المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أكد التقرير السنوي لـ"جمعية حقوق المواطن" في إسرائيل أن العام 2016 المنتهي لم يكن عامًا موفقًا بالنسبة لحقوق الإنسان.

وأضاف أنه في هذه الفترة العصيبة، اتسمت سياسة السلطات الإسرائيلية عمومًا بازدياد الأساليب المُتطرفة، وبانتهاكات فظـة لحقوق الإنسان والحريات، وبالاستخدام المُفرط للقوة.


وأشار التقرير إلى أن حرية التعبير والحيز الديمقراطي في إسرائيل وقعت هذه السنة تحت وابل من الهجمات القاسية. وأكد أن المسؤولين المُنتخبين - أعضاء الكنيست والوزراء- لعبوا دورًا مركزيا في محاولة تقليص حرية التعبير، وخاصة حرية الإبداع الفني، وتقييد وسائل الإعلام الحرة، وإسكات النقد، والمس بفصل السلطات، والتضييق على خطوات كل من لا تتماشى مواقفه أو نشاطاته مع الأغلبية السياسية. وهذه النزعة هي استمرار للنهج القائم في السنوات الأخيرة، لكنه في هذه السنة اتخذ طابعًا أكثر هجوميًا على حرية التعبير مصحوبًا بنزع شرعية الخصوم السياسيين، والأقليات وجمعيات حقوق الإنسان.

وشدد التقرير على أن تغيير السياسات وانتهاكات حقوق الانسان يتطلب المزيد من العمل الدؤوب والمُمنهج مُقابل جميع فئات المُجتمع - من الطبقة السياسية، مرورًا بالبيرقراطية الحكومية، والمحاكم، ووسائل الإعلام، والشبكات الاجتماعية، وصانعي الرأي العام، ونظام التربية والتعليم. وتابع: برغم الصعوبات، فنحن في جمعية حقوق المواطن نتعهد بمُتابعة النضال الطويل الأمد على مُختلف الأصعدة، حتى عندما تواجَه نشاطاتنا بانتقادات وردود فعل عدائية، ونتعهد بعدم التخلي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمُجتمع في إسرائيل، ونناشد جميع المواطنين أخذ دورهم كلٌ في موقعه، لتعزيز مكانة وقيم حقوق الإنسان، وعدم السكوت عن كل انتهاك يمس بهم أو يمارس ضد أي شخص آخر.

تغيير جذري في قواعد اللعبة الديمقراطية

بحسب التقرير، فإن من بين أكثر المبادرات المُعادية للديمقراطية بروزًا في العام 2016، هناك مبادرتان وصلتا إلى حد المُصادقة النهائية عليهما في الكنيست، وهما "قانون الإقصاء" و"قانون الجمعيات".

و"قانون الإقصاء" يُتيح لأغلبية من أعضاء الكنيست أن يُقصوا زملاءهم من أحزاب الأقلية لدوافع سياسية، وهو قانون يمس بالأركان الأساس للديمقراطية، ويمس بشكل خاص بالجمهور العربي وبتمثيله في المنظومة السياسية.

أما "قانون الجمعيات"، فيهدف إلى إلصاق وصمة عار بأي جمعية تختلف أجندتها عن أجندة الأغلبية السياسية، ويمس بشرعية الجمعيات المُرتبطة باليسار السياسي وبجمعيات حقوق الإنسان وبنشاطات هذه الجهات.

من بين اقتراحات القوانين والمبادرات التي قُدمت خلال السنة الأخيرة أشار التقرير إلى ما يلي:
• اقتراح قانون الولاء في الثقافة، والذي يهدف إلى إعطاء السياسيين سلطة لحجب التمويل عن مؤسسات ثقافية يعتبرون أنها تزدري الدولة ورموزها.
• اقتراحات القانون التي حاولت أن تمس بـمكانة ودور المحكمة العليا.
• اقتراحات القانون التي تطرقت إلى المناداة بمقاطعة إسرائيل، وحاولت أن تفرض "ثمنًا باهظًا" عقابًا على تعابير سياسية شرعية.
• المبادرات التي هدفت إلى المس بوسائل الإعلام الحُرة.
• محاولات إلغاء الخدمة المدنية في جمعيات حقوق الإنسان، أو منع تلك الأخيرة من الحصول على مزايا ضريبية.
• المُبادرات والقرارات الكثيرة التي اتخذتها وزيرة الثقافة، والتي تمس بحرية التعبير السياسي في الفنون، وهي مُبادرات وقرارات استهدفت بشكل أساسي الفنانين العرب والمؤسسات الثقافية العربية.

إلى جانب كل هذا، شهد العام الماضي ازديادًا في الاستبداد والطغيان تجاه الأقليات القومية والاجتماعية والسياسية، وفي المس بحقوق الأقليات لكل هؤلاء، وخاصة بحرية التجمع لدى الأقلية العربية. وأكد التقرير أن هذا يمس بالديمقراطية، التي تُعتبر فيها حرية انتقاد السلطة، ومراقبة نشاطاتها ومساعدة كل من يتضرر جراءها، قواعد أساسية.

وأضاف أن محاولة جهات رفيعة في البرلمان وفي الحكومة إسكات النقد تجاه سياساتها تتعارض هي أيضًا مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها إسرائيل، والتي تضمن حماية حقوق الإنسان وكل من يعمل للحفاظ عليها، وتتعارض تمامًا مع القضاء الإسرائيلي، الذي تتمتع فيه حريتا التعبير والاحتجاج بمكانة حقوق أساس دستورية.

وتحت العنوان "من المس بالحق في الحياة وحتى انتهاك الحق في الإجراءات العادلة"، جاء في التقرير:

لعل أبرز مثال على الانتهاك غير المُتجانس لحقوق الإنسان من قبل الجيش والشرطة هو ذلك الذي يخص أكثر الحقوق أساسًا، ألا وهو الحق في الحياة. ففي الكثير من العمليات أو حالات الاشتباه بتنفيذ عمليات في الأراضي الفلسطينية (المحتلة)، هُناك أدلة تُشير إلى أن رجال الشرطة والجنود وحتى المُواطنين أطلقوا النار وقتلوا مُنفذي العمليات أو أولئك الذين اشتُبِه بأنهم قد نفذوا أو قد يُنفذون عمليات، من دون أن يكون هناك أي خطر يتهدد حياتهم، أو في ظروف كان يُمكن لهم أن يُسيطروا عليها بأساليب أخرى تُحدث ضررًا أقل، وبحسب أنظمة إطلاق النار. ولقد أدت مُحاكمة الجندي إليئور أزاريا، مُطلق النار في الخليل، إلى إثارة جدل جماهيري عاصف وضروري.

من الوسائل الأخرى التي ازداد استخدامها كثيرًا هذا العام هدم المنازل أو صبها بالإسمنت كوسيلة لمعاقبة عائلات المُتورطين في العمليات.

وبحسب مُعطيات مركز حماية الفرد، منذ شهر كانون الثاني 2016 وحتى مُنتصف شهر تشرين الأول، كان هناك 23 منزلًا في الضفة الغربية والقدس الشرقية تم هدمها، أو هدمها جُزئيا أو صبها بالإسمنت. ومنذ شهر تشرين الأول 2015، وحتى مُنتصف شهر تشرين الأول 2016، قام الجيش بأخذ مقاييس لنحو مئة منزل إضافي، دون أن تُصدر ضدها أوامر هدم حتى الساعة. إن هدم المنازل كوسيلة عقاب هو وسيلة تضر كثيرًا بأفراد العائلة - وهم مواطنون أبرياء- وبحقهم في المأوى وفي ظروف المعيشة الأساسية.

وبحسب مُعطيات بتسيلم، حتى نهاية شهر نيسان 2016، كانت إسرائيل تحتجز في الاعتقال الإداري 692 فلسطينيا، من بينهم امرأتان و 13 قاصرًا؛ وبحسب مُعطيات نشرتها وسائل الإعلام، مع نهاية شهر تموز من هذا العام، كان الرقم 651 شخصًا. وخلال السنة الماضية، بادر بعض المُعتقلين الإداريين إلى إضراب عن الطعام، وذلك من باب اليأس واحتجاجًا على توسيع نطاق استخدام هذه الوسيلة.

كما يحدث مرارًا، فإن استخدام بعض الوسائل التي تضر بالفلسطينيين في الأراضي المُحتلة "يتسرب" في نهاية المطاف إلى داخل إسرائيل، ليتم استخدامها ضد مواطنين إسرائيليين أيضًا، بقوة مُخففة ونطاق أصغر. ولقد نُفذ في إسرائيل بين شهر كانون الثاني وشهر تشرين الأول من العام 2016 نحو 20 اعتقالًا إداريا، غالبيتها بحق عرب من مواطني إسرائيل ومُقيمين دائمين من القُدس الشرقية.

وقد قدمت الحكومة اقتراح قانون، يهدف إلى توسيع صلاحيات وزير الدفاع، ليتسنى له أن يأمر باعتقال المواطنين إداريا وأن يُصدر أوامر إبعاد مُبالغة ضدهم. كما أقر البرلمان الاسرائيلي خلال العام المُنصرِم قانونًا جديدًا يسمح بالحكم بعقوبة السجن على قاصرين يبلغون من العمر 12 - 14 عامًا أدينوا بالقتل عمدًا أو دون قصد. وهي نفس الأنظمة التي تُستخدم منذ سنين ضد القاصرين الفلسطينيين في الأراضي المُحتلة.

الضم الزاحف

تحت العنوان أعلاه كتب التقرير:


تقف في صلب إساءة معاملة السكان الفلسطينيين في المنطقة C من الضفة الغربية رغبة إسرائيل في إحكام سيطرتها على هذه المنطقة وتقوية ارتباطها بإسرائيل، ودفع السكان الفلسطينيين إلى المنطقتين A وB. في العقد الماضي، تزايدت كثيرًا تلك الخطوات التي يمكن أن نسميها الضم الزاحف أو الضم الفعلي بفرض الواقع. كما أن محاولات تشويش الخط الأخضر وإنفاذ القانون الإسرائيلي على المستوطنات، الواقعة خارج حدود الدولة، استمرت هذه السنة أيضًا. فمثلاً، أطلقت هذه السنة حملة واسعة تطلب بشكل صريح بإنفاذ السيادة الإسرائيلية على "معاليه أدوميم". ويحاول مسؤولون في الحكومة، في هذه الأيام، طرح مشروع قانون لتنظيم البناء غير المرخص في المستوطنات وفي بؤر استيطانية بنيتْ على أراض فلسطينية خاصة، وهذا على الرغم من المعارضة الحادة للمستشار القانوني للحكومة لتبييضها، وعلى نحو مناقضٍ لموقف المحكمة العليا في قرار الحكم في قضية عمونه. يشكل هذا الاقتراح تصعيدًا من ناحية دوس حقوق الإنسان الفلسطيني واحتقارًا لسيادة القانون في المناطق.


إن خطوات كهذه تعمق بشكل أكبر وجود جهازين قضائيين منفصلين في المناطق المحتلة: الأول – إسرائيلي- مدني، للمواطنين الإسرائيليين، والثاني – عسكري، للسكان الفلسطينيين. وهكذا ففي المنطقة ذاتها وتحت الحكم ذاته تقيم مجموعة سكانية أولى تتمتع بحقوق وإلى جانبها مجموعة سكانية ثانية يتم انتهاك حقوقها الأساسية بشكل دائم. وعشية الذكرى الخمسين للاحتلال، هذا التمييز آخذ بالتمأسس، والتحول إلى جزءٍ لا يتجزأ من منظومات الحكم الإسرائيلي.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, بتسيلم, الخط الأخضر

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات