المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وفقا للتراث الديني اليهودي، فإن النبي موسى صعد إلى جبل طور سيناء، قبل حوالي 3500 عام، وتلقى من الرب مباشرة لوحي العهد، اللذين حُفرت عليهما الوصايا العشر، وكذلك الأسفار الخمسة الأولى والتلمود والمِشنة والأحاديث الدينية المنقولة. وجرى ذلك في السادس من شهر نيسان العبري، وهو التاريخ الذي يحتفل فيه اليهود بعيد "شْفوعوت" أي عيد نزول التوراة، ويسمى أيضا عيد البواكير، الذي صادف في مطلع الأسبوع الماضي.


ورغم هذه الرواية التراثية، إلا أن البحث العلمي في التوراة وتاريخها توصل إلى "حقيقة" أن موسى لم يكتب التوراة، ولا الأسفار الخمسة الأولى، وهي التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية، وإنما كتبها أشخاص يحملون أفكارا مختلفة ومتنوعة.
والسؤال الأساس في هذا السياق هو من هم كتبة التوراة وماذا كانت أهدافهم؟ وقد حاول الكاتب والمحرر في صحيفة "هآرتس" إيلون غلعاد الإجابة على ذلك في مقال مطول نشره عشية عيد نزول التوراة.


يستدل من نصوص التوراة نفسها أنها لم تنزل في سيناء، إذ هناك وصف لقصة تلقف الوصايا العشر، لكن النص التوراتي لا يذكر أن موسى حصل على كتاب التوراة. ورغم أن كلمة "توراة" مذكورة في النص، إلا أن المقصود هو "الأوامر"، بمعنى القوانين والشرائع. كذلك فإن الأسفار الخمسة لم تنحصر في جبل طور سيناء، وإنما تتحدث عن سنوات التيه كلها، التي استمرت 40 عاما، وقبل أن يصل "أبناء إسرائيل" إلى طور سيناء.


وواضح من النص التوراتي أن أجزاء من التوراة لم يكتبها موسى، إذ أنه مذكور هناك أنه كتب مقاطع معينة، ما يعني أن هذه الملاحظة لم تكن ضرورية لو أن موسى كتب النص كله. إضافة إلى ذلك، فإن قصة موسى كتبها مؤلف يتحدث عنه من خلال ضمير الغائب، مثلما يتحدث عن الشخصيات الأخرى، ومثال على ذلك: "وأما الرجل موسى فكان حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عدد 12، 3).


كذلك فإن كبار حاخامي اليهود، الذين وضعوا الأحاديث الدينية المنقولة (الشفهية) بحلول القرن السادس الميلادي، وكانوا يلتزمون بأن موسى كتب التوراة، واجهوا صعوبة في تصديق أنه كتب الآيات الثماني الأخيرة من سفر التثنية، التي تصف موت موسى ودفنه. ويعبر التلمود عن هذه الصعوبة: "هناك من يقول إن موسى كتب هذه الآيات أيضا، وآخرون يقولون إنه كتبها خليفته، يهوشع بن نون". واستمر هذا النقاش بصورة هادئة في القرون الوسطى.
وفي بداية عصر التنوير، في أوروبا، بدأ مفكرون وفلاسفة يشككون علنا بأن موسى كتب التوراة. وكتب الفيلسوف الهولندي اليهودي باروخ سبينوزا، في مؤلفه الهام "رسالة في اللاهوت والسياسة"، في العام 1670، أنه "واضح كالشمس في الظهيرة أن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة الأولى في التوراة، وإنما كتبها شخص عاش بعده بسنوات كثيرة".


كذلك توصل إلى نتيجة مشابهة الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، الذي عاش في الفترة نفسها.

قصة واحدة نصان مختلفان

دفعت كتابات سبينوزا وهوبز الطبيب والباحث الفرنسي، البروفسور جان أستروك، إلى استخدام علم النقد، الذي استخدم حتى ذلك الحين في دراسة تطور النصوص الإغريقية واللاتينية، في دراسة التوراة. وكان أستروك يأمل بأن يفند "كفر" الفيلسوفين، لكنه فوجئ عندما اكتشف أن سفر التكوين مؤلف من نصين مختلفين متداخلين ويشكلان نصا واحدا. وقد نشر استنتاجاته في العام 1753، بمقال غير موقع.


وتوصل أستروك إلى قناعة، ويؤمن بها الباحثون اليوم، بأن التوراة لم يكتبها شخص واحد وإنما عدة أشخاص، وذلك بسبب أربعة مميزات في نصوص سفر التكوين والأسفار الأخرى، وهي: تكرار لا حاجة له، تناقضات داخلية، اختلافات في الأسلوب واللغة، اختلافات إيمانية وفكرية.
ومثال على ذلك أنه لا توجد في التوراة قصة خليقة واحدة، وإنما هناك قصتان: القصة الأولى تتحدث عن خلق العالم في ستة أيام وتنتهي باستراحة في اليوم السابع، حسبما ورد في سفر التكوين، في الإصحاح الأول والآيات 1- 3 في الإصحاح الثاني. وبعد ذلك هناك قصة خليقة مختلفة في سفر التكوين نفسه، في الإصحاحين الثاني والرابع، وهذا مثال على تكرار زائد. وترتيب الخليقة في القصة الأولى يبدأ بالنباتات ثم الحيوانات والإنسان في النهاية. بينما في القصة الثانية، يخلق الرب آدم أولا، ثم النباتات، وبعد ذلك الحيوانات، وفي الن

هاية يخلق حواء من ضلع آدم. وهذا مثال على التناقض.
في القصة الأولى يوصف الخالق بأنه "الله" وتسمى الطيور بـ"طائر ذي جناح"، بينما في القصة الثانية يسمى الخالق "الرب الإله" والطيور بـ"طيور السماء". وهذان مثالان على تغيير في النص والأسلوب.
والخالق في القصة الأولى غيبي ومنفصل عن العالم، لكنه في القصة الثانية هو إله مقيم في العالم ويتجول في الجنة ويتحدث مع البشر.
كذلك فإن يوم السبت كيوم راحة مذكور في القصة الأولى فقط، وغائب عن القصة الثانية.


وهذه جميعاً أمثلة على تغيرات تتعلق بأركان الإيمان (قدسية يوم السبت، وطبيعة الله) تنعكس من خلال النص.
وبصورة مشابهة تتداخل روايتان في قصة الطوفان.


ويصادف القارئ لقصة الطوفان الإشكاليات الأربع التي صادفها في قصة الخليقة، لكن في قصة الطوفان لا توجد روايتان الواحدة بعد الأخرى، وإنما تظهران كقصة واحدة مليئة بالتكرار والتناقضات والتغيرات اللغوية والفكرية.
على سبيل المثال، الطوفان يستمر 370 يوما ثم يقال إنه استمر 40 يوما، ويسمى الرب "الله" أحيانا و"الرب الإله" أحيانا أخرى. ويؤكد ذلك على وجود روايتين تظهران بالكامل، من دون شطب تفاصيل من نصيهما. ففي إحدى الروايتين يرسل نوح حمامة، ويرسل في الثانية غرابا.
برغم ذلك، فإن قصة الطوفان متلائمة مع قصة الخليقة، إذ تسمي إحدى روايتي الطوفان الخالق بـ"الرب الإله" وتقول إنه يغلق السفينة ويشتم روائح ويندم، وهذا مشابه لـ"الرب الإله" الذي يتحدث مع البشر في قصة الخليقة. وفي الرواية الأخرى للطوفان، كما في قصة الخليقة الأولى، يتم تسمية الخالق بـ"الله".

كتبة التوراة

خلافا للانطباع الذي قد ينشأ من الروايات المزدوجة المذكورة أعلاه، فإن التوراة ليست مؤلفة من مصدرين وإنما من أربعة مصادر. ودرج الباحثون، في أعقاب أستروك، على درس التوراة دراسة نقدية، وفي العام 1805، بيّن باحث التوراة الألماني فيلهلم دي - فيتيه أن لسفر التثنية مصدرا منفصلا عن الأسفار الأربعة الأخرى الأولى في التوراة. كما أظهرت دراسات لاحقة أنه يوجد للنصوص التي تسمي الخالق "الله" أكثر من مصدر واحد، بل أن هناك مصدرين. وجمع الباحث الألماني يوليوس فلهاوزن هذه الدراسات ووحدها في ما بات يعرف باسم "نظرية المخطوطات".


ووفقا لهذه النظرية، أو الفرضية، فإن التوراة مكونة من أربع مخطوطات دمجها محرر، في فترة متأخرة، لتشكل وحدة واحدة. وتعبر المخطوطات عن المصدر اليهوي (يهوى)، الذي يستخدم تسمية "الرب الإله"؛ المصدر الذي يستخدم تسمية "الله"؛ المصدر التثنيوي، المسؤول عن سفر التثنية كله؛ المصدر الكهني، وهو المصدر الأكبر في التوراة، ويسمي الخالق بـ"الله" حتى ظهور الرب لموسى وعندها يبدأ هذا المصدر باستخدام "الرب الإله". وهذه النظرية مقبولة على الغالبية العظمى من الباحثين المعاصرين مع تغييرات طفيفة. فقد جرى التعرف، في القرن العشرين، على مقاطع عديدة في التوراة تشكل مصادر بحد ذاتها، مثل "قانون القداسة" في سفر اللاويين.


إن كتبة التوراة كثيرون، ويتجاوز عددهم الخمسة، كعدد مصادر التوراة. والاعتقاد السائد أن عزرا الكاتب، ويعرف أيضا باسم عزرا الكاهن، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، هو الذي جمع وحرر نصوص التوراة. ويعتقد الباحثون أن نصوص التوراة لم تكتب كقطعة واحدة، وإنما هي ثمرة عمل أجيال من الكتبة، الذين أضافوا "طبقات على ظهر طبقات" من النصوص. ولا يستبعد الباحثون احتمال استمرار تعديل النص التوراتي بعد تحريره حتى أصبح بالشكل الذي نعرفه اليوم.


هناك جانب آخر ينبغي الالتفات إليه، هو أن مفهوم الكتبة في العصور القديمة يختلف عن مفهومه اليوم. فقد كانت هناك مخطوطات يحتفظ بها في المعابد. كما أن عناصر القراءة والكتابة كانت مؤهلات نادرة جداً. وكان تأهيل الكاتب يستمر لسنة أو اثنتين، وشمل تعليما أساسيا فقط على الكتابة والقراءة، من خلال نسخ كتابات ونصوص قديمة وتعلم تفسيرها على أيدي كتبة متخصصين. كذلك تعلم الكتبة لغات أجنبية، وكتبة التوراة تعلموا اللغة الآرامية بالأساس. وبعد اكتساب هذه المهارات، كان الكتبة يتجهون إلى العمل في المعابد، أو كمستقلين، أو في خدمة أثرياء أو لدى الملك كمستشارين ووزراء ودبلوماسيين.


وبعد تطور الكتابة في العصور القديمة، بدأ الكتبة ينسخون قصصا وقصائد كانت تُتداول شفهيا جيلا بعد جيل.
ورغم الاحتفاظ بالمخطوطات بحرص شديد في المعابد، إلا أنها كانت تتلف وتبلى مع مرور الزمن، ولذلك كانت هناك حاجة إلى إعداد نسخ أخرى منها كي تحل مكانها. وكانت هذه النُسخ مطابقة، أحيانا، للنسخة السابقة، لكن بصورة عامة كانت تختلف عنها قليلا، لأن الكاتب لم يكن ينسخ كلمة بكلمة، وإنما يكتب من خلال السمع والذاكرة. وكان يدمج الكتبة في النص الجديد، أحيانا، مقاطع من التراث الشفهي أو من مخطوطات أخرى، وبهذه الطريقة تطورت المخطوطات في الشرق القديم مع مرور السنين.

مصادر التوراة

يرجح الباحثون أن المصدر الذي استخدم تسمية "الله" في النصوص التوراتية هو المصدر الأقدم. ووفقا لمضمون هذه النصوص، حيث الأماكن المذكورة فيها تقع كلها تقريبا داخل "مملكة إسرائيل" (في القسم الشمالي من فلسطين)، يعتقد الباحثون أنها كُتبت بأيدي كهنة هذه المملكة في نهاية القرن التاسع قبل الميلاد وبالأساس خلال القرن الثامن قبل الميلاد. وفي أعقاب خراب "مملكة إسرائيل" على أيدي الآشوريين، في العام 722 قبل الميلاد، هاجر قسم من الكتبة إلى يهودا (المنطقة الواقعة بين القدس والخليل)، حاملين معهم مخطوطاتهم المقدسة وانخرطوا في ثقافة هذه المنطقة. وبحسب علماء آثار، فإن "مملكة يهودا"، التي حكمها حينذاك حزقياهو، كانت تتسع وتزدهر اقتصاديا وثقافيا في أعقاب هجرة "نوعية" من مملكة الشمال التي كانت متطورة نسبيا وبسبب اندماجها في الاقتصاد الدولي.


ويحتوي المصدر اليهوي على التقاليد القديمة لـ"مملكة يهودا" الصغيرة والأكثر تخلفا. ويعتبر الباحثون أن الأماكن التي يذكرها هذا المصدر في النصوص التوراتية تشكل شهادة مقنعة على المكان الذي كُتبت فيها نصوص هذا المصدر. ويرجح أنه جرى تدوين التراث الشفهي الموجود في هذه النصوص في معبد في القدس، في القرن الثامن قبل الميلاد، وربما بعد وصول المهاجرين من مملكة الشمال. وتم دمج هذين المصدرين في نص واحد في نهاية فترة "مملكة يهودا"، وقريبا من العام 586 قبل الميلاد، وهو عام خراب الهيكل الأول وفقا للتراث اليهودي.


وتطور المصدر التثنيوي بصورة تدريجية، وتكمن أهميته في كونه يتضمن مجموعة التشريعات والقوانين اليهودية. ولأهميته، يسمى أحيانا "التوراة". وكانت النواة القديمة لسفر التثنية مكتوبة بأسلوب ولغة تحالف بين ملك وملك آخر تابع له، ولكن بدلا من الحديث عن حلف بين ملكين، وصفت هذا النواة حلفا بين الله وشعب إسرائيل. ويتحدث سفر الملوك الثاني عن "العثور" على سفر التثنية في العام 622 قبل الميلاد تقريبا، عندما كان الكهنة يرتبون المعبد.


ويبدو أنه تم إجراء تعديل على نص سفر التثنية بعد العثور على مخطوطته لغايات سياسية، إذ أن مضمون المخطوطة الجديدة يتناقض بالكامل مع تقاليد "مملكة يهودا"، وخاصة فيما يتعلق بفريضة تركيز الشعائر الدينية في "الهيكل" في القدس، بينما اعتاد سكان "يهودا" على مر الأجيال على إقامة هذه الشعائر في منابر ومعابد وأماكن مقدسة أخرى منتشرة في أنحاء المملكة. ووفقا للنص الجديد فإن الملك ياشياهو شكك في مصداقية المخطوطة، واستشار خَلدة النبية حول ذلك، فقالت إن النص أصلي. وفي أعقاب ذلك أمر ياشياهو بإجراء إصلاحات دينية شاملة. لكن النبي إرميا، الذي عاش في تلك الفترة، لم يكن مقتنعا بأصلية هذا النص.


ويرجح الباحثون أن كتبة سفر التثنية هم كهنة من "مملكة إسرائيل". وتوجد في هذا السفر أوجه شبه عديدة مع المصدر الذي يستخدم تسمية "الله" من حيث الأسلوب اللغوي، إذ يستخدمون اسم "جبل حوريب" خلافا للمصادر الأخرى التي تستخدم "سيناء"، وكذلك هناك تشابه مع مجموعة القوانين. ويولي سفر التثنية أهمية كبيرة للاويين. ويبدو أن الإصلاحات التي قادها ياشياهو شملت تقاسم عمل بين كهنة "الهيكل" في القدس، الذين اعتبروا أنهم من نسل هارون، شقيق موسى، وبين كهنة مملكة الشمال الذي اعتبروا أنفسهم مكملي طريق موسى. وكانت مهمة كهنة القدس تقديم القرابين وإقامة طقوس العبادة، بينما كانت مهمة الكهنة الشماليين، الذين أصبحوا لاويين، المسؤولية عن نصوص "الهيكل"، وبضمن ذلك الحفاظ على المخطوطات المقدسة وغناء المزامير.
واستمر اللاويون في تطوير سفر التثنية من تلك النواة الأولية وحتى نهاية فترة "الهيكل الأول" وفترة سبي بابل. وفي نهاية عملية تطويره، أصبح سفر التثنية الجزء الأول من التاريخ التثنيوي، الذي يشمل أسفار يشوَع والقضاة وصموئيل والملوك، وجميعها مكتوبة بالأسلوب واللغة نفسيهما وتحمل الأيديولوجية نفسها.


ويرجح أن المصدر الكهني هو المصدر الأخير زمنيا، وأنه كتبه كهنة "الهيكل" بسبب كثرة التفاصيل التي تضمنها حول الطقوس وتقديم القرابين في "الهيكل". وتمت كتابة الأسفار التي مصدرها كهني خلال فترة سبي بابل، التي امتدت لخمسين عاما تقريبا في القرن السادس قبل الميلاد. ويظهر في أماكن عدة في النص التوراتي أن المصدر الكهني يحاكي مصادر أخرى وتقاليد أجنبية أخرى وربما أنه تطلع إلى تغييرها. ويتناول هذا المصدر بإيجاز قصص الخليقة والطوفان والأنبياء حتى يصل إلى قصة الخروج من مصر. عندها تصبح وتيرة الأحداث بطيئة ومليئة بالتفاصيل، وتشكل إطارا لعدد كبير من القوانين الدينية. ويمنح هذا المصدر دورا هاما لهارون، في الوقت الذي بالكاد تذكره المصادر الأخرى.

دوافع جمع المخطوطات وصنع التوراة

تم جمع المخطوطات وتحريرها وبلورة التوراة بعد سبي بابل، أو ما يسمى في التراث اليهودي بـ"شيفات تسيون"، أي "العودة إلى صهيون".


في العام 538 قبل الميلاد، سمح ملك فارس، كورش، لليهود بالعودة إلى منطقة يهودا وإقامة حكم ذاتي فيها. وكان هذا الحكم الذاتي بحاجة إلى قانون ومحاكم وتاريخ جامع، في الوقت الذي كانت فيه النخبة منقسمة ومتنازعة وتسود المنافسة بين تقاليد مختلفة. ومن أجل توحيد هذه النخبة، كانت هناك حاجة إلى التقاليد في قصة تاريخية واحدة وقانون موحد مقبول على جميع الأطراف.


ويبدو أنه تم تكليف عزرا الكاتب، وكتبة عملوا تحت إمرته، بتنفيذ هذه المهمة. وبموجب تعيين من ملك فارس أرتحششتا، جمع عزرا الكتابات العبرية القديمة، وصنع كتابا واحدا منح فيه الأولوية للمصدر الكهني، لأنه كان كاهنا بنفسه.


ويرجح الباحثون أنه لم يكن من قبيل الصدفة، أنه في مركز التاريخ اليهودي الذي صنعه عزرا، الذي يفترض فيه أن يجمّع العائدين من بابل، كانت قصة الخروج من مصر، على أنها قصة "العائدين من الشتات"، والرحلة إلى فلسطين وتلقف القانون من زعيم لديه كريزما، ألا وهو موسى.
ووفقا للرواية التوراتية، فإنه عندما حضر عزرا، على رأس مجموعة من العائدين من بابل، إلى القدس، جرى استقبال كبير، عرض عزرا خلاله "كتاب التوراة". وجاء في سفر نحميا، الآية 2- 3 من الإصحاح الثامن: "فأتى عزرا الكاتب بالشريعة أمام الجماعة... وقرأ فيها أمام الساحة التي أمام باب الماء من الصباح إلى نصف النهار أمام الرجال والنساء وكانت آذان كل الشعب نحو سفر الشريعة". هكذا وُلدت التوراة كما نعرفها اليوم تقريبا.


لكن ثمة أهمية لهاتين الآيتين لسبب آخر، إذ فيما سُمي الكتاب الذي عرضه عزرا بأنه "سفر الشريعة"، في الآية الثالثة، فإنه تم وصفه في الآية الثانية بـ"الشريعة". ويرى باحثون أن هذا الأمر يدل على تغيير ذي دلالة طرأ على كلمة "الشريعة"، أي التوراة، في بداية الفترة التي يطلق عليها في الأدبيات اليهودية تسمية "الهيكل الثاني". وهذه الكلمة التي كانت تعني في السابق "الأمر"، بمعنى القانون والشريعة الدينية، بدأت تستخدم كاسم للأسفار الخمسة الأولى في التوراة، وبشكل مشابه لاستخدامها اليوم. ويعتقد باحثون أنه ربما يكون هذا التغيير هو الذي جعل القيادة الروحانية والتشريعية اليهودية بين القرنين الثالث قبل الميلاد والسادس الميلادي، والمعروفة باسم "حَزَل"، تفسر خطأ الآية "وهذه هي الشريعة التي وضعها موسى أمام بني إسرائيل" (تثنية 4، 44) على أنها دليل على أن موسى كتب التوراة كلها.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, يهوشع, عزرا, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات