المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اقتراح "قانون التوصيات" يحمل، رسميا، اسم "تعليمات بشأن توصيات سلطات التحقيق" وهو بمثابة تعديل لقانون الإجراءات الجنائية الإسرائيلي. وبعد استثناء "جهاز الأمن العام"/ الشاباك من "سلطات التحقيق" (لأن "الشاباك يعمل في مجال محاربة الإرهاب ومنعه"، كما ورد في التعليل الرسمي)، يبقى الحديث، أساسا، عن الشرطة وتحقيقاتها الجنائية.

 

ففي الوضع الحالي، حتى اليوم، تقدم الشرطة في نهاية تحقيقاتها مع مشتبهين بارتكاب مخالفات جنائية، تقريرا خاصاً يشمل ما تراكم لديها من بينات وقرائن في ملف التحقيق العيني. ويكون الملف مرفقاً بتوصية خطية تُنشر على الملأ بشأن ما إذا كانت هذه البينات والقرائن تُلزم بتقديم لائحة اتهام أم لا. ولهذه التوصية، عادة، وزن كبير في قرار النيابة العامة (الادعاء العام) بشأن تقديم لائحة اتهام أو عدم تقديمها، ناهيك عما لهذا النشر من أثر على الجمهور وموقفه تجاه الشخص المعني (المشتبه به)، وخصوصا إذا كان شخصية عامة رفيعة، سياسية أو قضائية أو غيرها.

أما القانون الجديد فينص على منع الشرطة، رسميا، من تقديم مثل هذه التوصية الخطية أو أي رأي مهني من جانبها بشأن ما إذا كانت مواد التحقيق كافية لتقديم لائحة اتهام وحصر مهمتها في إجراء التحقيق فقط، ثم نقل الملف إلى النيابة العامة.

وينص القانون على أن تقديم توصية أو رأي مهني، كما ذكر، يشكل مخالفة قانونية عقوبتها السجن الفعلي لمدة سنة واحدة. وكان النص الأصلي لاقتراح القانون قد تضمن بنداً يُلزم المستشار القانوني للحكومة بالشروع في إجراء تحقيق جنائي ضد شباط الشرطة الذين يُشتبه بأنهم يقومون بتسريب مثل هذه التوصيات، إلا أن الضجة التي أثارها هذا البند في صفوف قيادات الشرطة وأوساط سياسية مختلفة قد أدت إلى شطبه وإلغائه.

وحسب النص الجديد، تستطيع الشرطة تقديم "ملخص للتحقيق" فقط، بدون توصية صريحة بتقديم لائحة اتهام، في التحقيقات التي تجرى بمرافقة ممثل عن النيابة العامة، وهي "تحقيقات هامة وحساسة جدا" من الناحية الجماهيرية، لأنها تجرى مع شخصيات عامة رفيعة. أما في التحقيقات الأخرى، التي تجرى بدون مرافقة ممثل عن النيابة العامة، فبإمكان الشرطة تقديم "ملخص للتحقيق، يشمل توصيات"، لكنها تُمنع من نشر الملخص وتوصياته على الجمهور.

ويسمح القانون الجديد للشرطة بتقديم توصيات شفهية فقط إلى النائب العام، كما يتيح للمستشار القانوني للحكومة التوجه إلى الشرطة للحصول على توصيات عينية منها، لكن دون الكشف عنها أمام وسائل الإعلام ونشرها على الجمهور!

وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد أصدرت، مساء الخميس الأخير، أمراً إلى المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، أن يقدم رده إلى المحكمة، في غضون أسبوع واحد، على الالتماس الذي قدمته إليها "الحركة لنزاهة الحكم" بشأن القانون الجديد.

وفي التماسها إلى المحكمة العليا، يوم الخميس الأخير، طالبت "الحركة لنزاهة الحكم" المحكمة بأن تصدر أمراً يقضي بنقل مداولات النظر في مشروع "قانون التوصيات" إلى لجنة أخرى من لجان الكنيست، غير "لجنة الداخلية" التي يرأسها عضو الكنيست دافيد أمسالِم (الليكود)، لكونه صاحب مشروع القانون والمبادِر إليه. كما طالبت الحركة المحكمة بإصدار أمر يلغي قرار "لجنة الداخلية" التي بحثت مشروع القانون وأعدّته للتصويت عليه بالقراءة الأولى، إضافة إلى إلغاء نتائج التصويت بالقراءة الأولى في الهيئة العامة للكنيست. وسوّغت الحركة مطالبها هذه بأن ما جرى في "لجنة الداخلية"، ثم في الهيئة العامة للكنيست تأسيساً عليه واستمرارا له، يشكلان خرقا فاضحا لدستور الكنيست الذي يحظر مناقشة مشروع قانون في لجنة برلمانية يرأسها صاحب المشروع والمبادر إليه.

يأتي الالتماس الآن، أساسا، في محاولة أخيرة لإعاقة مساعي تشريع القانون نهائيا وإجهاضها، ولو مؤقتا فقط في محاولة لربح الوقت، وذلك بواسطة قطع الطريق على "لجنة الداخلية" ومنعها من مواصلة بحث مشروع القانون نحو إعداده لطرحه على الهيئة العامة للكنيست للتصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة وإقراره نهائياً، وهو الأمر المتوقع حدوثه خلال الأسبوع الحالي أو القادم، على الأكثر، في حال واصل أصحاب الاقتراح دفعه بالوتيرة المحمومة الحالية.

لكن قبل أن تستطيع "لجنة الداخلية" طرح مشروع القانون على الكنيست للتصويت عليه بالقراءتين الأخيرتين ـ طالما لم تصدر المحكمة العليا قرارا يمنعها من ذلك ـ سيتعين عليها عرض صيغته النهائية على "اللجنة الوزارية لشؤون التشريعات"، بناء على طلبها، للحصول على مصادقة ومباركة الوزراء، وفي مقدمتهم وزيرة العدل، أييلت شاكيد، ووزير الأمن الداخلي (المسؤول المباشر عن الشرطة)، غلعاد إردان، اللذين يتمتعان بحق النقض (الفيتو) على مواصلة التقدم نحو إقراره نهائيا.
وفور مصادقة اللجنة الوزارية، سيكون بالإمكان طرح مشروع القانون على الكنيست للتصويت وسنّه، وبعدها يجري عرضه على رئيس الدولة للتوقيع عليه قبل نشره في الجريدة الرسمية، خلال عشرة أيام كحدّ أقصى من يوم سنّه في الكنيست، ليصبح قانوناً نافذاً.

لكن من المؤكد أن هذا القانون سيُطرح، فور سنّه، على المحكمة العليا في إطار التماسات ستُقدم إليها ضده وللمطالبة بإلغائه وشطبه، وهو ما أعلنت جهات مختلفة عن نيتها القيام به فور تصويت الكنيست عليه وإقراره نهائيا.

وتشير التقديرات القانونية إلى أن المحكمة العليا لن تجد مفراً من التدخل ولجم هذا القانون، رغم تأكيد المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، أنه "قانون دستوري" ولا يتناقض مع نصوص قوانين الأساس ذات الصلة (وهذا رغم معارضة مندلبليت الشخصية لهذا القانون).

ومن المرجح أن تدخل المحكمة العليا شبه المؤكد سيأتي لأربعة أسباب أساسية هي: الأول ـ عدم المساواة الذي ينطوي عليه ويشرعنه القانون، من خلال تمييزه بين نوعين من المشتبه بهم، كما أوضحنا آنفا ـ شخصيات عامة، يُحظر على الشرطة تقديم توصيات خطية بشأن تقديمهم، أو عدم تقديمهم، إلى المحاكمة في نهاية التحقيقات الجنائية معهم؛ ومواطنون عاديون يُسمح للشرطة بتقديم توصيات كهذه، من غير نشرها على الملأ. الثاني ـ أن القانون الجديد يسري بأثر رجعي، وهو ما يتنافى مع أحد المبادئ الأساسية في النظام القانوني الإسرائيلي، الذي لا يجيز سريان قوانين جديدة بأثر رجعي، إلا في حالات استثنائية قصوى. الثالث ـ أن القانون الجديد يسري بصورة شخصية، بمعنى أنه يشرَّع من أجل شخص معين ولخدمة مصالحه، هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؛ والرابع ـ أن القانون الجديد يتناقض مع "حق وواجب الجمهور في المعرفة"، إذ يمنع الشرطة من إبلاغ الجمهور بمجريات ونتائج التحقيقات الجنائية التي تجريها مع شخصيات عامة، مما يحرم الجمهور من معلومات حيوية يحتاج إليها كي يقرر موقفه من هذه الشخصيات، سياسيا وانتخابيا.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات