المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صادق الكنيست، ليلة 24 تشرين الثاني الأخير، على تعديل رقم 21 لـ"قانون الخدمة الأمنية" بالقراءتين الثانية والثالثة، وذلك بأغلبية 49 مؤيدا مقابل 36 معارضا من بين أعضاء الكنيست.

ويقضي التعديل الجديد، الذي بادرت إليه الحكومة، بتمديد فترة إعفاء الشبان الحريديم التام من التجنيد لتأدية الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي بسبع سنوات إضافية أخرى، حتى العام 2020 (بدلا من العام 2017، حسب نص القانون السابق)، كما يقضي أيضا بإلغاء إمكانية اتخاذ أية عقوبات جنائية بحق مَن لا يتجند من بين هؤلاء الشبان حتى العام 2023.

وكان الكنيست قد صادق على هذا التعديل يوم 16 تشرين الثاني الماضي، بأغلبية 60 عضوا ومعارضة 45 عضوا. وهو تعديل حكومي جاء في شرح أسبابه ودوافعه آنذاك: "إن سنّ التعديل رقم 19 (تعديل على "قانون الخدمة الأمنية" أقرّ في العام 2014) أثار معارضة قوية لدى جمهور الحريديم وأثار تنفيذه مخاوف من مغبة المسّ بالمنحى الإيجابي الذي ظهرت بوادره من قبل وأشار إلى ارتفاع مستمر وتدريجي في عدد المتجندين من بين هذا الجمهور، وهو ارتفاع طرأ حتى قبل الشروع في تطبيق أحكام التعديل المذكور". والتعديل رقم 19 هو المعروف باسم "قانون المساواة في تحمل العبء" أو "قانون تجنيد الحريديم".

ويحدد التعديل الجديد فترة جديدة تبدأ من يوم 1/7/2017 يمكن، منه فصاعدا، مواصلة تأجيل الموعد القانوني لتجنيد الشبان الحريديم في تأدية الخدمة العسكرية "طالما بقي عدد المتجندين من بينهم منسجماً مع الأهداف التي وضعتها الحكومة". ويضيف أنه "إذا ما تبين في سنة معينة أن هذه الأهداف لم تتحقق في تلك السنة، يتم إلغاء التسوية بشأن تأجيل موعد تأدية الخدمة ويخول وزير الدفاع بدلا من ذلك، صلاحية تأجيل الخدمة حتى سن 21 عاما فقط (بدلا من السن القانوني، 18 عاما). وبدءا من هذه السنّ، يمكن منح الإعفاء من الخدمة لـ 1800 شاب حريدي يواظبون على تعلّم التوراة، بينما يسري على الآخرين واجب تأدية الخدمة العسكرية أو الخدمة الوطنية ـ المدنية".

ويحدد التعديل الجديد، أيضا، "فترتيّ تأقلم" بحيث يتم تمديد "فترة التأقلم الأولى" حتى يوم 30/6/2020 "لضمان فترة تجريبية أطول يتم خلالها استخلاص العبر بشأن إجراءات التجنيد"، ثم تأتي بعدها "فترة تأقلم ثانية" تبدأ يوم 1/7/2020 وتستمر حتى يوم 30/6/2023. وإذا ما تطابقت معطيات تجنيد الشبان الحريديم خلال "فترة التأقلم الثانية" هذه مع الأهداف التي حددتها الحكومة، يستمر العمل بـ"التسوية" ذاتها التي تم اعتمادها خلال "فترة التأقلم الأولى". أما إذا ظهر إخفاق في تحقيق هذه الأهداف، فعندئذ يُمنح طلاب المدارس الدينية الحريديم إعفاء من تأدية الخدمة حتى سن 21 عاما. ومن تلك السن، يخول وزير الدفاع صلاحية تأجيل خدمة هؤلاء "على أساس أهداف التجنيد التي تضعها الحكومة، طبقا لتوصيات وزير الدفاع"!

ويشكل تخويل وزير الدفاع هذه الصلاحية، إلى جانب "تحديد أهداف التجنيد طبقا لتوصياته"، إلغاء فعليا لخيار العقوبات الجنائية التي ينبغي فرضها ضد أي شاب حريدي يتهرب من تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية، وهو الخيار الذي نصت عليه الصيغة السابقة للقانون.

وفي معرض عرضه التعديل الجديد (التأجيل) على الكنيست، قال وزير الدفاع، يعلون، إن "مسألة تجنيد الحريديم هي مسألة هامة جدا للمجتمع الإسرائيلي بالمنظور التاريخي... إنه جرح مفتوح في جسد المجتمع الإسرائيلي يتمثل في السؤال: مَن يخدم ومَن لا يخدم.... ثمة شرائح سكانية نتعامل معها بشكل استثنائي، مثل النساء المتدينات، الدروز والعرب، وكذلك الحريديم. وبالنسبة للحريديم، فإنني أومن بضرورة تمكينهم من تأدية الخدمة العسكرية، لا فرضها عليهم بالإكراه... ينبغي أن نكون حكماء، لا عادلين... إنني أومن بالحوار الذي يتيح الاندماج"!

أما رئيس لجنة الأمن والخارجية التابعة للكنيست، عضو الكنيست تساحي هنغبي، فقال إن "الحكومة تعتقد بأن في الإمكان مواصلة العمل على تجنيد الشبان الحريديم من خلال تغيير قواعد الحوار وعلى أساس التعاون مع جمهور الحريديم".

وفي المقابل، هاجمت أحزاب المعارضة البرلمانية هذا التعديل واعتبرته "يكرس عدم المساواة في تحمل العبء" و"يتجاهل جميع الشرائح الأخرى التي تلتزم بتأدية الخدمة العسكرية". وقال عضو الكنيست ميكي ليفي (من كتلة "يش عتيد (يوجد مستقبل)"، التي كانت بادرت إلى سن التعديل السابق المسمى "قانون المساواة في تحمل العبء" في الكنيست الـ 19 وتقود معركة من أجل تجنيد الشبان الحريديم) إن "قانون المساواة في تحمل العبء جاء لمعالجة وضع غير طبيعي في المجتمع الإسرائيلي ولرأب صدوع عميقة فيه... لم يعد ثمة فرق بين دم ودم. وأنا مقتنع بأن وزير الدفاع لا يصدق، حقا، ما يقوله لسانه. فقبل سنة واحدة فقط صوّت هو نفسه، إلى جانب أعضاء الائتلاف الحكومي ورئيس الحكومة، تأييدا لهذا القانون (التعديل رقم 19 في العام الماضي، 2014)، بينما يأتون اليوم بحجج وذرائع واهية... إنكم تكذبون على أنفسكم أولاً وستتسببون، بتصويتكم هذا الآن، بشرخ جديد في المجتمع الإسرائيلي"!

وقال عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان (زعيم "يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)") إن التصويت على التعديل الجديد يثبت أن "مركّبات الائتلاف الحكومي لا تثق ببعضها البعض، إذ يصرّ ممثلو "شاس" و"يهدوت هتوراه" على تمرير هذا التعديل وإقراره قبل التصويت على قانون الميزانية، لأنهم يعرفون حقيقة شركائهم (ويقصد الليكود ورئيس الحكومة).... ما يفعله الليكود الآن هو خيانة للقيم الصهيونية"!

ومن جهتها، قالت عضو الكنيست تسيبي ليفني ("المعسكر الصهيوني") إن رئيس الحكومة، نتنياهو، "كان يعرف أنه سيعود إلى تغيير هذا القانون، منذ لحظة إقراره في العام الماضي... لقد قال، شخصيا، آنذاك، إنه يتعين عليه التفكير، أيضا، بائتلاف مستقبلي (مع الحريديم)"!

وأعلن حزب "يش عتيد" واتحاد الطلاب الجامعيين في إسرائيل نيتهما تقديم التماس إلى المحكمة العليا ضد هذا التعديل الجديد وللمطالبة بإصدار أمر قضائي يُلزم بإلغائه.

شرط انضمام الحريديم إلى الائتلاف

التعديل الجديد هو جزء أساس من اتفاقية الائتلاف الحكومي الجديدة بين "الليكود" وكتل الأحزاب الحريدية وشكّل (تشريعه) الشرط المركزي والأهمّ الذي وضعته هذه الأحزاب للموافقة على الانضمام إلى الائتلاف الحكومي الجديد الذي تشكل في أيار من العام الجاري وأتاح إقامة حكومة بنيامين نتنياهو الحالية (الحكومة الـ 34 في إسرائيل) في أعقاب انتخاب الكنيست الـ 20 (الحالي) في آذار الأخير.

وقد كان واضحا أن انضمام أحزاب الحريديم إلى الائتلاف الحكومي الجديد يستهدف، أولا وقبل أي شيء آخر، إلغاء "قانون المساواة في تحمل العبء"، إلى جانب ما يمكنها تحصيله من امتيازات ومكاسب مالية عديدة بالطبع.

فقد أحدث سنّ هذا القانون في العام الماضي، بمبادرة حزب "يش عتيد" كجزء من الائتلاف الحكومي السابق، خلال دورة الكنيست السابق (الـ 19)، هزة كبيرة جدا في الحياة العامة والسياسية الإسرائيلية، إذ استهدف تحقيق زيادة كبيرة جدا، نسبيا، في عدد الشبان الحريديم المتجندين للجيش، إلزامياً، للمرة الأولى منذ قيام دولة إسرائيل.

ففور تشكيل الحكومة السابقة، أقيمت لجنة وزارية برئاسة وزير العلوم آنذاك، يعقوب بيري (من "يش عتيد")، أنيطت بها مهمة وضع مخطط قانوني لتجنيد الحريديم للخدمة العسكرية في الجيش.

وبعد نحو أربعة أشهر، نقلت "لجنة بيري" دفة الأمر إلى لجنة أخرى برئاسة عضو الكنيست أييلت شاكيد (وزيرة العدل الحالية، من حزب "البيت اليهودي") لتقوم هذه بإعداد مسودة قانون لهذا الغرض يتم عرضه على الكنيست.

وقد أنجزت "لجنة شاكيد" هذه المهمة بعد بضعة أشهر طويلة من المداولات فقدمت "مشروع قانون" تضمن تحديدا للأهداف المرجو تحقيقها في ما يتعلق بتجنيد الشبان الحريديم خلال السنتين الأوليين بعد إقرار القانون.

وفي آذار 2014، أقر الكنيست مشروع القانون هذا تحت اسم "تعديل رقم 19 لقانون الخدمة المدنية"، والذي شكّل عملياً إلغاء فعليا لـ"قانون طال" (سنّه الكنيست في العام 2002)، الذي منح الشبان الحريديم إعفاء قانونيا جارفا من واجب تأدية الخدمة العسكرية، وهو القانون الذي قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بضرورة إلغائه أكثر من مرة نظرا لعدم دستوريته (تعارضه مع مبادئ المساواة الأساسية)، لكن التوازنات والحسابات الحزبية ـ الائتلافية حالت دون تنفيذ ذلك لسنوات عديدة.

وقد نص "قانون المساواة في تحمل العبء" (تعديل رقم 19) على أن يتم، ابتداء من العام 2017، تجنيد 5200 شاب حريدي (يشكلون نحو 74% من طلاب المدارس الدينية الحريدية) في كل سنة، وعلى أنه إذا لم يتحقق هذا الهدف يتم "إلزام جميع الحريديم، قاطبة، بواجب التجند لتأدية الخدمة العسكرية" ويتعرض كل متهرب من تأدية الخدمة لعقوبات جنائية، تشمل السجن الفعلي أيضا.

وخلال المساعي لتشكيل الحكومة الحالية، تم التوقيع بين الليكود وأحزاب الحريديم، وخاصة "يهدوت هتوراه"، على اتفاق ائتلافي تضمن بندا مركزيا ينص، صراحة، على "تعديل قانون الخدمة الأمنية الذي وضعته لجنة شاكيد في الدورة السابقة للكنيست". وقد علل أحد قادة "يهدوت هتواره" هذا البند بالقول: "إنها مسألة مبدئية من جهتنا. فلا يعقل أن يكون في دولة اليهود قانون يزجّ بإنسان نذر وقته وحياته لدراسة التوراة في السجن"!

وعشية التصويت على قانون الميزانية العامة للدولة للعامين 2015 ـ 2016 (الذي صادق عليه الكنيست يوم 19 تشرين الثاني الأخير)، اشترطت أحزاب الحريديم تأييدها وتصويتها على هذا القانون بتعهد واضح من جانب رئيس الحكومة بتنفيذ تعهده بشأن البند المذكور وتعديل "قانون الخدمة العسكرية" وفق جدول زمني محدد وسريع، وهو ما حصل فعلا. فقد صادق الكنيست على هذا التعديل بالقراءة الأولى يوم 16 تشرين الثاني (قبل التصويت على قانون الميزانية) ثم أكمل إقراره نهائيا بالقراءتين الثانية والثالثة يوم 24 تشرين الثاني.

معارضة في الوسط الحريدي أيضا

هذا الإنجاز الذي حققه حزب "يهدوت هتوراه" لم يثر غضب ومعارضة أحزاب المعارضة البرلمانية وتهديدها بالتوجه إلى المحكمة العليا لإلغائه فقط، بل أثار موجة من الغضب والنقد بين فئات أخرى في جمهور الحريديم في إسرائيل، وخاصة تيار "الليطائيم" (انفصل عن "يهدوت هتوراه" سابقا)، الذي صدرت صحيفته اليومية ("هبيلِس" ـ الشاقول) غداة إقرار التعديل الجديد بعنوان كبير على صدر صفحتها الأولى يقول: "يوم أسود لليهود الحريديم"!

وقالت الصحيفة، في عنوان ثانوي: "الحكومة الحالية، بدعم من أحزاب حريدية، تقرر إقرار وتنفيذ حكم تدميري وتكريس نهج أهداف التجنيد المرعب بين أبناء المدارس الدينية"!

وخصصت الصحيفة افتتاحية العدد في اليوم نفسه للموضوع ذاته أيضا، فكتبت: "إنهم (يهدوت هتوراه) يمدون يد العون لمرتكبي المعصية ويشاركونهم فيها فيدفعون نحو تدمير الدين لأجيال عديدة قادمة"!

واتهمت الصحيفة قادة "يهدوت هتوراه" وممثليه في الكنيست بأنهم "متساهلون، متخاذلون وعديمو المسؤولية ساهموا، بين أشياء أخرى، في تأسيس وتكريس أطر عسكرية خاصة للحريديم لجني بعض المكاسب المادية الخاصة وعديمة الأهمية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات