المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ثمة سؤالان مركزيان يُطرحان الآن حيال تعمق التحقيقات الجنائية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وتشعبها في قضايا فساد سلطوي مختلفة، هما: هل ستُفضي هذه التحقيقات، أو جزء منها على الأقل، إلى تقديم لائحة اتهام جنائية (واحدة على الأقل، أو أكثر) ضد نتنياهو، مع الأخذ في الاعتبار أداء المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، في هذه القضايا ومحاولاته الواضحة للتستر والتسويف، وهو الذي يعتبر "رجل نتنياهو"؟ وهل سيستطيع نتنياهو الصمود أمام هذه التحقيقات والضجة الجماهيرية الواسعة ومواصلة التمسك بمنصبه في رئاسة الحكومة، أم سيضطر إلى الاستقالة مما يعني حل الحكومة وتبكير موعد الانتخابات البرلمانية في إسرائيل؟
ويُطرح هذان السؤالان بقوة كبيرة الآن، تحديدا، بعد الكشف عن تفاصيل القضية الجديدة، التي أطلق عليها اسم "ملف 2000" وفي مركزها التسجيلات التي توثق محاولات نتنياهو استغلال سلطته، كرئيس للحكومة ووزير للاتصالات، كما صداقته مع مالك صحيفة "إسرائيل اليوم" ("يسرائيل هيوم")، من أجل المحافظة على منصبه وعلى حكمه. وهي القضية التي تُضاف إلى قضيتين سابقتين، إحداهما التي أطلق عليها اسم "ملف 1000" (وموضوعها الحصول على عطايا وهدايا بمبالغ طائلة من رجال أعمال مختلفين ـ إقرأ عنها على ص 3) والثانية المعروفة باسم "قضية الغواصات"، وموضوعها شراء غواصات حربية من شركة ألمانية، خلافا لموقف قادة الجيش والقوى الأمنية المختصة، فيما كان محاميه الشخصي وقريبه، دافيد شيمرون، محامياً للوسيط الذي مثّل الشركة الألمانية!

وإذا كانت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية قد اعتبرت أن تفاعلات التحقيقات مع نتنياهو، وخاصة في أعقاب ما تكشف عن قضية "ملف 2000"، تشكل "هزة أرضية سياسية" وتثير "عاصفة جماهيرية"، فقد رأت أوساط أخرى أن قضية "ملف 1000" هي القضية المركزية والأكثير خطورة. وفي كلتا الحالتين، ينبغي التنويه إلى أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ دولة إسرائيل التي يجرى فيها تحقيق جنائي تحت طائلة التحذير مع رئيس حكومة، إبان إشغال منصبه، إلى جانب التحقيق، حتى الآن، مع عشرات الشهود والمتورطين، الذين أدلى بعضهم فإفادات فقط، بينما خضع بعضهم الآخر للتحقيق الجنائي تحت طائلة التحذير.

واعتبر الصحافي بن كسبيت ("معاريف"، أمس الإثنين) أنه "خلافا لكل ما يُنشر، ليست هنالك "قضيتان" يجري التحقيق فيهما بشأن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وإنما هنالك سلسلة طويلة من القصص والخيوط التي تفرعت وتشعبت إلى عدد كبير جدا من التحقيقات، بعضها قيد المعالجة الآن وبعضها الآخر انتهى إلى طريق مسدود". ورجح كسبيت، استنادا إلى "مصادر عليمة جدا" كما وصفها، أن "الطريق لا تزال طويلة ومتعبة جدا، خلافا للتقديرات بأن الأمر سينتهي في غضون أسابيع قليلة".

وعزا كسبيت هذا الترجيح إلى أداء المستشار القانوني للحكومة، مندلبليت، الذي "لم يثبت أنه يقرر ويعمل بالسرعة المطلوبة واللازمة (خلافا لوعوده وتعهداته)، ولذلك سيحتاج الأمر إلى أشهر عديدة من التحقيقات، تليها فترة طويلة من التلكؤ والتردد"!

من جهتها، قدّرت مصادر رفيعة في الشرطة الإسرائيلية، طبقا لما نشرته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، بأن التحقيقات مع نتنياهو ـ في مختلف القضايا والشبهات ـ سوف تنتهي "في غضون أسابيع معدودة". وقالت هذه المصادر ـ حسبما نقل مراسل القناة التلفزيونية الثانية، مثلا ـ إن تقديرهم هذا ينطلق من حقيقة أن طواقم التحقيق "لا تحتاج إلى استيضاح الحقائق والتفاصيل، إذ لا خلاف عليها ولا ينكرها نتنياهو نفسه، إنما الخلاف هو على تفسير هذه الحقائق ودلالاتها".

وللتذكير، فقد كان رئيس الحكومة السابق وسلف نتنياهو في هذا المنصب، إيهود أولمرت، قد اضطر إلى الاستقالة من منصبه حيال خضوعه لتحقيقات جنائية، إنتهت لاحقا بإدانته وبفرض عقوبة السجن الفعلي عليه، جراء تورطه في مخالفات فساد ورشاوى. وفي أعقاب استقالة أولمرت، جرى تقديم موعد الانتخابات البرلمانية في إسرائيل والتي تمخضت عن عودة نتنياهو إلى سدة الحكم.

"ملف 2000" وتسجيلات الإدانة!

كشف موقع صحيفة "غلوبُس" بأن طاقم الوحدة القطرية للتحقيقات في قضيا الغش والاحتيال سيقوم بالتحقيق مع ثلاثة رجال أعمال كبار آخرين في قضية "ملف 2000" خلال اليومين القادمين، على أن يتم بعد ذلك التحقيق مع نتنياهو للمرة الثالثة. وأضاف الموقع، نقلا عن "مصدر مطلع في هذه القضية" أن رجال الأعمال الثلاثة "كانوا وسطاء بين أرنون موزيس ونتنياهو وكان من المفترض أن يتخذوا قرارات في الموضوع".

ويأتي هذا التطور بعدما كُشف النقاب عن تسجيلات لمحادثات بين نتنياهو، كرئيس للحكومة ووزير للاتصالات، وبين ناشر "يديعوت أحرونوت" وصاحب موقع "واي نت"، أرنون (نوني) موزيس، في مركزها مساومات على منافع متبادلة: "تهدئة الأجواء ـ نتنياهو يمارس نفوذه لتقليص انتشار صحيفة "إسرائيل اليوم" (يسرائيل هيوم) المجانية، التي يملكها صديقه الثري اليهودي شيلدون أدلسون وتعتبر "صحيفة نتنياهو"، بما في ذلك وقف إصدار ملحقها الأسبوعي بل وحتى وقف إصدارها في نهايات الأسبوع نهائيا، مقابل انتقال "يديعوت أحرونوت"و "واي نت" من موقف العداء لنتنياهو إلى موقف مؤيد في التغطية الإعلامية.

وأفادت المعلومات الصحافية بأن الحديث يجري عن اتصالات مستمرة بين الطرفين، بما في ذلك لقاءات عديدة جرت بينهما خلال السنوات الأخيرة، ابتداء من العام 2009، عشية الانتخابات البرلمانية التي جرت في ذلك العام وأعادت نتنياهو، على رأس "الليكود"، إلى سدة الحكم في إسرائيل، علما بأن "الحرب الشعواء" بينهما بدأت منذ العام 1996.

وعلم أن اللقاء الأخير بين نتنياهو وموزيس، والذي تم تسجيل وقائعه، جرى في شهر كانون الأول من العام 2014، بمبادرة نتنياهو نفسه، وذلك بعد وقت قصير من إقرار الكنيست مشروع قانون خاص (بمبادرة نتنياهو نفسه) لحل الكنيست وتبكير موعد الانتخابات بالقراءة التمهيدية، في تشرين الثاني 2014، على خلفية إقرار مشروع "قانون إسرائيل اليوم" بالقراءة الأولى. وبقراره حل الحكومة والكنيست وتبكير موعد الانتخابات، نجح نتنياهو في لجم مشروع "قانون إسرائيل اليوم" وإجهاضه.

وكان تسجيل هذه المحادثة قد وُضع على طاولة المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، قبل أشهر عديدة، وكان في صلبها، بحسب الشبهات، أدلة تثبت محاولة لإبرام صفقة "هات وخذ"، يحصل نتنياهو في إطارها على دعم صحيفة "يديعوت أحرونوت" وموقع "واي نت" عشية الانتخابات البرلمانية المنتظرة آنذاك، مقابل استخدام نفوذه لتقليص انتشار صحيفة "إسرائيل اليوم" المجانية، وخاصة في نهايات الأسابيع، مما يعني تحقيق رجل الأعمال موزيس أرباحا تقدر بأموال طائلة. والمعروف أن "إسرائيل اليوم"، التي أصدرها رجل الأعمال الأمريكي شيلدون أديلسون، من أجل خدمة صديقه المقرب، نتنياهو، شخصيا ومباشرة، ابتداء من تموز 2007، توزع مجاناً حتى أصبحت ابتداء من العام 2011 الصحيفة اليومية الأوسع انتشارا في إسرائيل عامة، فاحتلت موقع الصدارة مكان صحيفة "يديعوت أحرونوت" وأصبحت المنافس الرئيسي لها فكبدتها تراجعا كبيرا وحادا وخسائر مالية فادحة.

ونقلت الأنباء عن موزيس أنه "كان واثقا بأن الصفقة مع نتنياهو ستنقذ صحيفة يديعوت أحرونوت"، التي تعرضت لأزمات مادية جدية جراء انتشار صحيفة "إسرائيل اليوم" المجانية. وفي المقابل، كان نتنياهو يستعد آنذاك لخوض معركة انتخابية قاسية يطمح أن تعيده إلى سدة الحكم، فأراد "إحباط هجومات وانتقادات ضده من جانب الصحيفة الأوسع انتشار في الدولة".

ومن بين ما قيل في اللقاء بين الرجلين، كما نشر موقع "والا" الإسرائيلي، أن موزيس قال لنتنياهو: "سوف أدللك في الصحيفة (يديعوت أحرونوت) إذا ما ساعدتني في قانون "إسرائيل اليوم". وعلى ذلك رد نتنياهو بالقول: "سيكون الأمر على ما يرام". ونقلت صحيفة "ذي ماركر" عن "مقربين من موزيس" قولهم إنه صرح أمامهم بأن "نتنياهو وعدني بعدم إصدار "إسرائيل اليوم" في نهاية الأسبوع".

ونقلت "هآرتس" عمن وصفتهم بأنهم "سياسيون عملوا إلى جانب نتنياهو" أن الأخير "يعاني خلال السنوات الأخيرة من بارانويا موزيس"، إذ أنه "مقتنع بأن في حوزة ناشر صحيفة يديعوت أحرونوت خزنة تحتوي على ملفات تتعلق بسياسيين إسرائيليين" وبأنه "يستغل هذه الملفات لتجنيد هؤلاء السياسيين ودفعهم إلى العمل من أجل إسقاط نتنياهو"!

وكان أمنون أبراموفيتش، المعلق في القناة التلفزيونية الثانية، قد كشف أنه "عشية انتخابات 2009، جلس نتنياهو مع أحد معارفه وسأله: هل تملك تأثيرا على أرنون موزيس؟ أريدك أن تستوضح لي هل سيكون مستعدا لتحسين العلاقات بيننا إذا ما قمت بإغلاق صحيفة إسرائيل اليوم".

وقالت القناة التلفزيونية العاشرة إن لقاء نتنياهو وموزيس "جرى بمبادرة وسيطين" وإن خلفية هذا اللقاء كانت "طلب نتنياهو من صحيفة "يديعوت أحرونوت" التكتم على معلومات وصلت إليها عن ابنه البكر، يائير". وخلال اللقاء، طرح موزيس فكرة تغيير موقف الصحيفة باتجاه التغطية الإعلامية الإيجابية عن نتنياهو "مقابل إغلاق ملحق نهاية الأسبوع في صحيفة إسرائيل اليوم".

لكن الحرب بين نتنياهو وموزيس تجددت بعد بضعة أشهر من فشل المفاوضات بينهما في العام 2009، بل تصاعدت حدتها وشهدت احتداما كبيرا وواضحا. وفي نهاية العام 2009، مع بداية فترة حكومة نتنياهو الثانية، أصدرت صحيفة "إسرائيل اليوم" ملحقا أسبوعيا وزعته بمئات آلاف النسخ، مجانا، فردّت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بنشر سلسلة من التحقيقات الصحافية الانتقادية عن نتنياهو ووزير دفاعه آنذاك، إيهود باراك، ثم بتجنيد عدد من أعضاء الكنيست لتقديم مشروع قانون خاص تحت عنوان "تطوير وحماية الصحافة المكتوبة في إسرائيل"، يرمي إلى إغلاق صحيفة "إسرائيل اليوم"، من خلال حظر توزيع صحف مجانية في إسرائيل. وقد أقر الكنيست مشروع القانون هذا بالقراءة التمهيدية يوم 12/11/2014، وهو ما دفع نتنياهو آنذاك إلى تبكير موعد الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، فأقر الكنيست يوم 3/12/2014، بالقراءة الأولى، مشروع قانون لحل الكنيست وتبكير موعد الانتخابات.

وكشف الصحافي بن كسبيت، في صحيفة "معاريف"، عن هوية الشخص الذي قام بتسجيل المحادثة بين نتنياهو وموزيس، بطلب من نتنياهو شخصيا. وقال إن هذا الشخص هو آري هارو، رئيس طاقم ديوان رئيس الحكومة، نتنياهو، سابقا، وإن التسجيل ضُبط، ضمن مواد ووثائق عديدة أخرى، خلال تفتيش أجرته الشرطة في منزل هارو، على خلفية شبهات بتورطه في مخالفات غش واحتيال.

مخالفة جنائية أم "قضية جماهيرية"؟

هذه المعلومات الموثقة، بالصوت، كانت قد وصلت إلى طاولة المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، قبل أشهر عديدة، كما أشرنا. لكن مندلبليت، الذي يعتبر "رجل نتنياهو" (نتنياهو عينه سكرتيرا لحكومته منذ 2013 وحتى 2016، ثم عينه مستشار قانونيا للحكومة، ابتداء من شباط 2016)، قرر التكتم على المعلومات طوال بضعة أشهر حتى اضطر إلى الإعلان، قبل أسبوعين تقريبا، أن "القضية خطيرة من الناحية الجماهيرية وحدّيّة من الناحية الجنائية".

وأشارت الأنباء إلى تباين في المواقف بين طاقم وزارة العدل الذي بحث المعلومات. فقد قدم المحامي أوري كروب وجهة نظر قانونية أكد من خلالها أن مضمون وجوهر المحادثات بين نتنياهو وموزيس "يؤكد وجود عناصر جنائية"، فيما تحفظ النائب العام، شاي نيتسان، والمستشار القانوني، مندلبليت، اللذان استبعدا البعد الجنائي في مضمون المحادثات بين نتنياهو وموزيس. وأشارت الأنباء أيضا إلى أن الشرطة "توصلت، منذ أسابيع عديدة، إلى الاستنتاج بأنه لا مفر من الانتقال إلى تحقيق جنائي علني" وأن ممثلي الشرطة حاولوا إقناع مندلبليت بذلك، لكنه رفض"، حتى اضطر أخيرا إلى إصدار تعليماته إلى الشرطة بالشروع في إجراء تحقيق جنائي علني مع نتنياهو تحت طائلة التحذير.

وأوضح مندلبليت في بيان خاص أصدره بعد جولة التحقيق الثانية مع نتنياهو، يوم الخميس الماضي، أن "المعلومات وصلت قبل ثلاثة أشهر كشبهات أولية، ومنذ ذلك الحين بذلت شرطة إسرائيل جهودا كبيرة لاستيضاح الأمر وجمع الأدلة. وخلال الشهر الأخير، تجمعت أدلة غيّرت خارطة الأدلة في هذا السياق، مما استدعى إجراء تحقيق تحت طائلة التحذير".

وبينما نقلت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية عمن وصفتهم بـ "مقربين من نتنياهو" قولهم إن "نتنياهو كان متفاجئا جدا"، بعد التحقيق معه للمرة الثانية، مساء الخميس الماضي، لأنه "لم يكن يتوقع هذا"، قال نتنياهو، من جهته، لـ"طاقم وزراء الليكود": "ما يمكنني قوله لكم إنني أعرف الآن عما يدور الحديث، وعليه أؤكد لكم، بثقة تامة: لن يصلوا إلى أي شيء، لأن ليس ثمة شيء"!

واعتبر نتنياهو أن التحقيق معه "يندرج ضمن محاولات متواصلة ومرفوضة من جهات إعلامية تمارس الضغوطات على المسؤولين في أذرع تطبيق القانون في البلاد، إلا أن هذه المحاولات ما هي إلا بالونات للاستهلاك الإعلامي"، على حد تعبيره. وكرر توجهه إلى قيادات أحزاب المعارضة وطالبها بـ "التريث وعدم الاحتفال، لأن ليس ثمة ما يدعو إلى الاحتفال"، منوها إلى أن "تغيير الحكم يكون من خلال الانتخابات وصناديق الاقتراع".

وادعى نتنياهو، في جلسة لكتلة "الليكود" في الكنيست، بأنه "يتعرض للملاحقة" بسبب سياسته وأضاف: "صدّقوني، لو كنت أتبنى سياسة أخرى مغايرة لغمروني بالعناق والمحبة، أنا وزوجتي"! وهو ما كرره محاميه، يعقوب فاينروت، أيضا حين قال إن "رئيس الحكومة يتعرض لهجوم متواصل"!

في المقابل، شدد خبراء قانونيون على إنه إذا ما تأكد أن موزيس ونتنياهو حاولا خفض مستوى المنافسة من جانب صحيفة "إسرائيل اليوم" مقابل تحسين التغطية الإعلامية عن نتنياهو في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فليس ثمة شك في أن الأمر يشكل مخالفة جنائية واضحة.

وقال المعلق القانوني في صحيفة "هآرتس"، يوفال يوعاز، إن "العلاقة بين رئيس الحكومة، نتنياهو، وناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أرنون موزيس، الذي يقوم أيضا بمهمة المحرر المسؤول في الصحيفة، كما وثقتها التسجيلات المتوفرة لدى الشرطة، هي علاقة رشوة واضحة لا لبس فيها. إنها علاقة راشٍ ومرتشٍ، سواء كانت الصفقة المقترحة، أو التي تم الاتفاق عليها بينهما، قد خرجت إلى حيز التنفيذ في نهاية الأمر أم لا".

ونوّه يوعاز أن تحليله هذا يستند إلى قرارات حكم قضائية سابقة صدرت عن المحكمة العليا في إسرائيل في قضايا مماثلة.
ورأى المعلق أوري مسجاف، في "هآرتس"، أن "رئيس الحكومة سيواصل الادعاء بأن لا شيء في هذه الملفات كلها، لكن ما تكشف حتى الآن، وخاصة في التسجيلات، من شأنه التعجيل في سقوط نتنياهو وحكومته، إذ يبدو أن عهد نتنياهو قد بلغ نهايته، من الناحيتين الجماهيرية والقضائية". وقال مسجاف إنه "إذا ما تأكد أن هذه التسجيلات قد وضعت على طاولة المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، والنائب العام للدولة، شاي نيتسان، منذ أشهر طويلة، فقد خانا الأمانة والثقة بصورة لا تُغتفر"، ولذلك فإن المواطنين في إسرائيل "يستحقون رفع مندلبليت ونيتسان أيديهم عن معالجة هذه القضايا".

ونقل بن كسبيت، في "معاريف"، عن "مصادر رفيعة في الشرطة" تأكيدها على أن "الحديث يجري عن مخالفة جنائية من جانب رئيس الحكومة". وقال، على لسان "شخص اطلع على مضمون المحادثة بين نتنياهو وموزيس" إنها كانت "محادثة طويلة، قاسية ومثيرة للقرف... كان هنالك تفاوض بين رئيس الحكومة ووزير الاتصالات (نتنياهو) وناشر صحيفة (موزيس) حول تقليص تأثير وانتشار وسلة إعلامية منافِسة، مقابل عطايا وامتيازات. إنها رشوة واضحة. وحتى لو لم يخرج الاتفاق إلى حيز التنفيذ، يبقى الحديث هنا عن رشوة، دون أي شك ودون أية علامات سؤال".

وكتب المعلق أمير أورن، في "هآرتس"، إن "تحولا بعيد المدى فقط، مذهلا وغير متوقع إطلاقا، هو الذي من شأنه إنقاذ نتنياهو من لائحة الاتهام". واعتبر أورن أنه "لن يكون هنالك مناص من اضطرار المستشار القانوني للحكومة، مندلبليت، إلى تقديم لائحة اتهام جنائية ضد رئيس الحكومة الذي عيّنه لهذا المنصب، وذلك بعد سلسلة من المماطلة والتهرب... وستكون هذه سابقة مدوية في تاريخ إسرائيل".

مطالبة نتنياهو بالاستقالة ومندلبليت بالتنحّي واتهام الشرطة بـ"اليسارية"!

حيال ما تكشف حتى الآن عن الشبهات الجنائية الخطيرة التي تحوم حول رئيس الحكومة، نتنياهو، وما تطور على التحقيقات الجنائية بشأنها، تعالت الأصوات في أوساط المعارضة مطالبة نتنياهو بالاستقالة من منصبه والتوقف عن مزاولة مهامه ريثما تستكمل التحقيقات ويتخذ القرار النهائي بشأنها، من خلال التأكيد على أن "نتنياهو فقد مصداقيته الأخلاقية التي تؤهله لإشغال منصب رئيس الحكومة".

فقد قال رئيس الحكومة السابق ووزير الدفاع في حكومة نتنياهو السابقة، إيهود باراك، إن نتنياهو لا يستطيع الاستمرار في إشغال منصب رئيس الحكومة، على خلفية كل ما يُنشر عن تورطه في عدد من فضائح الفساد. وقال باراك، في تغريدة على موقع تويتر، إن "المستقيمين من بين وزراء نتنياهو سوف يضطرون، مرغمين، إلى دفعه نحو الخارج وإلا فسوف سيدفعون الثمن السياسي بأنفسهم".

وقالت وزيرة الخارجية في حكومة نتنياهو السابقة، تسيبي ليفني، إنه "يُحظر على ممثل الجمهور تلقي الهدايا. وحين يقول محاميه إن هذا مسموح، فالجواب هو: غير صحيح". وأضافت: "على نتنياهو أن يقرر: هل هو رئيس حكومة أم زعيم عصابة أوليغاركية... هذه القضايا تكشف أن الحديث يجري عن عائلة تعيش على حساب الآخرين وآمل أننا نرى الآن بوادر نهاية حكم نتنياهو، بفضل هذه التحقيقات".

وقالت عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش (المعسكر الصهيوني) إن "نتنياهو مُلزَم بتعليق عمله كرئيس للحكومة... هذه ليست قضايا رمادية أو حدّيّة، بل حصول واضح على امتيازات مالية غير مشروعة، بمبالغ طائلة، تثير القرف والخجل. إنه فساد بكل معنى الكلمة، إذ لا فرق بين مغلفات الدولارات التي سلمها طالانسكي لأولمرت وبين ما حصل عليه نتنياهو وعائلته ". ورأت يحيموفيتش أن "لا حاجة لانتظار تقديم لائحة اتهام، بل أتوقع من شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي، من كل من يعتبر أن يديه نظيفتان أن يرفض الاستمرار في إشغال أي منصب رسمي تحت رئيس حكومة فاسد".

ودعت رئيسة حزب "ميرتس"، عضو الكنيست زهافا غالئون، المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، إلى التوقف عن معالجة "ملفات نتنياهو"، على خلفية مماطلته في فتح التحقيق ضد نتنياهو "وهو ما يثير قلقا بالغا". وأكدت غالئون إن "نتنياهو لا يستطيع الاستمرار في إشغال منصب رئيس الحكومة ولو ليوم واحد إضافي، حيال هذه الفضائح التي تتكشف يوميا". وقالت: "هذا ليس مجرد جشع فقط، وإنما فساد خطير".

من جهته، أصدر حزب "الليكود" بيانا دفاعيا عن نتنياهو قال فيه: "نقترح على أصدقائنا في اليسار عدم الغرق في أوهام إسقاط حكومة اليمين بهذه الطريقة، وإنما البحث عن طرق أكثر إبداعا لتحقيق هذه الغاية، لأن شيئا لن يخرج من هذه القضايا كلها. ونقترح على المعارضة البحث عن خلاص اليسار في مكان آخر".

واتهم رئيس لجنة الداخلية البرلمانية، عضو الكنيست دافيد إمسالّم (من "الليكود")، رؤساء قسم التحقيقات في الشرطة بأنهم "يساريون ويخدمون اليسار"! وقال إمسالم، الذي تتولى اللجنة البرلمانية التي يرأسها مهمة مراقبة عمل الشرطة الإسرائيلية، إن رئيس قسم التحقيقات، ماني يتسحاقي، "يجمع المعلومات ويعدّ الملفات، بدوافع سياسية"!، مشيرا إلى أن رئيسي قسم التحقيقات السابقين، موشي مزراحي ويوآف سيغلوفيتش، قد انخرطا في العمل السياسي بعد اعتزالهما منصبيهما، إذ انضم الأول إلى حزب "العمل"، بينما انضم الثاني إلى حزب "يوجد مستقبل"، وأضاف: "ثمة شكوك كبيرة بأن اعتباراتهما قد تأثرت بآرائهما اليسارية"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات