المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

افتتح الكنيست يوم الاثنين (أمس)، دورته الشتوية التي ستستمر قرابة 6 أشهر، وفي الثلث الاول منها سيكون الانشغال الأساس في اقرار الموازنة العامة للعامين المقبلين 2017 و2018. ولا تبدو أي عقبات أمام هذه المهمة بعد اقرارها في الحكومة بسهولة. وأداء المعارضة في العطلة الصيفية، التي استمرت 12 أسبوعا، يساعد على رسم المشهد السياسي في الكنيست في دورته الجديدة، إذ أن الائتلاف متماسك خاصة بعد اقرار ميزانية عامة لعامين، في حين أن المعارضة متناحرة، بشكل لا يجعل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بحاجة إلى توسيع الائتلاف، رغم الأحاديث حول مفاوضات جارية بين نتنياهو ورئيس المعارضة إسحاق هيرتسوغ، الذي من شأن انضمام حزبه إلى الحكومة أن يساهم في اضعاف الحزب أكثر مما يبدو في استطلاعات الرأي حاليا.

وقد عاد الكنيست من دورته الصيفية وعقد خلالها جلسة واحدة استثنائية، رغم الكثير من الأحداث الداخلية التي كان على المعارضة أن تطالب بعقد جلسات استثنائية بشأنها. وللمقارنة ففي العطلة الصيفية في العام 2015 تم عقد خمس جلسات استثنائية. وقد يكون هناك في ما مضى أداء ضعيف للمعارضة في العطلة البرلمانية، كما كان في العام 2014، ولكن في حينه كانت إسرائيل منشغلة بالحرب على قطاع غزة وتبعاتها، إلى جانب مؤشرات لانهيار الائتلاف الحاكم في حينه، وهذا ما لم يكن موجودا في العطلة المنتهية.

الائتلاف وأحاديث عن توسيعه

تحدثت أنباء في الاسابيع القليلة الماضية عن مفاوضات من وراء الكواليس جرت بين مستشاري نتنياهو ورئيس حزب "العمل"، رئيس تحالف "المعسكر الصهيوني"، إسحاق هيرتسوغ، حول انضمام الأخير مع كتلته إلى الائتلاف الحاكم. وحتى أن القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي عرضت تفاصيل "دقيقة" لتوزيع الحقائب، وحتى تبدل الحقائب بين الوزراء الحاليين. إلا أن هيرتسوغ نفى نفيا قاطعا الأمر، وتبعه نواب بارزون في حزبه، منهم من أعلن عدم معرفته، وآخرون أعلنوا رفضهم للفكرة. ورغم هذا فإن التقارير الاخبارية، وخاصة من القناة ذاتها، واصلت النشر في هذا الشأن.

في الحسابات المجرّدة، فإن رئيس حزب "الليكود" رئيس الوزراء نتنياهو ليس بحاجة لتوسيع ائتلافه الذي يرتكز رسميا على 66 نائبا من أصل 120 نائبا. وهو ائتلاف متماسك، رغم ما يظهر من حين إلى آخر من بعض النقاشات، وبشكل خاص بين تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، بزعامة وزير التعليم نفتالي بينيت، وبين حزب الليكود. وأمام تماسك الائتلاف هناك معارضة مشتتة ومتناحرة في ما بينها، ما يجعل الغالبية الساحقة جدا من مهمات الائتلاف في أروقة الكنيست سهلة التنفيذ.

وللتذكير، فإن الائتلاف الحاكم يرتكز على كتلة "الليكود" ولها 30 نائبا. ثم حزب "كولانو" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، وله 10 مقاعد. وتحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، وله 8 مقاعد. وحزب "شاس" للمتدينين المتشددين "الحريديم" من اليهود الشرقيين، وله 7 مقاعد. وكتلة "يهدوت هتوراة" للحريديم الأشكناز، ولها 6 مقاعد. وأخيرا حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي انضم إلى الحكومة في مطلع شهر حزيران الماضي، وله 5 مقاعد، بعد أن انفصلت عن كتلته النائبة أورلي ليفي أبوكسيس، التي يبقى أداؤها مهادنا أكثر للائتلاف.

في المقابل، فإن المعارضة تتشكل من ثلاث كتل متناحرة، هي من حيث الحجم: كتلة "المعسكر الصهيوني"، التي تضم حزب "العمل" وحزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني، وللكتلة 24 مقعدا. ثم "القائمة المشتركة" التي لها 13 مقعدا، وهي تحالف أربعة أحزاب تمثل الشارع الفلسطيني. والكتلة الثالثة "يوجد مستقبل"، بزعامة يائير لبيد، ولها 11 مقعدا. وتنضم للكتل الثلاث النائبة أبو كسيس السابق ذكرها.

وكتل المعارضة الثلاث لا يوجد ما يوحدها، وإذا كان مفروغا منه أن "القائمة المشتركة" في خلاف جوهري مع كتلتي "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل"، فإن هاتين الكتلتين في حالة تنافس شديد على أصوات ما يسمى "الوسط". وقد اشتدت المنافسة والتناحر أمام سلسلة استطلاعات الرأي، التي تتنبأ بفقدان "المعسكر الصهيوني" حتى نصف مقاعده في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة، بينما "يوجد مستقبل" سيضاعف عدد مقاعده.

وكما ذكر، في الحسابات المجرّدة، المبنية على الحسابات الحزبية وأجواء الشارع الإسرائيلي، فإن انضمام "المعسكر الصهيوني" إلى ائتلاف نتنياهو سيساهم في اضعافه أكثر، لأنه سيكون عاجزا عن تغيير أي شيء، سوى الغوص أكثر في الانسجام مع السياسات اليمينية المتطرفة، لأن التطرف في ائتلاف نتنياهو عنوانه الأكبر، ليس "البيت اليهودي"، ولا حتى حزب أفيغدور ليبرمان، بل حزب "الليكود" ذاته، الذي بات ذا لون واحد، ولا يوجد ما يميزه عن أداء أشد أحزاب المستوطنين تطرفا، إن كان على مستوى الكنيست والحكومة، أو على مستوى العمل الميداني.

الدورة الجديدة

كما ذكر، فإن على أجندة الدورة الشتوية الجديدة، في ثلثها الاول، اقرار الموازنة العامة للعامين المقبلين 2017 و2018. وحسب المؤشرات فإن هذه الميزانية ستقر دون أي عقبات، ذلك أنه تم اقرار الميزانية في الصيف الماضي بإجماع الحكومة، ولم تبد أي من الكتل المشاركة اعتراضات جوهرية، وكما يبدو بعد أن تلقت كل واحدة من الكتل مطالبها. وجرت العادة أنه حينما تقر الحكومة الميزانية بهذه السهولة، فإن هذه الحال تسري أيضا على الائتلاف الحاكم.

وحتى الآن سمعنا عن اعتراضات تعد هامشية، مثل اعتراض أعضاء كنيست، خاصة من حزب الليكود، على فرض ضريبة على من يملك ثلاثة بيوت وأكثر. كما ظهرت اعتراضات على حجم قانون التسويات، المرافق لقانون الميزانية، الذي يضم سلسلة من القوانين والاجراءات الإدارية. وحسب ما نشر في وسائل الإعلام، فإن الحكومة وافقت على طلب رئيس الكنيست يولي إدلشتاين تقليص حجم قانون التسويات، الذي يُعد مناقضا لأسس الديمقراطية البرلمانية، كونه يجمد قوانين أقرها الكنيست وتحتاج إلى ميزانيات، كما ينص على اجراءات وأنظمة، في مجملها تعد ضربات اقتصادية للشرائح الفقيرة والضعيفة.

إلى جانب هذا، سيكون على أجندة الكنيست عدد من القوانين العنصرية وأخرى كتلك التي تعزز مكانة "شعبة الاستيطان" في اتحاد "الهستدروت الصهيوني العالمي". ومن بين هذه القوانين من دخل في مراحل التشريع في الدورات الثلاث السابقة منذ انتخابات 2015.

وعلى المستوى العام سيكون جدل برلماني حاد حول مشروع القانون الذي يمنح صلاحيات واسعة لشعبة الاستيطان السابق ذكرها، وقد تم إقرار هذا القانون بالقراءة التمهيدية في الدورة الشتوية السابقة، بمبادرة النائب المتطرف، من كتلة "البيت اليهودي" بتسليئيل سموتريتش، بعد أن أيدت الحكومة مشروع القانون من حيث المبدأ. وفي الشهر الماضي، أقرت الحكومة تعديلا على مكانة شعبة الاستيطان، بما هو قريب لمشروع القانون، ما يعني استئناف عملية تشريعه في الدورة الشتوية الجديدة. وتعترض على هذا القانون كتلتا "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل"، اضافة إلى المعارضة المبدئية من نواب "القائمة المشتركة".

ويرى المعارضون في كتلتي "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" أن هذا القانون يمنح صلاحيات لشعبة الاستيطان، على حساب صلاحيات الحكومة، ويطلق اليد للمستوطنين بمشاريع بنيوية، وتوزيع موارد، برقابة حكومية ورسمية أقل.

كذلك فإن الكنيست سيواصل تشريع واحد من أخطر قوانين التنظيم والبناء التي طرحت منذ سنوات، ما عُرف بتسمية "قانون كامينيتس"، والهدف منه هو وضع آليات وأنظمة من شأنها أن تسرّع تدمير عشرات آلاف البيوت غير المرخصة في المجتمع العربي، التي تبنى غالبيتها الساحقة جدا على أراضي أصحاب البيوت، ولكن الأراضي خارج مسطحات البناء بفعل تضييق الخناق على البلدات العربية، ورفض الحكومة توسيع مناطق نفوذها، على الرغم من حالة التفجر السكاني التي تواجهها.

على الرغم من هذا، فإن الائتلاف قد يشهد بعض حالات الصدام في مسألة التشريعات، خاصة بعد ما أعلنت وزيرة العدل أييليت شاكيد، بأنها ستسعى إلى سن قوانين وتشجيع مبادرات قوانين تسعى إلى تعزيز الهوية اليهودية. وفي خلفيات هذا التصريح عدة فئات من القوانين. وعلى الرغم من أن الوزيرة علمانية، لكنها في تحالف يسيطر عليه التيار الديني الصهيوني، إلا أنها كما يبدو ستدعم مشاريع قوانين تعزز الاكراه الديني، مثل قوانين السبت، ومنع حركة المواصلات والحركة التجارية.

والقضية الأبرز في هذا التصريح أنه قد يكون مقدمة لطلب كتلتها البرلمانية "البيت اليهودي" الدفع نحو اقرار قانون ما يسمى "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي". فهذا القانون الذي يطرح على جدول أعمال الكنيست منذ العام 2011، ويساهم في طرحه حاليا كما في السابق نواب من حزب "الليكود"، هو موضوع خلافي في الائتلاف الحاكم، برغم الاجماع حول كل البنود التي تستهدف الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.

وتعترض عليه من حيث الجوهر كتلتا المتدينين المتزمتين "الحريديم"، "شاس" و"يهدوت هتوراة" وخاصة على بنود تتعلق بالشؤون الدينية، إذ تطالبان بدور أكبر للشريعة اليهودية في سن القوانين. كذلك فإن مجرد مصادقة الكتلتين على صيغة "إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي"، بقصد الكيان الإسرائيلي الحالي، فإن "الحريديم" يكونون بذلك قد نسفوا تمسكهم بما جاء في التوراة أن "مملكة إسرائيل" يقيمها المسيح حينما يأتي لأول مرّة إلى العالم. وهم يعتبرون هذا الكيان عابرا.

كذلك فإن حزب "كولانو" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون يعارض هذا القانون، من منطلقات صهيونية أخرى، فهو يرى كما يرى التيار المحافظ واليسار الصهيوني، أن لا حاجة لهذا القانون، لأنه لن يزيد شيئا لما هو قائم على ارض الواقع، لا بل سيخلق خلافات ونقاشات مع أبناء الديانة اليهودية في أوطانهم، لأنه سيثير من جديد "مسألة من هو يهودي"، وسيؤدي تشريعه إلى الحد من مكانة التيارات اليهودية الدينية الليبرالية في العالم.

وتنص اتفاقية الائتلاف الحالي على تشكيل لجنة وزارية للبحث في نص متفق عليه حول هذا القانون. وعلى الرغم من مرور 17 شهرا على تشكيل الحكومة الحالية إلا أن هذه اللجنة لم تقم بعد بسبب الخلافات القائمة بين الكتل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات