المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صادقت اللجنة الاستشارية المسؤولة عن إقرار تعيينات المسؤولين الكبار في سلك الخدمة العامة في إسرائيل ("لجنة تيركل") أول من أمس (الأحد) على ترشيح يوسي كوهين لمنصب رئيس جهاز الموساد المقبل.

وذكر بيان صادر عن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أنه في إطار المداولات التي أجرتها هذه اللجنة اجتمعت صباح الأحد مع كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيس الموساد المنتهية ولايته تامير باردو، ورئيس الموساد المعيّن يوسي كوهين.

ودلّ قرار نتنياهو تعيين مستشاره لشؤون الأمن القومي، رئيسا للموساد، على استمرار توجهه نحو إشغال مناصب رفيعة، وبينها مناصب أمنية، من قبل أشخاص ينتمون إلى التيار الصهيوني الديني اليميني الاستيطاني، إضافة إلى إحاطة نفسه بمستشارين من هذا التيار.

وكوهين هو خريج المعهد الديني اليهودي "أور عتصيون" الذي أسسه ويرأسه الحاخام حاييم دروكمان، أحد أبرز حاخامي الصهيونية الدينية. وكمن نشأ في أجواء الصهيونية الدينية، التي يعتمر معظم أنصارها القلنسوة المنسوجة، ينضم كوهين إلى مجموعة من الصهيونيين الدينيين الذين يشغلون مناصب رفيعة. فقبل تسمية كوهين بأسابيع، جرى تعيين نائب رئيس الشاباك، روني ألشيخ، الذي يعتمر القلنسوة المنسوجة، مفتشا عاما للشرطة. كذلك فإن رئيس الشاباك، يورام كوهين، يعتمر قلنسوة مشابهة وينتمي للصهيونية الدينية.

وكوهين، البالغ من العمر 54 عاما، متزوج وله أربعة أولاد. وقد ولد في القدس. وفي العام 1983، بعد أن أنهى خدمته العسكرية، بدأ يعمل في الموساد.

ووفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن كوهين لقي تقديرا أثناء عمله في الموساد، حيث أشغل عدة مناصب، وفي العام 2006 تولى قيادة شعبة "تسوميت" المسؤولة عن تجنيد وتفعيل عملاء الموساد في العالم. وحاز كوهين على "جائزة أمن إسرائيل" بعد أن قاد "عملية جريئة وغير عادية" نفذها الموساد. وبعد ذلك تولى كوهين منصب نائب رئيس الموساد والقائم بأعماله.

وقبل عامين، عيّن نتنياهو كوهين مستشاره لشؤون الأمن القومي ورئيسا لمجلس الأمن القومي. وأراد كوهين من هذا المنصب جمع خبرات أوسع في المجالين السياسي والإستراتيجي. لكن محللين أشاروا إلى أن قبول كوهين بهذا المنصب يعتبر مغامرة، لأن جميع من سبقوه لم يرتقوا إلى مناصب أمنية رفيعة، علما أن كوهين كان يتطلع لرئاسة الموساد.

والآن، بعد تعيين كوهين رئيسا للموساد، حذره المحللون من مغبة أي علاقة قريبة بينه وبين نتنياهو، وأن من شأن علاقة كهذه أن تمنعه، كرئيس للموساد، من التعبير عن مواقف تتعارض مع مواقف نتنياهو. ويشار في هذا السياق إلى موقف نتنياهو حيال مهاجمة إيران، بينما رئيس الموساد السابق، مائير داغان، والرئيس الحالي تامير باردو، عارضا هجوما إسرائيليا منفردا.

وألمح محللون إلى أن كوهين لا يختلف كثيرا مع نتنياهو في الموضوع الإيراني، واعتبر أن الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران هو "أسوأ البدائل" لمهاجمة إيران. ورغم ذلك، بحسب محللين، فإن موقف كوهين قد يتغير عندما يجلس على كرسي رئيس الموساد، لأنه من مكانته هذه لن يعبر عن موقف شخصي وإنما عن موقف الموساد كله.

وأشار المحللون إلى أن إحدى المهمات المركزية التي ينفذها الموساد، وسيتعين على كوهين التركيز عليها، هي علاقات إسرائيل مع دول لا تربطها معها علاقات دبلوماسية. وغالبا ما يجري رئيس الموساد أو أحد كبار المسؤولين فيه اتصالات مع دول كهذه، أو منظمات أيضا، ويعمل على صيانة مثل هذه الاتصالات.

ووصف المحلل العسكري ألون بن دافيد، في مقال في "معاريف"، الموساد بأنه جهاز "متآكل، من الناحية المعنوية ومن ناحية القدرات"، وأنه سيتعين على كوهين أن يعمل على تحسين حالة الموساد.

وأشار بن دافيد إلى تغيّر الوضع في العالم عموما والمنطقة خصوصا في السنوات الخمس الأخيرة، وأن كوهين سيأخذ ذلك بالحسبان. فالأنظمة التي كانت موجودة حينذاك، في مصر وسورية وليبيا وتونس، لم تعد موجودة بعد زلزال الربيع العربي. كذلك فإن إيران التي كانت عدوة العالم لم تعد كذلك الآن بعد توقيع الاتفاق النووي. والأمر الأهم من ذلك هو أنه حلت مكان الدول في خريطة الاستخبارات الإسرائيلية، والعالمية أيضا، تنظيمات إسلامية متطرفة، أبرزها تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي يتعين على إسرائيل، برأي المحلل، أن تواجهه وتتعامل معه من خلال الاستخبارات، والموساد تحديدا، لأن إسرائيل لن ترسل قوات جيشها إلى سيناء أو سورية، لمحاربة هذا التنظيم.

من جانبه، أشار محلل الشؤون الاستخبارية في "يديعوت أحرونوت"، رونين برغمان، إلى أهمية الدور الذي يقوم به الموساد في صفوف المنظمات الجهادية، وأشار إلى أن الموساد سلم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية معلومات، في أعقاب هجمات 11/9، مفادها أن زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري، قررا في حينه وقف الهجمات في الدول الغربية.

ورأى المحلل السياسي أمنون لورد، المقرّب من نتنياهو، أن تعيين كوهين يظهر رغبة رئيس الحكومة بنظام جديد في الشرق الأوسط، وأكد أن نتنياهو وجد في كوهين الرجل والمستشار الذي يستطيع العمل معه في المجال الاستراتيجي- السياسي- الاستخباري. وأضاف أن ما يريده نتنياهو هو أن تكون لإسرائيل مكانة جديدة في الشرق الأوسط تستند إلى مجموعة من العلاقات والنفوذ في المجالين الاقتصادي والسياسي، وفي هذا المجال يتفوق كوهين على منافسيه.

وكتب لورد في موقع "إنرجي" الإلكتروني، إن المرحلة التي كانت إسرائيل تستطيع التأثير فيها على المنطقة بواسطة قوتها العسكرية فقط انتهت، ويوسي كوهين هو الرجل المناسب لإنشاء علاقات مع دول المنطقة ومع أطراف أخرى غير دولتية.

وأشار إلى أن كوهين يتولى وظيفته في الوقت الذي أصبحت فيه مكانة الموساد أقوى مما كانت عليه قبل عقد من الزمن، بعد أن قام مائير داغان بتطوير الموساد كهيئة استخبارية عملانية.

ومن ناحية التحديات الاستخبارية، فإن إسرائيل محاطة بوضع من الفوضى، ومن بين المشكلات المطروحة حالياً كيفية تحديد ما هو الأهم فيها. وفي الواقع، فإن الأولوية القصوى معطاة إلى موضوع منع "الإرهاب" من استخدام سلاح للدمار الجماعي. ويشكل وجود تنظيمات تابعة للجهاد العالمي في سورية وسيناء وفي أوروبا، التحدي الأصعب لهذه المسألة. من الواضح أنه بالنسبة لتنظيم داعش لا توجد قيود أمام استخدامه وسائل دمار جماعي. وفي موازاة ذلك، تبقى إيران دولة إسلامية ترعى تطوير سلاح نووي. وبرأي لورد يعتبر الموساد الطرف الأكثر قدرة على المراقبة الاستخبارية وبناء قدرة على الإحباط والمنع. وسيلعب يوسي كوهين دوراً أساسياً في تجنيد الـ"سي آي إي" للتعاون من جديد مع إسرائيل ضد إيران. وسوف تكون لديه سنة كي يعد الأرضية لذلك، لأنه ما دام الرئيس الأميركي باراك أوباما في منصبه فلن يحدث الكثير. لكن في ما بعد، فإن السنوات الخمس القادمة ستكون حاسمة بالنسبة لإيران وبالنسبة إلى تنفيذ الاتفاقات معها، وهذه ستكون مهمة كوهين.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات