المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أقر الكنيست، يوم الأربعاء الماضي، مشروع قانون شرعنة المستوطنات "غير القانونية"، والمسمى "قانون التسوية"، بالقراءة التمهيدية، وذلك بتأييد أعضاء الكنيست من الكتل والأحزاب الائتلافية المختلفة.

ويأتي مشروع "قانون التسوية" لتنظيم وشرعنة البناء الاستيطاني ليس في مستوطنة "عمونه" وحدها ـ على خلفية قرار المحكمة العليا الأخير الذي رفض منح الحكومة مهلة زمنية أخرى وتأجيل تنفيذ قرار المحكمة السابق بتنفيذ الإخلاء في "عمونه" حتى نهاية شهر كانون الأول القادم ـ وإنما في بؤر استيطانية أخرى عديدة في الضفة الغربية تُعتبر في القاموس الإسرائيلي "غير قانونية"، أقيمت جميعها على "أراض فلسطينية خاصة" وبدون قرار حكومي. غير أن الفارق بين بؤرة "عمونه" والبؤر الاستيطانية الأخرى، في هذا السياق، هو أن القانون الجديد ينظم ويشرعن البناء في "عمونه" بأثر رجعي ـ نظرا لصدور قرار محكمة بشأنها يقضي بإخلائها ـ بينما ينظم ويشرعن البؤر الاستيطانية "غير القانونية" الأخرى، من الآن فصاعدا بأثر مستقبلي.

ولهذا، يثير مشروع القانون إشكاليات قانونية حادة دفعت المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، إلى التصريح العلني بموقفه المعارض لسن هذا القانون والتأكيد على أنه لن يستطيع الدفاع عنه (ممثلا للدولة والحكومة) أمام "محكمة العدل العليا" في حال تقديم التماس، أو أكثر، ضده للمطالبة بشطبه (القانون) وإلغائه بدعوى كونه "غير دستوري". وقد ذهب رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، يوحنان بليسنر، إلى حد القول إن اقتراح القانون الجديد "يفتت البنية القانونية القاعدية التي يقوم عليها مشروع الاستيطان الإسرائيلي"!
وقد أشار بعض الخبراء القانونيين في إسرائيل، خلال الأيام الأخيرة، إلى أبرز الإشكاليات القانونية المركزية التي يثيرها مشروع القانون الجديد. فقد نشر "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، الأسبوع الماضي، "ورقة موقف" تضمنت رأيا استشاريا أعده البروفسور عميحاي كوهين، مدير "مشروع الأمن القومي والديمقراطية" في المعهد والخبير في القانون الدولي، قدمها (المعهد) أيضا إلى كل من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ورؤساء الأحزاب السياسية المشاركة في الائتلاف الحكومي، تشرح "أسباب كون هذا القانون مرفوضاً ولا يمكن القبول به"!

"توقيت تعيس جدا"!

وأشارت "ورقة الموقف" هذه إلى أن مشروع القانون الجديد "سيؤدي إلى إلغاء بالجملة لقرارات سابقة صادرة عن المحكمة العليا الإسرائيلية وإلى مس جدي، عميق وخطير، بمكانة هذه المحكمة؛ كما أنه يتناقض، تناقضا صارخا، مع القانون الدولي ومع التزامات وتعهدات إسرائيل في هذا المجال؛ وسيكرس التمييز ويؤدي إلى مس خطير وغير دستوري بحق الملكية المكفول للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية (وفق القانون الدولي)؛ وسيشكل دفعة دعم قوية لنشطاء حركة المقاطعة (BDS) في مختلف أنحاء العالم وستكرس مكانة دولة إسرائيل أمام المجتمع الدولي بوصفها دولة تقوم بضم المناطق المحتلة الفلسطينية".

وتضيف "ورقة الموقف" هذه أن مشروع القانون الجديد يلقي بظلال ثقيلة على شرعية المشروع الاستيطاني الإسرائيلي "في يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) برمّته ويوجه رسالة واضحة مفادها أن دولة إسرائيل تضرب عرض الحائط بالقانون الدولي ومؤسساته ولا تعيرها أدنى اهتمام أو احترام، وهو "ما ينطوي على احتمال صدور ردود فعل قاسية وحادة من جانب هذه المؤسسات".

من جهة أخرى ـ تضيف "ورقة الموقف" ـ ينطوي مشروع القانون الجديد، بصيغته الحالية، على مس خطير بمكانة الجهاز القضائي في إسرائيل، إذ "ليس ثمة نموذج معروف من قبل عن إقدام الكنيست على سن قانون يلغي قرارات حكم قضائية صادرة عن المحكمة بأثر رجعي (كما يحصل هنا)، وخاصة في نزاعات ملكية محددة (كما هي الحال هنا). وللتأكيد، فإن الحديث لا يجري هنا عن "قانون التفافي على المحكمة العليا" يطرح الكنيست من خلاله تفسيراً آخر، مغايرا، يختلف عن تفسير المحكمة العليا ويعتبر أن تفسير المحكمة لنص قانوني معين ينبغي أن يتم تغييره، وإنما الكنيست يضع نفسه ـ من خلال هذا القانون الجديد ـ هيئة استئنافية عليا على قرارات قضائية صادرة عن المحكمة العليا. ولهذا، فإن مشروع القانون الجديد يتناقض مع مبدأ فصل السلطات ويشكل مساً عميقا وخطيرا بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها المنظومة السياسية والقضائية في إسرائيل".

ومن جهة أخرى، ثالثة، ينطوي مشروع القانون الجديد ـ كما تضيف "ورقة الموقف" ـ على مس عميق وغير تناسبي بحقوق السكان الفلسطينيين في الملكية (على أراضيهم).

وأشار البروفسور عميحاي كوهن إلى أن "توقيت طرح مشروع القانون تعيس جدا. فالمدعية في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي كانت قد صادقت، مطلع العام الجاري، على عضوية "دولة فلسطين" في هذه المحكمة، وهو ما يخول الادعاء في المحكمة صلاحية التحقيق في شكاوى تتعلق بممارسات إسرائيل في الضفة الغربية". وأضاف: "لا حاجة إلى كلام كبير وكثير حول الضرر الذي سيلحق بصورة دولة إسرائيل وعلاقاتها مع دول أخرى، إذا ما قررت المحكمة الجنائية الدولية الشروع في إجراء تحقيق جنائي وتقديم الإسرائيليين الضالعين في المشروع الاستيطاني إلى محاكمات جنائية. ذلك أن البند الصريح الوارد في نص مشروع القانون والذي يعتبره خطوة داعمة لاستمرار الاستيطان قد يتم تفسيره بأنه استفزاز وتحد للمجتمع الدولي عامة، وللمحكمة الجنائية الدولية خاصة، ولهذا فهو عديم المسؤولية تماما في هذا التوقيت"!

ويلفت كوهن، أيضا، إلى أن مشروع القانون الجديد ينطوي على تمييز صريح وصارخ بين مصالح المستوطنين الإسرائيليين، وجميعهم من اليهود، وبين السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، ذلك أنه ينص، صراحة، على أن أي بناء، حتى لو كان غير قانوني، مقام على أرض فلسطينية خاصة يمكن إعلانها "أراضي دولة"، تتم شرعنته والتصديق عليه بصورة فورية، شريطة أن يكون تابعا لمستوطنين يهود. بينما من الواضح، في المقابل، أن أي بناء غير قانوني تابع لفلسطينيين على الأرض نفسها تماما، بمحاذاة البؤرة الاستيطانية اليهودية، سيكون مصيره الهدم الفوري. "ولهذا، ففي مسعاه "لإنقاذ" مبان استيطانية أقيمت دون ترخيص مسبق، قد يؤدي القانون، إذا ما تم تشريعه، إلى "وضع علامة سؤال كبيرة على شرعية مشروع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية برمّته"!

ويخلص كوهن إلى القول إنه فيما يتعلق بمكانة إسرائيل الدولية، "يخلق هذا القانون وضعا يبدو فيه الاعتماد على المحكمة العليا الإسرائيلية ورقابتها القضائية، طوال السنوات السابقة، باعتبارها مصدر الشرعية القانونية الدولية ـ سيبدو هذا الاعتماد تمويها واضحا، إن لم يكن خداعا صريحا. وعلاوة على هذا، فالقانون يشكل مساً خطيرا بسلطة القانون وسيادته قد تكون له إسقاطات بعيدة الأثر وقاسية جدا، وخصوصا فيما يتعلق بمكانة قرارات محكمة العليا والقدرة على اعتمادها والوثوق بها"!

تغيير قواعد اللعبة في ثلاث قضايا مركزية

من جهته، اعتبر د. آدم شنعار، الخبير في القانون الدستوري والمحاضر في "المركز المتعدد المجالات" في مدينة هرتسليا، أن مشروع "قانون التسوية" يضع إسرائيل أمام مشكلة سياسية، لا قضائية! ذلك أن "الأمور واضحة تماما: ثمة من اقتحم أرضاً ليست له، بنى عليها بصورة غير قانونية وبدون ترخيص مسبق، كما يقتضي القانون، والدولة تعترف بهذا وبأن الأرض ليست لها وينبغي إخلاء ما بني عليها. هذا ما يجب على دولة إسرائيل فعله، أما مشروع القانون الجديد فينبع من حقيقة أن الحكومة ليست معنية بتنفيذ قرار الحكم الصادر عن المحكمة العليا"!


ويضيف شنعار، في مقابلة مع موقع "دفار ريشون" الإسرائيلي (20/11)، إن "قانون التسوية" سيؤدي، مستقبلا، إلى تغيير "قواعد اللعبة" في ثلاث قضايا جوهرية ومركزية هي: 1. سلب الممتلكات الخاصة والاستيلاء عليها بالقوة وبطريقة غير قانونية؛ 2. فرض السيادة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية، من خلال تشريع قانوني يقره الكنيست بما يتناقض، جوهريا، مع القانون الدولي وأحكامه؛ 3. تشريع استثنائي وشاذ تماما يلغي قرارات حكم قضائية نهائية صادرة عن المحكمة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات