نتنياهو من تحقيقات الشرطة، ولكنهم يعيشون ضمن ائتلاف، وهناك دوافع، ولا مفر، فإذن يتساهلون. هل بينيت وشاكيد يتساهلان؟ حقيقة. وهذا يسري على قانون المحال التجارية، الذي أقرته الحكومة ولاحقا الكنيست، فقط لأن نتنياهو قطع وعدا لكتلة شاس، ورئيسها آرييه درعي، بأن يتم تمرير القانون، فحتى غالبية كتل الائتلاف، وعلى رأسها الليكود، يعارضون القانون. فقد كان درعي متحمسا لتمرير القانون، ولم يخجل من الضغط على النائب يهودا غليك ليأتي للتصويت في الكنيست، في أيام العزاء على موت زوجته".

ويضيف بيرتس "أيضا في قانون فرض ضريبة على من يملك ثلاثة بيوت وأكثر كانت معارضة من كل كتل الائتلاف، من الحريديم وحتى أييليت شاكيد. كما أن نتنياهو لم يحب القانون. ولكن بما أن الحكومة متساهلة، عليها أن تتساهل، لكن إلى هذا الحد من التشوه، إلى درجة أن المحكمة العليا نقضت القانون، لأنه تم اقراره في مسار تشريعي ليس سليما. لكن تم الحفاظ على المبدأ، وهو أنهم يتساهلون في مواضيع لا يحبونها، فهذه حكومة تساهل. هذا التساهل لا يعكس بالضرورة طابع السياسيين ذوي الصلة، وإنما الواقع والنهج السياسي، الذي يفرض نهجا عمليا. فإذا ما عرقل حزب حزبا آخر، فإنه سيتلقى بالمثل لاحقا، وحينها لن يتم دفع مشاريع القوانين التي يسعى لها".

ويتابع بيرتس "ستقولون إن التساهل هو أمر مطلوب في الحياة السياسية، خاصة بعد الأخذ بعين الاعتبار حالة التنوع التي فيها كل حزب يمصل قطاعا ما. وبالإمكان حتى مدح مبدأ التمثيل، الذي يسمح لمجموعات صغيرة أن تدفع بمصالحها رغم أنها أقلية. إلا أن حركات العام الأخير تثبت حجم القلق المتعاظم. بداية، فإن حلول الوسط التي يتم التوصل لها في الحكومة تأتي بنتائج متطرفة، بشكل يشوّه رغبة الناخب. فالنهج هو حلول وسط، ولكن النتائج متطرفة. فجميل أن ليبرمان ينجح في تمرير قانون إشكالي، بمقاعد كتلته الستة، ولكن هذا يدل على القوة الزائدة التي يمنحه إياه نظام الحكم. ففي هذا الائتلاف توجد توازنات مشوّهة. وكذا الأمر بالنسبة لكتلتي اليهود المتزمتين "الحريديم"، اللتين تنجحان في فرض جدول أعمال، ينزع من مجالس الحكم المحلي (البلديات)، صلاحيات سن قوانين بلدية، لفتح المحال التجارية أيام السبت، وينقل تلك الصلاحيات إلى وزير الداخلية. فغالبية الجمهور تؤيد فتح المحال أيام السبت، وأصلا هذا هو الواقع في البلدات ذات الطابع العلماني".

ويشير بيرتس في مقاله إلى "أن استراتيجية نتنياهو في تركيبة حكومته تستند على ائتلاف قطاعات: حريديم اشكناز، حريديم سفارديم، متدينون صهاينة، مهاجرون من روسيا، ويمين اجتماعي معتدل صوّت لكحلون، وهذا هو مصدر قوته. ويفضّل نتنياهو هذا النموذج، الذي يجر حكومته إلى مواقف متطرفة، بينما هو يحاول فرض نظام ويخفف من الوطأة، وهذا بدلا من نموذج آخر تكون فيه كتلتا "المعسكر الصهيوني" و"يش عتيد"، لأنه في نموذج كهذا، سيظهر نتنياهو بكونه اليميني المتطرف".

ويمضي قائلاً: "لكن النتائج الحاصلة تؤكد أن كل كتلة برلمانية في الائتلاف بصفتها بيضة قبان، تحقق لنفسها أكثر بكثير من قوتها الانتخابية الحقيقية. وهذا ما يشوّه رغبة الناخب، ويفرض على إسرائيل جدول أعمال صعبا جدا: اغلاق محال تجارية واقتصادية أيام السبت، عقوبة الاعدام على المخربين، قوانين تضعف من صلاحيات ومكانة أجهزة تطبيق القانون، مثل الشرطة وجهاز المحاكم، وأيضا طرد بالقوة لطالبي اللجوء من أفريقيا وغير ذلك. إن حكومة التساهلات تصل في نهاية المطاف إلى توافقات على أمور متطرفة، ومحافظة، وأحيانا مظلمة. وبالإمكان حل المسألة من خلال القول إن هذه رغبة الناخب، ويجب احترامها. ولكن قسما كبيرا من القوانين، لا يتماشى مع رغبة الناخب، وإنما مع رغبة المنتخب، وحتى رغبة قلة من المنتخبين. فنظام الحكم القائم يسمح لقلة منتخبة أن تدفع بسياسة تناقض رغبة الأغلبية. وهذا أحد التناقضات الداخلية القائمة في إسرائيل، وبكثرة: حكومة تساهلات تأتي بنتائج متطرفة".

إذن على ماذا يتوافقون؟ لماذا أعضاء الكنيست والوزراء في الائتلاف مستعدون لبيع مبادئ وقيم هامة، من أجل تأييد قوانين لا يتفقون معها؟ لماذا نحن نسمع المرّة تلو الأخرى أقوالا مثل: "أنا لا أحب القانون ولكن...."، أو "من الافضل لو أن هذا القانون لا يكون أبدا، إلا أن...". فلماذا أعضاء الكنيست والوزراء يسدون أنوفهم، ويصوتون تأييدا لما هو مناقض لأفكارهم وللصالح العام؟.

يقول بيرتس "يوجد لهذا ثلاثة أسباب: الأول، هو السعي لبقاء الائتلاف قويا أكثر من أي أمر آخر. والثاني، أن الطريق الوحيد الذي يحقق لك الإنجازات الحزبية هو الصفقات على طريقة أيد اقتراحي، وأنا سأؤيد اقتراحك. والسبب الثالث، هو عرض الأمور من خلال السؤال: ما هو مجموع التساهلات المحبوبة، أمام التساهل الأكبر الذي على إسرائيل أن تفعله في مرحلة ما أمام الفلسطينيين؟. إن التساهلات الصغيرة التي تتم اليوم، هدفها رفش التساهل الأكبر إلى المستقبل. ومرحليا هذا ينجح. ويُكثر نتنياهو في الحديث في السنوات الأخيرة عن تعزيز الحكم. وهو صاحب تجربة في المعارك مع شركائه في الائتلافات المتعددة، التي لم تسمح له بتطبيق سياساته في الحكومات الأربع التي رئسها، ومن الممكن أنه يستخدم هذا الادعاء حينما لا ينجح، أو حينما لا يريد دفع أمر ما إلى الأمام. إن اختياره في ولايته الحالية لهذه الحكومة، المركبّة من ست كتل برلمانية، هو خيار الاعتراف بنظام الخضوع للقطاعات التي تمثلها هذه الكتل، بدلا من خيار وضع كل مجموعة بحسب حجمها".

وختم بيرتس كاتبا "لماذا فعل هذا؟ لأن الحكم الذي يسعى له لا يمت بصلة إلى حياة الناس اليومية في إسرائيل. غلاء المعيشة، الفجوات الاجتماعية، الإكراه الديني، التوترات والشروخ في المجتمع- كل هذه أمور أقل شأنا لديه من القضايا الأمنية والسياسية. إن شخصيته السياسية ترتكز على مصطلحات مثل: "أمن"، "إيران"، "الحرب على الارهاب"، وهذا أكثر من القضايا العامة. ومن أجل هذه الأمور، هو على استعداد لأن يقدم تساهلات حزبية، يدفع ثمنها الحقيقي الجمهور الإسرائيلي".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات