المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اشتدت في الأسابيع الأخيرة حالة الصدام القائمة بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وفريقه من جهة، والجهاز المؤسساتي الرسمي في الحكم من جهة أخرى، على ضوء مسعى نتنياهو للسيطرة كليا على كبرى الوظائف والمسؤوليات في مؤسسات الحكم، من خلال تعيينات مباشرة، رغم أن بعض تعييناته لا تسير بالتلم معه. ويجد نتنياهو أحيانا دعما في ائتلافه، الذي يتصرف بعض أقطابه بنهج مشابه، إلا أنه اصطدم أكثر من مرّة مع أقطاب الائتلاف حول مشاريع قوانين إدارية يسعى لها نتنياهو والنواب الموالون له.

وحاليا يسعى نواب الليكود لتمرير قوانين، منها ما يعطي المستوى السياسي، بمعنى الوزراء ورئيسهم، صلاحيات أوسع في التعيينات الأساسية في الوزارات، وبضمنها المستشارون القانونيون، في كل وزارة؛ فهذه تعيينات تتم من خلال عطاءات مفتوحة وليس بموجب تعيينات. وفي الأيام الأخيرة عرض تقرير لصحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، تقريرا موسعا حول نهج "الكرسي الفارغ"، بحسب تعبير الصحيفة، الذي يتبعه نتنياهو وعدد من الوزراء، وبقصد كراسي وظائف مسؤولين كبار في عدد من الوزارات والمؤسسات الرسمية، هناك خلاف حول التعيين. وفي أكثر من مرّة يواجه نتنياهو ووزراؤه اعتراضات من إدارة سلك خدمات الدولة.

ومسألة توسيع نطاق التعيينات السياسية في الوزارات والمؤسسات الرسمية، نصّت عليها اتفاقيات الائتلاف الحكومي، القائم منذ عامين ونصف العام، ولم يتم العمل بها. ولكنها دخلت في مسار التنفيذ، أو محاولات التنفيذ، بعد انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إنما من دون علاقة بانتخابه. فقد استغل نتنياهو الحديث عن نمط التعيينات في الإدارة الأميركية ومؤسسات الحكم العليا، طالبا أن تقترب إسرائيل إلى هذا النمط، بذريعة تعزيز حكم "من يختاره الشعب".

وبحسب النمط الأميركي، فإن آلاف الموظفين في مختلف المستويات يعينهم الرئيس الأميركي أو طاقم حكومته، ولكنهم يغادرون جميعا مع انتهاء حكمهم وتولي آخرين. وتبرز هذه القضية بشكل خاص، حينما يتم استبدال أحد الحزبين، إذ يكون التغيير جارفا، كما جرى مع وصول ترامب الجمهوري خلفا لباراك أوباما الديمقراطي.

وأقام نتنياهو لجنة مكونة من وزيرة العدل أييليت شاكيد ووزير السياحية ياريف ليفين، لتقديم توصيات للحكومة لإقرارها. ولم تكن اللجنة بحاجة إلى وقت كبير حتى تنجز مهمتها، لأن الهدف كان واضحا. ومن أبرز توصياتها أنه سيكون باستطاعة الوزراء تعيين عدد أكبر من الموظفين بمن في ذلك نواب مدراء عامين. كما أنه ستطرأ تغييرات في شكل عمل لجنة التعيينات الكبرى في الجهاز الحكومي. ولكن كل هؤلاء الموظفين الجدد سيضطرون للمغادرة مع استبدال الوزير، وفي هذا ضرب للجهاز المهني الثابت، مقابل سطوة السياسيين على المؤسسات الرسمية.

كما تسعى حكومة نتنياهو إلى تقليص صلاحيات ما يسمى "لجنة البحث" عن أسماء مؤهلة لتولي مناصب، بتقليص عدد أعضاء اللجنة من خمسة إلى ثلاثة أشخاص، على أن يتم سحب بعض الوظائف من مسؤوليتها، وبشكل خاص المستشار القانوني للحكومة، ليكون تعيينا مباشرا من رئيس الحكومة وبمصادقة الحكومة. وفي خلفية هذا الاقتراح، عدة اعتراضات للمستشار القانوني للحكومة الحالي، أفيحاي مندلبليت، على قوانين وقرارات حكومية، ابرزها ما يسمى "قانون التسوية"، لنهب الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة.

"الكرسي الفارغ"

 تُعدد صحيفة "كالكاليست" في تقريرها المذكور، عدة وظائف هامة في سلك خدمات الدولة، ما تزال من دون تعيينات، بسبب خلافات بين نتنياهو أو الوزراء ذوي الصلة، وبين الجهاز المؤسساتي. وأبرز هذه المناصب، مأمور سلك خدمات الدولة، وهو صاحب صلاحيات واسعة في مسألة التعيينات، وموقف الجهاز الذي يمثله حاسم في البت بين منافسين على الوظائف الرسمية. وكذلك مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية (مؤسسة التأمين الوطني)، ومدير عام مجلس التعليم العالي، ورئيس مجلس ادارة الشركة الحكومية للمساكن الشعبية "عميدار"، ومدير عام مديرية الحكم المحلي. وحسب الصحيفة، فإن هذا أسلوب جديد طوّره نتنياهو في السنوات الأخيرة، وبموجبه، فإنه يُبقي الوظائف خالية حتى ينال مبتغاه في التعيينات التي يريدها، ما يعني نقل الوزن المهني الأساس في مؤسسات الدولة إلى يد السياسيين، بموجب مصالحهم الحزبية، وليس بموجب المستوى المهني المطلوب والاستقلالية المطلوبة لهذه الوظائف.

وتقول كالكاليست": لقد بات واضحا منذ زمن أن نتنياهو يسعى لتعيين مأمور لسلك خدمات الدولة، يكون ذا شخصية ضعيفة، تابعا له، ولا يرفض له طلبا في التعيينات المعني بها (نتنياهو). وهذا على الرغم من أن التعيينات التي سعى لها نتنياهو لم تلب رغباته السياسية والإدارية، حينما بدأ هؤلاء عملهم. ولعل أبرزهم المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، الذي شغل سابقا سكرتيرا عاما لحكومة نتنياهو، وقد ضغط نتنياهو كثيرا لأجل تعيينه، ما أثار ضجة كبيرة، إلا أنه في عدة قضايا برز خلاف شديد بين مندلبليت ونتنياهو، منها ما هو في مشاريع قوانين، وأبرزها قانون سلب ونهب الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة.
إلا أنه في المقابل، يرى البعض أن عملية التحقيقات مع نتنياهو بشبهات الفساد تشهد تلكؤا غير مفهوم، وأصابع الاتهام توجه أيضا لمندلبليت، الذي جرت سلسلة تظاهرات أسبوعية قبالة بيته في الأشهر الأخيرة.
وكذا أيضا بالنسبة للقائد العام للشرطة، روني ألشيخ، الذي استحضره نتنياهو من جهاز المخابرات العامة "الشاباك" حيث كان يشغل منصب نائب رئيس الشاباك. وفي الأسابيع الأخيرة، صعّد نتنياهو هجومه على الشرطة، متهما جهات داخل الشرطة بأنها تستهدفه شخصيا هو وزوجته، ما أثار خلافا بين نتنياهو وألشيخ، الذي هبّ مدافعا عن الشرطة ووحدة التحقيق فيها. والشخص الثالث هو المراقب العام للدولة، يوسف شابيرا، الذي ضغط نتنياهو لتعيينه، إذ كان قاضيا في المحكمة المركزية (الجنايات). إلا أن شابيرا قدم خلال أكثر من عامين تقارير أزعجت كثيرا نتنياهو شخصيا، ما أدى أيضا إلى صدام بين نواب الليكود من أتباع نتنياهو شخصيا، وبين جهاز المراقب العام وشابيرا شخصيا.

وتقول المحللة غاليت ألتشتاين، في مقال لها في الصحيفة ذاتها، إن نتنياهو وبعض وزرائه عملوا على توسيع وتطوير الآليات التي من شأنها أن تزيد من سطوتهم على الجهاز المؤسساتي الرسمي في الدولة؛ وبضمن ذلك أسلوب مهاجمة نتنياهو بشكل حاد لموظفين كبار، وبشكل معيب، طالما هم ليسوا على هواه. وتضيف أن عدم تعيين مأمور لسلك خدمات الدولة هو استخفاف بالجهاز، الذي يدير جهاز الموظفين الحكومي. ولكن ليس هو وحده، فحتى مدير الطاقم الاعلامي الحكومي ما زال مقعده فارغا، وكذا أيضا بالنسبة لمستشار الأمن القومي، أو حسب التسمية الرسمية: رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.

والرسالة من هذا المشهد واضحة، بحسب ما تقوله ألتشتاين: لا حاجة لتعيينات ثابتة في الوظائف الكبرى، فيكفي ان يكون قائم بأعمال لكل واحدة من هذه المناصب. وهذا ما جعل نتنياهو يتلقى بحماسة زائدة توصيات وزيرة العدل شاكيد، ووزير السياحة ليفين، في اللجنة السابق ذكرها، بشأن التعيينات في سلك خدمات الدولة.

ومن أبرز تلك التوصيات، أنه سيكون باستطاعة الوزراء تعيين عدد أكبر من الموظفين بمن في ذلك نواب مدراء عامين. كما أنه ستطرأ تغييرات في شكل عمل لجنة التعيينات الكبرى في الجهاز الحكومي. وسيكون بوسع كل وزير في وزارته أكثر من 150 موظفا، أن يعين نائب مدير عام اضافي، بشكل مباشر، مع طاقم موظفين. وكما ذكر، فإن نواب المدراء العامين هم من السلك المهني يصلون إلى وظائفهم بالترقية، أو بعطاءات رسمية، حسب الكفاءات المهنية ذات الشأن للوظيفة. ولكن كل هؤلاء الموظفين الجدد سيضطرون للمغادرة مع استبدال الوزير، وفي هذا ضرب للجهاز المهني الثابت، في مقابل سطوة السياسيين على المؤسسات الرسمية.

وقد أثارت هذه التوصيات اعتراضات كبيرة، لدى السلك المهني في الوزارات، وأيضا لدى سياسيين ومسؤولين سابقين في الوزارات. وقالت صحيفة "ذي ماركر" إن هذا سيشمل 25 وزارة من أصل 30 وزارة قائمة، بينما سيصل عدد الموظفين ككل إلى 75 موظفا، سيكلفون الخزينة العامة 452 ألف دولار سنويا، إذ أن الحديث يجري عن نائب مدير عام اضافي، وليس مكان أي من الموظفين العاملين حاليا، إلا أن نائب المدير العام الجديد سيكون ضمن التعيينات السياسية ووفقا لأجندة الوزير السياسية.

وتقول ألتشتاين إن نتنياهو تواق لموظفين تابعين خائفين على مناصبهم، وبالأساس مخلصين له، تكون انتماءاتهم الحزبية هي المؤهلات الأساسية لديهم وليست المهنية، وحينما يتم هذا، في سلك خدمات الدولة مثلا، فإنه سيطبق قبضته على الجهاز أكثر.

ليس نتنياهو وحده

 ليس نتنياهو وحده هو الذي يتبع هذا النهج، بل إنه نهج يتوسع في الحكومة، فعلى سبيل المثال وزير الداخلية آرييه درعي (رئيس شاس) يمتنع عن المصادقة على تعيينات كبرى في وزارته، سعيا لتعيين مقربين منه حزبيا. ومن بين هذه الوظائف الهامة، مدير عام مديرية الحكم المحلي، ومن مسؤولياته الربط ما بين المجالس البلدية والقروية وبين الوزارة، وهذه قناة اتصال هامة جدا بالنسبة للوزير، كي يصل إلى موازين قوى ميدانية.

كذلك يُشار إلى وزير الرفاه حاييم كاتس (الليكود) الذي يسعى لتعيين صديق له، وزميل سابق له في الصناعات الجوية الحربية، في منصب مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي، وهو يشغل حاليا منصب قائم بأعمال مدير عام المؤسسة. إلا أن إدارة سلك خدمات الدولة لا تجده ملائما، خاصة وأن أسمه كان عالقا في شبهة فساد، رغم أنه لم تكن أية توصية ضد هذا الشخص.

وتتسع الظاهرة أيضا لدى وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، زعيم تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي". فهو يتوغل في التعيينات في مسؤوليات أجهزة التعليم الكبرى، بما يؤثر أيضا على المناهج الدراسية، ليجعلها أكثر يهودية وصهيونية. كذلك فإنه منذ زمن يعيق تعيين مدير عام لمجلس التعليم العالي، الذي يرأسه بصفته وزيرا للتعليم. وتقول الصحيفة إنه طالما أن عدة وظائف هامة في الجهاز الإداري للوزارة ما تزال شاغرة، فإن هذا يعطي الوزير بينيت صلاحيات وتأثيرا أقوى، إلى حين تتم التعيينات التي يريدها بحسب رغباته الحزبية والفكرية.

أما وزير البناء والاسكان يوآف غالانت ("كلنا") فإنه يماطل في المصادقة على تعيين مدير عام للشركة الحكومية للمساكن الشعبية، "عميدار"، التي تسيطر على 40 ألف بيت في جميع أنحاء البلاد، تؤوي ما لا يقل عن 200 ألف شخص. ويذكر أن هذه الشركة، وشركات شبيهة أخرى، وضعت اليد على بيوت المهجّرين الفلسطينيين، في المدن الفلسطينية التي ما تزال قائمة، أو قرى فلسطينية مدمّرة، بقيت فيها بيوت عامرة، استوطن فيها يهود منذ عشرات السنين.

وتستعرض الصحيفةأيضا وظائف كبرى ما تزال شاغرة في جهاز الصحة العام، وفي وزارة المواصلات، وتقريبا لا توجد وزارة هامة إلا وفيها وظيفة أو أكثر ما تزال شاغرة، بسبب الخلاف على التعيينات فيها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات