حظي شنّ الحرب الإسرائيلية على إيران بشبه إجماع إسرائيلي، خاصة من المعارضة البرلمانية الإسرائيلية، من دون أي تحفظ، ما يدل مجدداً على شبه الإجماع حول سياسة الحرب، التي تقودها الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي خلافا لما يراه البعض، فإنه مع حكومته، لا يواجهان مأزقا سياسيا، لا داخليا، يتمثل بثبات الأغلبية المطلقة في الكنيست، ولا عالميا، خاصة من الولايات المتحدة، ودول أوروبية كبرى. وبلغت ذروة الدعم الدولي بانضمام الولايات المتحدة للحرب، في اليوم العاشر لها، فجر الأحد 22 حزيران الجاري؛ إلا أنه في الوقت نفسه، فإن هذه الحرب التي تراها إسرائيل الرسمية أنها استراتيجية للمدى البعيد، ستكون فاتورتها باهظة جدا، خاصة من حيث الدمار، الذي تخلفه صواريخ الرد الإيرانية.
فهذا العدوان الذي بدأ فجر يوم الجمعة، 13 حزيران الجاري، كان على أجندة الحكومات الإسرائيلية، على الأقل تلك التي تشكلت في سنوات الألفين، لكن الحديث عن مخطط لشن عدوان والاستعداد له، بدأ قبل أكثر من 30 عاما، وتعبئة الشارع حول ما يسمى "الخطر الإيراني"، بدأ قبل أكثر من 4 عقود، إذ أن التقارير الإسرائيلية، التي تزعم التهديد الإيراني النووي، بدأت منذ منتصف سنوات الثمانينيات، وكانت تتصاعد مع تقدم السنين.
وانطلقت إسرائيل في عدوانها على إيران في الوقت الذي تحظى فيه حكومة بنيامين نتنياهو بثبات أغلبية واضحة في الكنيست، ليست مهدّدة، فصحيح أن الائتلاف بات مؤخرا يرتكز، رسميا، على أغلبية 65 نائبا من أصل 120، إلا أنه في واقع الحال البرلماني، فإن الائتلاف يستند فعليا إلى أغلبية 69 نائبا.
وهذا معطى مهم، للدلالة على أن نتنياهو لا يرى خطرا لسقوط حكومته برلمانيا، إذ إنه بموجب القانون، فإن كل حكومة تسقط بأغلبية 61 نائبا، كأغلبية حد أدنى عددية، ينص عليها القانون؛ وفي التفصيل نذكر، أن نائبين من حزب أغودات يسرائيل الذي يرى أنه بات خارج الائتلاف (الثالث رفض الانضمام)، بسبب قانون تجنيد شبان الحريديم، لا يجدان نفسيهما ضمن جهد المعارضة البرلمانية لإسقاط الحكومة، ومثلهما نائب عن حزب "نوعم" المتطرف، الذي كان يشغل منصب نائب وزير، ونائب رابع، منشق عن كتلة "يوجد مستقبل" المعارضة، ويقال إنه يتعاون مع الائتلاف الحاكم.
إلى ذلك، فقد حظي العدوان على إيران، فورا، بدعم كتل المعارضة الصهيونية من دون استثناء: "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، "والمعسكر الرسمي" بزعامة بيني غانتس، و"إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وتحالف حزبي العمل وميرتس (الديمقراطيون) بزعامة يائير غولان، ومن خارج الكنيست، أعلن من يستعد لخوض الانتخابات، رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت، دعمه المطلق هو أيضا.
الأمر الأهم بالنسبة لنتنياهو هو أنه حظي بدعم غالبية الدول الكبرى، في الساحة الدولية، أولها الولايات المتحدة، وأيضا بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وغيرها.
وهذه الأجواء انعكست في استطلاعين للرأي العام، في القناة 13 التلفزيونية، وصحيفة "معاريف"، التي تواظب على نشر استطلاعاتها أسبوعيا، إذ أشار الاستطلاعان إلى أن حزب الليكود قفز بنحو 4 مقاعد، مقارنة مع الاستطلاعات التي سبقت العدوان، إلا أن مجموع مقاعد فريقه الحاكم بقي بعيدا عن الغالبية المطلقة التي يحظى بها اليوم، إذ يحظى ما بين 49 إلى 51 مقعدا، مقابل 68 مقعدا قبل التشقق الأخير، فزيادة حزب الليكود جاءت بالذات على حساب حزب "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) بزعامة ايتمار بن غفير.
وأشارت صحيفة "معاريف" في عرضها للاستطلاع، يوم الجمعة الماضي، إلى أن الاستطلاع انتهى صباح الخميس، قبل الإعلان عن حجم الأضرار في مستشفى سوروكا، ومنطقة تل أبيب، ولاحقا مدن أخرى منها حيفا وغيرها. وبالإمكان اعتبار هذا تلميحا إلى أن التأييد لليكود ونتنياهو قد يتراجع بعد اكتمال مشهد الأضرار.
وكان استطلاع "القناة 13" التلفزيونية قد قال إن 75% من الجمهور في إسرائيل يدعم الحرب، وهذه النسبة تعني أن ما بين 88% إلى 90% من اليهود دعموا الحرب، في أيامها الأولى.
ورغم هذا الاجماع السياسي الرسمي، وشبه الاجماع الشعبي، فإنه ظهرت في الصحافة الإسرائيلية، بعض التحفظات على توقيت شن الحرب، أو على قدرة إسرائيل تحقيق أهدافها المعلنة، وهي إحباط كلي للمشروع النووي الإيراني، أو إسقاط النظام الإيراني.
وفي هذا الإطار ينبغي أن نقول إن الادعاء بأنه يتم شن حروب اسرائيلية، بالذات بهذا الحجم، كي يحمي رئيس حكومة منصبه ينطوي على حجب للأمر الجوهري الأساس، خاصة وأنه ما زالت للجيش الكلمة الحاسمة في مثل هذه القضايا، مع إدراك طبيعة التحولات في تركيبة قيادة الجيش وأجهزة المخابرات، خاصة في السنوات الاخيرة.
ثمن الحرب
من السابق لأوانه جدا تقييم الخسائر الاقتصادية والمالية الإسرائيلية، بعد مرور أكثر من أسبوع على شن الحرب ضد إيران، لكن المؤشرات الأولية، الظاهرة من سلسلة تقارير اقتصادية صحافية، وأخرى من خلال تصريحات مسؤولين، تدل على أن خسائر إسرائيل في البنى التحتية، وأيضا في الإصابات، ستتجاوز بمجموعها خسائر أي حرب شنتها إسرائيل على مر السنين.
والتقارير الإسرائيلية عن الكلفة والخسائر تتوالى بكثافة، آخرها كان يوم الأحد الأخير، 22 حزيران الجاري، إذ قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن الكلفة في الأيام التسعة الأولى للحرب، بلغت بالمجموع 13 مليار شيكل، ما يعادل 3.7 مليار دولار، لكن التجربة علّمت أن هذه تقديرات تبقى أولية، ولا بد أنها تتعدل للأعلى بالذات.
وبحسب التقرير الأخير، فإن الكلفة العسكرية بلغت 8 مليارات شيكل، في الأيام التسعة الأولى، في حين أن كلفة التعويضات المدنية بلغت 5 مليارات شيكل، لكن نشير إلى أنه مع صدور أو بعد صدور تقارير كهذه، نقرأ عن إصابات واضرار جدية جديدة.
وجاء في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن تعويضات 5 مليارات شيكل، للأضرار المدنية، هي ضعف ما هو موجود في صندوق التعويضات الحكومي، كما أن هذا الحجم من الخسائر المدنية، هو ضعف ما تكبدته إسرائيل جراء حربيها على قطاع غزة ولبنان.
واللافت، مما ظهر في تقرير "يديعوت أحرونوت"، أن المليارات الخمسة، تم توزيعها كالتالي: مليارا شيكل هي أضرار معهد وايزمان للأبحاث (571 مليون دولار)، ومليار شيكل تعويضات لأبراج سكنية وتجارية في تل أبيب ورمات غان المجاورة، ومليارا شيكل لآلاف البيوت.
ويشار إلى أنه عادة، وفي مثل هذه الظروف، من الصعب أن تكون كل التقارير عن الأضرار التي وقعت قد باتت ناجزة، ومنها ما يحتاج لأيام، أو أن أصحاب المباني والممتلكات التي تضررت قد يكونوا تأخروا في تقديم تقاريرهم لهذه الأسباب أو تلك.
كذلك نشير الى أنه في شرح التعويضات، غاب ذكر التعويضات الجسدية والصحية، بقصد العلاجات، وأهالي القتلى، الذين يتلقون تعويضات بموجب القانون والأنظمة، وأيضا الصرف على الاستعدادات الخاصة في كافة المستشفيات، والأجهزة الصحية.
كذلك، فقد أعلنت دائرة الممتلكات، التابعة لسلطة الضرائب، وهي دائرة أيضا تجبي ضرائب وتعوض عن الأضرار، أنها تلقت حتى مساء يوم الخميس، 19 حزيران، ما يلامس 31 ألف طلب تعويض، ومن المؤكد أن هذا العدد سيقفز بحجم جدي جدا، على ضوء الضربات التي تكبدتها إسرائيل، بشكل خاصة من يوم الجمعة وحتى الأحد 22 حزيران، من دون ظهور أي أفق لوقف الحرب.
وواضح أن الأضرار هنا تتراوح ما بين أضرار هامشية نسبيا، وحتى انهيار بيوت وبنايات. بمعنى أن الضرر المالي الأول سيكون تمويل الأضرار الخاصة، ومعها البنى التحتية، وأيضا الأضرار الجسدية والنفسية وبالأرواح.
وكان الجيش الإسرائيلي قد طلب من وزارة المالية، في الأسبوع الماضي، الإسراع في إقرار زيادة 30 مليار شيكل (8.57 مليار دولار)، إلى ميزانية العام الجاري، لتغطية الصرف على: توسيع الحرب على قطاع غزة مع احتمال مكوث الجيش في داخله، والضربات المستمرة على لبنان، وأيضا تواجد جيش الاحتلال الإسرائيلي في عمق الجنوب السوري، وتتربع على رأس قائمة الصرف، الحرب على إيران.
وتتحفظ مصادر في وزارة المالية من حجم طلب الجيش، لكن الوزارة تقول إن خزينة الضرائب الإسرائيلية، من المتوقع لها أن تسجل هذا العام فائضا بقيمة 21 مليار شيكل (6 مليارات دولار)، كذلك فإن وزارة المالية بدأت تطالب لجنة المالية في الكنيست، بالمصادقة على تحويل جزء من فوائض ميزانيات الوزارات، حتى الآن، وأيضا من الاحتياطي العام في موازنة العام الجاري، ويصل مجموعها إلى أكثر من 32 مليار شيكل (9 مليارات دولار).
لكن طلب المالية لصرف 3.6 مليار شيكل من الفوائض الحالية في الميزانية، تبين أنه لغرض الصرف على استئناف العدوان على قطاع غزة، منذ ثلاثة أشهر.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا مع تغطية باقي الخسائر، التي يتكبدها الاقتصاد، مع اغلاق قطاعات منه ولو لأيام؟
تعزز الشيكل وخسائر الاقتصاد
اللافت في المشهد الاقتصادي، وهذه ليست المرّة الأولى خلال العامين الأخيرين، هو أنه على الرغم من حدة الحرب، وحجم الضربات الإيرانية، وإغلاق قطاعات اقتصادية واسعة، وتراجع حركة الاستهلاك الفردي، فإن قيمة الشيكل تعززت بما بين 2% إلى 3% وأكثر في مقابل الدولار والعملات العالمية البارزة والقوية، وخاصة اليورو والجنيه الإسترليني، ومستواه حتى نهاية الأسبوع الماضي، كان أعلى مما كان عليه قبل شن هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
يضاف إلى هذا، عنوان "صارخ" إن صح التعبير، رأيناه في نهاية الأسبوع الماضي، يقول إن أسواق المال الإسرائيلية، سجلت الأسبوع الأفضل لها، منذ بدء أزمة الكورونا، في العام 2020.
ويحاول محللون اقتصاديون إسرائيليون تفسير هذا المشهد الاقتصادي، النادر عالميا، هذا إذا وجد له مثيل أصلا، ورأوا حسب اعتقادهم، ومن بينهم المحلل أدريان بايلوت، في صحيفة "كالكاليست"، أن الاقتصاد وأسواق المال أيقنت تفوقا عسكريا إسرائيليا، يرافقه دعم أميركي مطلق للحرب، ما عزز الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي.
يضاف إلى هذا، حسب بايلوت، أن معاهد التدريج الائتماني العالمية الأبرز، لم تصدر تحذيرا بشأن الاقتصاد الإسرائيلي، خلافا لما فعلته خلال الحرب الدائرة على قطاع غزة، ومعه الضفة الغربية المحتلة، وأيضا على لبنان. ما زاد الاطمئنان أكثر لدى المستثمرين في الاقتصاد الإسرائيلي، ومعها أسواق المال الإسرائيلية.
ورغم هذا، فإن المحلل بايلوت، يحذر من غطرسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وإهماله وضعيةَ الموازنة الاقتصادية، وكتب في مقال في صحيفة "كالكاليست": بتسلئيل سموتريتش يبقى بتسلئيل سموتريتش: متعجرف، متغطرس، ومسياني. فبدلاً من خطابٍ من شخصٍ يُدير مالية الدولة، سمعنا ممثلاً لفتيان التلال يتوسل حزب الله لدخول الحرب، ويؤكد التزامه بمواصلة الحرب غير الضرورية في غزة، ويواصل بثّ التصريحات بأن لا شيء أفضل للاقتصاد الإسرائيلي، وللشعب بأكمله، من الحرب.
ويتابع: "صحيح أن الاقتصاد الإسرائيلي قوي، لكن ذلك ليس بفضله. فسياسته الاستثمار في صناديق الائتلاف؛ عدم إغلاق الوزارات غير الضرورية؛ دعم قانون التهرب الضريبي وإبعاد الحريديم عن الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي؛ دعم ميزانية التعليم للحريديم الذين لا يدرسون في الجهاز الليبرالي الديمقراطي؛ تجاهل غلاء المعيشة تماماً وعدم تطبيق إصلاحات هيكلية، لا تدعم استمرار تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي".
وجاء أيضا "وهذه هي المشكلة، لا صمود مستقبلياً. إذ تُحذّر شركات التصنيف الائتماني، وليست هي وحدها، من حرب طويلة. هذا هو سرّ الحدث، وسيشهد صعودًا وهبوطًا: بضعة أسابيع وهذا كل شيء. ورغم ذلك، يبدو أن سموتريتش مهتم بحرب أبدية ضد إيران، كما حدث في غزة. هل يريد مساعدة أميركية؟ فليقرر ترامب ما فيه مصلحته. وسموتريتش يعتقد أن جيوش الله تكفيه".
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, بتسلئيل, يديعوت أحرونوت, الشيكل, الليكود, الكنيست, نائب وزير, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد