المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بيّن بحث جديد لمنظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، وتحليل له جرى في مكتب الاحصاء المركزي الإسرائيلي، أن مستوى المعرفة في الرياضيات وقراءة لغة الأم في إسرائيل، هو من الأدنى من بين الدول المتطورة، وهذا التحصيل المتدني حاصل أيضا على المستوى الجامعي وليس فقط المدرسي، وينعكس على مستوى المؤهلات المهنية مستقبلا.

وكما في تقارير مشابهة في سنوات سابقة، يتأكد من تحليل مكتب الاحصاء أن تحصيل اليهود وفق المعدل القائم في دول OECD، بينما التحصيل بين العرب في إسرائيل أقرب إلى التحصيل القائم في الدول الفقيرة، وهذا انعكاس لسياسة التمييز العنصري. وبرغم ذلك فإن احصائيات جديدة أصدرها مكتب الاحصاء دلّت على ارتفاع كبير في نسبة العرب الحاصلين على الألقاب الجامعية الثلاثة.

ويستند البحث إلى اختبارات تجري في الدول الـ 34 الأعضاء، ولكن منظمة OECD ذاتها توسع نطاق الاختبار إلى دول خارج المنظمة.

وفي إسرائيل وحدها شملت الاختبارات في الرياضيات وقراءة لغة الأم، شريحة نموذجية تضم 6400 شخص من أعمار تتراوح ما بين 16 إلى 65 عاما. والهدف من هذه الاختبارات والبحث الذي يليه، هو فحص مستوى المؤهلات في مواضيع أساسية للتقدم في سوق العمل، إذ أن مثل هذه المواضيع يصطدم فيها الانسان يوميا، حيث يضاف إلى هذه الاختبارات فحص مدى المعرفة الأولية بتشغيل الحاسوب.

وقال أحد مسؤولي قسم التعليم في منظمة OECD، وليام تورن، في مؤتمر صحافي عقد في تل أبيب، مع الإعلان عن نتائج الاختبارات في إسرائيل والدول الأخرى، إن المسائل الحسابية التي تضمنتها الاختبارات بمستويات مختلفة لم تكن معقدة، بل كانت أسئلة تهدف إلى فحص مدى المعرفة الأساسية في الرياضيات والمسائل الحسابية، وهي من المسائل التي قد يصادفها الانسان يوميا في حياته.

وحسب نتائج الامتحانات في إسرائيل تبين أن 31% من الذين شاركوا في الاختبارات سجلوا علامات سقوط، (لم يجتازوا علامة الحد الأدنى للنجاح)، بينما بلغت نسبة السقوط في اختبارات القراءة 27%. وجاءت مرتبة إسرائيل في جدول النتائج في المرتبة 28 من أصل 34 مرتبة. وحصلت إسرائيل على 251 نقطة بينما المعدل القائم في دول OECD كان 263 نقطة.

الفجوات بين اليهود والعرب

وأجرى مكتب الاحصاء المركزي الإسرائيلي فحصا دقيقا للنتائج ليتبين أن الفجوات داخل الجمهور العام كبيرة جدا، خاصة على مستوى الشرائح الميسورة والغنية من جهة، والشرائح الفقيرة والضعيفة من جهة أخرى.

وتبقى الفجوة بين اليهود والعرب هي الأكبر، كون أن الغالبية الساحقة من المواطنين العرب (54%) من الشرائح الفقيرة، ويضاف إلى ذلك سياسة التمييز العنصري، وحجب موارد عن الطلاب العرب، بالقدر الذي يحصل عليه الطلاب اليهود.

ففي القراءة كان معدل اليهود 264 نقطة، وهو يلامس المعدل القائم في دول OECD- 268 نقطة، بينما لدى العرب كانت النتيجة 225 نقطة، وهذا قريب لأدنى تحصيل كان في دول المنظمة، ولهذا السبب فقد كان التحصيل العام في إسرائيل 255 نقطة.

وتستفحل النتائج أكثر في موضوع الرياضيات، إذ حصلت إسرائيل على 251 نقطة، بينما المعدل القائم في دول OECD هو 263 نقطة. ووجد مكتب الاحصاء أن تحصيل الطلاب اليهود بلغ 262 نقطة، أي وفق المعدل، في حين أن تحصيل الطلاب العرب بلغ 212 نقطة.

وأكثر من هذا، فقد تبين من تحليل مكتب الاحصاء أن 13% من المشاركين اليهود في اختبار الرياضيات حققوا نتائج عالية جدا، بينما النسبة بين العرب 1% فقط. وحصل 54% من الممتحنين العرب على أدنى النتائج، مقابل 25% بين اليهود.

وواقع التحصيل العلمي الظاهر من هذا الاختبار العالمي، في ما يتعلق بالعرب في إسرائيل، ليس جديدا بل هذا ما هو قائم على مدى السنين، حتى وإن بدت في السنوات الأخيرة بعض المتغيّرات الإيجابية المحدودة. وعادة ما نرى أن معدل تحصيل العرب في إسرائيل في اختبارات عالمية كهذه، شبيه بتحصيل الدول النامية والفقيرة، بينما تحصيل الطلاب اليهود قريب جدا للتحصيل في شمال أوروبا.

وعلى الرغم من تقارير خبراء، وأولها تقارير صادرة عن بنك إسرائيل المركزي، تدعو إلى سد الفجوات، وعمليا وقف سياسة التمييز العنصري، لما في ذلك من فائدة للاقتصاد الإسرائيلي على المدى المتوسط والبعيد، إلا أن كل الوزارات وأولها وزارة التعليم تواصل سياسة التمييز.

وهذا ما اتضح على سبيل المثال، وكنموذج للسياسات القائمة، في التقرير الذي صدر في أواخر العام الماضي، حول توزيع الميزانيات في وزارة التعليم، وكان التقرير يتحدث أساسا عن العامين 2013 و2014، حينما كان يتولى حقيبة التعليم الوزير السابق شاي بيرون، من حزب "يوجد مستقبل"، الذي أوهم الجمهور بأنه جاء ليحدث تغييرا ملموسا في الوزارة، خاصة وأنه مع دخوله إلى منصبه في أوائل ربيع العام 2013، كانت قد ظهرت نتائج اختبار عالمي شبيه بما نراه هنا، إلا أن بيرون فعل العكس تماما، وعمل على توسيع الفجوات بين العرب واليهود لتصل إلى نسبة 40%.

وبيّن تقرير لصحيفة "ذي ماركر" استعرضناه في "المشهد الإسرائيلي" في حينه (عدد 3 تشرين الثاني 2015)، أن وزارة التعليم في فترة الوزير بيرون، وهو مستوطن من التيار الديني الصهيوني، قد عمّقت الفجوات في الميزانيات بين جهاز التعليم العربي من جهة، وأجهزة التعليم العبري، من جهة أخرى، مع تفضيل أكبر لجهاز التعليم العبري من التيار الديني الصهيوني. ووصلت الفجوات والفوارق في الميزانيات التي ترصد على مستوى الطالب إلى نسب 33% وحتى 40%. وكانت نسبة زيادة ميزانيات الطلاب العرب أقل بكثير من تلك التي تلقاها الطلاب اليهود.

وجاء أن الميزانية العامة التي ترصد للطالب الواحد في جهاز التعليم العبري "الديني الصهيوني"، قد ارتفعت في فترة بيرون بنسبة 12%، وميزانية الطالب اليهودي في جهاز التعليم العبري الرسمي ارتفعت بنسبة 8%، بينما ميزانية الطالب العربي التي تعاني من تمييز تراكمي على مدى ستة عقود ونيّف ارتفعت في ولاية بيرون بنسبة 5% ما زاد أكثر من الفجوات.

أما الفجوة الأضخم فنجدها في مرحلة التعليم الثانوي، وهي آخر مرحلة يستعد فيها الطالب إلى الحياة العملية، أو العلمية، إذ تبلغ الميزانيات لجهاز العبري بمعدل 31400 شيكل، ما يعادل 8130 دولارا للطالب اليهودي، أما معدل التمويل في جهاز التعليم العربي الثانوي، فإنه يهبط إلى 18700 شيكل، وهو ما يعادل 4844 دولارا، ما يعني أن الطالب العربي يتلقى ميزانية تقل بنسبة 40% عما يتلقاه الطالب اليهودي في هذه المرحلة التعليمية.

فجوات على أساس الأوضاع الاقتصادية- الاجتماعية

كذلك بيّن تحليل مكتب الإحصاء أن أبناء الشرائح الاقتصادية الاجتماعية العالية كانت نتائجهم في الاختبارات أعلى بكثير من نتائج أبناء ذوي المداخيل المنخفضة، بمعنى الشرائح الفقيرة والضعيفة، وهذا يشمل اليهود أيضا.

ويقول مكتب الاحصاء إنه كلما كانت مداخيل العائلة أعلى كان التحصيل أعلى. فعلى سبيل المثال، معدل رواتب عائلات الذين وصلوا إلى أعلى مستويات التحصيل في القراءة، كان 3ر15 ألف شيكل، وهو ما يعادل 3960 دولارا، بينما معدل رواتب عائلات الذين سجلوا ادنى المستويات في القراءة كان 8500 شيكل، ما يعادل 2200 دولار.

ووجد التحليل فجوات كبيرة في التحصيل بين نسبة من حصلوا على أعلى النتائج وأولئك الذين حصلوا على أدنى النتائج، ففي قراءة لغة الأم حقق 8% من الممتحنين في إسرائيل أعلى النتائج مقابل 27% حصلوا على أدنى النتائج، بواقع فجوة من 16 نقطة، في حين أن المعدل في OECD كان 11% لمن حققوا أعلى النتائج، مقابل 19% لأدنى النتائج.

والفجوات تتسع أكثر في موضوع الرياضيات، فقد حقق 10% من الممتحنين في إسرائيل أعلى النتائج مقابل 31% حققوا أدناها، بمعنى أنهم لم يجتازوا الاختبار، في حين أن معدل من حصلوا على أعلى النتائج كان 11%، مقابل 23% لمن لم يجتازوا الاختبار.

ولم يجد التحليل فوارق تذكر بين تحصيل النساء والرجال في إسرائيل، بل كانت متقاربة في جميع المستويات، وأن التأثير القائم للأوضاع الاقتصادية الاجتماعية يسري أيضا على الجنسين في نفس المستوى.

ومن بين النتائج التي تضمنها تقرير منظمة OECD أن 18% من الذين أجروا الاختبار الدولي في إسرائيل، فشلوا في حل مشكلات أولية واجهتهم في اختبار الحاسوب، ويضاف اليهم 14% لم يجروا الاختبار، نظرا لعدم معرفتهم المطلقة في الحاسوب. وحسب تحليل مكتب الاحصاء المركزي، أيضا الفجوة بين نتائج العرب واليهود كانت كبيرة جدا، إذ تبين أن 34% من المواطنين العرب ليست لديهم أي صلة بالحاسوب، مقابل نسبة 9% بين اليهود، في حين أن النسبة بين اليهود المتدنين المتزمتين (الحريديم) بلغت 14%.

وقالت نائبة محافظة بنك إسرائيل المركزي، د. نادين بودو تراختنبرغ، تعقيبا على هذه النتائج، إن على إسرائيل أن تطمح للوصول إلى المعدل القائم في دول OECD، وأن تحقق نتائج الدول في المراتب الأولى. وأضافت أن النمو الاقتصادي في إسرائيل يرتفع بوتيرة معقولة، ولكن إسرائيل ليست قادرة على سد الفجوة مع الدول الأكثر تطورا، منذ 20 عاما. كذلك فإنه لا يوجد أي تحسن في الانتاج في العمل، ونتائج البحث هذا تدل على ضرورة رفع مستوى المؤهلات من أجل تحسين مستوى الانتاجية.

ويقول زوجها، عضو الكنيست في كتلة "المعسكر الصهيوني"، مانويل تراختنبرغ، الذي كان لسنوات مسؤول توزيع الميزانيات في مجلس التعليم العالي، إن النتائج هي فشل ذريع لكل الجهاز المكلف برفع مستوى المؤهلات لدى الجمهور في إسرائيل، وعلى الدولة أن تبدأ بالاهتمام في جيل الطفولة المبكرة، لأن ما يتحدد في هذه الفترة يحدد أيضا المستقبل التعليمي، وهذا جانب مهم على ضوء أن نسبة التكاثر الطبيعي في إسرائيل، أعلى بنسبة ملحوظة مما هو قائم في الدول المتطورة.

المصطلحات المستخدمة:

شاي, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات