المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية صباح أول من أمس الأحد، أن وزير الاقتصاد أرييه درعي "سوف يستقيل من منصبه"!.

وتأتي هذه الاستقالة كجزء من إجراء شامل يتسلم نتنياهو نفسه، في إطاره، حقيبة الاقتصاد (خلفا لدرعي) لكي يتمكن من التوقيع على بند القانون الذي يستثني احتكار الغاز من اعتبارات "أمن الدولة"، بما يتيح له إقرار مخطط استخراج الغاز، بصورة نهائية. وأضاف نتنياهو: "إنها خطوة كبيرة نحو دفع هدف توفير الغاز وتزويده في إسرائيل"!

وقال نتنياهو إن درعي سيحصل، في المقابل، على حقيبة "وزارة تطوير النقب والجليل"، وستضاف إليها "صلاحيات واسعة أخرى" وسيطلق على هذه الوزارة اسم جديد هو: "وزارة تطوير الضواحي، النقب والجليل"!!

أما درعي فقال إنه يستقيل من وزارة الاقتصاد "اضطراراً، بأسى ونظرا لعدم توفر أي طريق آخر لحل مشكلة إطلاق مخطط الغاز في إسرائيل، حيال إصراري ـ كما أعلنت منذ اليوم الأول ـ على عدم التوقيع على البند رقم 52 (في قانون التقييدات التجارية) الذي يعني الالتفاف على مفوّض التقييدات، وبعدما لم تتوفر الأغلبية المطلوبة في الكنيست لسحب الصلاحيات من بين يديّ، فلم يتبق أمامي خيار آخر سوى تقديم استقالتي"!

ومخطط الغاز في إسرائيل، الذي صادق عليه الكنيست قبل شهرين، لا يزال عالقا من دون إمكانية لأي تقدم، جراء رفض وزير الاقتصاد (المستقيل)، أرييه درعي، التوقيع على بند رقم 52أ الذي يتيح الالتفاف على مفوض التقييدات التجارية والمصادقة على المخطط. وبدلا من ذلك، اقترح درعي نزع هذه الصلاحية منه وتخويلها إلى الحكومة، غير أن الائتلاف الحكومي فشل في تجنيد الأغلبية البرلمانية لإقرار هذا التحويل في الكنيست، وذلك بسبب امتناع ثلاثة وزراء (وزير البناء والإسكان، يوآف غالانت، وزير المالية، موشي كحلون، ووزير الرفاه، حاييم كاتس) عن المشاركة في التصويت نظرا لتناقض المصالح الناجم عن علاقات شخصية وثيقة تربطهم بمالكي شركات التنقيب عن الغاز ومالكي امتياز التنقيب عنه. وحيال هذا كله، توصل نتنياهو ودرعي إلى هذه "الصفقة" التي تقضي بتخلي درعي عن هذه الحقيبة (وزارة الاقتصاد) ووضعها بين يدي نتنياهو ليقوم بالتوقيع على البند المذكور وإقرار المخطط.

وأثارت هذه الصفقة بين نتنياهو ودرعي ردود فعل حادة على الساحة السياسية الإسرائيلية، إذ قال رئيس لجنة الاقتصاد البرلمانية، عضو الكنيست إيتان كابل ("المعسكر الصهيوني")، إن ما حصل "ليس خدعة قذرة، بل رشوى علنية بين اثنين من منتَخَبي الجمهور"! وطالب كابل المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، بإجراء تحقيق جنائي في هذه الصفقة أو إلغائها ومنع تنفيذها، على الفور.

وقالت رئيسة حركة "ميرتس"، عضو الكنيست زهافا غالئون، إن ما حصل هو "صفقة قذرة تصل رائحة الفساد وعلاقات السلطة بالمال فيها حتى السماء". وأضافت: "نتنياهو ودرعي يتخليان عن الجمهور الواسع ويجعلان النظام الديمقراطي في إسرائيل نظاما أوليغاركياً يسيطر عليه حيتان الغاز الذين يتحكمون بمصادر الطاقة، بالاقتصاد، بالسياسة وبالإعلام"!

ممثلو رؤوس الأموال أفشلوا محاولة تعديل القانون

وعشية هذا التطور الذي يبدو حاسماً في اتجاه إقرار مخطط الغاز في إسرائيل، وهو الذي بات يشكل أحد المواضيع الاقتصادية الأكثر أهمية وتحريقاً في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، بما يثيره من نقاشات حادة جدا وتجاذبات واتهامات متبادلة، أجرت "مجلة برنامج الاقتصاد والمجتمع" في "معهد فان لير" في القدس، في عددها الأخير (تشرين الأول 2015) مقابلة مطولة مع البروفسور إيتان شيشينسكي، الذي ترأس لجنتين رسميتين ("لجنة شيشينسكي 1" و"لجنة شيشينسكي 2") اللتين عالجتا موضوع حقول الغاز التي تم اكتشافها عند شواطئ إسرائيل وقيمة العوائد المتوقعة منها وموضوع العوائد المتوقعة من الموارد الطبيعية الأخرى، وخاصة إنتاج البوتاس في مصانع البحر الميت.

وأكد شيشينسكي أن معالجة مسألة الموارد الطبيعية في إسرائيل تمت "بصورة غير قانونية". وقدم على ذلك، مثالاً، "قانون النفط والغاز" (سنه الكنيست في العام 1952) الذي حدد مراحل تدريجية لمنح "مبادِرين من القطاع الخاص" امتيازات التنقيب عن الغاز والنفط في إسرائيل وإنتاجهما، "وهو ما شكل خصخصة، عمليا".

وقال إن القانون يحدد منح امتياز التنقيب لفترة ثلاث سنوات وإذا ما تم العثور على الغاز أو النفط خلالها، يحصل صاحب امتياز التنقيب على حقوق اكتشاف واستخراج حصرية لمدة ثلاثين عاماً. أما النقطة الأكثر إشكالية في هذا السياق، فهي أن القانون لم يحدد أي ثمن للاكتشاف المذكور. بمعنى، أن الفائز بالامتياز (سواء امتياز التنقيب أو امتياز الاكتشاف والإنتاج) غير ملزم ـ في نص القانون ـ بدفع أي مبلغ أو أية حصة للدولة. وللتوضيح، قال إن الأمور في الولايات المتحدة، مثلا، تسير على نحو مغاير تماما، إذ تُجرى مناقصة للتنقيب عن الغاز أو النفط في منطقة معينة، يفوز بها (المناقصة) المشترك الذي يعرض المبلغ الأكبر كعوائد للدولة. وبعد التوقيع على العقد، مع الفائز بالمناقصة، يبقى الاكتشاف بملكية الشركة الخاصة لفترة قصيرة فقط، أقصر بكثير من تلك التي يحددها القانون في إسرائيل. ومعنى هذا عمليا ـ أضاف شيشينسكي ـ أن المورد الطبيعي، الذي هو ملك الدولة، يُوضع تحت تصرف المبادرين الخصوصيين مجاناً من دون أي مقابل، على أن يدفعوا للحكومة ـ فيما بعد ـ نسبة 5ر12 بالمئة من المدخولات التي يجنونها من بيع النفط أو الغاز.

فرض ضرائب على شركات الغاز ـ دعم للعرب!

وقال شيشينسكي إنه في أعقاب اكتشاف حقول الغاز في إسرائيل، وخاصة في نهاية التسعينيات حين تم اكتشاف حقليّ "تمار" و"ليفياتان" الكبيرين نسبيا، كانت هناك نية لتعديل "قانون النفط والغاز" ليلائم المستجدات التي لم تكن متوقعة أو محسوبة لدى إقراره، غير أن ممثلي رؤوس الأموال عارضوا هذه النية، معارضة شديدة وبكل ما أوتوا من قوة وتأثير على الحكومة والكنيست، فسقط الموضوع من جدول الأعمال!

وفي أعقاب تلك الاكتشافات، أقيمت "لجنة شيشينسكي" (الأولى) في العام 2010 لفحص ما إذا كانت الحكومة (الدولة) تحصل على حصة ملائمة من هذه الاكتشافات. وقبل أن تبدأ هذه اللجنة ممارسة مهامها، انطلقت معركة منظمة كان هدفها (ممارسة الضغط على اللجنة بغية) منع فرض أية ضرائب على شركات الغاز، بما في ذلك الادعاء بأن "فرض الضرائب على اكتشافات الغاز يعني، عمليا، تقديم الدعم للعرب"!!

وأوضح شيشينسكي أحد المقاييس المعتمدة لفحص وتحديد حصة الحكومة (GT) كنسبة شاملة من الأرباح، بعد خصم ضرائب الشركات، العوائد وضريبة الأرباح الفائضة (التي فرضتها اللجنة). ولدى فحص تدريج الدول حسب هذا المقياس، تبين أن ثمة دولا تحصل على ما يزيد عن 90% من الأرباح، فيما حصلت الولايات المتحدة على أكثر من 70%، بينما كانت إسرائيل في المرتبة الأخيرة ولم تزد حصتها عن 30% فقط من الأرباح! "وهو ما وفر لنا الأرضية الصلبة للقول إن حصة الحكومة من أرباح الغاز متدنية جدا، بصورة غير تناسبية إطلاقا"، قال!
ولم ينكر شيشينسكي حق المبادرين والشركات الخاصة في جني المردود المالي اللائق، لكن تحديد هذا "المردود اللائق" كان يستوجب معرفة التفاصيل والأخذ في الحسبان مستوى المخاطرة التي أخذها هؤلاء على عاتقهم. وبالنظر إلى أن هذا "المردود اللائق" يختلف من قطاع اقتصادي ـ تجاري إلى آخر، فقد توصلت اللجنة إلى أن هذا المردود في قطاع الغاز ينبغي أن يتراوح بين 9% و 13%، بينما بلغت أرباح شركة "إنيرجي" من حقل الغاز "تمار" أكثر من 22%، الأمر الذي "يبرر تعديل القوانين ذات الصلة، حتى في منتصف المباراة، لأن مستوى الربح المذكور لم يكن تناسبيا ولا مقبولا، إطلاقا. وقد صادقنا لهذه الشركة على أرباح بنسبة 19%، وهي أعلى من المقبول بكثير، لكنها لم ترض بها".

وأكد شيشينسكي أن "توجهنا كان مبنيا على أساس أن ملكية هذه الموارد الطبيعية تعود للدولة بصورة حصرية وما يوضع تحت تصرف شركات الغاز هو الحق في استخراج الغاز وجني المدخولات منه، وليس حق الملكية على الغاز في أي حال من الأحوال.... يجب ضمان مردود لائق للمبادرين لقاء ما يستثمرون ويوظفون من أجل معالجة المورد الطبيعي، تطويره واستخراج ما فيه، بما في ذلك مستوى المخاطرة الاقتصادية التي يخوضونها. أما الباقي، فيجب أن يذهب كله إلى الحكومة".

وقال شيشينسكي إنه في أعقاب تقرير اللجنة (شيشينسكي 1) تم سن قانون حدد، بالضبط، النسب التي ينبغي على شركات الغاز دفعها للحكومة. وأضاف: كنا نريد الوصول إلى صيغة لا تقصر مدخولات الدولة على العوائد وضريبة الشركات فقط، بل أن تشمل أيضا ضرائب على الأرباح الفائضة. ذلك أن نسبة العوائد تبقى ثابتة على حالها، بينما يجب أن نتذكر أن العوائد تخلق تشويها اقتصاديا نظرا لأنها تُحسَب من المدخولات، لا من الأرباح، ولذا فهي تخلق حافزا اقتصاديا ـ تجاريا لخفض الإنتاج. ولذلك، فقد فرضنا، إضافة إلى العوائد، ضريبة على الأرباح الفائضة تتراوح نسبتها بين 20% و 50%، تبعا لمستوى الأرباح.

وذكّر شيشينسكي بأن القانون عالج مسألة أخرى، إذ وضع قيودا على شركات الغاز تمنعها من بيع الغاز في البلاد بسعر أعلى من السعر الذي تبيعه به في خارج البلاد. ومع ذلك، تحدث شيشينسكي عن مشكلة عدم وجود أية رقابة على سعر الغاز في البلاد، فقال إن "الرقابة هي حل إشكالي، كما تعلمنا التجربة في العالم، ولذا فإن المخطط المطروح يحدد سعر الحد الأعلى، بدلا من الرقابة، وهو سعر (الحد الأعلى) مرن يتغير بتغير سعر الغاز في العالم".

تهديدات فارغة، ضغوط دولية ورسالة من بيل كلينتون!

وتطرق شيشينسكي، في الرد على الأسئلة خلال المقابلة، إلى المعارك التي لا تزال تشنها شركات الغاز ضد توصيات لجنته "التي لم يصادق الكنيست عليها، بعد"، وقال إن تهديدات شركات الغاز بالتوقف عن معالجة حقول الغاز أو إنتاج الغاز هي تهديدات فارغة ولا تعدو كونها "تهديداً بمسدس فارغ". وأورد، مثالا، تهديدات شركة "خيميكاليم ليسرائيل"، بأنه إذا تم إقرار هذه التوصيات (ضمن نص قانوني) فهي "لن تستطيع تنفيذ الاستثمارات المخططة، بل ستضطر إلى فصل العمال". وأضاف: "ثمة سياسيون يرتعدون من هذه التهديدات، لكنها تهديدات فارغة وبلا أساس، لأن الضريبة التي نوصي بفرضها هي على الأرباح الفائضة فقط، وبما يتناسب ومستوى هذه الأرباح....بمعنى، أن ليس ثمة ما يمكن أن يثير قلقها الحقيقي، وإنما الأمر مجرد ابتزاز ومحاولة ممارسة الضغوط على أعضاء الكنيست لمنعهم من تأييد هذا القانون الذي يتضمن التوصيات". أما شركة "نوبل إنيرجي"، فستكون أرباحها من الغاز في إسرائيل الأعلى من بين أرباحها في أنحاء العالم كله، كما قال.

وردا على سؤال حول ما إذا كان قد استشعر أية محاولة لممارسة الضغط على أعضاء اللجنتين اللتين تولى رئاستهما، قال البروفسور شيشينسكي إن "المعركة كانت قاسية جدا ضد لجنة شيشينسكي الأولى، بما في ذلك من جانب مجموعات ضغط أميركية مارست ضغوطا عديدة ومختلفة، حتى أن "بيل كلينتون (الرئيس الأميركي الأسبق) كتب رسالة شخصية إلى رئيس الحكومة"!!

وأضاف شيشينسكي أن "الوضع الآن، مع توصيات لجنة شيشينسكي الثانية، أكثر إشكالية وتعقيدا، وذلك في إثر تهديدات "خيميكاليم ليسرائيل" بفصل العمال، وتعمل هذه الشركة كل ما في وسعها، بما في ذلك تجنيد محامين وأعضاء كنيست ومجموعات ضغط يتجول ناشطوها في الكنيست من أجل إلغاء توصيات اللجنة... وأنا لست مقتنعا بأن لدى نتنياهو استعداداً لتبني توصيات اللجنة كاملة".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات