المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أقر رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال غادي أيزنكوت الأسبوع الماضي، تعيين الحاخام المتطرف إيال كريم حاخاما رئيسيا عسكريا للجيش، برغم تصريحاته العنصرية والمتطرفة ضد شرائح متعدّدة من الجمهور.

وكان أبرز هذه التصريحات الفتوى التي أصدرها وتجيز للجنود "اغتصاب نساء العدو من غير اليهوديات".

لكن ما أثار الشارع الإسرائيلي أساسا كانت تصريحاته الإقصائية لجمهور النساء، وتحفظه إلى درجة معارضته لانخراطهن في الجيش. وأيضا تصريحاته إزاء مثليي الجنس الذين اعتبرهم "مرضى نفسانيين".

ولا بد من القول إن كريم يمثل تيارا دينيا متطرفا سياسيا يتنامى بوتيرة سريعة في كافة مؤسسات الحكم الإسرائيلي، وخاصة الجيش.

وكريم من مواليد العام 1957، ويحمل رتبة عقيد في الجيش.

وولد لعائلة متدينة متشددة، وتعلم في مدارس التيار الديني الصهيوني، وفي المعهد الديني "بني عقيبا نحاليم". وانضم إلى الجيش في العام 1975، بموجب قانون التجنيد العسكري الإلزامي. وخدم في وحدة المظليين، وانخرط في عدة دورات عسكرية قتالية. واستمر في الخدمة العسكرية ضمن الجيش النظامي، وشارك في الحروب الإسرائيلية المختلفة، من ضمنها حرب لبنان منذ مطلع سنوات الثمانين. وكان أيضا ضابطا في وحدة النخبة "سييرت متكال" (دورية قيادة هيئة الأركان).

ولاحقا حصل على شهادة تأهيل للحاخامية، وعمل رئيسا لمعهد التأهيل العسكري للتيار الديني الصهيوني، في المعهد الديني "عطيرت كوهانيم". ونشر كتابا عن الحروب والفتاوى الدينية.

وهو يقدم أجوبة دينية على أسئلة رواد موقع "كيبا" (القلنسوة الدينية). والأجوبة الإشكالية التي ثارت حولها ردود فعل غاضبة، كانت من خلال إجاباته لهذا الموقع.

التصريحات والفتاوى

الضجة التي أثيرت حول تعيين كريم، وقفت في مركزها تصريحات وفتاوى وأجوبة على أسئلة دينية، كان طرحها على مدى السنوات الماضية. ومن أبرزها، كما ذكر، أنه يجيز اغتصاب "نساء العدو من غير اليهوديات"، لإشباع رغبات الجنود في زمن الحرب.

وقد صدرت هذه الفتوى في العام 2003، كرد على سؤال في الموقع الديني "كيبا"، وفي أوج العدوان على الضفة الغربية وقطاع غزة. إلا أنها صدرت على الملأ في العام 2012، لكنها لم تحظ بالنشر الإعلامي، كما حصل في الأيام الأخيرة.

واستند كريم على نص ديني جاء في أحد كتب الشريعة اليهودية، ويقول (ترجمة خاصة): "حينما تنطلق إلى حرب على أعدائك، وقد منحك الرب إلهك القدرة على أسر أسرى، ورأيت بين الأسرى امرأة جميلة المظهر، فرغبت بها وتأخذها لك امرأة، وتحضرها إلى داخل بيتك، لتصفف شعرها وتُقلّم أظافرها، وتخلع عباءة الأسر، ثم تجلس في بيتك، تبكي أباها وأمها، ولو على مدى شهر، وبعد ذلك تأتي اليها وتنكحها وتكون لك زوجة. وإذا لم تعد ترغب بها، فحررها، ولكن لا تبيعها مقابل المال، ولا تنكل بها، حتى وإن أرهقتك".

كما نشر كريم غطاء دينيا لنهج قتل المقاومين الفلسطينيين، أو من يتم الاشتباه بهم بالنيّة لتنفيذ عملية، كما هو قائم بشكل خاص في الأشهر التسعة الأخيرة.

كذلك فإنه تحفظ إلى درجة الاعتراض على انخراط النساء في الجيش، إذ قال "إن النساء عاطفيات وسطحيات".

وأصدر كريم في العام 2011 فتوى أو تصريحا دينيا، يرفض فيه غناء النساء في احتفالات الجيش، وحصل في أكثر من مناسبة أن قام الجيش بتعديل برامجه الفنية في احتفالات معينة، ما أثار ضجة في الشارع الإسرائيلي.

وخلافا لفتاوى أشد، طالب كريم بالتعامل برأفة مع مثليي الجنس، لكن بصفتهم "مرضى نفسيين".

غير أن ما أثار أيضا الشارع الإسرائيلي قوله إن على الجندي أن يرفض أوامر عسكرية إذا كانت تتناقض مع الشريعة اليهودية.

وهذه فتاوى نشرها الكثير من الحاخامين المتطرفين، خاصة أولئك المنتشرين في مستوطنات الضفة والقدس المحتلة. وهؤلاء يُعتبرون الزعامة الروحية للعصابات الاستيطانية المتطرفة.

وبرزت مثل هذه الفتاوى في فترة إخلاء مستوطنات قطاع غزة في صيف العام 2005، وأيضا لدى قيام الحكومة الإسرائيلية بإخلاء محدود لبعض البؤر الاستيطانية في السنوات الماضية. وكريم هذا هو أحد الناشرين لهذه الفتوى، لذا هناك من رأى تناقضا بين تصريحه هذا وبين تعيينه حاخاما رئيسيا للجيش.

ويمثّل الحاخام كريم تيارا متنفذا في التيار الديني الصهيوني، وحتى أنه بات التيار الأقوى في التيار الأوسع، مستمدا قوته من جمهور المستوطنين، الذي يُعد الجمهور الأكثر حراكا في السياسة الإسرائيلية، وصاحب الصوت الأعلى في مؤسسات الحكم. وهو في تنام مستمر في كافة أذرع الحكم وخاصة الجيش.

وبحسب تقرير ظهر في العام الماضي، ومثله في السنوات الأخيرة، فإن نسبة التيار الديني الصهيوني من خريجي دورة الضباط بلغت 31%، وهذه تعادل ضعفي نسبة هذا التيار من بين اليهود الإسرائيليين. وبموجب تقديرات ليست رسمية، فإن نسبة أتباع التيار الديني الصهيوني شبيهة بنسبة المتدينين المتزمتين (الحريديم) حاليا، بمعنى أنهم يشكلون أكثر من 13% من إجمالي السكان، وأقرب إلى 16% من إجمالي اليهود الإسرائيليين.

وهذا التيار، مع تيّـار الحريديم، من المتوقع أن يشكلا في العام 2030، أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين، نظرا لنسبة التكاثر العالية لديهما: 8ر2% لدى التيار الديني الصهيوني، وحوالي 8ر3% لدى "الحريديم".

ومن أبرز ما صدر في السنوات الأخيرة عن التيار الأول كتاب "شريعة الملك" في العام 2009، وأصدره حاخامان متطرفان، ويتضمن فتاوى شديدة وشرسة في تطرفها، مثل إجازة قتل النساء والأطفال من العدو، والكثير من الفتاوى المشابهة. وهذا الكتاب حظي بدعم وتأييد عشرات الحاخامين في المستوطنات وخارجها. ولكن الدعم الأساس جاء من المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، التي بداية دفعت ضريبة كلامية برفضها للكتاب ومضامينه، لكن لاحقا قررت النيابة العامة عدم تقديم الحاخامين إلى المحاكمة.

كذلك كثرت في السنوات الأخيرة، فتاوى موجهة ضد الفلسطينيين في إسرائيل، مثل فتاوى حاخام مدينة صفد (شمالا)، التي حظيت بدعم عشرات الحاخامين، ومنها منع تأجير أو بيع البيوت للعرب. وكان المستهدف المباشر لتلك الفتوى في حينه عشرات الطلاب العرب، الذين يتعلمون في كلية صفد الأكاديمية. وتبعتها أو تزامنت معها فتوى تمنع تشغيل العرب في أماكن العمل اليهودية وغيرها. وأيضا في هذه الحالة لم تتم محاكمة أي من الحاخامين، رغم أن تصريحاتهم تتعارض مع قوانين إسرائيلية قائمة.

ونضيف إلى هذا، أن تصريحات كريم حول مثليي الجنس لاقت في الأيام القليلة الماضية دعما مباشرا من حاخام مدينة رمات غان، التي هي جزء من منطقة تل أبيب الكبرى، إذ قال إن مثليي الجنس معاقون. وتصدر هذه التصريحات عن حاخام في منطقة تعد المعقل الأضخم لمثليي الجنس الإسرائيليين، ويشكلون مركز قوة انتخابية في تلك المنطقة.

ردود فعل

قالت صحيفة "هآرتس" في مقال افتتاحي، إن تصريحات الحاخام العسكري الجديد إيال كريم، والتي تتضمن الإذن بالاغتصاب خلال الحرب (والأمر يتعلق بامرأة من الاغيار)، هي أمر خطير. و"كذلك قوله بأنه يجب عدم إطاعة أمر في الجيش يتعارض مع الشريعة اليهودية"، و"فريضة قتل المخربين" (المقاومين)، واعتباره مثليي الجنس مرضى نفسيين. ويضاف إلى هذا رفضه لتجنيد النساء، وقوله إن المرأة ليست مؤهلة للشهادة لأن "النساء عاطفيات سطحيات"، وكل هذه التصريحات تدل على أن كريم لا يمكنه أن يتبوأ هذا المنصب، بحسب الصحيفة.

وأضافت الصحيفة: "ثمة علم أسود ما يزال يرفرف فوق تعيينه وأدائه كمرجعية روحية في الجيش الإسرائيلي". وقالت إن تعيين الحاخام العسكري الرئيس حساس بأضعاف في هذا الوقت، الذي باتت فيه مسألة مصدر الصلاحيات في الجيش الإسرائيلي، ومن المقرر في الجيش القائد أم الحاخام، مسألة حرجة.

وقال المحلل العسكري ألون بن دافيد في صحيفة "معاريف"، إنه من المحزن "أن نرى في التعيين أنه يعرض مرة أخرى الوجه الحالي لليهودية المتزمتة، حيث لا تترك التوراة مكانا للياقة".

ويضيف: "شفقت قليلا على كريم الذي كذب على نفسه كي يحظى بالتعيين المنشود".

وتقول النائبة شيلي يحيموفيتش من حزب "العمل"، إنه محظور تعيين كريم حاخاما رئيسيا للجيش، إذ يجري الحديث عن رجل لا يلائم طابع الجيش الإسرائيلي، وأنا على قناعة بأنه لو أجروا بحثا أدق عن هذا الرجل، لما كانت ستقع هذه المهانة.

ودعا رئيس كتلة "يوجد مستقبل" البرلمانية عوفر شيلح، إلى إلغاء التعيين وقال: "إنني أعرف إيال كريم حتى قبل أن يصبح حاخاما، فقبل هذه الرتبة الدينية كانت لديه لحية، وكنا ضابطين في نفس المرحلة في وحدة المظليين، وكان إيال ضابطا ممتازا، ولكن تعيين هذا الضابط الممتاز حاخاما رئيسا للجيش، يجب أن يلغى وفورا، لأن أفكاره الظلامية بشأن مثليي الجنس هي إشكالية، وأيضا تصريحاته الشوفينية حول المرأة".

ويقول شيلح إن تصريحات كاريم تنطوي على موقفين يتعلقان بالعمود الفقري لعمل الجيش، وهما: تجنيد النساء الذي لاقى اعتراضات حاخامين في السابق، وأيضا رفض الأوامر العسكرية إذا كانت مناقضة لتعليمات الشريعة اليهودية.

ورغم اعتراض شيلح على التعيين، إلا أنه حاول تبرير قرار رئيس الأركان أيزنكوت بأن الأخير أثبت أنه ليس للحاخام الرئيسي أي دور في بلورة سياسات الجيش وعملياته ونهجه، وإنما هو مسؤول فقط عن الخدمات الدينية في الجيش.

وما يؤكد على الخلفية المتطرفة لكريم، هو الدعم المطلق الذي تلقاه من نواب تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، وأيضا من امرأة في الكتلة، رغم تصريحاته ضد تجنيد النساء، إذ اعتبرت النائبة شولي معلم، وهي مستوطنة في الضفة، أن الهجوم على كريم نابع من منطلقات سياسية، وأيضا من الخوف من اتساع التيار الديني في الجيش.

وقال زميلها في الكتلة النائب المستوطن مردخاي يوغيف إن الهجوم على كريم نابع من جهل، وأكد أن كريم "متواضع ولم يؤذ أي شخص على مدى السنين".

وبعد مصادقة رئيس الأركان على التعيين، باتت مصادقة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان موافقة مفروغا منها.

وقالت مصادر في قيادة الجيش إن مصادقة أيزنكوت تمت بناء على أن فتاوى الحاخام كريم صدرت قبل سنوات، وأن كل حاخام يمكن العثور لديه على مواقف يعترض عليها الجمهور العلماني، إضافة إلى أن كريم أطلق تصريحا يقول فيه إنه لم يكن يقصد الإساءة لأي شريحة من الجمهور، وكان هذا متعلقا أساسا بتصريحاته بشأن النساء ومثليي الجنس، لكن لم تتم الإشارة بتاتا إلى تصريحاته وفتاواه الدموية ضد الفلسطينيين.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات