المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

طُرحت مبادرة السلام العربية مجددا في الآونة الأخيرة على بساط البحث في إسرائيل، وحسنا أنه جرى ذلك.

ففي الثلاثين من أيار 2016، وفي خطاب ألقاه في مراسم أداء يمين الولاء من جانب أفيغدور ليبرمان إثر تعيينه في منصب وزير الدفاع، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "أود أن أبين بأنني ملتزم بتحقيق السلام مع جيراننا الفلسطينيين ومع جيراننا العرب كافة... إن مبادرة السلام العربية تتضمن مكونات

وعناصر إيجابية يمكن أن تساهم في إجراء مفاوضات بناءة مع الفلسطينيين. نحن مستعدون لإجراء مفاوضات مع الدول العربية بشأن تحديث المبادرة المذكورة بحيث تعكس التغييرات الدراماتيكية التي حدثت في منطقتنا منذ العام 2002، على أن تحافظ على الهدف المتفق عليه المتمثل في حل دولتين لشعبين".

لكن بعد مرور أسبوعين فقط، وفي 13 حزيران 2016، صرح نتنياهو في جلسة وزراء الليكود بأنه لن يوافق أبدا على قبول مبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.

في المقابل، وفي أواسط شهر تموز من هذا العام، قام وفد سعودي برئاسة اللواء المتقاعد أنور عشقي، بزيارة إلى إسرائيل. وقد التقى الوفد السعودي مع مدير عام وزارة الخارجية السابق دوري غولد، ومع منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية (المحتلة)، الجنرال يوآف مردخاي، كما التقى مع مجموعة من أعضاء الكنيست المنتمين للمعارضة وذلك "بغية تشجيع السجال في إسرائيل حول المبادرة العربية".

وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت ازديادا في الضغوطات الدولية على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني من أجل استئناف المفاوضات بين الطرفين، وطرحت في هذا السياق مبادرات مثل مبادرة السلام الفرنسية، والتي أيدتها جميع دول الاتحاد الأوروبي، وتدعو المبادرة إلى عقد مؤتمر دولي من أجل التوصل إلى تسوية سلمية بين إسرائيل والجانب الفلسطيني.

ومما لا شك فيه أن الإحباط الفلسطيني المستمر جراء عدم وجود عملية سلمية من هذا القبيل، تؤدي إلى تحقيق التطلعات الوطنية للفلسطينيين في إطار فكرة "دولتين لشعبين"، يشكل أحد العوامل الرئيسة للانتفاضة الفلسطينية الحالية، والتي تصر الحكومة الإسرائيلية على التقليل من خطورتها ونعتها بأنها مجرد "موجة إرهاب" ليس إلا. كما لو أن ضحايا هذا العنف الفلسطيني ينشغلون فقط في مسألة ما إذا كانوا قد تضرروا جراء موجة إرهاب أو جراء الانتفاضة. وتبذل الحكومة الإسرائيلية من جهتها جهودا كبيرة من أجل منع الهجمات وذلك وفق الشعار المعروف القائل: "إن ما أُخذ بالقوة لا يؤخذ إلا بقوة أكبر".

بناء على ذلك فقد علمنا في الأيام الأخيرة أنه جرى إقامة مركز جديد للشرطة ونشر 1200 شرطي في مختلف الأحياء العربية في القدس الشرقية. غير أن جهات أمنية وإستخبارية عديدة كانت قد عبّرت عن رأيها القائل بأن قمع "الإرهاب" الفلسطيني لا يحتاج فقط إلى إستخدام القوة، وإنما هناك ضرورة وحاجة لمعالجة العامل الرئيس في اندلاع موجة "الإرهاب" الفلسطيني الأخيرة، وهو عدم وجود مفاوضات سياسية تمنح الفلسطينيين "أفقا سياسيا" وأملا في تحقيق تطلعاتهم الوطنية عن طريق إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وكان ملك الأردن عبد الله قد صرح أيضا (في مقابلة مع صحيفة "الدستور" الأردنية نشرت في 15 آب الماضي) بأن "الجمود السياسي وتضاؤل فرص حل الدولتين إنما يؤديان فقط إلى تصعيد التوتر في المنطقة".

كذلك يشعر الجمهور في إسرائيل بالقلق جراء الجمود في مفاوضات السلام وعدم طرح رؤية سياسية واضحة من جانب الحكومة الإسرائيلية الحالية. صحيح أن رئيس الوزراء نتنياهو أقر بفكرة "دولتين لشعبين" في خطابه الشهير في جامعة بار إيلان في 15 حزيران 2009، غير أن نتنياهو أعلن في حملة الإنتخابات الأخيرة بأنه يعارض حاليا إقامة دولة فلسطينية. كذلك صرح نتنياهو في مقابلة مع إحدى محطات التلفزة الأميركية، في 19 آذار 2015، بأن الوقت لم يحن بعد لتجسيد هذه الفكرة، وأن الظروف الجديدة التي نشأت في منطقتنا لا تتيح القيام بذلك في الوقت الحالي.

إن عدم تجسيد هذه الفكرة بالسرعة الممكنة، وبالأساس عن طريق التوصل إلى تسوية إقليمية في "يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، والتخلي عن معظم القرى الفلسطينية التي جرى ضمها لمدينة القدس في أواخر حزيران من العام 1967 ("القدس الشرقية")، يشكل خطرا، ليس فقط على أمننا الشخصي كعامل محفز لـ "الإرهاب" الفلسطيني المستمر، وإنما أيضا على الطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل!

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى الأقوال التي أدلى بها الكاتب عاموس عوز في محاضرة ألقاها في المركز المتعدد المجالات في هرتسيليا في كانون الثاني من العام 2013 والتي جاء فيها قوله: "إن لم تقم هنا دولتان وبسرعة، فإن من المحتمل جداً أن تؤدي إعاقة قيام دولة عربية تمتد من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، إلى سيطرة مؤقتة لسلطة دكتاتورية يقودها يهود متعصبون، دكتاتورية ذات سمات عنصرية تقمع بقبضة من حديد السكان العرب ومعارضيها اليهود على حد سواء. إن مثل هذه الدكتاتورية لن تُعمر طويلا. ويمكن القول إنه لم يسبق أن عمرت طويلا في العصر الحديث أي دكتاتورية تستند إلى حكم أقلية تقمع الأغلبية. ففي نهاية هذا الطريق أيضا ستكون في انتظارنا دولة عربية تمتد من النهر إلى البحر، ولربما تسبق ذلك أيضا مقاطعة دولية، أو حمام دماء، أو كلاهما معا"!

أهمية مبادرة السلام العربية

على هذه الأرضية يجدر بنا أن نبين مرة وإلى الأبد بأن من الصعب المبالغة في أهمية مبادرة السلام العربية وإن كانت تصلح لأن تشكل بالتأكيد أساسا لمفاوضات للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

وكانت مبادرة السلام هذه ذاتها قد أقرت مجددا من قبل الدول العربية في قمتها التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض، في نهاية شهر آذار للعام 2007، والتي تتألف من البنود الأربعة التالية:
• إنسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها (ومن ضمن ذلك هضبة الجولان وجنوب لبنان والقدس الشرقية) إلى حدود الرابع من حزيران 1967.
• إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على جميع الأراضي المذكورة (ومن ضمن ذلك قطاع غزة) تكون القدس الشرقية عاصمة لها.
• التوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194.
• في مقابل تحقيق البنود الثلاثة المشار إليها، تعلن جميع الدول العربية عن إنهاء النزاع الإسرائيلي – العربي، وموافقتها على إقامة علاقات سلام شامل مع إسرائيل.

ويشار إلى أن مبادرة السلام ذاتها مقبولة لدى جميع الدول العربية والإسلامية (56 دولة)، ما عدا إيران. وعليه، فإن التوصل إلى اتفاق سلام يستند على هذه المبادرة سيحقق لإسرائيل للمرة الأولى منذ قيامها إعترافا بوجودها كدولة من جانب جميع الدول العربية والإسلامية وسائر الدول والجهات المؤيدة لها، وإعترافا دوليا للمرة الأولى أيضا بسيادة إسرائيل في القدس الغربية كعاصمة لها. إن من شأن مثل هذا الاتفاق أن ينهي 49 عاما من الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ("المناطق المدارة") وللشعب الفلسطيني القاطن في هذه الأراضي.

إن الحديث لا يدور هنا حول تهدئة ووقف لإطلاق النار أو اتفاقية انتقالية كما هو مألوف حتى الآن بين إسرائيل والفلسطينيين، وإنما حول إنهاء النزاع وإبرام اتفاقية سلام شامل.

ولم يعد الحديث يدور حول معاهدة سلام بين إسرائيل وبين دولة عربية واحدة (مثل معاهدة السلام مع مصر أو معاهدة السلام مع الأردن)، وإنما حول معاهدة سلام مع كل الدول العربية مجتمعة. كذلك فإن الحديث لم يعد يدور حول مشروع حل أكاديمي أعده باحث أو سياسي أو طاقم من الشخصيات العامة أو الخبراء غير الرسميين (مثل مبادرة جنيف) وإنما حول مشروع حل أقرته السلطات الرسمية في 22 دولة عربية، وتؤيده جميع الدول الإسلامية في العالم ما عدا إيران.

إن من المألوف القول لدينا بأنه لا يوجد لدى الفلسطينيين شريك جدي لصنع السلام مع دولة إسرائيل. ولكن ألا يمكن لـ 22 دولة عربية أن تكون شريكا من هذا النوع؟!

على الرغم من ذلك فإنه لم تبدأ حتى الآن مفاوضات في هذا الصدد بين إسرائيل وبين الفلسطينيين والدول العربية. ومع ذلك، ورغم أن مبادرة السلام العربية بصيغتها الحالية، ليست مقبولة لدى إسرائيل، إلا أن هذه الأخيرة لم ترفضها رفضا باتا. ففي أعقاب إعادة المصادقة على هذه المبادرة في مؤتمر القمة العربية في الرياض في نهاية آذار 2007، صرح رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت، إيهود أولمرت قائلا: "إن قمة الرياض تعتبر بالتأكيد مسألة جادة" وأكد أن إسرائيل معنية بفتح حوار مع المملكة السعودية ومع الدول العربية الراغبة في السلام مع إسرائيل.

وفي الحقيقة فقد زار إسرائيل في 25 تموز 2007 وزيرا خارجية كل من مصر والأردن كموفدين لجامعة الدول العربية، والتقيا مع الزعامة السياسية لدولة إسرائيل (رئيس الوزراء، وزير الدفاع وأعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست) بهدف الشروع في مفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية حول تنفيذ مبادرة السلام المذكورة ومن ضمن ذلك بين إسرائيل والدول العربية. غير أن مثل هذه المفاوضات لم تجري حتى الآن.

لقد عاد رئيس الوزراء نتنياهو وأكد (صرح بذلك في 30 أيار الماضي) بأنه يؤيد حل الدولتين. إن من الواضح أن معظم الأراضي التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية العتيدة ستكون في مناطق "يهودا والسامرة"، وقد سبق أن أعلنت إسرائيل في مؤتمر كامب ديفيد الثاني في تموز 2000، بأنها ستكون مستعدة، في نطاق التوصل إلى اتفاق سلام، للانسحاب من معظم (حوالي 90 في المئة) أراضي الضفة الغربية، بإستثناء ثلاث كتل إستيطانية كبيرة وهي "أريئيل"، "معاليه أدوميم" و "غوش عتصيون". إن من الممكن إذن إجراء مفاوضات مع المبدأ الأول في مبادرة السلام العربية المذكورة.

القدس

فيما يتعلق بالقدس الشرقية، سبق أن أوضحت إسرائيل في مؤتمر كامب ديفيد أنها ستكون مستعدة في نطاق اتفاق سلام للتخلي عن سيادتها في الأحياء العربية الواقعة في الغلاف الخارجي لمدينة القدس، غير أنها ترفض بشدة التخلي أو التنازل عن سيادتها في الأحياء العربية الواقعة داخل مدينة القدس، ومن ضمن ذلك البلدة القديمة. هذا ناهيكم عن أن اسرائيل غير مستعدة للتخلي بأي حال من الأحوال عن سيادتها المطلقة في 13 حيا يهوديا جديداً شيدت بعد حزيران 1967 في مناطق واقعة ضمن حدود الضفة الغربية جرى ضمها إلى مدينة القدس، وفي "جبل الهيكل" (الحرم القدسي الشريف) وحائط المبكى والمقبرة اليهودية في جبل الزيتون والتي تقع كافتها في بلدة القدس القديمة وجوارها.

إن من غير الممكن التوصل إلى اتفاق سلام بيننا وبين الفلسطينيين بدون مفاوضات، ذلك لأن لكل طرف بطبيعة الحال مصالح مختلفة ووجهة نظر مغايرة حول الجوهر المرغوب لاتفاق السلام بينهما. إن من حق إسرائيل التمسك بمبدأ وحدة القدس إلى الأبد، ولكن نظرا لأن الفلسطينيين يتبنون موقفا معاكسا، ولأنهم مصرون على إعادة تقسيم القدس من جديد، وإقامة عاصمة دولتهم في شطرها الشرقي، فإنه لا مناص من إجراء مفاوضات للتوصل إلى تسوية في مدينة القدس أيضا. كذلك فقد تعهدت إسرائيل بذلك في اتفاقية أوسلو (13/9/1993) وذلك في نطاق المفاوضات حول التسوية الدائمة بين إسرائيل والفلسطينيين.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الجمهور الاسرائيلي وزعماءه وسعوا القدسية المنسوبة للقدس القديمة (التي امتدت في فترة الهيكل الثاني على مساحة تبلغ حوالي ربع كيلو متر مربع – 250 دونم فقط) وسحبوا هذه القدسية ليس فقط على القدس الغربية وإنما أيضا على كامل المنطقة التي جرى ضمها للقدس في نهاية حزيران 1967 كما أسلفنا. وبما أن الجميع متفقون على أنه لا مناص من تسوية إقليمية في "يهودا والسامرة" في نطاق تسوية سلمية فإنه ما من ولا يجوز أن تكون هناك أية صعوبة بالتوصل إلى حل وسط في مناطق "يهودا والسامرة" التي ضمت للقدس.

بناء على ذلك فإن الموقف القائل بأن القدس ليست موضوعا للتفاوض وأنها ستبقى إلى الأبد العاصمة الموحدة والكاملة لدولة إسرائيل، لا يعتبر ببساطة موقفا صحيحا كما أنه ليس واقعيا. غير أنه يتضح بأن نتنياهو وحكومته يعون ذلك في قرارة أنفسهم، فقد تفحصت الخطوط العريضة لجميع الحكومات الإسرائيلية وجميع الاتفاقات الإئتلافية، ولاحظت أنه وخلافا للماضي (خلافا للخطوط العريضة لحكومات رابين وشارون وأولمرت) لم يرد ذكر القدس نهائيا في الخطوط العريضة للحكومات التي ترأسها بنيامين نتنياهو (ومن ضمنها الحكومة الحالية) أو حتى في الاتفاقات الإئتلافية التي أبرمها حزب الليكود مع الأحزاب المكونة لحكومة نتنياهو الحالية.

من المرجح أن هذا التغيير ينبع من الفهم والإدراك بأنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق سلام من دون تسوية جغرافية في مدينة القدس أيضا، وأنه ينبغي أن تترك للحكومة إمكانية للتفاوض حول هذا الموضوع أيضا. وفي الحقيقة فقد أجاب نتنياهو خلال مشاركته في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية الذي عقد في مطلع شهر تموز من العام 2010، على سؤال بشأن مستقبل مدينة القدس بقوله: "هناك أحياء يهودية في القدس، ستبقى في مكانها ضمن أية خطة أو مشروع للسلام". من الواضح أن رئيس الوزراء نتنياهو كان يقصد بأن ثمة أحياء يهودية في القدس الشرقية ستبقى دائما تحت السيادة الإسرائيلية. ولكن بما أن رئيس الوزراء لم يقل أن "جميع الأحياء اليهودية في القدس الشرقية ستبقى تحت سيادة إسرائيل"، فهل يمكن الإستنتاج من ذلك بأن عدداً من الأحياء اليهودية في شرقي القدس لن يبقى تحت سيادة إسرائيل.

لقد سبق أن أعلنت إسرائيل عن استعدادها إعطاء الفلسطينيين مناطق بديلة مقابل المناطق التي ليس لديها استعداد للتخلي عن سيادتها فيها. كذلك فقد أعلن ممثلون رفيعو المستوى للعائلة الملكية الحاكمة في السعودية، صاحبة مبادرة السلام العربية، بأنهم يوافقون على مبدأ تبادل الأراضي. وإذا ما أُخذ بنظر الإعتبار أن "جبل الهيكل" هو المكان الأكثر قدسية في العالم بالنسبة لليهود، لكن كبار علماء التوراة اليهود يحظرون دخول اليهود إلى المكان، وأن هذا المكان هو الثالث من حيث قدسيته لدى العالم الإسلامي فإنه يصبح من الجدير إجراء مفاوضات حول هذا الموضوع أيضا تتناول على سبيل المثال إقامة هيئة دولية تتولى إدارة هذا المكان المقدس لدى العديد من الأديان، وتضمن حقوق أبناء الديانات فيه.

مشكلة اللاجئين

إلى ذلك فإن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قابلة للحل أيضا في المفاوضات.

وفي الواقع فإنه بموجب قرار الأمم المتحدة 194 لجميع اللاجئين الفلسطينيين الحق في العودة إلى بيوتهم القديمة، وهو ما يؤسس الفلسطينيين بناء عليه حق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم في دولة إسرائيل. غير أن إسرائيل أوضحت للفلسطينيين في مناسبات كثيرة أنها ترفض بشدة تجسيد الحق المذكور داخل حدودها وأن ذلك يمكن أن يتم فقط في أراضي الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها في المناطق التي ستنسحب إسرائيل منها في إطار تسوية سلمية شاملة ونهائية، وذلك لأن عودة ملايين اللاجئين إلى داخل إسرائيل سيؤدي إلى تصفية الدولة.

وقد كانت الدول العربية تعي وتدرك معارضة إسرائيل القاطعة لتجسيد حق العودة داخل أراضي دولة إسرائيل، ولذلك فقد قيدت تلك الدول تجسيد هذا الحق في إطار مبادرة السلام العربية بشرطين لا يتضمنهما قرار الأمم المتحدة رقم 194، ويتيح هذان الشرطان إجراء مفاوضات حول طريقة تجسيد حق العودة المذكور، ليس بالذات بناء على القرار المذكور ذاته.

وفقا للشرط الأول ينبغي للحل أن يكون "عادلا" بمعنى أنه يمكن لإسرائيل القول في المفاوضات إنه ليس من العادل إعادة ملايين اللاجئين إلى أراضيها.

ووفقا للشرط الثاني ينبغي للحل أن يكون "متفقا عليه"، بمعنى أن إسرائيل يجب أن توافق عليه، ومن ضمن ذلك على عدد اللاجئين الذين سيسمح لهم بالعودة والإقامة في إسرائيل، إذا ما تم الاتفاق على ذلك، ولا يدور الحديث هنا حول تنفيذ أوتوماتيكي للقرار 194. بناء على ذلك من الواضح أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أيضا قابلة للحل في المفاوضات.

لقد سبق أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية رفضها لمبادرة السلام الفرنسية الداعية إلى عقد مؤتمر دولي بهدف التوصل إلى تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك بحجة عدم وجود بديل للمفاوضات المباشرة.

إن مبادرة السلام العربية تشكل أساسا صالحا لمثل هذه المفاوضات. وإذا ما رفضت إسرائيل هذه المبادرة أيضا، فإنه ستظهر في نظر مؤيديها في العالم كرافضة للسلام وهو ما سيضر بالتالي في التأييد لها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات