المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

برز خلاف جديد داخل العالم اليهودي، في الأسابيع الأخيرة، يقع ضمن الصراع المتواصل بين اليهودية الأرثوذكسية، التي تنتمي إليها الغالبية الساحقة في إسرائيل، وبين التيارين اليهوديين الإصلاحي والمحافظ، اللذين تنتمي إليهما الأغلبية الساحقة في الولايات المتحدة وكندا، حيث يتركز نصف يهود العالم تقريبا. ويشكل اليهود الأرثوذكس 10% فقط من اليهود في الولايات المتحدة.

يشار بداية إلى أن التيار الأرثوذكسي، ممثل بكل قوته في الحكومة الإسرائيلية الحالية، بواسطة الكتلتين الحريديتين شاس و"يهدوت هتوراة"، والصهيونية – الدينية والحريديم – القوميين، بواسطة كتلة "البيت اليهودي" وحزب الليكود الحاكم، الذي يضم في صفوفه أوساطا واسعة من الصهيونية – الدينية الاستيطانية. وتستغل هذه الأوساط اليمينية سيطرتها في الحكومة من أجل رصد ميزانيات ودعم كبير إلى حركات وجمعيات يمينية متطرفة تحت غطاء تنفيذ مشاريع تبادر إليها الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو.

وأعلن رئيس كتلة "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، بصفته وزير الشتات في الحكومة الإسرائيلية، في بداية الأسبوع الماضي، عن إطلاق المرحلة الأولى من برنامج شامل يدعي أن هدفه تعزيز العلاقة بين إسرائيل واليهود في العالم، من خلال تنفيذ أنشطة في مئات الجامعات. وتبلغ ميزانية هذا المشروع 250 مليون شيكل، وثلث هذا المبلغ، حوالي 80 مليون شيكل، يأتي من ميزانية الحكومة.

واختارت الوزارة ثلاث منظمات من أجل تفعيل هذا المشروع، واسمه الرسمي "الهوية اليهودية والعلاقة مع إسرائيل"، وهذه المنظمات هي "هيلل" و"حباد" و"عولامي"، التي ستتقاسم ميزانية المشروع بينها بالتساوي. ومنظمتا "حباد" و"عولامي" هما منظمتان أرثوذكسيتان وتنتميان إلى التيار الحريدي – القومي واليمين الإسرائيلي.

ووجه رؤساء التيارين الإصلاحي والمحافظ في أميركا الشمالية انتقادات شديدة لقرار وزارة الشتات الإسرائيلية بسبب إيداعها معظم العمل في مشروع تعزيز "الهوية اليهودية والعلاقة مع إسرائيل" بين طلاب الجامعات اليهود في أنحاء العالم بأيدي منظمات أرثوذكسية متزمتة. كما تبين أن التيارين الإصلاحي والمحافظ ومنظمة يهودية مركزية في الولايات المتحدة لم يتلقوا دعوة من أجل استعراض نشاطهم في الجامعات أو من أجل ترشيح أنفسهم للعمل ضمن المشروع الإسرائيلي.

ونقلت صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، عن رئيس التيار الإصلاحي في أميركا الشمالية، الحاخام ريك جايكوبس، قوله إن "القرار يرسخ الاحتكار الأرثوذكسي في إسرائيل ويوسعه إلى الشتات أيضا. وهذا ليس مقبولا على قسم كبير من اليهود هنا. ونحن لا نحب أن يقولوا لنا كيف ينبغي أن نعزز هويتنا اليهودية".

ويظهر من تقرير "هآرتس" أن إجراء اختيار الوزارة الإسرائيلية للحركات والمنظمات التي ستنفذ هذا المشروع كان ملتويا ويفتقر للشفافية. إذ أعلنت وزارة الشتات أن "موزايك يونايتد"، وهي شركة خارجية أقامتها الوزارة من أجل إدارة "المبادرة المشتركة لحكومة إسرائيل والشعب اليهودي"، واسمها السابق "مبادرة مستقبل الشعب اليهودي"، اختارت المنظمات الثلاث لتنفيذ المشروع من بين منظمات أخرى رشحت نفسها، وذلك لأن هذه المنظمات الثلاث استوفت المعايير المطلوبة. لكن في الوقت نفسه رفضت الوزارة القول ما إذا كانت قد نشرت إعلانا تدعو من خلاله منظمات يهودية إلى ترشيح نفسها، كما أن الوزارة رفضت ذكر طبيعة المعايير التي وضعتها وكم عدد المنظمات التي تنافست على التعاون مع الحكومة الإسرائيلية في هذا المشروع.

وذكرت مصادر في وزارة الشتات، وطلبت عدم ذكر هويتها، أن المعايير كانت "تنفيذ أنشطة في أكثر من 250 حرما جامعيا من أجل تقريب (طلاب يهود) للهوية اليهودية". ولم تذكر هذه المصادر ما إذا كانت هناك اعتبارات أخرى. كذلك تبين أن الحركات غير الأرثوذكسية في أميركا الشمالية لم تعلم شيئا بخصوص هذا المشروع قبل النشر عنه، وهي تعتبر أن استخدام كلمة "تقريب" لم يكن عفويا، لأنه المصطلح المحبب على المنظمات المتخصصة في تشجيع اليهود، في إسرائيل والعالم، على التدين، وأن الحوار بين متساوين ليس ضمن أفكارهم، في إشارة إلى نبذ الأرثوذكس للإصلاحيين والمحافظين الأكثر انفتاحا.

وعبر الحاخام جايكوبس عن تحفظه واستيائه من المشروع، بالقول إنه "أجريت محادثات كثيرة مع نفتالي بينيت وأيضا مع دفير كهانا وحجاي إليتسور، اللذين يقودان المشروع في وزارة الشتات، عندما كان الاعتقاد بوجود تبادلية في علاقات إسرائيل والشتات، خلافا للقرار الحالي، الذي بواسطته تملي الحكومة على الشتات مفهوما ضيقا لليهودية. والقرار بمنح أفضلية للتيار الأرثوذكسي، الذي لا يعترف بالتيارات الأخرى، إشكالي للغاية، وهذه الإشكالية ليست نابعة فقط من أن أغلبية الطلاب لا يريدون أن يتحولوا إلى حباديين" نسبة إلى حركة "حباد" المتزمتة. وأضاف أنه "لم تتم دعوتنا أبدا من جانب وزارة الشتات أو شركة موزايك لكي نستعرض نشاطنا في الجامعات".

إقصاء يهود أميركا الشمالية

تفاخر بينيت في البيان الذي أصدره حول إطلاق المشروع بأن "الأنشطة في الجامعات في أنحاء العالم هي الرد الحقيقي على العداء للسامية المتصاعد ونزع الشرعية عن إسرائيل".

إلا أن الحاخام جايكوبس عقب على ذلك بالقول إنه "في هذا النضال يوجد طلب أكبر لسماع ذوي الأفكار التقدمية أكثر من مندوبي الحكومة (الإسرائيلية). ويريد الطلاب سماع أصوات بإمكانها أن تكون نقدية تجاه الحكومة وفي الوقت نفسها حازمة في الحرب ضد نزع شرعية إسرائيل. وأشك في ما إذا كانت المنظمات الأرثوذكسية التي اختيرت قادرة على القيام بذلك".

وقال مدير عام الحركة المحافظة في أميركا الشمالية، الحاخام ستيف وورنيك، إنه "لم نُدع أبدا لتقديم ترشيحنا ولم نتلق أي رسالة حول منحة مالية أو ما شابه. لقد علمت أنه يجري التخطيط لنشاط ما في الجامعات، لكن لم نعلم أن الحديث يجري عن مشروع تُرصد له ملايين الشواكل. وشركة موزايك توجهت مباشرة إلى المنظمات التي اختيرت. وهذا قرار مخيب جدا للأمل. فإذا كانت هذه شركة شبه خاصة وشبه حكومية تعين عليها أن تكون شفافة، وهذا لم يحدث. ولا توجد لدى حباد وعولامي الوصفة الحصرية لتعزيز الهوية اليهودية".

وأكدت مصادر مطلعة على تفاصيل هذا الموضوع، أن اتحاد المنظمات اليهودية في أميركا الشمالية، التي تضم 151 منظمة يهودية و300 جالية مستقلة في الولايات المتحدة وكندا، لم يعلموا بمشروع الجامعات الذي أطلقته وزارة الشتات الإسرائيلية. كما تم استبعاد الوكالة اليهودية منذ عام ونصف العام عن التدخل في المشروع أثناء إعداده. ولفت أحد المصادر إلى أنه "لا يعقل أنه باسم الرغبة في تعزيز الهوية اليهودية تقوم وزارة الشتات بالأساس بتعزيز مضامين من نوع واحد، مضامين أرثوذكسية. والتيار المركزي اليهودي، وخاصة في أميركا الشمالية ولكن هناك فقط وإنما في أماكن أخرى أيضا، ليس أرثوذكسيا وليس معنيا بمنظمات تشجيع التدين".

يشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تخيم فيها ضبابية على اتفاقيات بين وزارات برئاسة بينيت مع منظمات خاصة، وبالأساس منظمات تنشط في مجال الهوية اليهودية. فقد حدث أمر مشابه في "مديرية الهوية اليهودية" في وزارة الخدمات الدينية، وكان بينيت الوزير المسؤول عنها. إذ أعلنت هذه المديرية في حينه عن أنها بحثت إمكانية التعاون مع مجموعة منظمات، وبينها منظمات منفتحة، ولكن في نهاية الأمر اختارت المنظمات الأكثر ملاءمة، وكانت جمعيات أرثوذكسية، وقسم منها مقرب من "البيت اليهودي".

وأفادت تقارير صحافية تناولت الموضوع في حينه بأن المديرية لم تتوجه أبدا إلى منظمات يهودية منفتحة، من التيارين الإصلاحي والمحافظ، ثم تم رفضها. ووصف مصدر أداء وزارة الشتات الآن بأنه "نسخ لنموذج عمل مديرية الهوية اليهودية ولكن بشكل أوسع".

أموال طائلة لجمعيات استيطانية

قررت شركة "مبادرة مستقبل الشعب اليهودي"، في نهاية حزيران الفائت، تغيير اسمها إلى "موزايك يونايتد"، وتحويل العناية القانونية في شؤونها إلى مكتب دافيد شيمرون ويتسحاق مولخو، محاميي رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. ورفضت وزارة الشتات الإجابة على استفسارات حول الموضوع في إثر توجه "هآرتس"، التي كشفت أن قائمة مؤسسي "مبادرة مستقبل الشعب اليهودي" تشمل نشطاء مركزيين في الجمعيات الاستيطانية وجمعيات اليمين الإسرائيلي، وقسم منهم له علاقة وثيقة مع مدير عام وزارة الشتات، دفير كهانا، الذي كان في الماضي مسؤولا في جمعية "إلعاد" التي تنشط في مجال الاستيطان في البلدة القديمة في القدس وتهويدها. وتبلغ الميزانية السنوية لـ"المبادرة" حوالي 600 مليون شيكل، يصل ثلثها من الحكومة ويفترض بالشركة "موزايك يونايتد" جمع الثلثين من تبرعات منظمات وشخصيات يهودية.

ورأى الباحث في معهد فان لير في القدس، أمنون بورتوغيلي، أن الأمر الأساسي في مشروع تعزيز "الهوية اليهودية والعلاقة مع إسرائيل" هو تحويل أموال طائلة إلى مقربي بينيت ومن يدعمونه وإلى ناخبي بينيت و"البيت اليهودي".

وأضاف بورتوغيلي أن الهدف الثاني هو "تشجيع يهود الولايات المتحدة على التزمت دينيا. ويحاول الوزير نفتالي بينيت دفع أهدافه في واحد من أكثر المجالات حساسية بالنسبة لليهود الأميركيين. وهو يفعل ذلك بواسطة استغلال القوانين والقواعد الموجودة وتوجيهها من أجل خدمة أهدافه، حتى بثمن الصدام مع القيادة اليهودية في الشتات ومع وزارة الخارجية الإسرائيلية".

وأردف أن "بينيت يفعل ذلك بواسطة التضليل. وفي هذه الحال، كي لا يعتبر ’تعزيز الهوية اليهودية والعلاقة مع إسرائيل’ أنه موضوع ديني آخر وإنما كموضوع سياسي. وهو يصور الموضوع كمشكلة تقنية – إجرائية، تحويل أموال تركز على التربية، من أجل تمرير دروس في اليهودية، الأرثوذكسية، وحرب ضد العداء للسامية ونزع الشرعية عن إسرائيل في الجامعات".

وأشار بورتوغيلي إلى أن لجنة المالية التابعة لـ"الهستدروت الصهيونية العالمية" صادقت، الأسبوع الماضي، على تحويل 5ر11 مليون شيكل من وزارة الخدمات الدينية ومبلغ 5ر10 مليون شيكل من وزارة التربية والتعليم، وهما وزارتان يتولاهما بينيت، إضافة إلى وزارة الشتات، وأن غاية هذين المبلغين منظمات حريدية خارج إسرائيل ولتمويل مشاريع دينية، من دون نشر مناقصات لكي لا تتقدم منظمات أخرى لها.

ولفت إلى أن تحويل أموال من وزارتي الأديان والتربية والتعليم إلى "الهستدروت الصهيونية العالمية" يجري في إطار اتفاق "لم يتم كشفه أمام الجمهور". لكن وفقا لبورتوغيلي، فإن هذا الاتفاق يعني تحويل "الهستدروت الصهيونية العالمية، إلى قناة لتحويل أموال من الحكومة الإسرائيلية إلى القطاع الأرثوذكسي والقطاع الحريدي في الولايات المتحدة وأوروبا".

وخلص بورتوغيلي إلى أنه "وفقا لنتنياهو وبينيت، مسموح لإسرائيل أن تتدخل في شؤون الولايات المتحدة والدول الغربية الداخلية بواسطة تمويل جمعيات ومنظمات دينية وأخرى محلية، لكن يحظر على هذه الدول تمويل جمعيات إسرائيلية" في إشارة إلى "قانون الجمعيات" الذي قاد نتنياهو عملية سنه، بهدف منع تمويل المنظمات الحقوقية الإسرائيلية التي تكشف ممارسات إسرائيل بحق الفلسطينيين في المناطق المحتلة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات